ولد ناظم القدسي في عام 1905 في مدينة حلب ودرس الحقوق في جامعة دمشق، ثم في الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم في جامعة جنيف. كان من مؤسسي حزب الشعب بعد حل (الكتلة الوطنية) عام 1947 وما انبثق عنها من (الحزب الوطني) عام 1947 و (حزب الشعب) عام 1948 (كان هناك حزب الشعب الذي أسسه عبد الرحمن الشهبندر عام 1925 ثم اندثر الحزب مع اغتيال الشهبندر عام 1940).
المناصب التي تولاها:
رئيس الجمهورية 12 كانون أول 1961-8 آذار 1963
رئيس الوزراء 24 كانون أول 1949-27 كانون أول 1949
4 حزيران 1950 – 27 آذار 1951
رئيس البرلمان 1 تشرين أول 1951-2 كانون أول 1951
14 تشرين أول 1954-1 تشرين أول 1957 (خلفه في رئاسة البرلمان أكرم الحوراني)
سفير في الولايات المتحدة الأميركية 1945-1947.
قرر ناظم القدسي أن يدخل معسكر السياسة في حلب التي كان يمارس فيها مهنة المحاماة حيث شارك القدسي بتأسيس (الكتلة الوطنية) عام 1928 التي تصدرت ما عرف حينها بالكفاح السياسي في مواجهة الانتداب الفرنسي، ورشح نفسه للانتخابات البرلمانية عام 1936 في ظل الانتداب وفاز بمقعده في البرلمان السوري عن مدينة حلب التي مثلها خمس دورات برلمانية متتالية.
كان ناظم القدسي من أشد المعارضين لتولي شكري القوتلي منصب الرئاسة شأنه في ذلك شأن (الكتلة الوطنية) التي أعلنت رفضها لهذا التولي، فما كان من الرئيس القوتلي إلا أن أصدر قرارًا بتعيينٍ ناظم القدسي أول سفيرٍ لسوريا في الولايات المتحدة الامريكية ليسافر إلى واشنطن ويقدم أوراق اعتماده أمام الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يوم 19 من مارس/آذار 1945.
في واشنطن التي وصلها القدسي كان عليه أن يختار مبنى للسفارة السورية، فاشترى مبنى تاريخيًا من ثلاثة طوابق تعود ملكيته لعائلة الرئيس الأمريكي وليام هوارد تافت، ليغدو هذا المبنى مقرًا للسفارة السورية، وعند قيام الوحدة السورية المصرية، تحول المبنى بشكلٍ آلي لمقر سفارة الجمهورية العربية المتحدة، ولكن هذا المقر بعد الانفصال بقي لصالح مصر، واستمر ذلك إلى أن أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وواشنطن عام 1974، فأعادته الخارجية المصرية إلى الخارجية السورية، ليعود مجددًا مقرًا للسفارة السورية.
وبعد أقل من شهرٍ على توليه السفارة في واشنطن انضم القدسي إلى الوفد السوري في المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة.
في 30 من مارس/آذار 1949 أطاح حسني الزعيم بالرئيس شكري القوتلي بانقلاب عسكري، فسارع ناظم القدسي إلى إعلان رفض هذا الانقلاب العسكري.
أصدر حسني الزعيم قرارًا يكلف فيه ناظم القدسي بتشكيل الوزارة، فأعلن القدسي رفضه الحاد لهذا التكليف معتبرًا أن استلام الزعيم للسلطة باطلٌ كونه جاء بانقلابٍ عسكري أطاح بالحياة الدستورية في البلاد، فاعتقل حسني الزعيم ناظم القدسي وزج به في سجن المزة وبقي فيه فترةً وجيزةً إلى أن قبل الزعيم عددًا من الوساطات فأخرجه ليغدو رهن الإقامة الجبرية في منزله بحلب.
