قراءة قانونية – سياسية للإعلان الدستوري السوري الصادر في 13 آذار لعام 2025-المحامي نشأت الطعيمة

قراءة قانونية – سياسية للإعلان الدستوري السوري الصادر في 13 آذار لعام 2025

  • المحامي نشأت الطعيمة – 

1- بدايةً، وبالإطار العام، وبعد ترقب مشوبًا بالحذر من الشعب السوري، وبغض النظر عن أنَّ هذا الإعلان قد صدر بالأساس فاقدًا لشرعيته لجهة إجراءات الإخراج والتمثيل الشعبي، فإنَّه قد جاء مخيبًا لآمال وطموحات الشعب السوري الذي كان يطمح بإعلان دستوري يلبي تطلعاته لولادة دولة جديدة وطنية ديموقراطية غير طائفية، عبر مرحلة انتقالية شاملة وجامعة لجميع أطياف الشعب السوري ومكوناته. 

2- بذلت حكومة الأمر الواقع في سورية، بعد سيطرة فصائل هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق، الجهد الكبير لاكتساب الشرعية الداخلية والخارجية للحكم الجديد، بعد هروب الأسد الجزار دون أن يفوض صلاحيته الدستورية لأحد، ومن أجل أن تستكمل الإدارة الجديدة مسيرتها نحو الحصول على الشرعية بعد هذا الجهد المبذول، كان يُفترض بها أن تعلن نيتها الحصول على نصف دينها السياسي الآخر، من خلال التزامها بتنفيذ خارطة الطريق التي حددها مجلس الأمن الدولي بقراراته الخاصة بحل الازمة السورية وتحديدًا القرار 2254 لعام 2015، والمتضمن تشكيل هيئة حكم أو حكومة انتقالية تشاركية وشاملة وغير طائفية، وصولًا إلى صياغة مشروع دستور ديموقراطي جديد لسورية والاستفتاء عليه من الشعب، وانتخاب برلمان جديد، ورئيس جديد للبلاد، وفق قانون انتخابات حديث خلال مدة 18 شهرًا من تاريخ تشكيل هيئة الحكم الانتقالي.

لا بد هنا من التذكير أنَّ الازمة السوري قد دولت منذ عام 2015، ولا تزال موضوعة على طاولة مجلس الأمن الدولي، ولا تزال روحية القرار الدولة 2254 لعام 2015 واجبة الاتباع وصالحة لحلّ الازمة السورية، وبالتالي لا يمكن لأي حكومة في سورية اكتساب الشرعية إلا عبر تطبيق خارطة طريق تتماشى مع القرارات الدولية ذات الشأن بخصوص سورية، وهذا ما أكّد عليه مؤخرًا هذا الشهر مجلس الأمن بقرار منه بخصوص الجرائم البشعة المرتكبة في منطقة الساحل السوري بحق الأهالي المسالمين.

3 – بالعودة الى طريقة إخراج الإعلان الدستوري الصادر في 13/3/2025 وإلى تفاصيل تفاصيل مواده، نجد أنَّ السيد أحمد الشرع الرئيس المؤقت لسورية، قد نهج في طريقة إخراجه، من أجل الحصول على الشرعية الدولية أو الداخلية، طريقًا مغايرًا لما رسمه المجتمع الدولي، وبالتالي من غير المتوقع أن يحصل على الشرعية، حيث استند في هذ الإخراج على ما يسمى بالشرعية الثورية، وأيضًا على مشروعية الامر الواقع، وعلى مبدأ من (يحرر يقرر) وفق تصريحات أكثر من مسؤول بالإدارة الجديدة. 

4 – وفق الانظمة الدستورية، اعتمد الإعلان المذكور على النظام الرئاسي لسورية خلال المرحلة الانتقالية، غير أنَّه تجاوزها كما هو متعارف عليه دستوريًا لجهة توزيع الصلاحيات والاختصاصات، فمُنح رئيس الجمهورية بموجبه صلاحيات واسعة وسيطرة كاملة على السلطات الثلاثة في الدولة، وهي تشابه الى حد كبير الصلاحيات التي كانت ممنوحة للرئيس الهارب وقد تتجاوزها في بعض المواد، وهو بذلك يذكّر الشعب السوري بدستور الأسد الأب عام 1973 الذي منح الرئيس صلاحيات مطلقة. 

