

رحيل مناضل :
الرفيق صبحي أنطون وداعاً…
في يوم 12تشرين الثاني2024توفي في مدينة سيدني الأوسترالية الرفيق صبحي أنطون (أبويسار) عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي) بين المؤتمرين الرابع والخامس للحزب1973-1978.
الرفيق صبحي أنطون من مواليد مدينة الحسكة في عام1937. انتسب للحزب الشيوعي السوري في عام1955، وكان من الكوادر الأساسية في منطقية الجزيرة. اعتقل في حملة الاعتقالات التي شنت ضد الحزب منذ يوم رأس سنة 1959وظل في سجن المزة حتى شهر تشرين الأول1961عندما أفرج عنه مع باقي المعتقلين الشيوعيين بعد حصول الانفصال السوري- المصري، وكان الرفيق أبويسار واحداً من المعتقلين الذين تعرضوا لأشد التعذيب من قبل مخابرات عبدالحميد السراج ومن أكثرهم صموداً. استقبل استقبالاً حافلاً عندعودته للحسكة بعد الافراج عنه وظل أبناء المدينة يذكرون هذا الاستقبال لعقود. كان من المساهمين الرئيسيين في إعادة ترميم منطقيتي الجزيرة وديرالزور للحزب بعد ضربة الاعتقالات. كان الرفيق أبويسار من أول من طرح منذ أواسط الستينيات مقولة استقلالية الحزب الشيوعي السوري عن الاتحاد السوفياتي وكان الشيوعي السوري الوحيد الذي تجرأ في صيف1968على معارضة وإدانة التدخل السوفياتي العسكري في تشيكوسلوفاكية لضرب توجهات شيوعية استقلالية كانت سائدة في الحزب هناك بزعامة الأمين العام للحزب ألكسندر دوبتشيك، وبسببها نفي أبويسار بأمر من خالد بكداش من الحسكة إلى دمشق ومن ثم حمص بوصفه متفرغاً حزبياً يأخذ راتبه من الحزب. في فترة أزمة الحزب أيار1971-نيسان1972كان الرفيق أبويسار في لجنة سرية مع رفاق آخرين من أجل ترتيب الأوضاع التنظيمية لمواجهة تكتل خالد بكداش- يوسف فيصل الذي ظهر في تلك الأزمة بدعم من موسكو التي أرسلت “الملاحظات السوفياتية على مشروع البرنامج السياسي للحزب” في شهر أيار1971وهو ماكان الفتيل الذي أشعل أزمة الحزب. بعد انشقاق كتلة خالد بكداش- يوسف فيصل في يوم 3نيسان1972، التي كانت أقلية في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي وفي الجسم الحزبي العام ولكن مدعومة من السوفييت ، كان الرفيق أبويسار أساسياً في الحزب وفي بناء الحزب الشيوعي السوري( المكتب السياسي) وقد انتخب عضواً في اللجنة المركزية بالمؤتمر الرابع في كانون الأول1973التي انتخبته عضواً في المكتب السياسي وظل في منصبه هذا حتى المؤتمر الخامس الذي انعقد في الشهر الأخير من عام1978.
كان رأي الرفيق أبويسار بين المؤتمرين الرابع والخامس أنه لايكفي أن يستقل الشيوعيون السوريون عن موسكو تنظيمياً وأن يخالفوها هي وبكداش في قضايا (الوحدة العربية) و(فلسطين) و(الموقف من السلطة)، بل يجب أن تترافق هذه القضايا للخلاف مع رؤية ماركسية جديدة تختلف عن الماركسية السوفياتية تكون هي الأساس النظري- الفكري للخط السياسي، وهو مااختلف فيه مع الأمين الأول للحزب الرفيق رياض الترك( أبوهشام) ، كمااختلف معه بعد عام1976على أن تبني (مقولة الديموقراطية) من دون مزجها مع رؤية ماركسية جديدة قريبة للشيوعية الأوروبية التي عارضت اللينينية بماركسية كارل ماركس وأنطونيو غرامشي سيقود الحزب إلى (الليبرالية)، وهو ماكان الرفيق أبويسار يذًكِر به في عام2005عندما أنشأ رياض الترك (حزب الشعب) وتخلى عن الماركسية وعن اسم الحزب واتجه نحو الليبرالية، كماأن الرفيق أبويسار عارض الرفيق أبوهشام في أن أي تصعيد سياسي ضد السلطة من دون بنية تنظيمية موائمة، وبحيث يكون التنظيم عربة قادرة على حمل حمولة الخط السياسي التصعيدي ، سيقود الحزب إلى التحطم التنظيمي وهو ماكان جوهر مداخلة الرفيق أبويسار في المؤتمر الخامس ، ولكنه كان أقلية في المؤتمر ، حيث ترك الحزب بعد المؤتمر وأسس مع رفاق آخرين، منهم الرفيق يوسف نمر ، ” حركة اتحاد الشيوعيين”، ولكن عندما أرادت غالبية هذه الحركة الانضمام إلى جناح يوسف فيصل المنشق عن حزب خالد بكداش بصيف1986رفض الرفيق أبويسار الانضمام إلى تنظيم له علاقات جبهوية مع السلطة ، واعتزل السياسة.
كل من عرف الرفيق صبحي أنطون لفت نظره ثقافته الواسعة وقدراته الفكرية الكبيرة ، وهما ماكان يفتفدهما الكثير من قادة الحزب الشيوعي السوري ، حيث تقتصر القدرات عند أغلبهم على السياسة والتنظيم ، وبعضهم الكثير يكون عنده واحدة منهما. كماكانت تلفت النظر في الرفيق أبويسار أخلاقه السمحة والتي تبتعد عن الشتم وتنابذ الألقاب واحترام المختلف في الفكر والسياسة سواء كان خالد بكداش أم رياض الترك أوغيرهما.
الرفيق أبويسار عاش ماركسياً – شيوعياً حتى يومه الأخير.
الحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي)
——————————————–
الافتتاحية:
لاأنور السادات ولاحسن نصر الله – يحيى السنوار
تفصل خمسة أشهر بين توقيع اتفاقيات كامب دافيد ووصول الخميني للسلطة في 11شباط1979، وعملياً بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في أواخر شهر آب1982بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان فإن ياسر عرفات اتجه نحو خط التسوية مع اسرائيل وهو ماتجسد في اتفاقية أوسلو عام1993، وهو ماجعله في خط (التطبيع) الذي بدأه الرئيس المصري أنور السادات في (كامب دافيد)، فيمانشأ ( حزب الله) مباشرة عقب خروج منظمة التحرير من الجنوب ولبنان، وليس صدفة أن يكون عماد مغنية، أحد مؤسسي حزب الله والقائد العسكري له حتى عام2008، عضواً سابقاً في حركة فتح.
عملياً مع السادات تم تأسيس “خط التطبيع العربي” مع اسرائيل، ومع حزب الله تم تدشين ” خط المقاومة والممانعة” الذي اندرجت لاحقاً فيه حركتا حماس والجهاد في فلسطين، وكل من هذين الخطين قد امتد إلى تأسيس أطروحات فكرية – سياسية لتسويغ نفسه، وبالمحصلة فإن خط التطبيع قد امتد لخارج الأنظمة العربية لكي يشمل اتجاهات سياسية خارج السلطات العربية المطبِعة حيث انخرط فيه يساريون وليبراليون، فيما خط الممانعة كان يشمل نطاقاً أوسع من حزب الله وحماس والجهاد لكي يشمل يساريين وعروبيون واسلاميون ، وخريطة الاتجاهين يمكن تلمسها من الخليج إلى المحيط.
من المفارقات أن يحيى السنوار ، مخطط وقائد عملية 7أوكتوبر2023، قد ضرب الاتجاهين بالحائط، وهو حسب كثير من المؤشرات كان يهدف من عملية 7أوكتوبر ضرب محاولة التطبيع السعودية مع اسرائيل كأحد الأهداف الرئيسية للعملية، وهو قد نجح في ذلك، إلاأنه لم يكن يدري بأن (7أوكتوبر) ستصيب مقتلاً من ” خط المقاومة والممانعة” وتضع حركة حماس في وضع من الهزيمة العسكرية في غزة ومن الهزيمة السياسية في خريطة السياسة الفلسطينية، وتضع حزب الله الذي دخل في ” المشاغلة والمساندة لغزة في 8أوكتوبر” في أول هزيمة عسكرية له أمام اسرائيل مماينذر بتدفيعه ثمناً سياسياً مماثلاً في خريطة السياسة اللبنانية، بينما ايران الذي بدأت مدها الاقليمي مع نتائج حرب تموز2006تجد نفسها في حالة من الجزر الاقليمي بعد نتائج 7أوكتوبر والهزيمة العسكرية- السياسية لكل من حركة حماس وحزب الله.
قبل أسبوعين من 7أوكتوبر2023قال الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ، وفي مقابلة مع شبكة ” فوكس نيوز”، أن ” التطبيع مع اسرائيل يقترب يوماً بيوم”، من دون أن يشير إلى مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية في القمة العربية ببيروت عام2002ونصت على ” سلام وتطبيع عربيان مع اسرائيل مقابل حل القضية الفلسطينية على أساس إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون القدس الشرقية عاصمتها مع حل قضية اللاجئين الفلسطينيين”، وكان الأمير السعودي قد وقع في 9أيلول2023على مشروع الجسر- الكوريدور البري الممتد بأتوسترادات وسكك حديد لنقل البضائع وأنابيب نفط- غاز- وطاقة هيدروجينية من الساحل الاماراتي عند خليج عُمان حتى ميناء حيفا عبر السعودية – الأردن – النقب – غلاف غزة – عسقلان- تل أبيب- حيفا ، وبالاتجاهين، لكي يوصل هذا الجسر – الكوريدور بين الساحلين الهندي والايطالي ولكي يكون هذين الساحلين نقطة منتهى- بداية لبضائع تصدر أوتستورد حتى ميانمار- تايلاند- ماليزيا- سنغافورة من الجانب الهندي ومن الساحل الايطالي إلى ومن عموم القارة الأوروبية والجزيرة البريطانية. .
