استغلال أمريكا للطوائف في الشرق الأوسط-محمد كويفاتي

أروي في هذا المقال تجارب لشعوب  وطوائف من الشرق الأوسط قررت أن تستغيث بأمريكا  والغرب لكي تصل إلى قبّة الحكم وكيف كانت النهاية. في ظل تسارع الأحداث في سوريا  والاضطرابات السياسية نرى أن الغرب  وأمريكا يريدون ان يستقطبوا أبناء وطننا وأخواننا في الوطن، الدروز، إلى صفهم  ويعدونهم في إقليم خاص وفي دولة لهم. وهذا أمر مخيف لأن أمريكا سوف تجرهم إلى حرب أهلية مع باقي الطوائف وفي النهاية سوف ترى كيف سوف توظف مصالحها في هذا النزاع الأهلي. فالدروز أولًا هم جزء من سوريا، ولهم تاريخ عريق في سوريا  ونحن كسوريين بكل طوائفنا نفتخر أمام الغربيين بالقائد سلطان باشا الأطرش الذي حاول النظام السابق أن يطمس حقيقته في أحيان كثيرة. 

يروي التاريخ الكثير عن التدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط، فكانت تشغل فتيل الفتنة  والحرب الأهلية في المنطقة، ثم لا تفي بوعودها ولا تتدخل عسكريًا ما لم يكن هنالك مصالح مادية مثل النفط  والغاز  والذهب. وفي حالات أخرى لا يتم التدخل لا عسكريًا ولا لوجستيًا ولا حتى سياسيًا .

في لبنان ما بين العامين (1975 -1990) اندلعت حرب اهلية بين المسلمين والدروز والموارنة، كانوا الموارنة ضحيتها الضحية. فالرئيس كميل شمعون من عام (1952-1958) شعر بالتهديد من القومية العربية الصارخة التي أطلقها جمال عبد الناصر في مصر، والتي كثفت معاداة المارونية بين اليسار والنشطاء المؤيدين للفلسطينيين والقوميين العرب. وحشدت جبهة الاتحاد الوطني، بقيادة رجل اليسار كمال جنبلاط، الجماعات المناهضة للموارنة، معتبرة الناصرية تهديدًا مباشرًا لانفصال لبنان غير الرسمي عن الصراع العربي – الإسرائيلي، وللهيمنة المارونية على الدولة اللبنانية.

بسبب علاقة شمعون المتنامية مع الولايات المتحدة، أيد مبدأ أيزنهاور، الذي بموجبه يمكن لأي بلد أن يطلب الجيش الأميركي للمساعدة إذا كانت الدولة مهددة من قبل دولة أخرى. وبمجرد موافقة البرلمان اللبناني على هذا المبدأ دعت جبهة الاتحاد الوطني الحكومة إلى الاستقالة والإضراب العام. وفي الوقت نفسه قامت مصر وسوريا بتزويد معارضة شمعون بالأسلحة. وفي مايو 1958 تحول الإضراب العام إلى حرب أهلية. واستشهد شمعون بمبدأ أيزنهاور وطلب المساعدة العسكرية من الرئيس دوايت أيزنهاور. وتلا ذلك نقاش ساخن في الكونغرس الأميركي، لأن بعض الأعضاء اعتقدوا أن القضايا الداخلية ليست هي التي تكمن في قلب الحرب الأهلية في لبنان. وفي نهاية المطاف، لم يحدث التدخل العسكري الأميركي إلا بعد أن أطاح انقلاب قومي عربي عنيف بالنظام الملكي الهاشمي الموالي لبريطانيا في العراق.

وقام مشاة البحرية الأميركية بنزع فتيل الأزمة. ورغم ذلك طفت أسبابها على السطح من جديد، مما أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب الأهلية الطويلة والدموية في لبنان (1975 – 1990). وقاد جنبلاط معسكراً، الذي كانت ركيزته الأساسية هي الحركة الوطنية، وهي ائتلاف يضم اليساريين والماركسيين والناصريين والمؤيدين للسوريين. وكانت منظمة التحرير الفلسطينية واجهة الحركة الوطنية.

