افتتاحية العدد :
نحو سوريا جديدة لكلّ السوريين، قولًا وفعلًا
بعد سقوط دمشق من يدي الدولة العثمانيّة، في يوم 1 تشرين الأول 1918، أعلن الأمير فيصل بن الحسين، قائد الجيوش العربيّة الشمالية في قوات الحلفاء، عن تشكيل حكومة دستورية عربية مستقلة تشمل جميع “البلاد السورية” في 5 تشرين الأول 1918، برئاسة رضا الركابي، و كان أهم ما حدث خلال عهد “الحكومة العربية” هو انتخاب “المؤتمر الوطني ” عام 1919، وهو أول سلطة تشريعية في الوطن العربي وأول برلمان منتخب في سوريا، و” المؤتمر الوطني”، والذي انعقد بكامل أعضائه في 6 آذار 1920، هو الذي قام في جلسة، برئاسة هاشم الأتاسي، باختيار الأمير فيصل ملكًا في 8 آذار 1920، بعد أن أعلن قيام الدولة السورية الأولى، وقام بتكليف الركابي بتشكيل حكومة جديدة، ثم هو الذي كلّفه الملك فيصل بوضع دستور للبلاد (ستيفن لونغريغ: “تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي”، دار الحقيقة، بيروت 1978،ص126)، وقد تحوّل المؤتمر نفسه إلى مجلس نيابيّ تطلب أول حكومة بعد الاستقلال الثقة منه. وعمل المجلس، منذ 20 أيار عام 1920 على مناقشة “القانون الأساسي” أو الدستور السوريّ بالتفصيل، بعد أن رُفض اقتراح التصويت عليه دفعة وحدة. وقد رأت النخبة السورية، وقتئذٍ، أنَّ إعلان الاستقلال واعتماد دستور سوريّ متقدّم يحمي الأقليات، له أن يُنقذ البلاد من أي تدخل خارجي بحجّة “حماية الأقليات”.
على الرغم مما أثاره المؤتمر الوطني السوري من استياء لدى الفرنسيين، إلّا أنَّ أعضاء المؤتمر تابعوا مناقشة بنود الدستور السوريّ حتى 17 تموز 1920، أي حين كانت القوات الفرنسية على مقربة من ميسلون، لتجري بعدها معركة ميسلون في 24 تموز من العام نفسه، ويتكرس الاحتلال الفرنسيّ لسوريا باسم “الانتداب”. وكان دستور عام 1920 يرسي قاعدتين مهمتين للدفاع عن استقلال سوريا، هما التأكيد على نظام حُكم مدنيّ برلماني دستوري، ولا مركزيّ. وتكشف المؤرخة الأميركية إليزابيث ف. تومبسون في كتابها “كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب: المؤتمر السوري في عام 1920 وتدمير التحالف التاريخي الليبرالي – الإسلامي فيه” كيف تم تكليف القوات الفرنسية المحتلة لدمشق بأن تسيطر على مقرّ المؤتمر الوطني السوري وتصادر ما فيه من وثائق، لتمحو هذه التجربة الرائدة.
لم يكن الجلاء في 17 نيسان 1946، بعد نهاية العصر الاستعماريّ في سوريا، سوى ثمرة لجهود تلك النخب ومساعيها نحو الاستقلال والتأكيد على أنَّ سوريا لكلّ مواطنيها.
بنفس روحية التاريخ التأسيسيّ الأول لسوريا، فإنَّنا هذه المرة، بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، بحاجة إلى تأسيس جمهورية سورية جديدة، تخلف سوريا 1946، على أن يبدأ مسار تشكّلها بمراجعة سلطة الأمر الواقع لكلّ نهجها في ما تعتبره مسار الانتقال السياسيّ الذي مضت فيه إلى الآن، لتلافي كل ما فيه من هنات وثغرات لن تؤدي إلى خلق واقع مستقر مستدام. فلا يُمكن لمؤتمر حوار استشاريّ أن يكون بديلًا عن مؤتمر وطنيّ عام يرسم ملامح المرحلة الانتقالية بكل مضامينها. ولا يُمكن للجنة معيّنة من رئيس المرحلة الانتقالية أن تمثّل آمال وطموحات السوريين في الانتقال الديمقراطيّ الآمن للبلاد لتكون مثل لجنة تنبثق عن مؤتمر عام شامل. وبالتأكيد، لا يُمكن لكثير من مواد الإعلان الدستوريّ التي تنطوي على غموض أو يُمكن تأويلها بأشكال متعددة أن تؤسس لحرية خرج ملايين السوريين منادين بها في كلّ الميادين والشوارع.