قبل قليل من الذكرى السنوية الأولى ل(7أوكتوبر) تم انشاء ” تحالف دولي لحل الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية” يضم تسعون دولة ومنظمة بمبادرة من السعودية والنرويج مع مشاركة كل دول الاتحاد الأوروبي ومن بريطانية التي أعطى وزير خارجيتها دافيد كاميرون مايشبه ” وعد بلفور جديد” للفلسطينيين بعد أسابيع من (7أوكتوبر2023)، ثم تبعه الرئيس الأميركي جو بايدن في خط (حل الدولتين)، مع دول أخرى. هذه المبادرة السعودية هي على خط جديد غير خط التطبيع العربي الذي بدأ مع مصر، ثم الأردن 1994والإمارات والبحرين والمغرب عام2020، عندما لم يشترط مع التطبيع (حل الدولتين)، وحتى في مشروع التطبيع السعودي- الاسرائيلي ، الذي رعته واشنطن منذ أيار2023، لم يشترط (حل الدولتين)من السعوديين، وكان من الواضح من ( مشروع الكوريدور) الذي كان جوهر الموضوع، أن التطبيع سيمر قطاره من دون حل القضية الفلسطينية وأن السعوديين سينسون مبادرة قمة بيروت، وكان من الواضح في أيلول2023أن ولي العهد السعودي سيمضي وفق معادلة (السلام مقابل السلام) التي يقول بها نتنياهو وليس وفق معادلة (الأرض مقابل السلام) التي هي جوهر المبادرة التي قدمها عمه الأمير- الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت.
ولكن عالم مابعد7أوكتوبر قد تمت قراءته جيداً في الغرب الأميركي- الأوروبي وخاصة في الجسر الواصل بينهما الذي اسمه (بريطانية)، حيث أن ورثة أرثر بلفور قد أدركوا مقدار زعزعة القنبلة التي زرعوها بالمنطقة ، والتي اسمها دولة اسرائيل، للسلام العالمي والاقليمي، ولخطر تحول الصراع العربي- الاسرائيلي إلى ” صراع بين قرآن محمد وتوراة موسى” وفق ماأراده الخميني وخامنئي وحسن نصر الله والشيخ أحمد ياسين ويحيى السنوار ووفق ماحذرت منه صحيفة “التايمس” البريطانية عام1922. حيث تمت قراءة (7أوكتوبر) أنه انفجار أحدثته عملية تأجيل القضية الفلسطينية ، وعلى مايبدو تم الوصول لاستنتاجات في واشنطن ولندن وبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي بأن السلام في منطقة الشرق الأوسط ،التي وصفها الجنرال ديغول بأنها “قلب العالم”، لايمكن أن يتحقق من دون حل القضية الفلسطينية، وأن المنطقة ستظل مضطربة والعالم معها من دون هذا الحل، كماأن هناك دول مثل ايران تعيش على هذا الاضطراب من أجل تحقيق ماتريد عبر استخدام ذلك الاضطراب ، هذا غير احتمال تحقق ماقال عنه صموئيل هنتنغتون في التسعينيات من ” صدام الحضارات” الذي يمكن أن تكون القضية الفلسطينية أحد صواعق اشتعاله، بكل مايحويه “صدام الحضارات” من تفريخ لمنظمات مثل “القاعدة” و”داعش” ولعمليات مثل(11سبتمبر) كان فاعلوها من الذين عاشوا في الغربين الأوروبي- الأميركي وكان تخطيطها قد بدأ من “خلية هامبورغ”.
وهنا يجب التذكير أن يحيى السنوار يشترك مع بنيامين نتنياهو في رفض (حل الدولتين) ويشاركهما في ذلك حسن نصر الله وأولاً على خامنئي ومن قبله الخميني.
في الضفة الأخرى من المشهد ، قاد ” طوفان الأقصى”إلى ضرب “جبهة المقاومة والممانعة” بالحائط . فلسطينياً كان صعود حركة حماس مبنياً على فشل حل (أوسلو) وعلى أنقاضه، فياسر عرفات ومحمود عباس لم يجدا شريكاً اسرائيلياً بل وجدا أمامهما إرييل شارون وبنيامين نتنياهو وكلاهما في أحاديث علنية أمام وسائل الاعلام اعتبرا أن اتفاقية أوسلو كانت “كارثة على اسرائيل” وهما قد اغتالاها من خلال فرض حقائق اسرائيلية جديدة عبر الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعملياً نتنياهو أثناء توليه لرئاسة الوزراء بين عامي2009و2021ثم لماعاد لهذا المنصب في الأسبوع الأخير من عام2022وحتى صباح يوم 7أوكتوبر2023كان يشعر بأن الانقسام الفلسطيني بين رام الله وغزة مفيداً له من أجل أن يقول للمجتمع الدولي أن “لاشريك فلسطيني”، وهو كان راضياً عن حكم حماس في قطاع غزة وسمح بتغذيته بالدولارات القطرية التي كانت تأتي بحقائب كل شهر عبر مطار اللد. صعدت حركة حماس من خلال فشل اتفاقية أوسلو ، وليس من انجازات حققتها، وهي لم تؤلم اسرائيل سوى بيوم 7أوكتوبر 2023زائد تفجيرات ربيع1996 ولكن تلك التفجيرات قادت انتخابياً إلى صعود نتنياهو لرئاسة الوزراء لأول مرة بذلك العام ولفشل شيمون بيريس أحد صانعي اتفاقية أوسلو في أن يعود لرئاسة الوزراء. في مشهد مابعد 7أوكتوبر2023قاد يحيى السنوار الفلسطينيين إلى نكبة جديدة ، فالحروب تقاس بنتائجها وليس بدوافعها. في الجانب اللبناني صعد حزب الله من خلال انجازه في تحرير الجنوب عام2000ومن خلال عدم استطاعة اسرائيل تحقيق أهدافها عبر حرب 2006، ولكن حسن نصر الله استغل هذين الانتصارين لفرض سيطرته على الدولة والحكم في لبنان وتحالف مع طائفيين وفاسدين مثل ميشال عون وجبران باسيل، وأنشأ نقمة اجتماعية لبنانية واسعة ضده، وهو عندما دخل في “المشاغلة والمساندة لغزة” قاد لبنان إلى نكبة لبنانية شبيهة بالنكبة الغزاوية التي قدح شرارتها يحيى السنوار.
على الأرجح أنه في يوم 7أوكتوبر 2023مات خط أنور السادات التطبيعي وخط حسن نصرالله- يحيى السنوار ” المقاوم الممانع” . في يوم 5حزيران1967مات خط مجابهة اسرائيل عبر جيوش الأنظمة العربية الذي بدأ في حرب 1948، ليبدأ فصل المقاومة الفلسطينية بعد حرب 1967الذي انتهى وفشل ومات في بيروت1982ثم في ” اوسلو” عام1993.
الآن يجب البحث عن طريق جديد للعمل العربي والفلسطيني ضد دولة اسرائيل…بعد أن فشلت كل أشكال وطرق العمل ضد دولة اسرائيل منذ عام1948، فيمانجحت المقاومة الفييتنامية ضد اليابانيين والفرنسيين والأميركان ، والمقاومة الجزائرية ضد الفرنسيين، ومقاومة المؤتمر الوطني الافريقي ضد حكم التمييز العنصري في دولة جنوب افريقيا.
———————————————-
( بمناسبة الذكرى المئوية لولادة الحزب)
موقف الحزب الشيوعي في سورية ولبنان من المسألة القومية العربية
( 1924 – 1958 )
- محمد سيد رصاص –
تأسس الحزب الشيوعي في سورية ولبنان في يوم 28 تشرين أول 1924 في بلدة الحدث من ضواحي بيروت ( 1 ) ، تحت اسم ” حزب الشعب ” ، ثم انضمت إليه في أول أيار 1925 ” منظمة سبارتاك ” الأرمنية ، وهي المنظمة الشببية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الأرمني– الهنشاك ، ليندمجا في تنظيم سمي ” الحزب الشيوعي اللبناني السوري ” ( 2 ) وقد عقد المؤتمر الأول للحزب في كانون الأول1925 .
كانت ” أول خلية شيوعية تأسست في سوريا … ( بـ ) دمشق صيف عام 1928 وكان أعضاؤها من العرب والأرمن ، هذا إذا لم نأخذ بعين الاعتبار أنه في عام 1925 وجدت خلايا شيوعية من الأرمن في حلب وجبل موسى ، وهذه الخلايا كانت على اتصال دائم مع المركز في بيروت وكانت سابقاً في منظمة سبارتاك ” ( 3 ) . لم يقبل ( الكومنترن ) عضوية الحزب الشيوعي السوري اللبناني إلا في تموز 1928 ، لما حضر فؤاد الشمالي مؤتمره السادس بموسكو ممثلاً للحزب ، وفي أوائل 1930 كان للحزب ” منظمات حزبية عاملة في بيروت ، طرابلس ، زحلة ، بكفيا ، رياق ، عكار ، حلبا ، … ، الشام ( دمشق ) ، حلب ، النبك ، يبرود ، اسكندرون ، وجبل موسى ” ( 4 ) . وقد بدأ تعريب الحزب في عام 1931 ليشتد ” الصراع خلال عام 1932 ( الذي استمر) حتى خريف 1933 . يجب أن نشير أن غالبية الكوادر الأرمنية … وقفوا إلى جانب تعريب الحزب … ( فيما بعث الكومنترن في أواسط 1933 ) برسالة مطولة حول تعريب الحزب مطالباً بالإسراع في محاسبة التكتل المعادي للتعريب ” ( 5 ) .
كان من أوائل القضايا الكبرى التي تصدى لها الحزب هو الموقف من الثورة السورية الكبرى في عام 1925 ، حيث : ” في تشرين الثاني من سنة 1925 ، وبقرار من اللجنة المركزية للحزب ، حرر نداء باللغة الفرنسية … النداء موجه إلى جنود الجيش الفرنسي يدعوهم إلى تأييد الثورة السورية والتآخي معها ، وتحويل سلاحهم بوجه ضباطهم … ووزع في مراكز تجمع الجيش الفرنسي بشكل خاص في بيروت وقرب ثكنة رياق العسكرية ، وفي مدينة زحلة حيث يوجد بشكل دائم أعداد كثيفة من الجنود الفرنسيين ، وكذلك في مدينة حلب ” ( 6 ) .
بالتأكيد ، كان هذا النداء سبباً في تركيز المخابرات العسكرية الفرنسية ، أي ” المكتب الثاني ” ، والأمن العام ، في ملاحقة قيادة وأعضاء الحزب الشيوعي السوري اللبناني لعقد من الزمن كامل ، لاعتقالهم ومحاكمتهم وسجنهم أو نفيهم إلى أماكن نائية ( الرقة – قلعة القدموس – جزيرة أرواد ) . حيث أن الحزب قد أعطى لموضوع الكفاح الوطني ضد الفرنسيين بعداً لم يكن بمقدور الوطنيين الآخرين إعطائه ، وهو البعد الفرنسي من خلال الشيوعيين ، ففي ” اجتماع مشترك ( آنذاك ) لمجلسي النواب والشيوخ في فرنسا أطلق أحد النواب الشيوعيين في خطابه شعار ( سوريا للسوريين ) وكان لهذا الشعار صدى واسع في فرنسا وكذلك استقبل بفرح وارتياح من قبل الثورة الوطنية في البلاد العربية كلها ” ( 7 ) ، الشيء الذي كان أساسياً في ردة الفعل العنيفة من سلطات الانتداب الفرنسي .