بعد الانقلاب على حسني الزعيم في 14آب1949 دعا سامي الحناوي الرئيس هاشم الأتاسي الذي كان قد أعلن اعتزاله العمل السياسي للعودة عن تقاعده وتشكيل حكومة مؤقتة(17آب1949-24كانون أول 1949) تشرف على انتخابات تشرين ثاني 1949 من أجل استعادة الحكم المدني،وقد فاز بأغلب مقاعد الجمعية التأسيسية (التي صاغت دستور 5 أيلول 1950 لتصبح بعد ذلك برلماناً) حزب الشعب (51مقعداً من أصل 114)ومؤيدوه وهم ضغطوا من أجل الوحدة مع العراق حتى أتى انقلاب أديب الشيشكلي في 19كانون أول ليقطع الطريق عليهم.
بعد انقلاب أديب الشيشكلي الأول في 19 كانون أول 1949 (حيث حكم الشيشكلي من وراء الستارة المدنية قبل أن يحكم بشكل مباشر بعد انقلابه الثاني في 28 تشرين ثاني 1951) شكل القدسي في 24 ديسمبر/كانون الأول من عام 1949 حكومته التي أعلن العسكر رفضهم الشديد لها كونها لا تحتوي على أي شخصية عسكرية ولأن القدسي بذلك أراد إبعاد العسكر عن الحياة السياسية، فاضطرت الحكومة للاستقالة بعد ثلاثة أيام فقط من تشكيلِها.
في 4 من يونيو/حزيران 1950 شكّل القدسي حكومة جديدة وحاول تأمين موافقة المعارضة بتعيين فوزي سلو ـ اليد اليمنى لأديب الشيشكلي ـ وزيرًا للدفاع، وبعد عشرة أشهر عجز فيها القدسي عن تحقيق أهدافه بالوحدة مع العراق بسبب تكبيل العسكر له، استقال من الوزارة في 27 من مارس/آذار 1951، ليتم انتخابه في الأول من أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسِه رئيساً للبرلمان.
أثناء فترة حكم الشيشكلي بعد انقلابه الثاني (28 تشرين ثاني 1951 – 27 شباط 1954) أرسل القدسي إلى سجن المزة بتهمة التآمر على النظام الجمهوري في سوريا ومحاولة إقامة نظام ملكي عميلٍ لبريطانيا، وبعد بضعة أشهر أُخرج القدسي من السجن ليخضع للإقامة الجبرية حتى الإطاحة بالشيشكلي في فبراير/شباط 1954.
عام 1954 بعد الإطاحة بالشيشكلي انتخب القدسي رئيسًا للبرلمان، وفي يومٍ من الأيام فاجأ الجميع بجلوسه على مقاعد النواب وليس على كرسي الرئيس، وقبل أن يسأله أحد عن السبب فتح محفظته وأخرج منها صحيفة الرأي العام، وخاطب النواب قائلًا:
“أيها الزملاء؛ لقد وجهت لي جريدة الرأي العام تهمةً مفادها أنني أمرت بفتح شارع يمر قرب قطعة أرضٍ لي بهدف رفع سعرها، وأنا منذ هذه اللحظة أضعُ نفسِي أمامكم موضع المتهم، وأطلب تشكيل لجنةٍ برلمانيةٍ ترافقها لجنةٌ فنيةٌ تخصصيةٌ تذهب إلى موقع الأرض وتعاينُ على الطبيعة صحة الاتهام. فإن ثبتت التهمة، أطلب منكم رفع الحصانة عني وتقديمي إلى المحاكمة”.
وفعلًا كان ما طلبه القدسي، فتشكلت اللجنة، وعاينت الموقع المذكور ورفعت تقريرها إلى البرلمان بإثبات بطلان التهمة، عندها وقف ناظم القدسي القدسي مخاطبًا البرلمان: “إنني أسقط حقي في إقامة دعوى على الصحافي القدير الأستاذ أحمد عسة، رئيس تحرير جريدة الرأي العام احتراماً مني لحرية الصحافة وتقديراً لاهتمامه بالمصلحة العامة”.
