ترجمة : يوسف سامي مصري 11\8\2025
دخلت سوريا مرحلة جديدة. انتهى “شهر العسل” الذي ساد منذ سقوط النظام نهاية العام الماضي. تشير تطورات عديدة إلى ذلك، منها: “مؤتمر الوحدة” في الحسكة شرق الفرات، والتنافس الفرنسي التركي حول “الملف الكردي”، ومحادثات عمّان حول “الملف الدرزي”، والعودة الحذرة للدور الروسي.
ما كان ل”مؤتمر الوحدة” – الذي تستضيفه الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا – أن ينعقد لولا الدعم الفرنسي وعدم الاعتراض الأمريكي، إذ تتواجد القوات العسكرية والخاصة لكلا البلدين شرق الفرات ضمن التحالف الدولي. ولا يمكن اعتبار مشاركة الشيخ الدرزي حكمت الهجري ورئيس “المجلس العلوي” غزال غزال، من خلال تصريحات مسجلة في المؤتمر، مجرّد صدفة؛ بل إنه يُمثل بداية تشكيل “تحالف أقليات” معارض لموقف الحكومة و”الأغلبية السنية”.
وهكذا، ثمّة توجّه عند المؤتمرين نحو نظام لامركزي في سوريا، وهو ما تجلى في البيان الختامي للمؤتمر الذي دعم مبدأ اللامركزية، وصياغة دستور جديد، وتشكيل جيش جديد في البلاد. وتعزَّز هذا التوجه بخطوات لاحقة، حيث اتخذت المرجعيات الدرزية الرئيسية الثلاث إجراءات لتوحيد موقفها: أصدر الشيخان حمود الحناوي ويوسف الجربوع بياناً مسجّلاً ردّدا فيه مواقف الهجري، منتقدين علناً سلوك الحكومة، وداعين إلى تحقيق دولي، ومشيدين بمواقف عدّة دول، بما فيها إسرائيل.
وكانت الخطوة الإضافية التي تلت “مؤتمر الوحدة” هي بدء الأردن والولايات المتحدة ترتيب مسار تفاوضي على المستوى الوزاري في عمّان بين الحكومة والمرجعيات الدرزية، بمشاركة مسؤولين من عدّة دول. في الواقع، يعكس هذا المسار رغبةً في خلق عملية إقليمية تحل محل مسار باريس الدولي في التعامل مع قضيتين معقدتين: الملف الكردي والملف الدرزي. وكانت باريس قد استضافت سابقاً محادثات سورية-إسرائيلية لمناقشة مستقبل المحافظات الجنوبية المحاذية للأردن، حيث قدّمت تل أبيب قائمة مطالب تضمّنت سحب جميع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من الجنوب، والسماح بإنشاء مجالس محلية وإدارات ذاتية في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، تحت غطاء جوي إسرائيلي. كما استضافت باريس محادثات سورية-أمريكية-فرنسية تناولت الملف الكردي وتطبيق الاتفاق الذي تم التوصّل إليه بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في 10 مارس/آذار.
تشير جميع المعلومات المتاحة إلى أن الرسالة التي نقلها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال لقائه بالشرع في دمشق قبل أيام كانت تهدف إلى تجميد مسار باريس. جاء “مؤتمر الوحدة” ليعزّز الرغبة في تفكيك المسار الفرنسي، إذ تعتبر أنقرة باريس “منحازة للأكراد”، بينما تعتبرها باريس منحازة لحكومة الشرع. وكانت النتيجة إعلان الحكومة السورية رسمياً تجميد المفاوضات مع الأكراد في باريس.
يُعدّ التنافس الفرنسي التركي حول الأكراد، والتنافس التركي الإسرائيلي حول ملف الدروز وترتيبات الجنوب، مؤشّرات على بروز تصدعات داخل “تحالف حلفاء” الحكومة السورية. لقد انتهت أشهر من الدعم الجماعي الموحَّد من الدول العربية والإقليمية والغربية لموقف دمشق، وبدأت مرحلة جديدة: صراع الأجندات الخارجية في سوريا.
من التطوّرات الأخرى التي تُعقّد المشهد أكثر، بوادر العودة الروسية إلى سوريا. تُمثّل زيارات وزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس المخابرات حسين سلامة إلى موسكو – حيث التقوا بالرئيس فلاديمير بوتين ومسؤولين روس آخرين – بداية علاقة جديدة بين دمشق وموسكو. ويشمل ذلك قضايا رئيسية: استئناف إمدادات الأسلحة الروسية إلى سوريا، والإدارة المشتركة لقاعدتي حميميم وطرطوس، والعلاقات الاقتصادية، والدوريات الروسية في مناطق مختلفة من سوريا، ومصير بشار الأسد وكبار مسؤولي النظام الموجودين حالياً في موسكو.
ومن المرجّح أن دمشق، التي حظيت “بدعم غربي غير محدود” خلال الأشهر السبعة الماضية، بدأت تلاحظ تغيّراً في لهجة ومطالب وتحرّكات الدول الغربية في أعقاب أحداث المنطقة الساحلية والسويداء، إلى جانب استمرار الضربات والتوغلات الإسرائيلية. تسعى تركيا الآن إلى التواصل مع روسيا لتحقيق أهداف محدّدة: خلق توازن شرقي في مواجهة الغرب، واحتواء التحركات الإسرائيلية، وضمان الاستقرار في المنطقة الساحلية السورية، والحفاظ على التوازن العسكري على الأرض من خلال تشغيل مطار القامشلي وتسيير دوريات في شمال شرق سوريا. من غير المرجّح أن تكون تركيا بعيدة عن هذا التقارب بين موسكو وسوريا الجديدة.
هل ستسمح الولايات المتحدة والدول الأوروبية لروسيا، المنخرطة بالفعل في أوكرانيا، بالعودة إلى سوريا؟ هل ستقبل دمشق بإدارات لامركزية؟ هل سينتقل التنسيق بين “المكوّنات” من السياسي إلى العسكري؟ كيف ستستجيب دمشق للمشهد المتغيّر والمطالب والخطاب؟ ما طبيعة العلاقة بين الأطراف المشاركة عسكريًا – الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإسرائيل؟
هناك العديد من الإجابات المحتملة على هذه الأسئلة، لكن هناك أمر واحد مؤكّد: نحن أمام مرحلة جديدة تبرز فيها أجندات حلفاء دمشق، وتتصادم، وتتجدّد فيها الصراعات على سوريا وداخلها.
————————————————————-
