ترجمة : يوسف سامي مصري
يُشبه تعامل الرئيس ترامب مع السياسة الاقتصادية مأساة يونانية. يُحذر عدد متزايد من المُتنبئين المرموقين من أن سياسات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية على الواردات وخفض الضرائب ستنتهي بالفشل. إلا أن ترامب يختار تجاهل المُتنبّئين، مُجادلاً بأنه أكثر دراية بالاقتصاد من الخبراء. وكما هو الحال في المآسي اليونانية، من المُرجّح أن تكون نهاية غطرسة ترامب غير سعيدة بالنسبة له، والأهم من ذلك بالنسبة للاقتصاد الأمريكي والعالمي.
أحد هؤلاء المُتنبّئين هو رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. يُحذّر باول من أن سياسة ترامب المُتشدّدة في فرض الرسوم الجمركية على الواردات ستؤدّي إلى ارتفاع تضخّم الأسعار وتباطؤ اقتصادي. هذا لا يترك لباول خياراً سوى الاستمرار في إيقاف دورة خفض أسعار الفائدة التي يُقررها الاحتياطي الفيدرالي، مما يُثير قلق ترامب.
من بين المتنبّئين الآخرين، جيمي ديمون من جي بي مورغان، ولاري فينك من بلاك روك، وراي داليو الرئيس السابق لبريدج ووتر، أكبر صندوق تحوّط في العالم، وإيلون ماسك، المؤيِّد السابق لدونالد ترامب. جميعهم يحذّرون من أنه في غياب أي تغيير مبكر في سياسة الميزانية، قد تتّجه الولايات المتحدة نحو أزمة سوق سندات كبرى.
بالنسبة لترامب، هذه التحذيرات أشبه بمسحة من الغموض. فبدلاً من التراجُع عن سياسة التعريفات الجمركية، رفع ترامب مؤخًّراً التعريفة الجمركية على جميع واردات الألومنيوم والصلب إلى نسبة 50%. في الوقت نفسه، وبدلًا من وضع تدابير تقشفية على الإيرادات والإنفاق لمعالجة عجز الميزانية الهائل في البلاد البالغ 6.25% من الناتج المحلي الإجمالي، يبذل ترامب قصارى جهده لضمان إقرار مشروع قانونه الضخم والجميل، الذي يُثقل كاهل الميزانية. ووفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس، وهو جهة غير حزبية، سيضيف هذا القانون، في حال تنفيذه، 2.4 تريليون دولار إلى عجز الميزانية خلال العقد المقبل. سيؤدّي ذلك أيضًا إلى رفع الدين العام، نسبةً إلى حجم الاقتصاد، إلى مستوى أعلى بكثير مما كان سائداً في نهاية الحرب العالمية الثانية.
ومما يزيد من احتمالية صحة توقعات “كاساندرا” الاقتصادية القاتمة، أن ترامب يبدو وكأنه يبذل قصارى جهده لتقويض ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد الأمريكي. وهذا يُشبه اللعب بالنار، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار أن الأجانب يمتلكون ما يقرب من ثلث سندات الخزانة الأمريكية القائمة، والبالغة قيمتها 29 تريليون دولار. كما أنهم ضروريون لتمويل عجز الموازنة المتنامي باستمرار.
إحدى الطرق التي يُقوّض بها ترامب ثقة المستثمرين الأجانب هي زيادة الضغط على جيروم باول لخفض أسعار الفائدة في وقت يرتفع فيه التضخُّم بسبب الرسوم الجمركية. وهذا يُثير مخاوف المستثمرين الأجانب من أن الولايات المتحدة قد تُحاول التغلّب على مشكلة ديونها من خلال التضخّم. ومن الطرق الأخرى التي يُخيف بها ترامب المستثمرين الأجانب، تضمينه في مشروع قانونه “الجميل الكبير” بنداً يسمح له بفرض ضريبة تصل إلى 20% على دخل فوائد سندات الخزانة لسكان أي دولة تعتبرها الولايات المتحدة تتبع سياسات ضريبية غير عادلة. كما أن اقتراح اتفاقية مار-أ-لاغو يُثير الشكوك حول تحويل بعض حيازات سندات الخزانة الأمريكية الأجنبية إلى سندات صفرية الفائدة لأجل 100 عام.
إن تجاهل ترامب للتحدّيات الاقتصادية أمرٌ، وتجاهله للإشارات الواضحة التي تُشير إلى أن الولايات المتحدة قد تفقد مكانتها كملاذ آمن وتتجه نحو مشاكل اقتصادية حقيقية أمرٌ آخر. من بين هذه الإشارات انخفاض قيمة الدولار بنسبة 10% منذ بداية العام، وارتفاع سعر الذهب بنسبة 33% ليصل إلى حوالي 3400 دولار للأونصة. إلا أن هناك إشارةً أكثر أهميةً تأتي من أسواق السندات. فمنذ أيلول/سبتمبر 2024، ارتفعت عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل بنحو نقطة مئوية كاملة، حتى في الوقت الذي خفض فيه الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الإقراض بنفس القدر. كما ارتفعت عوائد سندات الخزانة بشكل غير معتاد في وقتٍ كانت فيه أسعار سوق الأسهم في انخفاض.
مع مؤشرات الأسواق على أن الاقتصاد الأمريكي يواجه صعوبات، قد يكون من الحكمة أن يأخذ ترامب على محمل الجد مقولة رودي دورنبوش، الخبير الاقتصادي الراحل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. قال دورنبوش إن الأزمات الاقتصادية تستغرق وقتاً أطول بكثير مما قد نتصوّر. ومع ذلك، عندما تحدُث، فإنها تحدُث بوتيرة أسرع بكثير مما قد نتصوَّر. ربما حينها قد يتراجع ترامب عن سياساته المتشددة في فرض التعريفات الجمركية على الواردات وتخفيض الضرائب التي تُثقل كاهل الميزانية. مع ذلك، أخشى أنه كما حدث في المآسي اليونانية، من غير المرجَّح أن يحدث ذلك قبل فوات الأوان.
