الثمن الذي تفرضه إسرائيل نتنياهو على يهود أمريكا – مايكل شيفر

عن المؤلف : مايكل شيفر: شغل منصب مساعد إداري في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (من 2022-2025)، وعضوًا في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، ونائب مساعد وزير في وزارة الدفاع. موقع “تايمز أوف اسرائيل”

هيئة الترجمة في الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)

بصفتي يهوديًا أمريكيًا ومسؤولاً سابقًا في الأمن القومي الأمريكي، كرّست حياتي المهنية للتوفيق بين العلاقة المعقدة التي تجمع بين هويتي اليهودية، وقيمي الأمريكية، ودعمي لإسرائيل. شأن العديد من أبناء جيلي، نشأت على قصص الهولوكوست ومعجزة إعادة ميلاد إسرائيل، وتلقيت تعليمًا حول ضرورة تقرير المصير اليهودي، وتعلّمت أن إسرائيل تمثل أسمى القيم اليهودية التي تجسّدت في دولة ديمقراطية حديثة. هذا الإيمان قد تبدد الآن.

لقد كشفت الحرب في غزة عن حقيقة مزعجة للغاية بشأن ما أصبحت عليه إسرائيل تحت قيادة بنيامين نتنياهو – وعن الدور الذي لعبه يهود أمريكا أمثالي في تمكين ذلك من خلال عقود من الدعم غير المشروط والعمى المتعمد. ما نشهده ليس مجرد حملة عسكرية خرجت عن مسارها، بل انتصار لأسطورة مدمرة، هي عقدة ماسادا: عقلية الحصار التي تمجّد الضحية، وتقدّس التدمير الذاتي كبطولة، وتحوّل كل تحدٍ إلى معركة وجودية تبرر أي رد، مهما كان منحطًا أخلاقيًا.

تستمد هذه العقدة قوتها من القصة القديمة للمتمردين اليهود الذين اختاروا الموت على الاستسلام لروما فوق حصن على قمة جرف. لكن ما كان في السابق قصة مأساوية لليأس أصبح، في يد نتنياهو، عقيدة استراتيجية تؤطر علاقة إسرائيل بالعالم من حيث الحصار الدائم والخيانة الحتمية. يصبح كل انتقاد معاداة للسامية، وكل تسوية استسلامًا، وكل اعتبار أخلاقي يصبح ترفًا لا تستطيع إسرائيل تحمله.

أصبحت نتائج هذه الرؤية واضحة للجميع في غزة. ما بدأ كرد مشروع على هجمات حماس المروعة في 7 أكتوبر قد تحول إلى واقع ينتهك كل مبدأ أخلاقي تقدّسه اليهودية. لقد تم محو أحياء بأكملها. تتضور العائلات جوعاً في الوقت الذي تنتظر فيه شاحنات الطعام عند الحدود. يموت الأطفال بسبب أمراض يمكن الوقاية منها بينما يتم استخدام الغذاء والدواء كسلاح . إن الصور التي تومض على شاشاتنا كل يوم لا تمثل كارثة إنسانية فحسب، بل انهيارًا أخلاقيًا يجب أن يروع أي شخص يدعي التحدث باسم القيم اليهودية.

عدم الاتساق

بصفتي شخصًا قضى سنوات في الحكومة يحلّل التهديدات والاستجابات، فإنني أندهش من عدم الاتساق الاستراتيجي في نهج إسرائيل. إذا كانت إسرائيل تسيطر على معظم غزة، فلماذا تم حظر المساعدات الإنسانية بشكل منهجي؟ إذا كان الهدف هو القضاء على حماس، فلماذا خلقت الإجراءات الإسرائيلية ظروفًا تضمن عمليًا تجدد المجموعة؟ إذا كان الأمن هو الهدف، فكيف يخدم الأطفال المتضورون جوعًا والمستشفيات المدمرة هذا الهدف؟

لا يكمن الجواب في الاستراتيجية العقلانية، بل في الديناميكيات النفسية لعقدة ماسادا. لقد تبنت حكومة نتنياهو منطق العقاب الجماعي الذي لا يعامل المعاناة الفلسطينية كنتيجة عرضية مأساوية لعمل ضروري، بل كأصل استراتيجي، طريقة لإظهار العزيمة الإسرائيلية وإرضاء السكان المحليين الذين تعرضوا لصدمة 7 أكتوبر وتعودوا على رؤية الألم الفلسطيني كدليل على القوة اليهودية.

