- محاولة لمقاربة أسس في الفكر السياسي
- ماهية رأسمالية الدولة ؟
- السياسة الجديدة لاسرائيل وأحقية المقاومة
- المركز القانوني للاجئين في القانون الدولي الإنساني والإتفاقيات الدولية
- المسألة المناطقية في سوريا محمد سيد رصاص
- هنية يعيد زرع أشواك أزالها في طريق إيران مصطفى الأنصاري
باستثناء الافتتاحية والبيانات الموقعة من الحزب فإن النصوص والمقالات الواردة في العدد لا تعبّر بالضرورة عن رأي الحزب.
محاولة لمقاربة أسس في الفكر السياسي
عند المقارنة بين لينين وتروتسكي نجد الكثير من الاختلاف في أسس التفكير وفي زوايا النظر، رغم وجودهما في إيديولوجية واحدة وفي الحزب نفسه. لدى لينين التصاق أكثر بالتربة الروسية المحلية، رغم ادراكه لعالمية الامبريالية ولأممية الماركسية. عند تروتسكي يغلب العالمي على المحلي بل يحدده، وقد ظل في مجادلته، ضد نظرية «الاشتراكية في بلد واحد» عام1925، يرى أن نجاح ثورة أوكتوبر واستمراريتها مرهونان بنشوب ثورات في الوسط والغرب الأوروبيين. لا يمكن عزو هذا الاختلاف إلى خلاف نظري فقط، بل يجب البحث في الإطار الاقتصادي – الاجتماعي – الثقافي لخلفية بيئة لقائدين الماركسيين الروسيين، وبالتالي تطبيق الماركسية عليهما وعلى مسيرتهما الفكرية السياسية . متحدثاً عن تروتسكي وروزا لوكسمبرغ، يقول إسحق دويتشر التالي: «عانى هؤلاء الثوريون العظام نقطة ضعف خطيرة، فقد كانوا، كيهود، يفتقرون على نحو ما إلى الجذور» («دراسات في المسألة اليهودية»، دار الحقيقة، بيروت 1971، ص26). في عام 1875 جرى توحيد اتجاهين في الحركة العمالية الألمانية هما «حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي – الإيزيناخيون» و” اتحاد العمال الألماني العام- اللاساليون” في حزب واحد هو «حزب العمال الاشتراكي الألماني». كان «الإيزيناخيون» من الجنوب الكاثوليكي المتقدم صناعياً، وكان «اللاساليون» من الشمال البروسي البروتستانتي المتأخر ، حيث قامت بروسيا بدور الاقليم – القاعدة بقيادة بسمارك في توحيد ألمانيا عام 1871. منذ عام 1863 اصطدم كارل ماركس مع فرديناند لاسال بسبب مراهناته على بسمارك، وأيضاً عاب على الاشتراكيين من الجنوب الكاثوليكي، مثل أوغست بيبل وويلهلم ليبكنخت، اقليميتهم الضيقة ومحليتهم ورهاناتهم على النمسا الكاثوليكية في وجه بروسيا البروتستانتية أثناء الحرب بين بروسيا والنمسا عام 1866. استمرت هذه الأسس للتفكير عند الكثير من الاشتراكيين الألمان في حزب نال عام 1903 ثلث أصوات المقترعين للانتخابات البرلمانية، وقد خفت كثيراً بعد انشقاقه عام 1918 بين شيوعيين واشتراكيين ديموقراطيين، ولكنها مازالت موجودة في ألمانية المعاصرة عند معسكر اليمين بين «الاتحاد المسيحي الاجتماعي» في بافاريا الجنوبية الكاثوليكية وبين «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» العابر للبروتستانت والكاثوليك. في عام 1972 عند انشقاق الحزب الشيوعي السوري وقفت الغالبية الكاسحة، ما عدا أفراد قلائل، من أعضاء الحزب الأكراد والشركس والأرمن مع خالد بكداش الذي وقف مدعوماً من موسكو ضد «مشروع البرنامج السياسي» الذي صاغته لجنة مكلفة من قيادة الحزب وكانت طروحاته ذات نفس عروبي ويحاول مزج الماركسية مع التربة المحلية العربية والسورية بعيداً عن التبعية للسوفيات ومديراً الظهر للنزعات الأممية التقليدية