الشيوعي العربي

صبحي أنطون

(من صفحته على الفيسبوك)

طرح في الآونة الأخيرة عدد من الشباب موضوعة (الحزب الشيوعي العربي) التي سبق لها أن طُرحت للنقاش في سبعينيات القرن الماضي لكنها لم تنل حظها من النقاشات والحوارات كما يجب أن تكون. 

على مستوى الحزب الشيوعي السوري طُرحت هذه الموضوعة في اجتماعات المجلس الوطني للحزب المنعقد عام 1971. ومن ثم تأكدت في مشروع البرنامج السياسي للحزب الذي كان من المفترض أن يُعرض على أعمال المؤتمر الرابع للحزب. لا المؤتمر انعقد ولا الموضوعة نوقشت. مشروع البرنامج السياسي هذا وضعته لجنة مؤلفة من خمسة: خالد بكداش رئيسا، يوسف فيصل، موريس صليبي يمثلون تيار بكداش. دانيال نعمة، وبدر الطويل يمثلان التيار المناهض لبكداش. 

دُونت موضوعة الحزب الشيوعي العربي في مقدمة المشروع وفي فصل الوحدة العربية. طُرح المشروع للمناقشة العامة على مستوى الحزب تحضيرا لانعقاد المؤتمر الرابع، وما أن اطلع السوفييت على المشروع حتى قامت قيامتهم واستنفرت قواهم مطالبين الحزب بالتخلي الفوري عن الموضوعة لأنها تخلق لهم إشكالات في سياساتهم الخارجية هم بغنى عنها. من يعرف الشيوعيين السوفييت على حقيقتهم يعرف أنهم (كمن يُسرع الخطى ليلحق بظله). تلبية للموقف السوفييتي هذا أرغى وأزبد خالد بكداش الذي كان رئيسا للجنة التي صاغت المشروع مطالبا إلغاء الموضوعة كليا. 

بعد الأخذ والرد تم الاتفاق على أن تُحذف الموضوعة من فصل الوحدة العربية شرط أن تظل في مقدمة المشروع فقط. لا أدري ما الخوف من فكرة إذا ما طُرحت للنقاش على مستوى الحزب ما دام سيُصار إلى طرحها على المؤتمر الوطني العام للحزب؟ قد يقبل بها المؤتمر وقد يعدل فيها وقد يرفضها. ما الضرر في ذلك؟ لماذا الخوف من الاجتهاد إن في السياسة أو في الفكر أو في التنظيم؟ الاجتهاد شرط أساسي لتخصيب النظرية والعمل السياسي بشكل عام. ليُستخدم العقل الجدلي فاعلا متفاعلا في الحركة السياسية. كان التعليل الذي استخدمه تيار التجديد في الحزب بخصوص موضوعة الحزب الشيوعي العربي هو أن الحزب ما دام يناضل ضمن جغرافية الوطن العربي في سبيل وحدة عربية متقدمة ديمقراطية لا بد أن يكون لهذه الوحدة رافعة سياسية والحزب الشيوعي العربي هو أحد أهم هذه الروافع الذي من المفترض أن يغذي ويقوي قيام الوحدة العربية الديمقراطية وتصون صيرورتها وديمومتها. 

عشنا في البدايات بداية وحدة لأحزاب شيوعية عربية كان يمكن لها أن تعيش وتتطور تحت مُسمى الحزب الشيوعي العربي أو اتحاد الأحزاب الشيوعية العربية. تأسس الحزب الشيوعي السوري والحزب الشيوعي اللبناني في تنظيم واحد عام 1924. عمل مع القيادة السورية اللبنانية عبر المكتب السياسي للحزب الرفيقان محمود الأطرش (أبو داوود) ونجاتي صدقي عضوي المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفلسطيني. الرفيق فؤاد الشمالي الأمين العام الثاني للحزب الشيوعي السوري اللبناني من أصول لبنانية كان أحد مؤسسي الحزب الشيوعي المصري وأحد مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري مع المثقف الكبير سلامة موسى. الرفيق عبد القادر اسماعيل أحد قياديي الحزب الشيوعي العراقي شغل موقعا متقدما في قيادة الحزب الشيوعي السوري اللبناني. لو استمرت وحدة مصر وسورية ألم يكن من الضرورة بمكان توحيد الحزب الشيوعي المصري مع الحزب الشيوعي السوري؟ أليست كل هذه المهام المتداولة من حزب إلى حزب كان من الممكن أن تتطور إلى نواة حزب شيوعي عربي أو إلى أعلى أشكال التعاون والتنسيق فيما بينها؟

هذه الفكرة لن تموت أبدا وقد تأخذ أشكالا متعددة في الخلق والإبداع ومدة زمنية أطول حسبما تقتضيه الظروف الموضوعية ونضوج العامل الذاتي للحركة الشيوعية العربية. نعلم جميعا بأن أمراض الحركة الشيوعية العربية اليوم عصية جدا. والإرث مثقل بالانكسارات والانتكاسات الكبيرة وهي تجتر اليوم هزائمها بحيث لا يصح طرح مثل هذا الشعار لأنه سيكون مرفوضا من قبل الجميع. الظاهرة المرة التي نعيشها اليوم ان هناك أحزابا شيوعية باعت نفسها لسلطات الأمر الواقع وهي تشكل رديفا إضافيا لسلطات الأمر الواقع. ومنها أحزاب غادرت الماركسية. 

صار واضحا ومعروفا للجميع بأن الأحزاب الشيوعية تم اختراقها من قبل أشخاص هم فكريا وجوهريا لا علاقة لهم بالحزب لا بل ضد الحزب ووظيفتهم الأساسية حرف الحزب. 

أصبح واجبا فك الارتباطات المشبوهة صونا لشرف الحزب الذي انُتهك على مدى عشرات السنين باسم الجبهة الوطنية التقدمية أو بتحالفات مع قوى إسلاموية. المخاض عسير وعسير جدا اليوم، البديل المتواضع جدا خطوة لا بد منها هو أن يتنادى عدد من الشباب العاملين في البحث الماركسي إلى إصدار مجلة فصلية تبحث في النظرية الماركسية تجديدا وتخصيباً فكرا وممارسة عسى أن تضيء شمعة في آخر النفق وإلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.


من العدد ٥١ من جريدة المسار