عن الوطنية السورية – مازن كم الماز

ليست الوطنية السورية اليوم قرارًا سوريا للأسف ، إن استمرار الوطن السوري نفسه أصبح رهينة بقرار و مصالح القوى الاقليمية و الدولية الكبرى و لا يخفي ذلك حتى موالو السلطة السورية الجديدة الذين يتحدثون و ربما يراهنون على استمرار هذا الدعم للسلطة التي يؤيدونها و هذا هو على الأغلب أيضًا رهان الكثير من خصومها
و قضية الديمقراطية في سوريا كما تبدو في شِممارسة السلطة الحالية تقترب من نفس التحدي الذي تمثله لكل الأنظمة العربية ، يواجه الأنظمة العربية و خاصةً أجهزتها الأمنية سؤالًا مركزيًا و ربما مصيريًا : أيهما أفضل لاستمرار النظام : السماح بهامش ما للعمل السياسي و حرية الإعلام في النقد أم قمع كل هامش ؟… تحاول هذه الأنظمة الإجابة على هذا السؤال بتحليل تجارب الماضي مثلًا هل أدى قيام نظام مبارك بمنح هذا الهامش إلى التسريع بنشوب ثورة يناير أم إلى إطالة عمر النظام … لا تخفي السلطة الحالية رغبتها بالاستمرار إلى الأبد حسب رغبة كثير من مواليها ، و في حالة مجتمع منهك و نخبة محاصرة أو بعيدة عن الشارع يبدو القرار الأخير في هذا الصدد بيد القوى الإقليمية والدولية الكبرى … حتى اليوم لا تواجه السلطة الجديدة معارضة قوية في الخارج ، حتى اليوم على الأقل … أما في الداخل فقد قامت هذه السلطة باكتساب عدد متزايد من الأعداء بين السوريين و القائمة مرشحة للازدياد و لا يبدو أن هذه السلطة راغبة بتغيير سياساتها تلك لكن خصومها الداخليين أضعف من أن يشكلوا معارضة فعالة حتى لو على صعيد محلي دون دعم خارجي … في الواقع لا تملك هذه السلطة الكثير من الأوراق لتفاوض عليها سوى ورقة العلاقات مع إسرائيل و من سوء حظ السلطة أن الأخيرة خاصةً تحت سلطة حكومة نتنياهو تطالبها بالكثير ، التطبيع بما في ذلك التنازل عن الجولان و حتى عن الأراضي التي احتلتها بعد سقوط الأسد … أما ورقة الجهاديين فتبدو خطيرة للغاية و قد يؤدي التلويح بها للإطاحة بالسلطة القائمة … في كل الأحوال فإن الثمن الذي ستدفعه السلطة الحالية في دمشق سيكون باهظاً و كذلك الثمن الذي ستطالب به ، ربما استعادة السيطرة على كامل تراب سوريا و دعم مادي هائل تتولاه دول الخليج و ربما أوروبا بقصد إعادة قسم كبير من اللاجئين السوريين عندها … من الواضح أن فتور الاندفاعة القوية تجاه السلطة الحالية و بقاء سيف العقوبات ينتظر هذا القرار من السلطة السورية … و قرار بهذا الحجم قد يتطلب من السلطة الجديدة ليس فقط حملة علاقات عامة و لا تحقيق تطور فعلي في مستوى معيشة ملايين السوريين فقط بل لتماسك جدي في مركز النظام الحالي و في سيطرته على قواه العسكرية … في حال قرر النظام السوري عدم التجاوب مع الطلبات الاسرائيلية الأميركية سيكون مصير الوطن السوري الذي يسيطر عليه هو الانكفاء بعيدًا عن الحدود مع إسرائيل أولًا و عجزه عن استعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سلطته و ربما خروج مناطق أخرى عن سيطرته … هذا المأزق الذي يواجه السوريين اليوم أو السلطة الحاكمة في دمشق ليس بلا مخرج فمن الممكن دائمًا للسلطة الحالية أن تتوقف عن استعداء كثير من السوريين و تهميش غالبيتهم و لو أن هذا يتطلب قرارًا إستراتيجيًا من مركز هذه السلطة لا يبدو أنها تفكر به اليوم أو مستعدة له … هذا من جهة ، من جهةٍ ثانية فإن هذا الوضع اليوم هو نتيجة مباشرةً للقبول بعسكرة الثورة السورية أو الصراع فيها و عليها و بريادة قوى غير ديموقراطية لهذا الصراع بغض النظر عن ايديولوجيتها … هذا خطأ لا يبدو من المتاح اليوم إصلاحه ، و مع إصرار السلطة الحالية على سياساتها يبدو أننا اليوم أمام وطن مريض بشدة ، صحيح أن مرضه بدأ منذ وقت طويل و تفاقم أيام النظام الأسدي لكنه اليوم دخل مرحلة حرجة و حاسمة يبدو السوريين أمامها بلا خيارات عدا خيارين فقط ، الاستسلام لحكومة نتانياهو أو محاولة إصلاح ذات البين و إنتاج وطن يشعر الجميع بأنه وطنهم ، أو احتمال انهيار و تعفن الوضع مع .المزيد من تفتت الوطن السوري و وقوعه تحت سيطرة ميليشيات متنافسة و متخاصمة.