الانتخابات البرلمانية الألمانية: نتائجها وانعكاساتها على الساحة الداخلية والخارجية

الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي | جون نسطة: في الرابع والعشرين من الشهر الجاري جرت الانتخابات البرلمانية الألمانية. أغلقت صناديق الاقتراع في الساعة السادسة مساء دون أية حوادث أو اضطرابات أو مشاكل تذكر. وفي نفس الساعة بدأت تظهر نتائج التوقعات التي تجريها معاهد استطلاع الرأي. والغريب بالأمر بالنسبة للمراقب أن تلك النتائج جاءت متطابقة إلى حد بعيد مع النتائج الرسمية التي ظهرت في نفس الليلة.

وكانت على الشكل التالي:

١. الاتحاد المسيحي الديمقراطي: ٣٣٪.

٢. الحزب الاجتماعي الديمقراطي-الاشتراكي: ٢٠,٥٪.

٣. حزب البديل لألمانيا أو المبادرة: ١٢,٦٪.

٤. حزب الديمقراطين الأحرار: ١٠,٧٪.

٥. حزب اليسار: ٩,٢٪.

٦. حزب الخضر: ٨,٩٪.

حزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي يتكون من حزبين شقيقين: الحزب المسيحي الديمقراطي، والحزب المسيحي الاجتماعي الديموقراطي المتواجد فقط في ولاية بافاريا.

وعند ملاحظة هذه الأرقام يتبين دخول الحزب البديل لألمانيا لأول مرة إلى البرلمان الألماني. وهو حزب يمثل أقصى قوى اليمين المتطرف في ألمانيا ويحتوي في أجنحته قوى فاشية، وقومية شوفينية ومعادية للأجانب واللاجئين، ومعارضة للإتحاد الأوربي، وتطالب بإعادة المارك الألماني للتداول بدلاً عن اليورو الأوروبي.

ويلاحظ المراقب أيضاً هزيمة نسبية عالية للاتحاد المسيحي الديمقراطي، فنسبة ٣٣٪ بالمئة من الأصوات هي أدنى نسبة حصل عليها منذ العام ١٩٤٩ (أول انتخابات بعد الحرب) إلى اليوم. وحصلت نفس الكارثة أيضاً بالنسبة للحزب الديمقراطي الاجتماعي. وهو أقدم حزب سياسي في ألمانيا.

والملاحظة المهمة لهذه الأرقام تبين انحيازاً واضحاً لصالح اليمين في ألمانيا كما في أغلب البلدان الأوروبية ما عدا اليونان شبه المفلسة. والأغرب من كل هذا هو جنوح الدول التى كانت في حلف وارسو إلى اليمين المتطرف والمعادي للأجانب واللاجئين، كما واضحاً في هنغاريا وسلوفاكيا وبولونيا، وكما تظهر نتائج الانتخابات الألمانية في المحافظات الجديدة التي كانت تتشكل منها جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة. ففي هذه المحافظات حاز الحزب البديل الفاشي على ضعف ما حصل عليه من الأصوات في القسم الغربي في ألمانيا.

ففي القسم الشرقي من ألمانيا أي في مناطق جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقاً، يسجل المراقبون السياسيون، منذ عملية توحيد ألمانيا، ارتفاع نسبة العداء للأجانب أولاً وللمهاجرين ثانياً، بالمقارنة مع مناطق ألمانيا الغربية.

وهذا استدعى من الباحثين تفسير ذلك. وتقول أحدث الدراسات أن أسباب هذه الظاهرة تعود في تقسيماتها إلى التالي:

١. هناك خوف على الهوية، يتمثل بالخوف والقلق النفسي من العولمة.

٢. شوفينية أسبابها اقتصادية ومعيشية وخوف من الأجانب من المشاركة في توزيع الثروة والمزاحمة في أماكن العمل.

٣. شوفينية عرقية قائمة على التعصب القومي ونقاء الدم.

٤. شوفينية قائمة على الخوف من فقدان الشخصية الثقافية والفنية والأدبية والحضارية العامة، والخاصة بالشعب الألماني.

ويبدو أن الأحداث التاريخية التي تمر على الأمم، قد لا تتأخر دائماً في المطالبة بدفع فواتيرها، وتحصيل ديونها.

