كيف تصنع الطغاة؟ – محمد كويفاتي

يرى بعض الناس أن الإنسان بفطرته يميل نحو التقديس بغض النظر عن ماهية المقدَّس سواءً كان كتابًا أو دينًا أو شخصًا، وتقديس الأشخاص هو أخطر أنواع المقدسات، ويشكّل خطرًا سيكولوجيًا واجتماعيًا، وقد ينبع تقديس بعض الناس لشخص من رغبتهم في الانتماء إلى جماعة. في هذه الحالة، يرتدي هؤلاء نظارة وردية ويرون أنّ الحياة مزدهرة ومقدَّسهم يخلو من أيّ عيب أو خطأ، وهنا يستغل الطغاة حالة التغييب هذه للوصول إلى ما يريدون أمام أعين المجتمع بأكمله، خصوصًا إن كانت هذه الحالة مدّعمة بهجمة إعلانية وإعلامية كبيرة فيصل الطاغية ما يريد على طبق من ذهب. ونحن الآن، كسوريين، بعد أن نضجت ثمرة ثورتنا ونلنا حريتنا علينا أن نغير ما كنا عليه بشكل جذري، لا سيّما تقديس الشخصيات والأشخاص، ولا يجب أن نكرر خطأ بني إسرائيل يوم نجوا بأنفسهم من فرعون، فراحوا بعدها وعبدوا العجل. لكننا الآن نعيش في وضع مقلق، لأن عديد من السوريين تغيروا تغيرًا جذريًا، فعلى سبيل المثال، نرى الآن عديد من الإعلاميين والناشطين المعارضين قد أصبحوا مؤيدين للسلطة الحاكمة وتحوّلوا إلى أبواق إعلامية لجهات معيّنة. وكثيرين ممن كانوا يدعون المعارضة وتمثيلهم للشعب، غيروا مساراتهم أو مبادئهم وقيمهم، وصاروا إلى جانب من يعطيهم حصة من الكعكة متناسين حقوق الشعب السوريّ.

المرحلة الثانية لصناعة الطاغية هي أن يكون الجيش و الجنود في صف القائد وهدفه حماية الرئيس والنظام بدلًا من حماية الوطن و الشعب. وكما رأينا عند سقوط الأسدكيف  تخلى الجيش السوري, والفرقة الرابعة تخلت عن أماكن خدمتهم وهربوا خارج البلاد وانتشرت أخبار عن أنهم يبيعون سلاحهم في لبنان مقابل 20 دولار، وهذا ليس بالمستبعد لأنهم لم يكون هدفهم الدفاع عن الوطن بهذا السلاح، إنما حماية النظام،  وبعد هروب الرئيس أصبح هذا السلاح بلا قيمة. كما يدفع الطغاة الجنود والضباط إلى أن يظنوا أنفسهم مختلفين عن بقية فئات الشعب وأنهم أعلى مستوى منه، وإن تكرر هذا الأمر، فسوف يسحب الشعب السوريّ إلى مستنقع جديد من التمييز والانتهاكات لحقوق المواطنين من جديد، وهذا أكثر ما علينا أن نرفضه كسوريين على اختلاف أطيافنا، فلا نريد تكرار تجربة العيش في ظل القوانين الاستثنائية والاعتقالات التعسفية، كما لا نريد إعادة تشكيل منظومات فاسدة تقوم على الرشاوى والفساد. لذلك، يجب التأكيد على أن من يتولى السلطة هو موظف في الدولة يخدم الوطن والشعب، ليس أكثر من ذلك.

المرحلة الثالثة، والأهم، لتشكّل الطغاة تبدأ برفضهم الاعتراف بأي قوة سياسية أخرى في البلاد، والإصرار على التعامل معهم كأفراد وليس كقوة منظّمة تمثّل فكر ومصالح شريحة من المجتمع السوريّ، ورفض الحوار مع هذه القوى أو الاجتماع معها. وهذا يدلّ على أنَّ هناك طاغية يريد أن ينفرد وحده بالسلطة وكتابة دستور، بدلًا من إنشاء دولة تضم الأطياف السورية جميعها بمختلف توجهاتها وأفكارها.

وفي المرحلة التي تأتي بعد تفصيل الدستور على حسب مزاج الحزب الحاكم أو الرئيس المفترض من أجل أن تكون القوانين تتماشى مع أفكار الحزب و الخطة السياسية الخاصة به، يكون هناك قانون يُسمى قانون الأحزاب، غير أنَّه في هذه الحالة يمنع كثير من الأحزاب ويلغي أي عمل سياسي تغييريّ، والحزب الذي يريد أن يكوّن لنفسه كيانًا وهيئةً عليه أن ينطوي تحت جناح الحزب الحاكم أو يدور في فلكه . وفي هذه الحالة ينشأ لنا برلمان و أعضاء مجلس شعب مطواعين وتكون اجتماعاتهم عبارة عن مسرحية، تصفيق وتهليل ومدح بالقيادة والحاكم، ولا ينشأ برلمان و حكومة فعلية تمثّل الشعب ويُمكن لها أن تعارض القرارات التي تصدر عن الحزب الحاكم بسبب اختلافها مع مصالح البلاد أو الشعب السوري.

الآن، علينا كشباب سوريّ، نتمتع بالقوة و روح الشباب أن نعمل ونتواصل مع بعضنا البعض وأن نكون يدًا واحدة، وإذا لم نتفق بكل النقاط و الأفكار، فهذا ليس بالأمر السيئ، بل هو دليل صحة وعافية، لأننا لا نستطيع التطوّر والتقدّم من دون اختلاف. فالرعب و الخوف قد ذهب، والآن زمن العمل و زمن الكفاح والتصدي للتدخلات الخارجية والفاشية في بلادنا، وعلينا ألا نسمح لأي شخص، مهما كان، أن يحرّض على أحد أبناء وطننا أو أن ينتهك حقوق فئة من فئات مجتمعنا، مهما كان الاختلاف. وعلينا أن نفهم أن سوريا وطننا وبلدنا وليست ملكا لأحد.

وتحيا الحرية.