هنا ، بدأت تأثيرات المفاعل السوفييتي على الحزب ، فبعد أن ” كان الحزب أقرّ في الاجتماع العام سنة 1925 توجهاً سياسياً هو النضال من أجل جمهورية ديمقراطية في لبنان وسوريا ( فإن ) الاجتماع الوطني الثالث للحزب عام 1930 بدّل هذا الشعار بشعار ( سلطة العمال والفلاحين ) ” ( 8 ) .
لا يمكن عزل هذا التطور عن ما جرى في مؤتمر الكومنترن السادس بصيف 1928 في موسكو ، والذي حضره فؤاد الشمالي وأصبح فيه الحزب منذ ذلك الوقت ممثلاً في ( الكومنترن ) ، حيث كان الشعار الذي انبثق عن هذا المؤتمر ، أي ( طبقة ضد طبقة ) ، مرفوقاً مع فشل إستراتيجية ستالين السابقة ، بين عامي 1925 و 1927 ،في التقارب مع زعيم حزب ( الكيومنتانغ ) الصيني شيانغ كاي شيك ومع مصطفى كمال أتاتورك ، وقد كان التشدد اليساري هنا آتياً على وقع المذبحة التي قام بها زعيم الكيومنتانغ في شهر نيسان 1927 للشيوعيين الصينيين ، الذين ضغط عليهم ستالين بشدة ليس فقط للتعاون مع ( الكيومنتانغ ) وإنما للانضمام إليه ، كما أن هذا التشدد لم يكن معزولاً عن التشدد الداخلي تجاه ( الفلاحين ) ، الذي ترجم في عام 1929 من خلال حملة ( الكلخزة ) لفرض التجميع الزراعي ، ما أنهى كل اللغة التحالفية والتصالحية ، التي كانت عند البلاشفة حيال الفلاحين منذ عام 1927 ، وهو ما كان متزامناً مع انفكاك تحالف ستالين مع بوخارين ضد تروتسكي وزينوفييف وكامينيف بين عامي 1926 و1928 ، والذي وصفه ستالين في نيسان 1929 بوصفه قائداً للمعارضة اليمينية ( 9 ) التي كانت تميل لسياسة مرنة مع الفلاحين ، ما تزامن مع اتجاه ستالين إلى سياسة متشددة يسارية حيال الفلاحين كالتي كان يدعو لها تروتسكي .
بدون هذا المناخ ، لا يمكن تفسير تلك الوثيقة الغامضة ، المؤرخة في عام 1931 والتي هي بعنوان : ” واجبات الشيوعيين في الحركة القومية العربية الشاملة : قرار متخذ في كونفرانس الحزبين الشيوعيين الفلسطيني والسوري عام 1931 ” ، والتي يوجد نصها الكامل في كتاب المرحوم الياس مرقص : ” الأممية الشيوعية والثورة العربية ” ( دار الحقيقة ، بيروت 1970 ، ص ص 55 – 81 ) ، ليؤكد من خلالها الأستاذ مرقص أن ” ثمة خط ثوري قومي وحدوي في تاريخ الحركة الشيوعية في البلاد العربية ، برز في الدور الثالث من تاريخ الكومنترن ( 1928 – 1934 ) ” ( 10 ) ، فيما قام الحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) بالتسلح ضد بكداش بتلك الوثيقة ، التي نشرها كاملة في عدد شهر آب 1974 من جريدة ” نضال الشعب ” .
أتت تلك الوثيقة إثر اجتماع عقد في موسكو ” لممثلي الحزبين الشيوعيين السوري – اللبناني والفلسطيني ” ( 11 ) وهي لم تنشر بالعربية حتى نشرها مرقص عام 1970، وكانت نشرت في نشرة الكومنترن المركزية : ” مراسلات الصحافة الأممية ” ، في عدد يناير 1933 ، بالإنكليزية ( 12 ) .
من الواضح أن منطلقات ( وثيقة 1931 ) هي غير منطلقات الموقف الذي اتخذه الحزب الشيوعي السوري اللبناني من ثورة 1925 السورية الكبرى ، الذي كان ينطلق من جامع وطني عام يراه الشيوعيون أنه يجمعهم مع الوطنيين الآخرين ضد فرنسا ، من دون أي ظلال طبقية أو يسارية ترافق موقف الحزب من تلك الثورة .
تبدأ الوثيقة بربط الموضوع القومي العربي بموضوع السيطرة الإمبريالية : ” إن واجباً من أهم واجبات الكفاح الثوري التحرري المناهض للإمبريالية في منطقة الشرق الأدنى الواسعة هو حل قضية العرب القومية . إن جماهير الشعب في كل الأقطار العربية ترزح تحت نير الإمبريالية ” (مرقص: ص 57 ) ، ثم تقوم بربط موضوع السيطرة الإمبريالية بموضوع تجزئة العرب القومية : ” إن مجموع نظام السيطرة الإمبريالية على الشعوب العربية يرتكز ، ليس على استعبادها وإخضاعها الكاملين وحسب ، بل على واقع أنها جُزّئت كيفياً إلى أجزاء بأمر الإمبريالية العالمية ” ( ص 58 ) ، ثم تنتقل الوثيقة إلى ربط الصهيونية بالبريطانيين حيث : ” استخدم الإمبرياليين الإنكليز الصهيونية المضادة للثورة لاحتلال ونهب الأراضي في فلسطين ” ( ص 61 ) .
بعد هذا ، وعلى أساسه ، تقوم الوثيقة بربط التحرر من الإمبريالية بقضية ( الوحدة العربية ) : ” إن نزوع الجماهير العربية إلى التوحيد القومي مع حدود سياسية تُقام على أساس تقريرها الحر ، لا بناء على أمر الإمبرياليين ، لا ينفصل عن جهدها لتحرير نفسها من نير الإمبريالية الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية”(ص65) .
عند تحليل القوى الطبقية – السياسية المحلية ، تقول الوثيقة : ” إن ملاكي الأرض الإقطاعيين والأسياد الإقطاعيين ، في كل مناطق السكان الحضر، قد انتقلوا أخيراً ، في كثير أو قليل ، إلى جانب الإمبريالية، وفي صفوف البرجوازية العربية والملاكين المرتبطين بها ، تسيطر الإصلاحية القومية ، وترتدي أكثر فأكثر طابع الثورة المضادة والاستسلام . إن البرجوازية وعناصر ملاكي الأرض البرجوازيين عاجزون عن القيام بنضال ثوري ضد الإمبريالية ، وهم يتحولون أكثر فأكثر في اتجاه صفقة مضادة للثورة يعقدونها مع الإمبريالية ، في إطار تنازلات محدودة دستورية – زائفة ، وظيفتها تمويه السيطرة الإمبريالية . إن حركة الجماهير في صيف 1930 في مصر قد كشفت بوضوح ماهية ( الوفد ) الخائنة ، حيث أن ( الوفد ) قد ألغى شعار ” الاستقلال ” واكتفى بالسعي وراء الدستور … إن موقف ( الكتلة الوطنية ) في سوريا هو أنها تمثل دور ” المعارضة ” ، وترفض إطلاقاً المشاركة في أي نشاط ثوري وفي أي نضال حقيقي . إن كثيرين من القادة السابقين لانتفاضة 1925 يجلسون اليوم بهدوء عند أقدام الجنرالات الفرنسيين و ( الكتلة الوطنية ) تُعِدّ صفقة مع المضطهدين الفرنسيين ” ( ص ص 66 – 67 ) .
تحدّد الوثيقة أنه في سوريا : ” الحزب الشيوعي شرع يكافح الإمبريالية الفرنسية تحت رايته الخاصة ” ( ص 79 ) ، وهذا يستتبع أن : ” شعار اتحاد عمالي وفلاحي يمكن ويجب أن يُرفع ، لا بمعنى أن الطبقة العاملة تشترط لمشاركتها في كفاح التحرر القومي المناهض للإمبريالية الانتصار الكامل للطبقة العاملة وجماهير الفلاحين الأساسية ، بل يجب تأويله بمعنى أن البروليتاريا ، إذ هي تخوض كفاح التحرر الوطني في كل الظروف بأقصى ما يمكن من الحزم والانسجام ، فإنها في الوقت نفسه تشرح للجماهير أنه لن يكون هناك نصراً دائم للاستقلال القومي والسياسي بدون ثورة زراعية فلاحية وبدون إقامة حكومة عمال وفلاحين ، على الأقل في أكثر البلدان العربية تقدماً ( سوريا ، وفلسطين ، مصر ، والجزائر ) ” ( ص ص 74 – 75 ) . وصولاً إلى شعارات ” 1- سقوط الإمبريالية في الأراضي العربية …. 2- الاستقلال التام السياسي القومي للبلدان العربية … 3- اتحاد فيدرالي للشعوب العربية المتحررة ، في إطار اتحاد الشعوب العربية ، للعمال والفلاحين العرب ، على أساس وحدة الطبقة العاملة وشغيلة المدينة والفلاحين ” ( ص 74 ) .
في هذا السياق أتت وثيقة : ” لماذا يناضل الحزب الشيوعي السوري ؟ و … : غايته القصوى وشيء من بروغرامه ” الصادرة يوم 7 تموز 1931 ، والتي يوجد نصها الكامل في كتاب الأستاذ نذير جزماتي : ” الحزب الشيوعي السوري : 1924 – 1958 ” ( مطبعة ابن حيان ، دمشق 1990 ، ص ص 53 – 76 ) ، والتي تؤكد أن : ” من أعمال الحزب الشيوعي السوري الأولية أن يكشف القناع عن حقيقة الزعماء الوطنيين ويظهر خيانتهم وذلك لكي يفهم الشغيلة ضرورة النضال في سبيل إقامة حكومة العمال والفلاحين في سورية … فالحكومة الوحيدة التي تعمل بغيرة وحماس على تنفيذ البروغرام المذكور في هذا الكتيب هي حكومة العمال والفلاحين التي يجب إقامتها في سورية على أنقاض النظام الرأسمالي الاستعماري … ” ( ص ص 74 – 75 ) .
يلفت النظر في هذه الوثيقة تسمية الحزب بـ ( الحزب الشيوعي السوري ) من دون إضافة ( صفة اللبناني إليه ) مع التأكيد على سعيه إلى ” الاستقلال التام والوحدة السورية ” ( ص63 ) . أيضاً ، يثير الانتباه كثيراً أنه رغم اشتراك هذه الوثيقة المسماة عند الشيوعيين السوريين بـ ( بروغرام 1931 ) ، مع تلك الوثيقة الصادرة بموسكو في نفس العام ، في النَفَس اليساري الطبقوي المتطرف ، إلا أن ( بروغرام 1931 ) يفتقد ما يوجد في تلك الوثيقة ( الصادرة باسم الشيوعيين السوريين والفلسطينيين ) من خط ونَفَس جديد حيال مسالة ( الوحدة العربية ) ، ليجمع ذلك البروغرام بين يسارية طبقوية مع اتجاه سوري محض مع تجاوز وعدم اعتراف بالفرقة السورية اللبنانية الحاصلة في عام 1920 ( 13 ) من دون أن يصل إلى ( العروبة ) ، التي هي قوية جداً في وثيقة موسكو ، التي هي أيضاً لا تشير إلى صفة اللبناني وتلحقها باسم الحزب الشيوعي في سوريا ، والتي تشير لها وثيقة موسكو باعتبارها وحدة جغرافية متجاوزة للتسميات الفرنسية الحاصلة لها في عام 1920 وما بعده .