ففي العام ألفين وخمسة عشر دخل إلى ألمانيا حوالي ٩٠٠ ألف لاجئ أجنبي غريب اللسان والثقافة والعادات والتقاليد، وغير متجانس في تركيبته الاجتماعية، مثلاً أعداد كبيرة من الأطفال مُقتَطعين من أهاليهم، نساء بدون أزواجهن، وبالعكس، وإلخ من المآسي الإنسانية، مما شكل عبئاً لا يستهان به على الدولة والمجتمع، وشكوى من قبل  قوى سياسية واقتصادية واجتماعية ألمانية وتذمر ومطالبة بوقف تيار الهجرة واللجوء إلى البلد.

وظهر ذلك على لسان الحزب الاجتماعي المسيحي في بافاريا والشريك في السلطة، وكذلك في ازدياد شعبية ونفوذ حزب البديل لألمانيا، والذي فاز بهذه النسبة المئوية من الأصوات وأصبح القوة البرلمانية الثالثة في البلاد.

إن هذا الحدث شكل بحد ذاته هزة وصدمة كبيرة للمجتمع الألماني الذي ظل عقوداً طويلة ينعم بالرفاهية والهدوء وراحة البال والاستقرار. جاء ناقوس الخطر يدق بعنف ويعيد إلى الذاكرة الجمعية للأمة، كيف تسلل هتلر وحزبه النازي إلى البرلمان في جمهورية فايمار اليتيمة وكيف قفز إلى السلطة في العام ١٩٣٣.

وهناك مخاوف بدأت بالظهور أيضاً على النطاق الأوروبي والعالمي، رغم أن الكثير من هذا الدرس لم تستوعب بعد نتائجه، فالجرح ما زال حامياً.

صحيح أن السيدة ميركل لا تزال مُمسكة بالسلطة كأقوى حزب سياسي في ألمانيا، مما يشكل ارتياحا للمجتمع الدولي، ولكنها تقف أمام تحديات، ليست سهلة، في عملية تشكيل حكومة جديدة من ثلاثة أحزاب غير متجانسة في الأهداف والتاريخ والسياسات. أي حزبها وحزب الاجتماعيين الأحرار، وحزب الخضر.

هذه الأحزاب مجبرة على التفاهم فيما بينها وعلى ما يسمى زواج الضرورة، نظراً لأن الحزب الديمقراطي الاجتماعي-الاشتراكي أعلن من اليوم الأول لظهور نتائج الانتخابات، عن قراره بالامتناع عن المشاركة في الحكم بالتحالف مع الاتحاد المسيحي الديمقراطي، كما في السابق، وعزمه لعب دور المعارضة في البرلمان.

إن وجود هذا الحزب على رأس المعارضة يفوت على حزب البديل الفاشي التمتع بحقوق كبيرة في البرلمان، منها طول المدة الزمنية للمداخلات الخطابية، وأحقية الدور الأول في الكلام وعدد المتكلمين.

واليوم بعد مضي خمسة أيام على الانتخابات يجري النقاش حول صعوبة تشكيل الوزارة القادمة، نظراً لتعارض الأهداف والرؤى وبرامج الأحزاب الأربعة المدعوة للمشاركة فيها، أي الحزب المسيحي الديموقراطي، والحزب المسيحي الاجتماعي، وحزب الديمقراطين الأحرار، وحزب الخضر.

وفي حالة الفشل، يتوجب على الحزب الديمقراطي الاجتماعي، التحالف مع الاتحاد المسيحي الديمقراطي، مجدداً، وإلا فالفرصة الأخيرة المتاحة للخروج من الأزمة، هي الدعوة لانتخابات جديدة.

وعلى كل حال هناك مهمة ملحة، ولمدة طويلة، أمام القوى الديمقراطية، وخاصة قوى اليسار، تتلخص بالوقوف صفاً واحداً تجاه المد القومي الشوفيني الفاشي الملامح والشعارات المتطرفة تجاه الأجانب واللاجئين والإسلام ومعاداة السامية، والذي يشكل خطراً على الديمقراطية وسمعة ألمانيا الاتحادية في العالم.

إن وحدة اليسار الألماني تشكل النواة الصلبة لجبهة عريضة مناهضة للفاشية وللانحياز نحو اليمين، ليس في ألمانيا فقط، بل على مجمل الساحة الأوروبية على الأقل.