تقديم وعرض د.منذر ابومروان اسبر
نشرت صحيفة اللوموند ديبلوماتيك الفرنسية ، تشرين أول 2025 ، مقالا بقلم آناسيسيل- روبير وكريستوف فانتورا بمناسبة مرور ثمانين عاما على تأسيس منظمة الامم المتحدة عام 1945 .
لقد ولدت هذه المنظمة الدولية على اثر الحرب العالمية الثانية التي أسفرت عن مقتل عشرين مليون جندي وأربعين مليون مدني وما خلفته من مآس وكوارث وخراب في العالم .
بهذا قامت المنظمة الأممية الجديدة من أجل وقاية الأجيال البشرية القادمة من آفات الحرب وضراوتها وتبعاتها التدميرية .
السلام والامن العالمي يشكلان قطب الرحى في المنظمة الجديدة التي يقع على عاتق الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن( أمريكا ، بريطانيا،روسيا، فرنسا ، الصين ) وتمتع كل منهم بحق الفيتو ، تحقيق هذا الأمن والسلام الدولي ، كيف ؟
إن ذلك يتم بالتعاون الجماعي المنسق فيما بينهم عبر تسويات الخلافات والنزاعات الدولية واتخاذ العقوبات ضد أيّة دولة تهدد السلام ردعا لها ، وإلا فاستخدام القوة العسكرية ضدها.
ومن جهة اخرى فإنّ هذه المهمة تترافق مع الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي احترام حقوق الإنسان والتضافر في العمل على كافة الأصعدة الإقتصادية والاحتماعية والعلمية والثقافية والصحية والتجارية ، بتطبيق مختلف الإعلانات والعهود والاتفاقيات المبرمة حولها بين أعضاء المنظمة الدولية نفسها .
ماهي حالة الأمم المتحدة اليوم بمناسبة مرور ثمانين عام عليها?.
هذا ما يجيب عليه كاتبا المقالة المذكورين؛ في وضع من أن المؤسسة الدولية تواجه ابتعاد الولايات المتحدة الأمريكية عنها وحالة الفوضى المنتشرة في عالم مهدد باستمرار ؛ بالقول :
“منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الابيض فإنه يتابع استرا تيحية عولمية تهدف الى إخراج الولايات المتحدة من منظومة التحالفات التي عملت بها خلال أربع و عشرين عاما “.
أمريكا والمنظمة الدولية
إنّ أمريكا تعتبر أن النظام الليبرالي قد أصبح عبئًا باهظ الثمن وعقبة” في ممارسة حرية عملها في العالم “.
كما أن أمريكا تحتاج إلى هذه الحرية مع صعود الصين كدولة كبرى ، وعودة روسيا إلى موقع دولي بعد انتهاء دورها عام ١٩٩٠.
إضافة إلى ذلك فإن عددا من الدول تبرز كقوى جديدة منافسة في الجنوب الكبير وتعمد إلى اتباع استراتيحية تعدّد الشركاء حسب مصالحها الوطنية .
باختصار فإن الرئيس ترامب يرى أن “على بلاده القيام وحدها بإيجاد تسويات لشؤون العالم عوضا عن الاعتماد على حلفائها وخاصة الأوروبيين” ، مختارا عدم دفع حصة امريكا لميزانية الأمم المتحدة .
وعلاوة على ذلك فان أمريكا تصدر مراسيمها بالانسحاب من المنظمة العالمية للصحة ومجلس حقوق الإنسان ، ومن اليونسكو والاتفاقية الدولية حول المناخ .
الاتحاد الاوروبي :
في هذه الوضعية يسارع الاتحاد الأوروبي في الدفاع عن الحق الدولي ودولة الحق بالغرق في “الكيل بمكيالين حيال عدد من المشاكل الدولية “.
فهو متشدّد بصدد اوكرانيا والدفاع عنها ولكنه غير موجود بالنسبة لغزة ولا يقوم بتنفيذ القرارات الدولية إزاء مجرمي الحرب في غزة نفسها .
وفي الوقت الذي تعاني فيه الأمم المتحدة أزمة مالية تدعوها إلى إنهاء خدمات موظفيها في جنيف فإنه لايقدم أية خطة لإنقاذها .
وإذا أشرنا إلى النجاح الديبلوماسي الذي يشكله اعتراف عشر دول من بلدان الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطينية (وما قامت به فرنسا والعربية السعودية في العمل الذي أثمر عن اعتراف ١٥٧ دولة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة) ، فإن فرنسا “بقيت دون صوت يسمع لها على المسرح الدولي ”
الصين وموسكو:
إنّ الصين تنهج بقوة تدعيم وجودها داخل مجلس الأمن وفي هيئاته المختلفه رغبة منها في زيادة شرعيتها كدولة كبرى .