تبدل الجو عند الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان مع عقد المؤتمر السابع للكومنترن في فترة ( 25 تموز – 22 آب 1935 ) ، الذي عقد في أجواء كان من الواضح أن ظل هتلر قد ألقى بثقله على القارة الأوروبية من لندن حتى موسكو ، لهذا فإن ” كل النظريات والوصفات التكتيكية والشعارات المستقلة منذ عام 1928 ، والقائلة بأن الفاشية والديمقراطية ” توأمان ” لا غير ، والتي تحرم التعاون مع القادة الاشتراكيين الديمقراطيين – كانت قد دفنت بصمت في مستودعات الكومنترن ، وأعلن أن الدفاع عن الديمقراطية (وقد نزع عنها نعت ” البرجوازية “) ضد الفاشية هو المهمة الأساسية بالنسبة للحركة العمالية ، ودُعي الاشتراكيون الديمقراطيون والشيوعيون ( 14 ) إلى التعاون وإلى تشكيل ” جبهات شعبية ” تضم كل أحزاب وهيئات الطبقة الوسطى – الليبرالية الراديكالية منها وحتى المحافظة – شرط أن تفصح هذه عن تأهبها لمقاومة الفاشية ” ( 15 ) .
كان الوجه السوري البارز لهذه المرحلة التي أعقبت المؤتمر السابع هو خالد بكداش ، الذي أصبح في أواسط 1933 من ضمن الثلاثة الذين يشكلون قيادة الحزب ، المؤلفة منه ومن ناصر حده ( من النبك ) وآرتين مادويان ( 16 ) ، ثم يصبح بعد عودته من موسكو أميناً عاماً للحزب في شهر شباط 1937 ، مع سكرتيرين للحزب هما فرج الله الحلو ونقولا الشاوي ، ماترافق مع بدء النشاط العلني للحزب الذي بدأت إرهاصاته منذ وصول ( الجبهة الشعبية ) للحكم في باريس بانتخابات أيار 1936 ، وهي المؤلفة من الاشتراكيين والشيوعيين .
ظهرت أولى مؤشرات السياسة الجديدة للحزب مع توجه خالد بكداش بصيف 1936 إلى باريس ” باقتراح ديمتري مانوليسكي السكرتير العام للكومنترن وقتذاك لمساعدة الوفد السوري ( فارس الخوري ، سعد الله الجابري )” ( 17 ) ، في المفاوضات التي كان يجريها من أجل المعاهدة الفرنسية – السورية ، والتي أعلن بكداش بعد عقدها ( أيلول 1936 ) أن سوريا ” التي نالت شيئاً من الحرية بفضل جهادها الباسل وبمساعدة الشعب الفرنسي وجبهته الشعبية … يناضل الشيوعيون بكل قواهم في سبيل اتحاد الشعب السوري كله في جبهة وطنية منظمة ، تعمل على تأمين حرياته الديمقراطية وأمنيته الوطنية وتخفيف وطأة البؤس عنه وإقامة نظام إنساني يساعده على السير بسرعة في طريق الاستقلال التام والحرية الكاملة ” ( 18 ) ، مع ابتعاد كامل عن اليسارية الطبقوية التي كانت في وثائق 1931 نحو اقتراب من ( الكتلة الوطنية ) وصلت حدوده إلى الطلب ” في عامي 1937 و1938 ، في مقالين لخالد بكداش ، الانضمام إلى الكتلة الوطنية لكي يتحقق ( اتحاد الأمة السورية ) ولكي ( تنصرف البلاد إلى العمل المثمر والإصلاح الذي ينتظره الشعب )” ( 19 ) .
الملفت للنظر ، ترافق هذا مع موقف مترجرج من قضية لواء اسكندرون الذي أعطته الحكومة الفرنسية لتركيا في 30 / 11 / 1937 مقابل حيادها في الحرب العالمية التي كانت سحب أمطارها بادية للعيان ، حيث ” وافق الحزب ( الشيوعي السوري اللبناني ) في أيلول 1937 على تعديل المعاهدة السورية – الفرنسية ، بما يتفق مع ( حلول الاسكندرونة بعد أن صدقته عصبة الأمم ) ” صوت الشعب ” ، 17 / 9 / 1937 ” ( 20 ) ، فيما نرى ، وخلافاً مع وثيقة موسكو 1931 للشيوعيين السوريين والفلسطينيين ، تخلياً من قبل بكداش عن موضوع ( الوحدة العربية ) لصالح مقولة ( الأمة السورية ) ، في دراسته المؤرخة بآذار 1939 ، تحت عنوان ” العرب وأبحاث ستالين في المسألة الوطنية ” ، والتي سبقها بشهر خطاب أمين عام الحزب الشيوعي الفرنسي موريس توريز بالجزائر حول ” الأمة الجزائرية الآخذة في النشوء والتكون … بمساعدة الحكومة الفرنسية ” ( 21 ) .
عاد التشدد اليساري للحزب في فترة ما بعد عقد المعاهدة السوفياتية الألمانية ( 23 آب 1939 ) حتى بدء الهجوم الألماني على الإتحاد السوفياتي ( 22 حزيران 1941 ) ، وقد عبرت تلك المعاهدة عن رغبة ستالين في تفادي أو تأجيل الحرب مع الألمان بعد فشل جهود استغرقت سنوات أربع منه لعقد ميثاق دفاعي مشترك مع انكلترا وفرنسة . وقد ترافق هذا التشدد اليساري مع وقوف الحزب موقفاً يذكر بمواقف لينين في عام 1914 ضد طرفي ( الحرب العالمية الأولى ) لما أصدر ” نهاية 1939 بياناً عنوانه ( فلتسقط الحرب الاستعمارية )” ( 22 ) ، ليعقب هذا قرار سلطة الانتداب الفرنسي بحل الحزب الشيوعي السوري اللبناني وبدء حملة اعتقالات واسعة .
أعاد انتهاء سلطة حكومة فيشي الفرنسية ، الموالية للألمان بعد هزيمة فرنسا، على سوريا ولبنان ( حزيران 40 – تموز 41 ) ، الوضع إلى ما كان إليه الحزب الشيوعي بين أيار 1936 وآب 1939 ، وخاصة أن عودة الشيوعيين للعمل العلني قد ترافقت مع سيطرة الحلفاء ( الإنكليز والديغوليون ) الذين أصبحوا حلفاء لستالين بعدما بدأ الهجوم الألماني في 22 حزيران 1941 على الاتحاد السوفياتي .
ربما ، يلخص تلك المرحلة ، أفضل تلخيص ، ما صدر من وثائق عن المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي في سوريا ولبنان ( 31 كانون أول 1943 – 2 كانون الثاني 1944 ) ، ففي تقرير الأمين العام ( موجود نصه الكامل في كتاب الأستاذ نذير جزماتي : ص ص 154 – 196 ) :هناك اعتبار للفاشية والنازية بوصفهما ” أكبر خطر على حركة الاستقلال والتحرر الوطني ” ( ص 156 ) ، وفي ظرف كان المجهود الحربي قائماً فإن الأمين العام يعلن التأييد ” لمعسكر الحلفاء في مجهوده الحربي وفي نشاطه السياسي لمناضلة الهتلرية ” ( ص 170 ) ، ثم يعلن أن ” سوريا ولبنان قد أعلن بلسان حكومتيهما الشرعيتين أنهما يعترفان بمصالح الحلفاء العسكرية ويحترمانها ، لأن النصر الحاسم النهائي على الهتلرية الذي لم يتم بعد هو الشرط الأساسي لتثبيت كل ما تنال من حقوق ” ( ص 170 ) .
من الواضح أن ( الحرب ) كانت المنظار الأساسي الذي ينظر منه الأمين العام للحزب الشيوعي السوري اللبناني إلى مجمل الوضع في سوريا ولبنان ، وكل القضايا الأخرى تمر تحت هذه المسطرة . الملفت للنظر في هذا التقرير هو الاعتراف الصريح بانفصال لبنان عن سوريا الجاري في يوم استقلال الأول في 22 تشرين الثاني 1943 ( 23 ) ثم الاعتراف بأن السيادة الوطنية مؤجلة حيث ” لا نقول طبعاً بأن من الواجب والممكن تحقيق ذلك فوراً ، إنما نقول أنه ستخلق ظروف مؤاتية لتحقيق هذه الأماني ” (ص 188 ) . أيضاً ، يلفت الانتباه تلخيص وتوجيه ” قضية التعاون العربي التي اصطلح على تسميتها بقضية الوحدة العربية “(ص 188 ) ، ومعتبراً أ، ” الهدف العربي الأكبر : … استقلال كل قطر من الأقطار العربية وتحرره التام ضمن حدوده ” ( ص189 ) .
هنا في آخر التقرير ، يقر الأمين العام للحزب خالد بكداش أن ” من يقرأ ميثاقنا الوطني ( الذي صدر عن المؤتمر : يوجد نصه في كتاب الأستاذ جزماتي : ص ص 197 – 198 ) يجده خالياً من ذكر الاشتراكية . فليس فيه تدبير واحد أو مطلب واحد ذو صفة اشتراكية ، إنه ميثاق وطني ديمقراطي ، لا أكثر ولا أقل . وهو برنامجنا في مرحلة التحرر الوطني التي نركز عليها جهودنا ونضالنا على أن تقطعها بلادنا وتحققها بكاملها . وليس في ذلك أي تراجع مبدئي ، فإن مسألة إقامة نظام اشتراكي في بلد ما ليست مسألة متوقفة على الرغبة والإرادة … إنها متوقفة على حالة هذا القطر أو ذاك ، وعلى درجة تطوره العام ” ( ص 192) .