وسعى جنبلاط إلى إسقاط هيمنة الموارنة على الدولة، لأنه اعتبرهم لاعبين أساسيين في المؤامرة الأميركية والصهيونية ضد لبنان والعرب بشكل عام. واحتشد المسيحيون حول الجبهة اللبنانية، التي ضمت دعامتها الأساسية حزب الكتائب وحزب الأحرار الوطني وأنصار الرئيس سليمان فرنجية. ولم يؤد التماس الموارنة مساعدة المعسكر المسيحي من الأميركيين إلى أي شيء، على الأقل حتى واجه المعسكر الهزيمة في عام 1976. واعتبرت واشنطن فوز المعسكر اليساري القومي العربي بمثابة انتصار للاتحاد السوفييتي.

وفي عام 2002 أشعلت امريكا نار الفتنة في العراق بين السنة والشيعة. وكانت أمريكا لديها مخاوف من شجاعة وتهور الرئيس السابق صدام حسين وقوة جيشه  وأن يعبر إلى إسرائيل. فقامت الفتنة طائفية بينهم، وثم اجتمعوا مع المعممين الشيعة، وكانوا متخوفين من مطالبهم، لكن صدم الأمريكان بأنهم لم يطلبوا منهم إلا صرف رواتب. وبدأت مناشير تُطبع وتُوزع على أن الأغلبية الشيعية هم من يجب أن يتولى الحكم، وتغيير المناهج الدراسية التي فيها ذكر الترضي على ابو بكر  وعمر. وثم حصل الغزو عام 2003 بحجة السلاح النووي وإخراج النووي من العراق، وفي النهاية لم يخرجوا إلا النفط، وأدخلوا الشركات الأمريكية إلى البصرة لكي يستخرجوا النفط العراقي، ويبيعوه للعراقيين بأضعاف ثمنه. كما تفعل فرنسا في الجزائر . 

وفي السودان قامت أمريكا بتوظيف مصالحها قبل أن تجد حل للصراع بين جنوب السودان  والسودان، بل وظفت مصالحها كما قال جورج فريدمان -مؤسس موقع ستراتفو- في كتابه “الأعوام المائة القادمة” (لا تحتاج الولايات المتحدة إلى الانتصار في الحروب، ما تحتاجه بكل بساطة هو إغراق الآخرين في الفوضى، بحيث لا يمكن لهم إنتاج ما يكفي من القوة لتحدي هيمنتها).

ما الذي تريده واشنطن والغرب من السودان؟

يقع السودان في قلب القارة الإفريقية؛ حيث تمر عبره عدة خطوط صدع ومن أبرزها خط الصدع التاريخي بين مناطق النفوذ العربية والإسلامية ومناطق النفوذ الإفريقية الوثنية والمسيحية، وهو الذي أدى إلى حرب أهلية انتهت بانفصال جنوب السودان. وخط صدع ثان بين مناطق السهول ذات الغالبية العربية المسلمة ومناطق النفوذ الإثيوبية المسيحية في مرتفعات الحبشة، وهو ما أدى إلى تكرار النزاعات الحدودية بين البلدين. وخط صدع ثالث بين القبائل العربية والإفريقية المسلمة في غرب السودان، وهو ما قاد إلى أزمة دارفور.

كذلك فإنَّ الصراع في السودان، يساعد واشنطن في الضغط على طرفي الصراع للابتعاد عن موسكو، التي تطمع في تأسيس قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر، فضلًا عن انخراط فاغنر في تجارة الذهب مع قوات الدعم السريع وسعيها إلى تعميق نفوذها في قلب القارة الإفريقية بعد أن تواجدت في ليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى. ومن ثَمَّ يمكن لواشنطن تقويض نفوذ فاغنر عبر المراوحة بين استخدام العصا والجزرة في التعامل مع قادة الجيش السوداني والدعم السريع، وهو ما يبرز في تلويح بايدن بفرض عقوبات على الشخصيات التي تزعزع الاستقرار في السودان. ومن ثمَّ فإنَّ تنشيط خطوط الصدع المذكورة يصب في صالح استنزاف العالمين العربي والإسلامي، وهو ما يعضده حديث روبرت جيتس مدير CIA ووزير الدفاع الأمريكي السابق في مذكراته عن مجريات لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك في عام 2011، حيث قال له باراك (الأخبار الجيدة هي أنَّ الأزمة في المنطقة لا تتعلق بإسرائيل أو أمريكا، بل بالمشكلات الداخلية في البلاد العربية، وعلينا العمل لإبقاء التركيز منصبًّا على ذلك).