5 – تنص المادة 3 منه في الأحكام العامة، على أنَّ الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع. صحيح أنَّ أكثر الشعب السوري من المسلمين، غير أننا نجد وفقًا لهذه المادة أن مصدري الاعلان المذكور تجاهلوا، بموجب نص تلك المادة، مفهوم الدولة الحديثة التي تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية بين كافة مكونات الشعب السوري، كما تجاهلوا حقيقة، أنَّ الشعب السوري متعدد المذاهب والاديان، وهو شعب موحَّد ومتجانس في مفهوم الوحدة الوطنية وفي مفهوم التعايش السلمي والأهلي، ويوحدهم الوطن والمواطنة السورية المتساوية. ومن الرجوع إلى دساتير الدولة السورية جميعها، منذ أن استقلت عن الدولة العثمانية وحتى سقوط نظام الأسد، لم ينص أي دستور على أنَّ الشريعة او الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، بل كان يرد هذا النص فيها في المرتبة الثالثة او بعدها كأحد مصادر التشريع عند غياب النص الدستوري او ما التزمت به الدولة بموجب القوانين والمعاهدات الدولية. فغالبية دساتير دول العالم التي تسعى الى بناء دولة حديثة تعطي للدستور المكتوب المرتبة الأولى في التشريع، ولكن يبدو أنَّ هيمنة الفكر الديني المتطرف على أغلب قيادات السلطة المؤقتة في سورية كان الدافع الرئيسي لوضع هذه المادة في الإعلان الدستوري، بهدف وضع حجر الاساس لدولة دينية والتأسيس لها ابتداء مع بدء المرحلة الانتقالية التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة لهيئة تحرير الشام، من جهة. ومن جهة أخرى، لم يذكر مشرّع الإعلان أي فقه إسلامي يرغب في أن يكون المصدر الرئيسي للتشريع في سورية، حيث أن الفقه الاسلامي متعدد ومتنوع كونه نتاج عقل الانسان. ومن جهة ثالثة، بحكم تنوع الشعب السوري مذهبيًا وعرقيًا وسياسيًا، فإنَّ تكريس هذه المادة دستوريًا، سيؤدي حكمًا الى عديد من التعقيدات السياسية والاجتماعية والمذهبية، ولن تساهم في تأمين الاستقرار ولا السلم الاهلي في الداخل السوري. إضافةً إلى أنها ستدفع العديد من دول العالم إلى أن تتخذ موقفًا متشددًا او عدائيًا من الشعب السوري الذي لا يزال يعاني ألمًا وجوعًا وتهميشًا من العقوبات المفروضة علية منذ زمن النظام البائد. 

6 – نصت المادة 3، فقرة أ من الأحكام العامة من الإعلان المذكور، على أنَّ دين رئيس الدولة الإسلام؛ حبّذَ لو أنَّ المشرّع تجاهل مثل هذا التوجه في الإعلان، لتناقضها مع نص المادة 10 منه التي تنص على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين او الجنس أو النسب. ومن جهة أخرى، وباعتبار أن أغلبية الشعب السوري من المسلمين، وفي حال حصول انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة للرئيس الدولة، فإنه في غالب الاحتمالات ضمن الظروف الراهنة سيكون الرئيس المنتخب مسلمًا. 

7 – في الباب الثاني من الحقوق والحريات، المادة 3 من الإعلان، ومن أجل تصويب هذه الفقرة أكثر، كان يتوجب على المشرّع أن ينص فيها أيضًا (لا يجوز منع مغادرة اي مواطن سوري موطنه أو وطنه أو منع سفره إلا بموجب حكم قضائي وليس بموجب أمر إداري). 

8 – لأهمية حرية العمل السياسي وحرية تشكيل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في بناء الدولة الحديثة الديمقراطية وتطورها، ويعتبر هذا الهدف في أغلب الدول الديمقراطية، هو حق وواجب على الدولة أن تؤمّن شروط نجاحه، وكان يُفترض بالمشرع في الإعلان الدستوري أن يقرر حرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والمدنية للشعب السوري الذي عانى خلال فترد حكم الأسد البائد من قمع الحريات ومنع العمل السياسي المعارض والحر لعقود من الزمن، لا أن يقيد هذا الحق في المادة 14 من هذا الاعلان إلى ما بعد صدور قانون الأحزاب، حيث أنَّ توجه مثل هذا لا يمكن تفسيره سوى بأنَّه استنساخ “فوتوكوبي” لقوانين الأسد المستبد البائد.

9 – تنص المادة ١٥ من الإعلان الدستوري على أن العمل حق للمواطن. أرى أنه لا معنى لتلك الصياغة الدستورية غير المكتملة، لأن حق العمل للإنسان هو حق طبيعي كفلته جميع الكتب السماوية والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان التي التزمت بها الدولة السورية. فكان الأجدر بالمشرّع أن يكون أكثر إنسانية في النص على تأمين حياة الانسان وكرامته ومستقبلة ومستقبل عائلته، وأن يفرض إلزامًا على الدولة أو الحكومة الانتقالية تأمين فرص العمل للمواطن السوري، وبما يتناسب مع خبراته وقدراته وكفاءته، ويمكّنه من العيش الكريم هو وأسرته، كما كان عليه ألا يتجاهل واجب الدولة في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة في تأمين سبل العيش الكريم لهم.