يمثل هذا خيانة عميقة للتعاليم الأخلاقية اليهودية. لقد أُمرنا بأن نكون “رحماء أبناء رحماء” – أبناء رحماء لأسلاف رحماء. تعلمنا أن إنقاذ حياة واحدة هو كإنقاذ العالم بأسره. نتعلم من حكمائنا أن “طريق التوراة هو إطعام أعدائنا حتى لو كانوا جائعين”. ويجب وضع دروس الهولوكوست، لن يتكرر أبدًا، في سياق التعليم الأوسع للحاخام هيليل، وسؤاله الشهير الثاني: “إذا كنت لنفسي فقط، فمن أنا؟” ومع ذلك، تنتهك إسرائيل اليوم بشكل منهجي كل هذه المبادئ، مرتكبة جرائم حرب ومنتهكة القانون الإنساني الدولي، وتدّعي أنها تتصرف باسمنا.

يمتد الفساد إلى ما وراء غزة ليشمل أسس الديمقراطية الإسرائيلية. يضم ائتلاف نتنياهو وزراء يدعون علانية إلى التطهير العرقي، وحاخامات يباركون قتل المدنيين، ومستوطنين يرهبون الفلسطينيين بينما يدّعون تفويضًا إلهيًا.

العمى الأخلاقي

يتحمل يهود أمريكا مسؤولية خاصة عن هذه الكارثة. لعقود من الزمان، قدمنا الدعم للسياسات الإسرائيلية بينما عزلنا أنفسنا عن عواقبها. احتفلنا بإنجازات إسرائيل بينما تجاهلنا إخفاقاتها، وتبرعنا بمليارات لدعم المستوطنات، مُدَّعِينَ الجهل بغرضها، ودافعنا بشكل تلقائي عن أفعال كنا سندينها لو قامت بها أي دولة أخرى.

لقد غذّى هذا التواطؤ نسختنا الخاصة من عقدة ماسادا، وهي أسطورة تؤطّر أي انتقاد لإسرائيل على أنه خيانة للبقاء اليهودي، وأي تعبير عن الإنسانية الفلسطينية على أنه خيانة للألم اليهودي، وأي دعوة للعدالة على أنها دعوة لهولوكوست آخر. لقد سمحنا للصدمة بأن تصبح عقيدة، محولين دروس المعاناة اليهودية إلى مبرر للاضطهاد الفلسطيني.

تتجاوز تكلفة هذا العمى الأخلاقي إسرائيل وفلسطين. في الداخل، يجد يهود أمريكا أنفسهم معزولين بشكل متزايد – ينظر إليهم الحلفاء التقدميون على أنهم متواطئون في جرائم الحرب، وينظر إليهم المحافظون على أنهم مغفلون نافعون لأوهامهم القومية العرقية التي لا نشاركها ولا نفهمها. تناقش معابدنا اختبارات الولاء، وتتفكك عائلاتنا بسبب الخلافات على مائدة العشاء، ويتخلى شبابنا عن المؤسسات التي يرونها فاسدة أخلاقيًا.

في غضون ذلك، تزدهر معاداة السامية الحقيقية على اليسار واليمين، مستفيدة من الاستقطاب الذي ساعد دعمنا غير النقدي لإسرائيل في خلقه. عندما تصبح الهوية اليهودية مرادفة للدفاع عن ما لا يمكن الدفاع عنه، فإننا نجعل أنفسنا عرضة لأولئك الذين يستغلون المعاناة اليهودية لأغراضهم السياسية بينما لا يفعلون شيئًا لحماية الأمن اليهودي.

يتطلب الطريق إلى الأمام شجاعة أخلاقية لم يظهرها يهود أمريكا بعد. يجب أن نعترف بأن الاحتلال قد أفسد الديمقراطية الإسرائيلية وخان المثل الصهيونية. يجب أن نطالب بأن تأتي المساعدات الأمريكية بشروط تحمي المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. يجب أن ندعم الأصوات داخل إسرائيل التي تدعو إلى العدالة بدلاً من تلك التي تطالب بالانتقام.

الأهم من ذلك، يجب أن نرفض عقدة ماسادا بجميع أشكالها. بقاء اليهود لا يتطلب معاناة الفلسطينيين. لا يمكن بناء الأمن اليهودي على الاضطهاد الدائم. لا يمكن الدفاع عن القيم اليهودية من خلال انتهاكها المنهجي.

الخيار المطروح أمامنا صارخ: يمكننا الاستمرار في طريق التواطؤ الأخلاقي، ومشاهدة إسرائيل تدمر نفسها وتأخذ مصداقية يهود أمريكا معها، أو يمكننا استعادة التقليد النبوي الذي يطالب بالعدالة حتى لو – خاصة عندما – يتحدى السلطة.

تقف إسرائيل على حافة الهاوية، ويقف يهود أمريكا معها. السؤال هو ما إذا كنا سنجد أخيرًا الشجاعة للتراجع عن الهاوية، أو ما إذا كنا سنتبع منطق ماسادا إلى نهايته الحتمية: ميثاق قتلانتحار باسم نصر أجوف.—