 ومن ثم قامت أمريكا برفع عقوبات على سودان بحجة تفجير المدمرة كول، وبالتالي قامت أمريكا باستغلال الطرفين.

 ومن ثَمَّ فإنَّ تنشيط خطوط الصدع المذكورة يصب في صالح استنزاف العالمين العربي والإسلامي، وهو ما يعضده حديث روبرت جيتس مدير CIA ووزير الدفاع الأمريكي السابق في مذكراته عن مجريات لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك في عام 2011، حيث قال له باراك (الأخبار الجيدة هي أنَّ الأزمة في المنطقة لا تتعلق بإسرائيل أو أمريكا، بل بالمشكلات الداخلية في البلاد العربية، وعلينا العمل لإبقاء التركيز منصبًّا على ذلك).

كان إضعاف السودان يسهل التلاعب بقادته، ويدفع كل منهم للتسابق على التطبيع مع إسرائيل لكسب حلفاء أكثر إلى صفه ضد غرمائه الآخرين. فالسودان يحمل رمزية مهمة عبَّرَ عنها جاريد كوشنر كبير مستشاري ترامب قائلًا (إنَّ التطبيع مع السودان يحمل قيمة رمزية؛ لأنَّ جامعة الدول العربية عقدت اجتماعًا في الخرطوم بعد حرب 1967، وأعلنت اللاءات الثلاثة: لا سلام ولا اعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل).

كذلك فإنَّ الصراع في السودان، يساعد واشنطن في الضغط على طرفي الصراع للابتعاد عن موسكو، التي تطمع في تأسيس قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر، فضلًا عن انخراط فاغنر في تجارة الذهب مع قوات الدعم السريع وسعيها إلى تعميق نفوذها في قلب القارة الإفريقية بعد أن تواجدت في ليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى. ومن ثَمَّ يمكن لواشنطن تقويض نفوذ فاغنر عبر المراوحة بين استخدام العصا والجزرة في التعامل مع قادة الجيش السوداني والدعم السريع، وهو ما يبرز في تلويح بايدن بفرض عقوبات على الشخصيات التي تزعزع الاستقرار في السودان.

إنَّ السودان يعاني منذ رفع الحصار الأمريكي في أكتوبر 2017 تدهورًا اقتصاديًّا مريعًا، إذ ارتفع سعر الدولار من 22 جنيهات في أكتوبر 2018 إلى نحو 600 جنيه قبل اندلاع القتال الأخير، وواكب ذلك موجة تضخم هائلة تضاعفت خلالها الأسعار تضاعفًا جعل توفير أساسيات الحياة أمرًا صعبًا للغاية مع حدوث أزمات وقود وطحين حادة ومتكررة. ثُمَّ جاء القتال الأخير ليدمر البنية التحتية بالأخص في الخرطوم، وليهدد بالدخول في أتُّون فوضى يلتف فيها الناس حول هوياتهم القبلية والجهوية، وهو ما يجعل قلب القارة الإفريقية أشبه ببلقان جديد قد يشعل صراعًا يمتد إلى تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب ليبيا ومصر وإثيوبيا وأريتريا.

ومن بعد كل هذا أمريكا تخلت عن كلا الطرفين بعد أن حققت مساعيها  وأطماعها في المنطقة.

لذلك علينا أن نتحلى بالحكمة، ونعرف تداعيات اتخاذ القرار علينا وعلى وطننا، وأن نفكر أولًا ما هو هدف الغرب وأمريكا من هذا النزاع.

وتحية للحرية