افتتاحية العدد 98 المسار :
نحو سوريا جديدة لكلّ السوريين، قولًا وفعلًا
بعد سقوط دمشق من يدي الدولة العثمانيّة، في يوم 1 تشرين الأول 1918، أعلن الأمير فيصل بن الحسين، قائد الجيوش العربيّة الشمالية في قوات الحلفاء، عن تشكيل حكومة دستورية عربية مستقلة تشمل جميع “البلاد السورية” في 5 تشرين الأول 1918، برئاسة رضا الركابي، و كان أهم ما حدث خلال عهد “الحكومة العربية” هو انتخاب “المؤتمر الوطني ” عام 1919، وهو أول سلطة تشريعية في الوطن العربي وأول برلمان منتخب في سوريا، و” المؤتمر الوطني”، والذي انعقد بكامل أعضائه في 6 آذار 1920، هو الذي قام في جلسة، برئاسة هاشم الأتاسي، باختيار الأمير فيصل ملكًا في 8 آذار 1920، بعد أن أعلن قيام الدولة السورية الأولى، وقام بتكليف الركابي بتشكيل حكومة جديدة، ثم هو الذي كلّفه الملك فيصل بوضع دستور للبلاد (ستيفن لونغريغ: “تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي”، دار الحقيقة، بيروت 1978،ص126)، وقد تحوّل المؤتمر نفسه إلى مجلس نيابيّ تطلب أول حكومة بعد الاستقلال الثقة منه. وعمل المجلس، منذ 20 أيار عام 1920 على مناقشة “القانون الأساسي” أو الدستور السوريّ بالتفصيل، بعد أن رُفض اقتراح التصويت عليه دفعة وحدة. وقد رأت النخبة السورية، وقتئذٍ، أنَّ إعلان الاستقلال واعتماد دستور سوريّ متقدّم يحمي الأقليات، له أن يُنقذ البلاد من أي تدخل خارجي بحجّة “حماية الأقليات”.
على الرغم مما أثاره المؤتمر الوطني السوري من استياء لدى الفرنسيين، إلّا أنَّ أعضاء المؤتمر تابعوا مناقشة بنود الدستور السوريّ حتى 17 تموز 1920، أي حين كانت القوات الفرنسية على مقربة من ميسلون، لتجري بعدها معركة ميسلون في 24 تموز من العام نفسه، ويتكرس الاحتلال الفرنسيّ لسوريا باسم “الانتداب”. وكان دستور عام 1920 يرسي قاعدتين مهمتين للدفاع عن استقلال سوريا، هما التأكيد على نظام حُكم مدنيّ برلماني دستوري، ولا مركزيّ. وتكشف المؤرخة الأميركية إليزابيث ف. تومبسون في كتابها “كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب: المؤتمر السوري في عام 1920 وتدمير التحالف التاريخي الليبرالي – الإسلامي فيه” كيف تم تكليف القوات الفرنسية المحتلة لدمشق بأن تسيطر على مقرّ المؤتمر الوطني السوري وتصادر ما فيه من وثائق، لتمحو هذه التجربة الرائدة.
لم يكن الجلاء في 17 نيسان 1946، بعد نهاية العصر الاستعماريّ في سوريا، سوى ثمرة لجهود تلك النخب ومساعيها نحو الاستقلال والتأكيد على أنَّ سوريا لكلّ مواطنيها.
بنفس روحية التاريخ التأسيسيّ الأول لسوريا، فإنَّنا هذه المرة، بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، بحاجة إلى تأسيس جمهورية سورية جديدة، تخلف سوريا 1946، على أن يبدأ مسار تشكّلها بمراجعة سلطة الأمر الواقع لكلّ نهجها في ما تعتبره مسار الانتقال السياسيّ الذي مضت فيه إلى الآن، لتلافي كل ما فيه من هنات وثغرات لن تؤدي إلى خلق واقع مستقر مستدام. فلا يُمكن لمؤتمر حوار استشاريّ أن يكون بديلًا عن مؤتمر وطنيّ عام يرسم ملامح المرحلة الانتقالية بكل مضامينها. ولا يُمكن للجنة معيّنة من رئيس المرحلة الانتقالية أن تمثّل آمال وطموحات السوريين في الانتقال الديمقراطيّ الآمن للبلاد لتكون مثل لجنة تنبثق عن مؤتمر عام شامل. وبالتأكيد، لا يُمكن لكثير من مواد الإعلان الدستوريّ التي تنطوي على غموض أو يُمكن تأويلها بأشكال متعددة أن تؤسس لحرية خرج ملايين السوريين منادين بها في كلّ الميادين والشوارع.