يلاحظ , هنا ترافق اللهجة التحالفية تجاه فرنسا وانكلترا مع مثيل لها تجاه البرجوازية المحلية . حصل هذا في فترة راحة دولية للإتحاد السوفييتي ، فيما كان ينتفي هذا الشيء في الفترة التي تشعر فيها موسكو بأنها ” قلعة محاصرة ” كما كان الجو في مؤتمر الكومنترن السادس عام 1928 . في خريف عام1947عاد جو 1928 مع نشوب الحرب الباردة بربيع ذلك العام ، والذي ترافق مع طغيان نزعة يسارية معادية لكل ما هو برجوازي أو قومي ، كما جرى ضد تيتو عام 1948 ، ثم عام 1949 ضد القادة الشيوعيين في المجر ( راجيك ) وبولندا ( غومولكا ) ، وفي عام 1952 ضد سلانسكي في تشيكوسلوفاكيا . انعكس هذا ضد قادة شيوعيين سوريين ولبنانيين ( رشاد عيسى – رئيف خوري ) اتهموا بـ ” التحريفية التيتوية ” ، وهو شيء حكم الموقف عند بكداش ضد فرج الله الحلو الذي عارض قبول الحزب بقرار تقسيم فلسطين الذي وافق عليه الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة ( 29 ت2 47 ) ، حيث كان ” فرج الله الحلو … من أنصار إدانة التقسيم ، حتى ولو وافق عليه الاتحاد السوفييتي ، وأن يظل الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان على موقفه السابق ضد التقسيم ، بغض النظر عن التطور الذي حدث في الموقف السوفييتي ، بينما فرض بكداش الموقف الجديد ، بتوضيح الموقف السوفييتي وتأييده ” ( 24 ) . أيضاً بدون هذه الأجواء ، لا يمكننا تفسير هجوم خالد بكداش في تقرير كانون الثاني 1951 أمام القيادة المركزية للحزبين السوري واللبناني(25) على أن فكرة الحياد بين المعسكرين هي خداع وتضليل ، فيما دعا بنفس التقرير إلى عزل البرجوازية الوطنية ، وإقامة حكم ديمقراطي شعبي ، مع الإشارة إلى ” فضح الجماعات والأحزاب التي تزعم أنها اشتراكية .. فكرياً وسياسياً ” ( ص282 )في إشارة واضحة إلى حزبي ميشيل عفلق وأكرم الحوراني ، مع ” فضح ممثلي البرجوازية الكبيرة وعزلهم عن الشعب … مثل حزب الشعب والحزب الوطني في سوريا ” ( ص281 ) ، مع إشارة التقرير إلى أن ” من الخطأ الفادح النظر إلى البرجوازية الوطنية أو على اعتبارها كقوة أساسية أو حتى كقوة ذات شأن في حركة التحرر الوطني الديمقراطي ” ( ص280 ) ، في تناقض عكسي كامل مع تقريره أمام المؤتمر الثاني قبل سبع سنوات .
خلال هذه السنوات السبع كانت الظروف قد تغيرت بين حلفاء الحرب العالمية الثانية نحو اصطفافهما بين معسكري الحرب الباردة . أيضاً ، كان ما حكم تقرير 1951 ، تجاه الأحزاب التي ” تزعم أنها اشتراكية” ، قد تغير وتبدل في عام 1956 ، لما تقارب عبد الناصر من السوفيات منذ أيلول 1955 مع صفقة الأسلحة التشيكية ، ليحكم هذا موقف خالد بكداش من تلك الأحزاب والتيارات التي حملت اتجاهاً اشتراكياً مع القومية العربية ، مثل حزبي عفلق والحوراني اللذان توحدا في عام 1952 ، أو الناصريين ، لهذا نجد أن بكداش ، وخلافاً لتقرير 1951 الذي جمع الانعزالية اليسارية الطبقوية مع إغفال العروبة ، يقدم بعد أسبوع من تلك الصفقة خطاباً في البرلمان السوري ( 6/10/55 ) أعلن فيه ” أن جميع مقومات الأمة … التي تقررها الاشتراكية العلمية متوفرة في العرب كما هو واضح وساطع كالشمس في رائعة النهار ” ( 26 ) ، ثم ليتكرّس هذا في قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في سوريا ولبنان ( نيسان – أيار 1956 ) بأن ” الأرض المشتركة ، ووحدة اللغة ، والتاريخ المشترك ، والتكوين النفسي المشترك الذي ينعكس في الثقافة المشتركة ، والأوضاع الاقتصادية التي تتمم بعضها بعضاً ، كل هذه العوامل الدائمة والتي تكونت تاريخياً والتي تتطور … هي الأسس الواقعية الموضوعية التي تنبثق منها قضية الوحدة العربية ” ( 27 ) .
هنا ، لما بدأ موضوع الوحدة مع مصر يطرح بإلحاح في الوسط السياسي السوري ، في الربع الأخير من عام 1957 ، وبدأت الأحزاب بنشر تصوراتها للوحدة ( مثلاً : البعث : ” رئيس واحد ، نائب للرئيس ، مجلس نيابي اتحادي ومجالس نيابية قطرية ، توحيد التمثيل الخارجي والدفاع الوطني ” ، وفقاً لما قدمه أكرم الحوراني من تصور باسم قيادة حزب البعث في جريدة ” الرأي العام ” بتاريخ 11/12/1957 ) ، فإن قيادة الحزب الشيوعي السوري اللبناني في قرار اتخذته في اجتماعها المنعقد بدمشق ( 11- 12- 13- كانون الثاني 1958 ) أيدت ” فكرة الاتحاد بين مصر وسوريا ” ( 28 ) ، من دون تقديم أي تصور لشكله ( فيدرالي – كونفيدرالي ) أو لمضمونه ، بل اكتفت ، بعد نص طويل عاطفي ، بالدعوة لأن ” تبادر الحكومتان المصرية والسورية ، بدون إبطاء إلى تأليف لجنة مشتركة لدرس أشكال الإتحاد من جميع النواحي والزوايا ، بحيث يقوم على أسس متينة واقعية تأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية في كل بلد ” ، فيما كانت مسارات الأمور تتجه منذ تلك الأيام التي حصل فيها اجتماع اللجنة المركزية للحزب نحو وحدة اندماجية أنجزت ملامحها في زيارة وفد الضباط السوريين للقاهرة واجتماعهم مع الرئيس عبد الناصر ( 12- 14 كانون الثاني 1958 ) ، مع استبعاد فكرة ( الاتحاد ) على أن يكون الحكم رئاسياً لا برلمانياً ، وعلى حل الأحزاب في سوريا ، وهو شيء ربما كانت مضامين قرار قيادة الحزب الشيوعي السوري نوع من التحفظ الوقائي منه بناءً على علم مسبق بالتوجه نحوه ، خاصة وأن رئيس أركان الجيش السوري الفريق عفيف البزري كان مقرباً من الشيوعيين .
كان هذا القرار يحوي إشارة الصدام اللاحقة بين عبد الناصر والشيوعيين السوريين بعد قيام وحدة 22شباط 1958 ، التي رفض الحزب على أثرها حلّ نفسه ، فيما كان خالد بكداش هو النائب الوحيد الذي غاب عن جلسة البرلمان السوري المنعقدة لإقرار الوحدة . كما أن هذا القرار كان يشكل إرهاصاً لـ ( البنود 13 ) التي طرحها خالد بكداش في شهر آب 1958 أثناء مؤتمر الحزب الشيوعي البلغاري كتصور لـ ” الجمهورية العربية المتحدة ” بعد ستة أشهر من قيامها الذي كان عبر شكل ومضمون يتعارض بالكامل مع ما تطرحه ( البنود 13 ) ، التي من الواضح أنها باتجاه شكل اتحادي ( لا وحدة اندماجية ) هو أقرب إلى الكونفيدرالية ، مع التأكيد على” أن تتألف هذه الهيئات بالأساليب الديمقراطية على أساس انتخابات نيابية عامة وحرة بدون قيد ” ( 29 ) ، بدون أي تطرق للنظام الرئاسي المعتمد لوحدة 1958 ، ومع الدعوة لحياة حزبية هي كانت على تعارض كامل مع قرار حلّ الأحزاب .
هنا ، لا يمكن عزل ( البنود 13 ) عن ما حصل في بغداد يوم 14 تموز 1958 لما أصبح الشيوعيون العراقيون قوة نافذة وراء عبد الكريم قاسم الداخل في صدام مع البعث والضباط القوميين الراغبين بالانضمام لوحدة مصر وسوريا وكانت عواطف موسكو ( وميولها ) مع قاسم ضد عبد الناصر ، حيث أكد خروتشوف في آذار 1959 ، لما تحول صدام الشيوعيين والقوميين في العراق إلى أنهار من الدماء، ” تفضيله لنظام أكثر تقدماً في العراق” ( 30 ) من ذاك الذي في القاهرة . وبالتأكيد كان بكداش يعرف أن تلك البنود لا يمكن إلا أن تؤدي إلاإلى صدام مع عبد الناصر ، كالذي بدأت فصوله مع اعتقالات ليلة رأس السنة لعام 1959 .
هوامش
1- أرتين مادويان : ” حياة على المتراس ” ، دار الفارابي ، بيروت ، 1986 ، ص 52 .
2- مادويان : ” المصدر السابق ” ، ص 57 .
3 – مادويان : ” المصدر السابق ” ، ص 52 .
4 – مادويان : ” نفس المصدر ” ، ص 104 .
5 – مادويان : ” المصدر السابق ” ، ص 128 ، كان هذا التكتل متركزاً في منظمة بيروت بين الأعضاء الأرمن ( مادويان : ص ص 127 – 128 – 129 ) .
6 – مادويان : ” نفس المصدر ” ، ص 75 .
7- مادويان : ” نفس المصدر ” ، ص 74 .
8 – مادويان : ” المصدر نفسه ” ، ص 925 .
9 – اسحق دويتشر : ” ستالين : سيرة سياسية ” ، دار الطليعة، بيروت ، طبعة 1972 ، ص 330 . بدأ صراع ستالين ضد بوخارين في ربيع 1928 ، بعد ستة أشهر من انتصار ستالين ( متحالفاً مع بوخارين ) في المؤتمر الخامس عشر للحزب بتشرين الثاني 1927 على تروتسكي وزينوفييف وكامينيف.
10 – الياس مرقص : ” الأممية الشيوعية والثورة العربية ” ، ص 12 . أيضاً بدون أجواء الكومنترن ، بعد المؤتمر السادس ، بعام 1928 ، لا يمكن تفسير دفع موسكو باتجاه تعريب الأحزاب الشيوعية ، في سوريا ، وفلسطين ، و” السير … القادم (ل) فصل التنظيم الشيوعي ، في الجزائر وتونس ومراكش … عن الحزب الشيوعي الفرنسي وتحويله إلى وحدة مستقلة ” ( ص 81 ) ، كما تقول حرفياً ( وثيقة 1931 ) .
11 – الياس مرقص : ” تاريخ الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي ” ، دار الطليعة ، بيروت ، 1964 ، ص 26 .
12 – مرقص : ” الأممية الشيوعية .. ” ، ص 19 .
13 – في يوم 30 آب 1920 أعلن ( المفوض السامي الفرنسي ) قيام ” دولة لبنان الكبير ” ، إثر سقوط دمشق في يوم 25 تموز 1920 بيد قوات الجنرال غورو بعد يوم من معركة ميسلون .