10 – تصويب للمادة 19 من الإعلان الدستوري، لتوفير الأمن والطمأنينة للمواطن، فكان يجب أن تكون صياغة هذه المادة: (منع دخول المنازل او تفتيشها إلا بموجب قرار قضائي)، أي أن يكون مثل هذا الأمر بنص دستوري ملزم عندما يوضع نص القانون أو القرار الإداري. 

11 – في المادة 21 من الإعلان الدستوري، لتحقيق المساواة والعدالة وتطوّر المجتمع السوري، ومن أجل تأكيد التزام الدولة السورية بالمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان، كان يتوجب بالمشرع في هذا الإعلان أن ينص على توسيع مشاركة المرأة السورية في دائرة صنع القرار السيادي السياسي والإداري والاقتصادي وفق معيار الكفاءة والتخصص.

12- تصويب للمادة 22 من الإعلان الدستوري، كان يتوجب ايضًا في هذه المادة أن يمنع تشغيل الأطفال دون سن الرابعة عشر. 

13 – المادة 23 من الإعلان الدستوري. يوجد في متن هذا الإعلان العديد من المواد التي تستوجب الصياغة الواضحة المانعة من التأويل، وكذلك العديد من المواد التي يحيل تطبيقها والالتزام بها الى أحكام القانون، حيث تلجأ دائما الأنظمة الاستبدادية الى هذا الأسلوب في صياغة النص الدستوري، فتبقيه غامضًا وقابلًا للتفسير او التأويل، أو تحيل الالتزام بتطبيقه وتنفيذه إلى أحكام القانون بعد صدوره، حيث يتم اللجوء الى هذا الأسلوب في صياغة النص الدستوري إمّا للهروب من البعد الحقيقي لمعنى النص أو لإعطاء أعضاء مجلس الشعب مساحة وفرصة لحرف النص الدستوري عبر إصدار قانون يحقق اهداف سياسية للحكومة الاستبدادية، وغالبًا يتم اللجوء الى هذا الأسلوب عند غياب دور المحكمة الدستورية التي تمارس الرقابة على القوانين والمراسيم والقرارات وتوافقها مع روحية احكام الدستور، لذلك يتوجب دائما ضبط النص القانوني وفق احكام واهداف النص الدستوري.

 14 – المادة 24 من الإعلان الدستوري. نجد في هذه المادة أن دور السلطة التشريعية شبه معدوم الصلاحية، وهي خاضعة كليًا للسلطة التنفيذية ولرئيس الجمهورية الذي يعين ثلث الأعضاء فيها من جهة، ومن جهة أخرى خاضعة الى اللجنة التي يعينها رئيس الجمهورية، كما نجد في هذا النص أن السلطة التشريعية لا تملك سلطة الرقابة ولا التحقيق على أعمال السلطة التنفيذية أو أحد اعضاءها، وأيضًا نجد في نص المادة 30 الأسوأ من ذلك، حيث أنَّ القانون الذي تشرعه ويتم اعادته إليها بعد اعتراض رئيس الجمهورية عليه فإنه يستوجب موافقة ثلثي أعضاء المجلس عليه مجددًا ليتم اصداره، وهذه الحالة تكون شبه مستحيلة التحقيق. 

15 – المادة 50 من الإعلان الدستوري، وفيها تم تحديد مدة المرحلة الانتقالية بخمسة سنين، وهي مدة طويلة جدًا، ولا تتوافق مع رغبات المجتمع الدولي ولا مع طموحات الشعب السوري الذي يحلم بأن يعيش في ظل دستور ديمقراطي دائم يتم إقراره من الشعب عبر استفتاء شعبي يتسم بالشفافية والنزاهة ويخضع إلى مراقبة دولية ومنظمات حقوقية. وفي هذا السياق لا يمكن تفسير هذا التوجه في إطالة المدة الانتقالية إلا بتكريس الأمر الواقع مع الأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمذهبية التي تتطلع إليها الإدارة الحالية لما بعد المرحلة الانتقالية. 

باختصار، يمكن القول إنَّه مع تعدد الأزمات والملفات المعقدة التي يعيشها الشعب السوري بعد انهيار النظام الأسديّ الاستبدادي التي تتطلب توافر وتضافر جهود جبارة من كافة أطياف ومكونات الشعب السوري لوضع الحلول لها  وتجاوزها، فإنَّ هذا الإعلان الدستوري جاء مخيبًا لطموح وآمال الشعب ودون رغباته في ولادة دولة جديدة ديموقراطية في سورية.