الإمبريالية ظاهرة اقتصادية سياسية عسكرية، تتجسد في إقدام الدول القوية في العصر الحديث ـ أي الرأسمالية الصناعية ـ على التوسع وفرض سيطرتها على شعوب وأراضي أجنبية، بدون رضى تلك الشعوب، وبهدف استغلالها وإخضاعها ونهب ثرواتها، وكثيراً ما تتضمن عملية فرض السيطرة استخدام العنف والاحتلال العسكري.
ويُعرِّف قاموس أوكسفورد الإمبريالية بأنها: “امتداد الإمبراطورية إلى حيث احتاجت التجارة حماية العلم”.
أما “لينين” فقد فصَّل في كتابه الشهير “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” ١٩١٦، نظريته في الإمبريالية مركزاً على الجانب الاقتصادي للامبريالية وخصائصها الرئيسية بالنسبة لتمركز الإنتاج ورأس المال في المرحلة الاحتكارية للرأسمالية.
ولعل أهم ما جاء في تلك النظرية هو استنتاج “لينين” بأن انتقال الراسمالية إلى مرحلة الاحتكار وبالتالي الإمبريالية يعني تحولها إلى رأسمالية متدهورة وطفيلية، وهي المرحلة التي تسبق مباشرة عهد الثورة الاشتراكية، وهذا ما قاد “لينين” الى تعديل نظرية “كارل ماركس” الخاصة بتوقعه بأن الثورة سوف تحصل في أكثر الدول الرأسمالية تطوراً، لتصبح بأن الثورة تقع في الحلقة الامبريالية الأضعف وهذا ما مهد نظرياً لتطلع لينين والحزب الشيوعي إلى إقامة أول نظام اشتراكي على أنقاض النظام القيصري.
واعتبر “لينين” أن عملية التناقض الجدلي تؤدي إلى تفجر الظاهرة الامبريالية، إلا أن البعض قد رأى أن رؤية “لينين” كان فيها الكثير من التبسيط والاستعجال في الحكم، باعتبار إن الإمبريالية قد امتلكت القدرة على التكيف والتجديد تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عصر الثورة العلمية التكنولوجية، فحاولت التغلب على عوامل ضمور الإمبريالية التقليدية، من ضمن الإبقاء على ظاهرة عدم التكافؤ في العلاقات الدولية الاقتصادية السياسية، فحافظت على تمركز الإنتاج وسيطرة الكارتيلات وهيمنة المصارف على الصناعة وفي استثمار رؤوس الأموال على نطاق عالمي مع بعض التعديلات وذلك بوسائل شتى.
أما الخصائص والمظاهر الرئيسية للإمبريالية على الصعيد الاقتصادي فهي:
١ـ تمركز الإنتاج ورأس المال إلى الدرجة التي تبعث على قيام الاحتكارات والكارتيلات الضخمة التي تسيطر على الحياة الاقتصادية وتلعب الدور الحاسم.
٢ـ امتزاج رأس المال المصرفي برأس المال الصناعي، مما يترتب عليه ظهور قلة من رجال المال “المصرفيين” تتحكم في نواحي النشاط الاقتصادي.
٣ـ تصدير رأس المال الى الخارج لجني أرباح أكبر وفرض المزيد من السيطرة، بحيث يصبح أعظم بكثير من تصدير السلع، وهذا التصدير الفائض لرأس المال القومي يتخذ صورة استثمارات مباشرة تنصب في الغالب على الصناعات الاستخراجية، وعلى إنتاج الخامات أو إنشاء الخدمات والمرافق، وكما يتخذ صورة قروض بفوائد عالية وشروط اقتصادية وبشكل ضمني سياسية ذات أهداف رأسمالية هامة.
٤ـ حرية الهجرة والاستيطان كوسيلة لتوزيع الفائض الكافي الناتج عن ارتفاع مستوى المعيشة وتحسن الظروف الصحية من جهة، والتوسع وتنظيم عملية النهب والاستغلال الاستعماري في المستعمرات من جهة أخرى.
أما ما يعرف بالإمبريالية العليا فهي نظرية في الإمبريالية قال بها “كارل كاوتسكي” انطلاقاً من أخذه بحرفية المفهوم الجدلي الحتمي عند “ماركس” ومن تصوره المنطقي والشكلي لتطور الرأسمالية الاحتكارية، إذ توصل إلى أن الرأسمالية لا بد من أن تؤدي في النهاية إلى إقامة احتكار عالمي واحد، وأن ذلك مرغوب فيه لأنه سوف يجعل من الممكن إيجاد اقتصاد مخطط على نطاق عالمي في المرحلة الاشتراكية.
وقد هاجم “لينين” هذا المفهوم عند “كاوتسكي” في كتابه “الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي” عام ١٩١٨ واعتبر أن من شأن نظرية كاوتسكي أن توفق بين الإمبريالية والاشتراكية وأن تدعو إلى تجميد الصراع ونضال الجماهير بانتظار توحيد العالم تحت الرأسمالية.