14 – تعززت النزعة اليسارية لمؤتمر الكومنترن السادس عام 1928 عبر أزمة 1929 الاقتصادية العالمية ، وقد تضافرت هذه النزعة لتصل إلى حدود صُمّت فيها الآذان عن النداءات التي كانت تدعوا إلى تشكيل جبهة موحدة بين الشيوعيين الألمان والحزب الاشتراكي الديمقراطي لتشكيل سد انتخابي – سياسي بوجه صعود هتلر في السنتين اللتان سبقتا وصوله للسلطة يوم 30 كانون الثاني 1933 ، فيما كان الشيوعيون الألمان يعتبرون أن” الحركة الاشتراكية الديمقراطية ، موضوعياً ، هي الجناح المعتدل من الفاشية ” وفقاً لتعبير ستالين ( اسحق دويتشر : ” ستالين … ” ، ص 422 ) .
15 – دويتشر : ” ستالين .. ” ، ص 438 .
16 – زياد الملا : ” صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوري : 1924 – 1954 ” ، دار الأهالي ، دمشق 1994 ، ص 62 ، ( تم فصل فؤاد الشمالي من الحزب في خريف 1932 : ” صفحات … ” ، ص 61 ) .
17 – زياد الملا : ” المصدر السابق ” ، ص 124 .
18 – خالد بكداش : ” مقدمة الطبعة العربية لخطاب ديمتروف في المؤتمر السابع للكومنترن ” ( مؤرخة يوم 4 شباط 1937 ) ، ضمن كتاب ” صفحات من تاريخ النضال ضد الفاشيستية في سورية ” ( منشورات الحزب الشيوعي السوري ، أيار 1975 ) ، ص ص 12 – 21 ، ص 18 .
19 – الياس مرقص : ” تاريخ الأحزاب الشيوعية … ” ص 39 .
20 – الياس مرقص : ” المرجع السابق ” ، ص 39 .
21 – الياس مرقص : ” نفس المرجع ” ، ص ص 40 – 44 . انظر أيضاً ،حول خطاب توريز ، كتاب مكسيم رودنسون : ” الماركسية والعالم الإسلامي ” ، دار الحقيقة ، بيروت ، 1982 ، ص ص 351 – 352 .
22 – زياد الملا : ” المصدر السابق ” ، ص 135 .
23 – قرًر المؤتمر الثاني للحزب فصل الحزبين اللبناني والسوري مع قرار بدعوة : ” اللجنة المركزية للحزب الشيوعي .. لوضع السياسة العامة للحزبين كل فيما يتعلق به في النطاق السوري والنطاق اللبناني ” ( جزماتي : ” قرارات المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي في سوريا ولبنان ” ، في : ” المرجع المذكور ” ، ص ص 206 – 207 ، ص 206 ) ، إلا أن ذلك لم يطبق عملياً .
24 – الملا : ” المرجع السابق ” ، ص 187 .
25 – يوجد نص التقرير في كتاب الأستاذ نذير جزماتي المذكور ( ص ص 276 – 320 ) .
26 – نص الخطاب موجود في كتاب نذير جزماتي المذكور ( ص ص 371 – 380 ) ، ص 375 .
27 – نص القرار في كتاب نذير جزماتي المذكور ( ص ص 381 – 383 ) ، ص 381 .
28 – نص القرار في ” المصدر السابق ” ص ص 386 – 392 ، ص 387 .
29 – نص ( البنود 13 ) في ” المصدر السابق ” ص ص 398 – 400 ، ص 398 .
30 – منشور التصريح في عدد ” البرافدا ” ، عدد يوم 17 آذار 1959 ( نقلاً عن حنا بطاطو : ” العراق ( الكتاب الثالث ) : الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار ” ، مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت ، 1992 ، ص 176 .
الحزب الشيوعي السوري والمسألة القومية العربية
( ما بعد 1964 عندما تم انفصال الحزبين السوري واللبناني )
– محمد سيد رصاص –
أدركت موسكو في صيف 1963 أن الأحزاب الشيوعية العربية ، وبالذات السوري والعراقي ، قد خرجت مضعضعة وضعيفة ومهزومة من المجابهة التي جرت منذ 1958 مع عبد الناصر بسوريا ومصر وحزب البعث بالعراق ، وقد كان واضحاً بعد وصول فرعي البعث ، في العراق ( 8شباط 63 ) وسوريا ( 8آذار 1963 ) ، للسلطة أن لامصلحة للشيوعيين في استمرار المجابهة ، رغم كل ذيول المجازر الدموية التي ارتكبها ( حكم 8 شباط ) ضد الشيوعيين العراقيين ، وأنهم سيكونون خاسرين باستمرارها ، فيما أعطت بوادر توتر العلاقات الأميركية – المصرية ، بعد حرب اليمن ( منذ أيلول 1962 ) التي وقفت فيها واشنطن مع الرياض ضد القاهرة، فرصة لموسكو من أجل ترميم علاقاتها مع القاهرة .
من هنا ، بدأت تظهر طروحات تنظيرية جديدة عند السوفيات منذ صيف 1963 , مثل مصطلح ( دولة الديمقراطية الوطنية ) لوصف أنظمة مثل ( مصر عبد الناصر ) و ( جزائر بن بيلا ) ، قبل أن ينتقلوا بخريف نفس العام إلى مصطلح ( الديمقراطية الثورية ) لوصف أحزاب أو قوى في ( حركات التحرر الوطني ) بآسيا وإفريقيا ، وصولاً إلى أطروحة ( التطور اللارأسمالي ) ، التي قدمها بشباط 1964 منظر الحزب الشيوعي السوفياتي وعضو المكتب السياسي ميخائيل موسلوف ، وما تقوله تلك الأطروحة من أن البلدان الآسيوية والإفريقية ، التي تقودها أحزاب غير شيوعية تنتمي لحركة التحرر الوطني ، يمكن عبر ” التطور اللارأسمالي “، الذي تنتهجه في المجال الاقتصادي – الاجتماعي ، أن تخط طريقاً بدعم الاتحاد السوفياتي نحو الاشتراكية .
كانت زيارة خروتشوف لمصر ، في أيار 1964 ، تجسيداً عملياً لهذه النظرة السوفياتية الجديدة ، ثم ليكون خروج الشيوعيين المصريين من السجن وحلّ حزبهم والانضمام لـ ( الاتحاد الاشتراكي العربي ) ، بعامي1964و1965، يحوي الكثير من الدلالات لما أصبحت تريده موسكو من الأحزاب الشيوعية العربية ، أو على الأقل إن لم يكن الاندماج فعلى الأقل سياسات متعاونة وتحالفية من الأحزاب الشيوعية ، المحلية في سوريا والعراق ، تجاه البعث في دمشق ، ثم عبد السلام عارف القريب من عبد الناصر والذي أسقط حكم البعث ببغداد يوم 18 تشرين الثاني 1963 .
وقف خالد بكداش ، في ربيع 1964 ، موقف يشكل حالة فرادة طوال سير حياته السياسية ( 1930 -1995 ) ، لما عارض القيادة السوفياتية المتبنية لأطروحة ( التطور اللارأسمالي ). يعزو البعض ( مثلاً : المرحوم أحمد محفل في محاضرة عن تاريخ الحزب مسجلة على كاسيت عام 1975 ) هذا الموقف إلى معطيات عند بكداش بأن أيام خروتشوف قد أصبحت قريبة من النهاية في الكرملين (31) ، إلا أن المؤشرات اللاحقة تظهر أن ذلك ليس أساساً لذلك الموقف ، حيث وقف بكداش ، رغم موافقته على مجمل أطروحات ” الملاحظات السوفياتية ” عام 1971 التي أتت لمساندته ضد خصومه في أثناء أزمة الحزب ، ليعلن بذلك العام أنه ما زال على معارضته التي أنزلها إلى تحفظات على مقولة التطور اللارأسمالي مع اعتباره أنه ” يعني فقط قطع الرأسمالية كتشكيلة اجتماعية ولا يعني بتاتاً قطع التطور الرأسمالي كعلاقات إنتاج ” (32) ، في تناقض مع الطروحات السوفياتية التي قالت في ” الملاحظات السوفياتية ” أن ” الوضع الذي فيه حزبكم وضع يعطي إمكانيات كبرى للحزب للدفاع عن الطبقة العاملة والكادحين وسير سورية على طريق التطور اللارأسمالي ، وفي النهاية نحو الاشتراكية” (33) ، فيما يؤكد بنفس الكلمة على عدم تحبيذه لتعبير ( الديمقراطية الثورية ) في وصف نظام البعث بدمشق ، وتفضيله لتعبير ( القوميين التقدميين ) / ص206 / .
على هذه الخلفية ، جرى تقارب الشيوعيين السوريين والبعث ، بعد حملة اعتقالات في ربيع وصيف 1963 وتوترات وتضييقات طوال عامي 1964 و1965 ، بدءاً من وصول ” يسار البعث ” للحكم في يوم 23 شباط 1966 ، ودخول شيوعي للوزارة ولو بصفته الشخصية هو سميح عطية، وقد كان خالد بكداش ينظر للتعاون والتقارب مع البعث من منظار سياسي ، فيما كان مناوئوه في الحزب ، الذين ظهر مقدار نفوذهم في المؤتمر الثالث للحزب ( حزيران 1969 ) ، يتجهون للاقتراب الفكري – النظري من الأحزاب القومية العربية على قاعدة أطروحات ( الديمقراطية الثورية ) و ( التطور اللارأسمالي ) ، التي هي أطروحات سوفياتية بالأصل ، إلا أنهم يختلفون مع موسكو على مواضيع ( الوحدة العربية ) و ( فلسطين ) و ( تقييم تجربة الحزب ) و ( الاستقلالية ) .
في المؤتمر الثالث ، كان خالد بكداش على يسار الآخرين في الموقف النظري والسياسي من نظام ( 23شباط 1966 ) ، وكان قبوله بالتعاون مع هذا النظام آتياً من رؤية سياسية ، تتعلق بالتأكيد بدمشق إلا أنها أيضاً تمتد إلى موسكو ، ويمكن من خلال مقارنة كلمة خالد بكداش الختامية أمام المؤتمر الذي يؤكد فيه موافقة الحزب على القرار ( 242 ) ، الذي كان يعارضه ( نظام 23شباط ) ، وتأكيده “أن ما نطلبه ونناضل في سبيله هو إزالة العدوان وتحرير الأراضي العربية المحتلة بعد عدوان 5 حزيران 1967″ ، ثم مقارنة هذا مع ” مشروع البرنامج السياسي للحزب ” ( حزيران 1970 ) الذي عبّر عن رأي مناوئيه في الحزب حيال النظر إلى موضوع فلسطين من خلال منظار ( التحرير ) ، وليس ( التسوية ) التي كان يحبذها السوفيات ، أن نصل إلى معرفة الهوة التي كانت تفصله عن البعث الحاكم وعن رفاقه بالحزب في هذا الموضوع وهو شيء ينطبق أيضاً على موضوع ( الوحدة العربية ) من خلال مقارنة تقرير المركزية إلى المؤتمر الثالث مع ” مشروع البرنامج ” ، الأمر الذي يمتد أيضاً إلى الرؤية المختلفة التي حكمت هذين النصين تجاه موضوعي ( قرار التقسيم ) / الذي سكت عنه التقرير فيما قال المشروع أنه ” مؤامرة ” / و أيضاً الفرق في النصين حيال ( وحدة 1958 ) (34) .
