تُعرف الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية مجتمعةً باسم “كرينك” CRINK -CHINA,RUSSIA,IRAN,NORTH KOREA))
- نص مترجم من قبل هيئة الترجمة في الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي) –
تتجمع قوى ظلاميّة على حدود النظام العالمي الغربي المحاصر، ومستقبله بات رهينة رباعي الفوضى: الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.
انتبه، تيقظ، واحذر من “كرينك”.
لكن، في حين تتعرض إيران إلى ضربات جوية أميركية، لا يوجد ما يشير إلى أن الصين مستعدة لفعل أي شيء أكثر من الدعوة إلى التهدئة وتوجيه انتقادات لفظية لأميركا. وربما لا تذهب روسيا أبعد من ذلك، رغم علاقتها الوثيقة مع طهران. وكذلك كوريا الشمالية. فهل هناك ضعف في صفوف “كرينك”؟ حتى يكون الأمر على هذا النحو، يجب أن يشير مصطلح “كرينك” إلى شيء حقيقي. الواقع هو أنه في حين يشغل هذا المفهوم أذهان المحللين وصناع السياسات من واشنطن إلى لندن، فإن الأمر ليس كذلك في بكين أو موسكو أو بيونغ يانغ أو طهران.
إذا كان على الغرب أن يتكيف بنجاح مع النظام ما بعد القواعد التقليدية، فعليه أن يتخلى عن مفهوم “كرينك” المضلل. فمن بين الدول الأربع، تمثّل الصين التحدي الأكبر على المدى الطويل. ومع ذلك، فإنَّ “كرينك” تبرز التهديد الروسي الأكثر وضوحًا والأقل عمقًا، وتُخطئ في فهم العلاقة بين هذه القوى .
يضفي المفهوم هنا على العلاقات بين هذه الدول مستوى من التنسيق أو حتى “التحالف”، في حين أنها في أفضل الأحوال مجرد علاقات منفعة متبادلة تتمحور حول روسيا. فدعمت كل من الصين وإيران وكوريا الشمالية روسيا، إما بالحفاظ على علاقات طبيعية معها أو بتقديم دعم مادي خلال حربها ضد أوكرانيا. لكن هناك دولًا أخرى فعلت الأمر ذاته، وأبرزها الهند، الشريك الاقتصادي والدفاعي القديم لروسيا، والتي تُستثنى من نظرية “كرينك” بسبب سجلها الديمقراطي، رغم طموحات نيودلهي لنظام عالمي غير غربي.
إذا ركزنا على الصين، سنجد الصورة مختلفة. ففي حين أن أي شراكة وثيقة مع موسكو مفيدة لبكين في تقويض القيادة العالمية للولايات المتحدة، لكنها ليست بلا حدود. فالصين حريصة بالخصوص على عدم الإضرار بعلاقاتها مع أوروبا، الشريك التجاري المهم. وقد تكون كوريا الشمالية الحليف الرسمي الوحيد للصين، غير أنها تمثّل في الواقع صداعًا استراتيجيًا أكثر من كونها مكسبًا، فهي الخيار الأقل سوءًا لإبقاء القوات الأميركية بعيدة عن الحدود. أما إيران، فهي مهمة للصين كمصدر للنفط وشريك في المناورات العسكرية، شأنها في ذلك شأن عديد من الدول في آسيا والشرق الأوسط التي لا تدخل ضمن تصنيف “كرينك”.
ما الذي يجمع دول “كرينك”؟ ما يجمعها أنها تشكّل تهديدات متنوّعة للغرب في مجالات التجسس والهجمات السيبرانية وغيرها من التهديدات غير المباشرة للدول الغربية، لكن دون تنسيق بينها، ولكل منها أسلوبه الخاص. جميعها “أنظمة أوتوقراطية”، لكن أنظمتها السياسية وسجلاتها في الحكم مختلفة تمامًا. جميعها تتشارك في مصلحة إعادة تشكيل النظام الدولي، كما هو الحال بدرجة أقل مع الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول غير المصنفة ضمن “كرينك”. إذن، لماذا يجري حصر التصنيف في هذه المجموعة فحسب؟ لا يوجد أي مزيج من الأهداف أو أدلة على التنسيق يجعل لهذه المجموعة معنى خاصًا.