عارض القدسي بشدة الوحدة مع مصر كونه كان ضد توجهات عبد الناصر والتحالف مع الاتحاد السوفيتي، وكان أكثر ميلًا للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، كما أنه كان يتبنى مشروع تأسيس وحدةٍ فيدراليةٍ بين العراق وسوريا، تحافظ على حكومتين في القُطرين، ولكنها تقوم على التنسيق العسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي التام بين البلدين، وقد بذل في سبيل ذلك الكثير من الجهود وجولات المحادثات التي أحبطها عبد الناصر.
وفي جلسة التصويت على الوحدة مع مصر في 22 شباط 1958 صوت القدسي في البرلمان ضد الوحدة، وعندما كان قرار البرلمان بأغلبية التصويت معها اعتزل القدسي السياسة وغادر ليقيم في بيته بمدينة حلب ولم يُذكر له أي نشاط سياسي خلال سنوات الوحدة بين سوريا ومصر.
عقب الانفصال في 28 أيلول 1961 أجرى البرلمان السوري انتخابات رئاسية فاز ناظم القدسي بموجبها ليصبح رئيسًا لسوريا في 12 من ديسمبر/كانون الأول 1961.
وقد تميزت رئاسة القدسي على قصرها بما يلي:
أولًا: محاولة التخلص من الإرث السياسي والاقتصادي لحقبة عبد الناصر: وذلك من خلال إعادة العلاقات السياسية مع كل الأنظمة التي قطعت علاقتها مع سوريا بسبب عدائها لعبد الناصر، لا سيما الأردن والسعودية ولبنان، وأعاد مد الجسور مع كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
كما شرع في إلغاء قرارات التأميم الاقتصادي والإصلاح الزراعي التي أصدرها عبد الناصر وذلك ضمن برنامج إصلاح اقتصادي شامل.
ثانيًا: محاولة إبعاد العسكر عن القرار السياسي: وهذه السياسة أثارت عليه حفيظة ضباط الجيش الذين انقلبوا على ناظم القدسي يوم 28 من مارس/آذار عام 1962 في انقلاب قاده عبد الكريم النحلاوي قائد الحركة الانفصالية فيما عرف بانقلاب “الضباط الشوام” وذلك بذريعة إلغاء قانون الإصلاح الزراعي، فاعتقلوا الرئيس ناظم القدسي، لكن سرعان ما قام انقلاب مضاد بعد عدة أيام، وتحديدًا يوم 2 من أبريل/نيسان ليعيد الرئيس ناظم القدسي إلى الرئاسة، ويعيد البرلمان الذي حله النحلاوي، ولكن ما جرى خلال هذه الأسبوع كانت له آثاره العميقة في إعادة تشكيل الوجه العسكري لسوريا عقب ذلك.
ثالثًا: حراسة الدستور: كان ناظم القدسي أحد الذين صاغوا دستور عام 1950 الذي يعد أفضل دستور مر في تاريخ سوريا، حيث قلص إلى حدٍ كبير من صلاحيات رئيس الجمهورية وزاد من صلاحيات البرلمان ومنعه من التنازل عن صلاحياته التشريعية للحكومة ولو مؤقتًا، وعزز سلطة القضاء واستقلاله.
كما كفل حرية الرأي والتعبير والإعلام والصحافة، ومنح الحرية الواسعة للاجتماع والتظاهر وأوجب المحاكمة العادلة ومنع الاعتقال التعسفي والتوقيف دون محاكمة لفترة طويلة، كما حفظ حق الملكية والمشاركة في الحياة الاقتصادية، وقد تم تعطيل العمل به بسبب الانقلابات العسكرية، كما تم تعطيله إثر قيام الوحدة بين سوريا ومصر.
أعاد القدسي العمل بهذا الدستور بعد توليه الرئاسة، وبقي حارسًا له رافضًا أي تلاعبٍ به، ولو كان لصالح تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، إلى أن وقع انقلاب البعث في 8 آذار عام 1963 فألغي الدستور وعطلت الحياة الدستورية وخنقت الحريات واعتُقل الرئيس ناظم القدسي ثم وضع قيد الإقامة الجبرية ليطلق سراحه بعد مفاوضات طويلة.
توفي في الأردن عام 1998.