كان ” مشروع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري ” ، الذي صدر كمشروع بموافقة اللجنة المركزية في حزيران 1970 ، ميدان الخلاف الرئيسي بين جناحي الحزب قبل انشقاق 3 نيسان 1972 ، كما كان هو النص الذي أثار القيادة السوفياتية إلى درجة أن يكتب قياديون منها ، تحت إشراف المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي ، نص ” الملاحظات ” في أيار 1971 ، والذي تمترس وراءه خالد بكداش وأنصاره ضد ” مشروع البرنامج ” (35) .
يقول ” المشروع ” : ” تتوفر لدى العرب كل مقومات الأمة العربية ” ( ص74 ) ، وأن ” حال التجزئة التي لا تزال قائمة هي انعكاس واستمرار للظروف التاريخية المتخلفة الموروثة ولوقوع الأمة العربية تحت نير الإمبريالية العالمية ” ( ص74 ) ، ولهذا فإن ” المشروع ” يعتبر أن شعار الوحدة العربية يكتسب ” طابعاً اجتماعياً تقدمياً معادياً للرأسمالية والإمبريالية والصهيونية وملتصقاً أكثر فأكثر بمصالح الجماهير العربية ” (ص 75 ) ، و ” مهما كان الشكل الذي ستتحقق فيه الوحدة … لا بد وأن يكون تقدمياً ” ( ص78 ) .
في موضوع فلسطين ، يعتبر ” المشروع ” أن قرار تقسيم 1947 ، الذي وافق عليه السوفيات ، كان مؤامرة : ” واعترفت هيئة الأمم بدولة إسرائيل بموجب قرار التقسيم عام 1947 ، وساهمت الرجعية وعملاء الاستعمار في المؤامرة … ” ( ص80 ) . كما أن ” المشروع ” ، وبالتعارض مع السوفيات الذين يصرون على الاعتراف بدولة إسرائيل وفق القرار 242 وعلى الحل عبر ” التسوية ” و” إزالة آثار عدوان 5حزيران 1967 ” ، يرى أن ” حل القضية الفلسطينية ” يمر عبر ” حق الشعب العربي الفلسطيني في تحرير أرضه وبناء دولته بالشكل الذي يريده ” ( ص82 ) ، وإن كان يعتبر أن الكفاح لإزالة العدوان، وبخلاف السوفيات وخالد بكداش الذين أرادوا وفقاً للقرار 242 أن يتضمن هذا اعترافاً بإسرائيل ( وبعد ذلك إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967 ، بعد قبول ياسر عرفات بذلك منذ عام 1974 ) هو ” حلقة رئيسية في نضال الشعب العربي الفلسطيني لتحقيق أهدافه في تحرير وطنه والعودة إليه وتقرير مصيره على أرضه ” (ص84 ) .
في موضوع وحدة 1958 ، يرى ” المشروع ” أنها قد ” أرادتها الجماهير الشعبية الواسعة أساساً لبناء دولة عربية كبرى ” ( ص89 ) ، فيما كان الانفصال ، الذي أيده الحزب الشيوعي السوري ، بنظر ” المشروع ” هو نتيجة لما قام به ” أعداء الأمة العربية من استعماريين وصهيونيين وإقطاعيين وبرجوازيين رجعيين وعملاء ( الذين سعوا بأشكال مختلفة للقضاء على أول وحدة عربية ) ” ( ص90 ) .
يلفت النظر أن هذا الاتجاه ، الذي يحوي اتجاهاً جديداً عند شيوعيين سوريين للنظر إلى قضية ( الوحدة العربية ) وإلى قضية ( فلسطين ) ، يحوي أيضاً ، وبالتوافق معه وربما بسبب هذا الأخير ، اتجاهاً جديداً لتقييم أحزاب قومية عربية حاكمة ، مثل البعث في سوريا ما بعد 23 شباط 1966 ، الذي كتب وأقر هذا النص في عهده : ” إن التحولات الجارية في سوريا العربية تقطع طريق التطور الرأسمالي وتدفع البلد باتجاه الاشتراكية ” ( ص16 ) ، ثم يتضمن ” المشروع ” أبعد من ذلك في تقييم مرحلة ( نظام 23 شباط ) : ” وإذا كان يتضح … أن المرحلة التي تجتازها سورية الآن لم تصبح بعد مرحلة بناء الاشتراكية ، فإنه ليتضح منها أيضاً أن التحولات الجارية فيها تشكل قفزة نوعية بالمقارنة مع النظام السابق ، وتتكون الآن شروط مادية واجتماعية سهلت ، فيما إذا توافرت شروط أخرى سياسية بالدرجة الأولى ، عملية الوصول إلى الاشتراكية ” ( ص 97 ) .
كان هذا قفزاً عند أصحاب ” المشروع “، باتجاه الخط السوفييتي المتبني لمقولة ” التطور اللارأسمالي ” ، والذي كان وراء اندماج الشيوعيين المصريين في نظام عبد الناصر ، ثم ( خط آب 1964 ) عند الشيوعيين العراقيين الذي كاد أن يفعل ما فعله المصريون مع نظام عبد السلام عارف ، فيما اعتبر خالد بكداش أن (التطور اللارأسمالي ) يعني ” فقط قطع الرأسمالية كتشكيلة اجتماعية ولا يعني بتاتاً قطع التطور الرأسمالي كعلاقات إنتاج ” (36) .
لهذا ، يجب فهم أن الصراع الذي نشب بين جناحي الحزب ، في يوم ( حركة 16تشرين الثاني 1970 )، قد انقلبت فيه مواقع ( الخلاف ) في النظر إلى نظام الحكم القائم في دمشق : ففي حزيران 1970 ، كان أصحاب ” المشروع ” عند صدوره ينظرون لنظام 23 شباط من منطلقات مشتركاتهم معه في مواضيع ( الوحدة العربية ) و ( فلسطين ) وضد ( القرار 242 ) ، فيما أصبحت معارضتهم للاشتراك في الوزارة الجديدة المنبثقة عن حركة ( 16 تشرين الثاني 1970 ) ، ناتجة عن اعتبارهم أن النظام الجديد هو على يمين النظام السابق وأنه يتجه للقبول بالقرار 242 ، مع بقاء مشتركاتهم معه في موضوع ( الوحدة العربية ) وفي ( قرار التقسيم ) ، فيما أخذ بكداش بتأييده لنظام الجديد فقط من منظار موضوع رضى السوفييت عن النظام الجديد في اتجاهه إلى عدم خربطة المعادلات الإقليمية ، كما كاد أن يفعل ( نظام 23 شباط ) يوم تدخل عسكرياً بالأردن أثناء أحداث أيلول 1970 .
وعملياً ، فإن هذه الصورة ، هي التي حكمت تطور موقف جناحي الحزب الشيوعي السوري ، بعد انشقاقهما في 3نيسان 1972 ، من نظام ( 16 تشرين الثاني 1970 ) ،حيث أن جناح ( المكتب السياسي ) ، الذي كان يتلاقى مع النظام في رؤيته لـ ( الوحدة العربية ) واعتبار الوحدة العربية ” تقدمية بالضرورة ” وفي رؤيته لتاريخ القضية الفلسطينية ، قد تباعد مع النظام أولاً عبر موضوع ( القرار 242 ) ،ثم عبر الموقف من اتفاقية ( فصل القوات في الجولان ) عام 1974 ، ثم عبر الموقف المعارض من التدخل السوري في لبنان بحزيران 1976 ضد تحالف منظمة التحرير الفلسطينية مع اليسار اللبناني ، فيما كان وصوله إلى موضوعة ( الديمقراطية ) لاحقاً لذلك، ليبني من خلالها ، بدءاً من شهر شباط 1977 (37)، موقفه المعارض للنظام على أساسها ، فيما كان حتى عام 1977 يبني معارضته على أساس موضوعي ( التسوية ) و( أحداث لبنان ) .
في الجهة المقابلة ، نجد أن خالد بكداش ، الذي كان يتعارض جذرياً مع نظام 16 تشرين الثاني 1970 في رؤيته للوحدة العربية التي لا يعتبرها ناتجة عن توفر مقومات الأمة عند العرب ( كما كان يرى هو في عام 1955 و1956 ، أو كما يرى ” مشروع البرنامج ” ) بل هي ” طريق نحو استكمال تكوين الأمة العربية تكويناً لاحقاً ، هي طريق نحو اندماج العرب في أمة واحدة مستكملة جميع مقومات الأمة “(38) ، كان ينظر للنظام السوري القائم من خلال منظار سياسي ، يتعلق بموضوع توافقه مع السوفيات حيال موضوع ( التسوية ) ، وإن كان النظام لم يعلن قبوله الرسمي والمعلن بالقرار ( 242 ) إلا عبر قبوله بنص القرار 338 الذي أتى في خاتمة حرب 1973 .