في الواقع، يتجاهل تصنيف “كرينك” التفكير الجاد في تداعيات صعود الصين، ويفضل عليه فكرة مألوفة، بل ومريحة، عن محور استبدادي سيهزمه الغرب حتمًا بفضل قيمه الديمقراطية المتفوقة. ويجري تصويره كأحدث حلقة في سلسلة طويلة من الأعداء الأيديولوجيين، تمتد من “محور الشر” في عهد بوش الابن، إلى الكتلة السوفيتية، ومحور الحرب العالمية الثانية، وحتى ألمانيا في عهد القيصر فيلهلم الثاني.
التركيز على الصراع الأيديولوجي بين الديمقراطية والاستبداد يُعدّ خطًا جسيمًا. فإلى جانب الاتكال الكسول على سردية مألوفة، هناك افتراض ضمني بأن الأمور ستكون على ما يرام بالنسبة إلى الغرب لو أن دول “كرينك” كانت ديمقراطية. كذلك يعكس ذلك نوعًا من الاطمئنان المفرط بتفوق نموذج الديمقراطية الليبرالية، رغم أنه يمر بأزمة في أوروبا وأميركا.
في الواقع، تحدي الصين للنظام الدولي القائم على القواعد لا ينبع من غياب الديمقراطية فيها، بل هو نتيجة لمصالحها الجيوسياسية ونمو قوتها الاقتصادية والتكنولوجية. فهدف التنافس مع الغرب لاستعادة مجد الصين كان مشتركًا بين جميع الحكومات الصينية منذ القرن التاسع عشر؛ سواء كانت إمبراطورية أو ديمقراطية أو قومية أو شيوعية. حتى لو لم تكن الصين تحت حكم الحزب الشيوعي، كانت ستظل تشكّل هذا التحدي، فهي قوة صاعدة غير راضية عن نظام صاغه الغرب بقيادة الولايات المتحدة لمصلحته. وشأنها شأن أي قوة صاعدة، تسعى إلى إعادة تشكيل هذا النظام. ولا ينبغي أن ينسى قادة الغرب أن الديمقراطيات نفسها فعلت ذلك مع بعضها؛ مثلما أزاحت الولايات المتحدة النظام الإمبراطوري البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية.
الصين لا تملك الوسائل لإعادة تشكيل النظام الدولي فحسب، بل تُدار بكفاءة أيضًا. ولا يجب اختزالها في أنها مجرد دولة استبدادية، حتى في عهد الرئيس شي جين بينغ. قد يكون هذا غير مريح للكثيرين في الغرب بسبب غياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، لكن تاريخ صعود القوى الغربية نفسها لم يكن مدفوعًا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يمكن إنكار فعالية إدارة الغرب من القرن الثامن عشر حتى العشرين.
خارج الغرب، أثبتت الدول أنها أقل تأثرًا بالافتراضات الخطيرة التي تقوم عليها “كرينك”. ففي آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، تقدّم الصين البنية التحتية، وتعد الشريك التجاري الأول لمعظم الدول، وتوفر التكنولوجيا المتطورة بأسعار مناسبة. ورغم أنها ليست محبوبة، إلا أن الصين تأخذ علاقاتها مع هذه الدول على محمل الجد وتُعتبر شريكًا ثابتًا وموثوقًا ومزودًا للخبرة. هذه العلاقات بين الصين ودول الجنوب العالمي هي التي يجب أن يراقبها قادة الغرب، فهي التي تعزز نفوذ الصين كمنافس عالمي للولايات المتحدة وتدعم رؤية بكين لنظام دولي بديل.
يحجب التركيز على “كرينك” حقيقة ما يجري فعلًا. فالتحدي الصيني طويل الأمد يكمن في نفوذها المتزايد في بقية العالم، إلى جانب قوتها الاقتصادية وتفوقها التكنولوجي. وهذا يثير سؤالًا مزعجًا: هل يمكن أن تكون الصين أكثر تكيفًا مع القرن الحادي والعشرين من الغرب، وهل يمكن أن تنجح في إعادة تشكيل النظام الدولي؟
قد يكون من المغري تجاهل مخاوف مثل هذه والاحتماء بسردية “كرينك” المطمئنة. لكن لا يمكن التقليل من تأثير الصين وقدراتها باعتبارها مجرد جزء من “محور الأوتوقراطيات” الجديد—فالصورة أكبر بكثير من ذلك. إذا ركزت على “كرينك” فحسب، ستفوتك الصورة الحقيقية .
——————————————————————————————–