إنها تريد أيضا أن تظهر ” كقطب جديد للإستقرار الدولي والدفاع عن التعاون الجماعي المنسق حول شؤون العالم وخاصة بالنسبة لدول الجنوب وإيجاد هيئات مشتركة بينها وبين هذه الدول بما يوسّع مساحة نفوذها في العالم .
وفي واقع إعادة توزيع الأدوار فان روسيا تريد أيضا التأكيد على وجودها في مجلس الأمن ونفوذها الدولي بدعم منظمات الجنوب الكبير ( بريكس ، منظمة شنغهاي).
غير أن روسيا ” لا تخشى التناقضات في تصرفاتها وتعارض سياساتها، فبعد أن ” نددت بالتدخلات الفرنسية في إفريقيا فإنها تتعدى حربا على جارتها الأوكرانية “.
لم توجد الامم المتحدة كي تقودنا
إلى الجنة وانما لكي تحمينا من النار:
لقد كانت الأمم المتحدة خلال ثمانين عاما مجالا لصياغة آلاف المعاهدات والاتفاقات و تحقيق برامج الإنماء الاقتصادي والثقافي والبشري و الاجتماعي والعمل والصحة والتجارة .
كما انتشرت خوذها البيضاء في أكثر من منطقة في العالم لرعاية السلام الهش ، وقامت بمختلف التدخلات منذ عام 1991( الكوسوفو 1991_ 2008، الصومال 1992_1993،كامبوديا 1992_1993، تيمور الشرقية 1999_2002( .
بهذا لابد لنا من الإشارة إلى مايقوله د. مكسيم لوفيفير في أن هذه التدخلات “تمت وكأنها وصاية جديدة (على الشعوب ) , لأن أي تدخل يرتبط بفترة زمنية محددة ، و بهدف إقامة السلام ويجب أن يترافق بإنتقال ديمقراطي”
واذا لم تستطع الأمم المتحدة أن تقوم بتحمّل مسؤولياتها المأمولة ، فلأنها كانت في الواقع العملي مرآة لموازين القوى فيها وتعارض مصالح هذه القوى بما يدعو السفير الأمريكي “هنري كابو لودج ” إلى القول: “لم توجد الأمم المتحدة كي تقودنا إلى الجنة وإنما لكي تحمينا من النار”
المثالب البنيوية للامم المتحدة:
يركّز أخيراً مقال اللوموند ديبلوماتيك على وجود أزمة في المنظمة الدولية تعود الى خلل بنيوي فيها .
فأولاً _ سيطرة المؤسسات المالية الدولية ( البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ) التي ولدت في بروتون وودز من أجل التعاون الاقتصادي وتمويل برامج التنمية الشرس والذي يطبّق في إجراءاته مع بلدان الجنوب نفس ” تصرفات الزعيم المافيوزي مع تجار حارته ” .
وثانيًا_انتشار اتفاقيات التبادل الحر الثنائية أو أكثر بين الدول بموازاة الأمم المتحدة وبما يجعلها لاتستطيع تفعيل سلطتها عليها كماجعلها في موقف المتفرج على الأزمة المالية عام 2007_2008 .
وثالثًا_ تغلب عمل التحالفات العسكرية كالناتو ومجموعة الثمانية ومجموعة العشرين الدولية على الامم المتحدة وذلك على أرضية الشؤون الجيوـ سياسية والجيو ـ اقتصادية في العالم .
ورابعاً_ تفاوت تمثيل العالم داخل مجلس الامن بما
يطرح الشك في شىرعية وسلامة قراراته . إذ لا يوجد من بلد افريقي أو من أمريكا اللاتينية أو من الشرق الأوسط في هذا المجلس بالرغم من الثقل الاقتصادي والدبلوماسي والمالي لبعض هذه البلدان.
ختاما ، لقد تم طرح عدة مشاريع للخروج من الأزمة إلاّ أن الأمور بقيت على ماهي عليه بحيث أن عيد الثمانين عاماً للأمم المتحدة يطرح بقوة إعادة تشكيلها بتوافق بين بلدان الجنوب ومع الدول الأوروبية المنفتحة و منظمات المجتمع المدني الدولي وتعبئة الشعوب لإصلاح المنظمة الدولية ، تمثيلا في مجلس الامن وحقا وأمنًا وسلامًا دوليًا .
17-10-2025
———————————————————