قاد هذا الوضع إلى أن يكون ، كل من جناحي الحزب الشيوعي السوري ، محكومان بـ ( السياسة ) في رؤيتهم للنظام السوري في مرحلة ( ما بعد 16 تشرين الثاني 1970 ) ، فيما كان الموقف النظري- الفكري هو الحاكم لتقارب أصحاب ” مشروع البرنامج ” ( حزيران 1970 ) من نظام 23 شباط 1966 ، وكان تعارض بكداش مع ” مشروع البرنامج ” ناتجاً من موقف نظري – فكري مضاد ، كان يضعه بعيداً عن خصومه في الحزب وعن الحاكمين في دمشق قبل 16تشرين الثاني1970 ، إضافة للاعتبار السياسي الذي كان يضع موسكو في تعارض مع الشباطيين حيال الموقف من ( القرار 242 ) . الملفت للنظر ، في هذا الإطار ، أن الكتلة الوسطية في الحزب ،والممثلة في ” الثلاثي ” : ظهير عبد الصمد ، دانيال نعمة ، ابراهيم بكري ، كانت هي أكثر من كان يرى نظام البعث من منظار فكري – سياسي ماركسي متقارب مع القوميين العرب عبر مناظير ( التطور اللارأسمالي ) و ( الوحدة العربية ) و (فلسطين ) . وهي كانت تميل ، عبر ترجمتها للتصويت على الدخول في ( وزارة 18 تشرين الثاني 1970 ) و(الجبهة الوطنية التقدمية ) / 7 آذار 1972 / ، إلى تعميم ما كانت تنظر منه إلى نظام 23 شباط 1966 على نظام 16 تشرين الثاني 1970 . وقد كان انتقال كتلة ( الثلاثي ) إلى جناح بكداش في يوم 30 تشرين الثاني 1973 ، ناتجاً عن اجتماع مراعاتهم للاعتبار السوفياتي مع رفضهم لاتجاه غالبية ( جناح المكتب السياسي ) نحو التباعد مع النظام ، مع احتفاظهم بمنظورهم حول موضوعات ( الوحدة العربية ) (39) و ( فلسطين ) و ( التطور اللارأسمالي ) ، وهذا ما جعل تباعدهم قائماً ومستمراً مع بكداش في ” حزبه ” (40) وخاصة لما تحالفوا مع يوسف فيصل ضده في المؤتمر الرابع ( أيلول 1974 ) ، فيما استخدم بكداش مراد يوسف وكتلته ضد تكتل (الثلاثي – يوسف فيصل ) حتى عام 1979 ، ليكون هذا تسكيناً للصراع حتى انشقاق هذا التكتل عن بكداش في تموز 1986 : كان انشقاق 1986 ، للأسباب المذكورة ، مترافقاً مع اقتراب ( جناح يوسف فيصل – الثلاثي ) من الأطروحات القومية لـ ” مشروع البرنامج ” ( حزيران 1970 ) ، وأيضاً مع اقترابه من النظام أكثر من بكداش ، الذي ركز كثيراً في تلك الفترة على رفضه لأطروحة ( التطور اللارأسمالي ) وعلى منظوره للوضع السوري القائم من خلال منظور ( رأسمالية الدولة ) ، قبل أن يقترب في عام 1991 ، وأثناء الاستفتاء الرئاسي في الشهر الأخير من ذلك العام الذي شهد تفكك الاتحاد السوفييتي ، من النظام بحدود نافست الجناح الآخر الذي كان موجوداً أيضاً في ( الجبهة الوطنية التقدمية ) (41) . في هذا الإطار كان انضمام ( كتلة يوسف نمر ) ، التي خرجت من ( جناح المكتب السياسي ) إثر المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) بشهر كانون أول 1978 ، إلى جناح ( يوسف فيصل – الثلاثي ) في مؤتمر 1987 ، متسقاً مع السياق الذي جمع ( الثلاثي ) مع يوسف فيصل الذي وقف ضد بكداش طوال عقد الستينات وأيضاً في المؤتمر الثالث للحزب ( حزيران 1969 ) ولم يعارض ” مشروع البرنامج ” عند إقراره بالمركزية ، فيما وقف مع بكداش بخريف 1970 لاعتبارات سوفياتية أو لإحساسه بأنه لا يستطيع أن يكون ” أميناً عاماً مقبلاً ” عبر غالبية قيادة الحزب التي تكتلت ضد بكداش منذ حزيران 1969 . حيث أن معارضة يوسف نمر لرياض الترك ، منذ حزيران 1976 وحتى المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي ( المكتب السياسي ) في كانون الأول1978 ، كانت مبنية على معارضته للتباعد عن السلطة ، وهي معارضة كانت مجتمعة مع احتفاظه بمنظورات ” مشروع البرنامج ” حول ( التطور اللارأسمالي ) و ( فلسطين ) و ( حركة التحرر الوطني ) و ( الوحدة العربية ) (42) ، الشيء الذي كان يجتمع عنده مع معارضته لموضوع التخلي عن أطروحة ( الديمقراطية الشعبية ) ، التي ثبتها المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي ( المكتب السياسي ) بكانون أول 1973 ، لصالح أطروحة ( الديمقراطية ) التي تبناها المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوري( المكتب السياسي) ، التي كان يوسف نمر يرى أنها ، كمفهوم برجوازي ، مفهومياً وسياسياً ، ستقود الحزب من الماركسية إلى الليبرالية ، وهو شيء كتبه الدكتور نايف بلوز ، الذي كان ضمن ( كتلة يوسف نمر ) ، كنقد نظري لـ ( مشروع موضوعات المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوري ) الذي صدر في شهر آذار 1978 ، في دراسة لم تنشر وظلت مخطوطة .
هوامش
31- تمت تنحية خروتشوف من قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي في يوم 14 تشرين أول 1964 .
32- ضمن كلمة خالد بكداش في ( المجلس الوطني العام للحزب الشيوعي السوري ) / تشرين الثاني 1971 / . يوجد نص الكلمة في كتاب ” قضايا الخلاف في الحزب الشيوعي السوري ” ، ص ص 195 – 226 ، ص 205 .
3 3– نص( الملاحظات السوفيتية حول ” مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوري ” )/ أيار 1971 / ، موجود في ” قضايا الخلاف ” ، ص ص 129 – 184 ، ص 175 . كان مشروع البرنامج قد أنجز وعمم في داخل الحزب منذ حزيران1970.
34 – يوجد نص كلمة بكداش الختامية في كتاب ” وثائق المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري ” ، ( منشورات حزبية ) ، بدون تاريخ الطبع ، ص ص 113 – 125 . يوجد نص تقرير المركزية بنفس الكتاب : ص ص 1 – 111 .
5 3– يوجد نص ” المشروع ” في كتاب ” قضايا الخلاف ” ، ص ص 52 – 128 .
6 3– في مداخلة أمام ( المجلس الوطني ) لعام 1971 ، ” قضايا الخلاف ” ،ص205 .
7 3– كان هذا عبر رسالة من اللجنة المركزية للحزب عممت فقط على أعضاء اللجان المنطقية وعلى قيادة منظمات الجامعات ، صدرت في ذلك الشهر .
38 – من نص كلمة بكداش أمام ( المجلس الوطني للحزب ) في تشرين الثاني 1971 : ضمن ” قضايا الخلاف ” ، ص 213 . إضافة لذلك ، فإن خالد بكداش كان يرى… وبخلاف البعثيين وأصحاب ” مشروع البرنامج ” ، أن ” الوحدة والاشتراكية ليستا عمليتين متوازيتين ” ، وفقاً لنص كلمته المذكور ، ( ص 213 ) .
39 – لم يستطع ( الثلاثي ) أن يزحزحوا بكداش عن موقفه ( بعد انتقالهم لعنده ) تجاه موضوع الأمة العربية ، “هل هي مكونة أم في طور التكوين؟ “، حيث يقول كراس ” برنامج الحزب الشيوعي السوري ” الصادر عن المؤتمر الرابع ( أيلول 1974 ) : ” إن مقومات الأمة التي عدّدتها الماركسية اللينينية ، وهي أن الأمة مجموعة ثابتة من الناس تكوّنت تاريخياً على أساس وحدة اللغة والأرض والتكوين النفسي المشترك الذي يجد تعبيراً له في الثقافة المشتركة ،هي متوفرة لدى العرب،ولكن الحياة الاقتصادية المشتركة وهي إحدى هذه المقومات ، ليست متوفرة حالياً ” ، ( ص ص 108 – 109 ) ، وكذلك في موضوع ( قرار التقسيم ) ، الذي يتفادى ( كراس 1974 ) ذكره ، فيما في موضوع فلسطين يبتعد ( كراس 1974 ) عن صيغة ” مشروع البرنامج ” لصالح النص التالي : ” حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره على أرضه وحقه في إقامة سلطته الوطنية على الأراضي الفلسطينية التي تتحرر من الاحتلال الإسرائيلي ” ( ص ص 102 – 103 ) .
40 – في توفيق وسطي حول الرؤية لأطروحة ( التطور اللارأسمالي ) ، يقول الكراس ” برنامج الحزب الشيوعي السوري ” ، الذي أقره المؤتمر الرابع بأيلول 1974 : ” يعتبر طريق التطور اللاراسمالي شكلاً وسطياً انتقالياً للتطور الثوري تتشابك فيه عضوياً عمليات ديمقراطية حاسمة تدخل في إطار الثورة الوطنية الديمقراطية ( مهام التحرر الوطني والاستقلال الاقتصادي ، والإصلاح الزراعي ) مع إجراءات ذات طبيعة اشتراكية ولكن غير كاملة إلى حد بعيد ( القطاع العام – التعاون الزراعي ) ، … إلا أن هذه الإجراءات على أهميتها لا تنتج بنفسها الطريق إلى بناء المجتمع الاشتراكي على نطاق واسع ” ( ص 67 ) .
41 – في تصريح لجريدة ” الوطن ” الكويتية ، بتاريخ 9 شباط 1990 ، أعلن خالد بكداش : ” نحن نعتبر أنفسنا حلفاء للنظام على أساس سياسته الوطنية في مواجهة إسرائيل والإمبريالية . أما على صعيد سياسته الداخلية فإن موقفنا مغاير تماماً ” . هناك أيضاً لبكداش تصريح مماثل في عام 1979 : ” سياستنا التحالفية تقوم على السياسة الخارجية ، أما لو أُخذ الوضع الداخلي لوحده فنحن في موقع المعارضة ” .
42 – ظلت المنظورات السابقة ، حول ( الوحدة العربية ) و ( فلسطين ) و ( التسوية ) ، قائمة عند الحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) ، في ( موضوعات المؤتمر الخامس ) / كانون أول 1978 / ،التي عارضتها ( جماعة يوسف نمر ) . تقول ( الموضوعات ) في موضوع ( الوحدة العربية ) : ” العرب أمة واحدة ، لكنهم يعيشون في كيانات منفصلة ” ( كراس : ” موضوعات المؤتمر الخامس : الوضع الدولي العربي ” ، ص 30 ) . أما في موضوع ( فلسطين ) : ” لا يمكن حل التناقض بين الأمة العربية وإسرائيل إلا بانتصار الأمة العربية ، وتحرير فلسطين من الكيان العنصري الغاصب ” ( ” موضوعات المؤتمر الخامس : الوضع الدولي والعربي ” ، ص 42 ) ، فيما يقول نفس النص حول ( التسوية ) ما يلي : ” تقوم التسوية التي تؤيدها الأنظمة العربية المعنية على إعادة الأرض المحتلة في حزيران أو معظمها مقابل الاعتراف بإسرائيل … وكذلك ( مقابل ) الإقرار للدول الكبرى ، وعملياً للولايات المتحدة ، بحق التدخل للحفاظ على الأوضاع التي تقرها التسوية أو تنشأ بموجبها . إن التسوية المطروحة هي مقايضة على استقلال ومستقبل الشعب العربي … إن التصدي للتسوية المطروحة هو مهمة وطنية رئيسية ” ( ص ص 40 – 41 ) .