ما تزال السلطة الجديدة تملك فرصةً تاريخيةً لتساهم في عبور البلاد إلى برّ الأمان، غير أنَّ هذه الفرصة مرهونة بخطوات عدّة تبدأ بالتشاور مع القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية، دون إقصاء، للدعوة إلى مؤتمر وطنيّ عام يملك صلاحيات حقيقية في رسم خريطة طريق الفترة الانتقالية، ومن ثم الاشراف على عملية تنفيذها، على أن يكون هناك في فترة الانتقال ترسيخًا لمبدأ المواطنة بالقول والفعل، ولمبدأ الحريات الشاملة في تأسيس الأحزاب والتعبير والتظاهر والإضراب، مع العمل على إعادة هيكلة الجيش والشرطة على نحوٍ عصريّ واحترافيّ دون إقصاء أحد، وكلّ ذلك وفق مبادئ القرار الأمميّ رقم 2254، ولن تبدأ هذه السيرورة سوى بمراجعة السلطة للخطوات التي قطعتها في خلال الأشهر القليلة المنصرمة. ولا يزال كثير من السوريين ينتظرون من السلطة أن تتخذ موقفًا عادلًا حازمًا إزاء ما حدث من مجازر وانتهاكات بحق مدنيين على الهوية الطائفية في الأيام التي أعقبت محاولة التمرد المسلّح التي قامت بها عناصر من فلول النظام السابق وقتلها لمئات العناصر من الأمن العام والجيش، لعلها تكون المرة الأولى التي تكون الضحية ضحية بعيدًا عن أيّ حسابات سياسية وعقائدية منذ عقود شهد فيها السوريين مجازر كثيرة بحق المدنيين، وغيرهم، مرت دون أيّ محاسبة. وليس ما حدث في 6 آذار وما بعدها بأيام، إلّا تأكيد آخر على ضرورة انتقال سياسي سوريّ شامل، يقوده السوريون، بعيدًا عن أيّ تكريس لسلطة الفرد، لإنقاذ البلاد والعبور الآمن نحو سوريا جديدة لكلّ السوريين، قولًا وفعلًا.ما تزال السلطة الجديدة تملك فرصةً تاريخيةً لتساهم في عبور البلاد إلى برّ الأمان، غير أنَّ هذه الفرصة مرهونة بخطوات عدّة تبدأ بالتشاور مع القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية، دون إقصاء، للدعوة إلى مؤتمر وطنيّ عام يملك صلاحيات حقيقية في رسم خريطة طريق الفترة الانتقالية، ومن ثم الاشراف على عملية تنفيذها، على أن يكون هناك في فترة الانتقال ترسيخًا لمبدأ المواطنة بالقول والفعل، ولمبدأ الحريات الشاملة في تأسيس الأحزاب والتعبير والتظاهر والإضراب، مع العمل على إعادة هيكلة الجيش والشرطة على نحوٍ عصريّ واحترافيّ دون إقصاء أحد، وكلّ ذلك وفق مبادئ القرار الأمميّ رقم 2254، ولن تبدأ هذه السيرورة سوى بمراجعة السلطة للخطوات التي قطعتها في خلال الأشهر القليلة المنصرمة. ولا يزال كثير من السوريين ينتظرون من السلطة أن تتخذ موقفًا عادلًا حازمًا إزاء ما حدث من مجازر وانتهاكات بحق مدنيين على الهوية الطائفية في الأيام التي أعقبت محاولة التمرد المسلّح التي قامت بها عناصر من فلول النظام السابق وقتلها لمئات العناصر من الأمن العام والجيش، لعلها تكون المرة الأولى التي تكون الضحية ضحية بعيدًا عن أيّ حسابات سياسية وعقائدية منذ عقود شهد فيها السوريين مجازر كثيرة بحق المدنيين، وغيرهم، مرت دون أيّ محاسبة. وليس ما حدث في 6 آذار وما بعدها بأيام، إلّا تأكيد آخر على ضرورة انتقال سياسي سوريّ شامل، يقوده السوريون، بعيدًا عن أيّ تكريس لسلطة الفرد، لإنقاذ البلاد والعبور الآمن نحو سوريا جديدة لكلّ السوريين، قولًا وفعلًا.