التي كانت موجودة عند الشيوعيين القدامى. عند تروتسكي وروزا لوكسمبرغ نجد نزعة أممية كوزموبوليتية هي أقرب إلى العدمية القومية يشعر صاحبها بأن العالم هو موطنه وأمته. هذا لا نجده عند لينين الروسي ولا ستالين الجورجي. لا ينفصل هذا عند ماركسيين مثل تروتسكي وروزا لوكسمبرغ عن وضعية اليهودي الذي لا يشعر بأن له جذوراً (قبل تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين عام 1948) في أي مكان، وهو ما يتم تصعيده نحو نزعة أممية يصبح فيها الوطن هو العالم والأمة هي الأممية عند تروتسكي وروزا لوكسمبرغ . أيضاً إن البيئة الاجتماعية للطائفة اليهودية في روسيا القيصرية وأوروبا الشرقية، وتجربة المذابح التي تعرض له اليهود في معازلهم، مثل مذبحة مدينة كيشينيف عام 1903، يمكن أن تحمل حتى من قبل الماركسي إلى أيديولوجيته الحديثة، ولو بشكل مضمر، وأن تؤثر بشكل خفي أو غير إرادي، أي موضوعياً، على شخصية وطريقة تفكير الماركسي الآتي من هناك، كما أن العداوات الموروثة، والتي يحملها مواطن الغيتو أو ابن الأقلية اليهودية المعزولة والمكروهة والمستهدفة من الآخرين، ستلون وستحدد طريقة الرؤية للمحيط الخارجي حتى عند الثوري الماركسي القادم من هناك في رؤيته لمجتمعه ككل. ولا يمكن لنغمة ونكهة ثورية أن تكونا مثل أبناء الأكثرية في نفس الحزب حتى ولوكان ماركسياً ، حيث تكون شحناتها التدميرية عند ابن الأقليات أكثر صخباً وليس شرطاً أن تكون أقوى من حيث المضمون، كما تكون ذاتيتها وانفعاليتها والميل القوي إلى الرومانسية والنزعة البطولية أكثر، وهو ما يلاحظ عند تروتسكي فيما لا يلاحظ هذا عند لينين أو نيقولا بوخارين. والحقيقة أن الشحنة الانفعالية الثورية، ولو بشكل لا إرادي، لا يقتصر توجيهها على الطبقات المسيطرة بل تمتد إلى الأكثرية القومية وإلى الأكثرية الدينية- الطائفية. وفي الغالب يكون الإلحاد هنا موجهاً ليس على رفض الدين في المطلق وفي العام بل إنه محدَد ومعيَن على أساس رفض ومعاداة دين الأكثرية، فيما يكون إلحاد ابن الأكثرية الدينية موجهاً ضد دينه وضد كل دين ومبنياً على ذلك ومعيناً ومحدداً بهذا. هذا يعني أن الخلفية الاجتماعية – الثقافية لمعتنقي أيديولوجية «ما»، بما فيها الأيديولوجيات الحديثة، تحمل معهم إلى تلك الأيديولوجية وإلى حزبها وحركاتها السياسية، وتختلط معها. وتكون عند ابن الأقليات الدينية – الطائفية – القومية – الإثنية أقوى، كمحمولات ذاتية، من محمولات ابن الأكثرية عندما ينتقلا معاً إلى أيديولوجية حديثة وإلى حزب واحد. ففي مجتمع ما قبل رأسمالي أو في طور الانتقال إلى الرأسمالية ويعاني من اللااندماج المجتمعي نجد اختلاط البنى الدينية والطائفية والقومية والإثنية مع العاملين الاقتصادي والاجتماعي ما يؤثر في جوانب الفكر السياسي والثقافة والسياسة. أكثر ما نجد هذا عند الأقليات الدينية المعزولة في معازل، مثل الغيتو اليهودي، وعند الأقليات الطائفية الموجودة في إطار جغرافي جهوي محدد وفي وضعية اقتصادية – اجتماعية معينة (فلاحون مثلاً)، وعند أقليات قومية أو إثنية ضمن نطاق جغرافي محدد داخل بلد معين، حيث أدى الاختراق الرأسمالي العالمي إلى انشاء آلية اندماجية في مجتمعات غير مندمجة، ما جعل تلك الأقليات الدينية – الطائفية – القومية – الإثنية تطمح إلى المشاركة ولعب دور فاعل في المجتمع. كانت القاطرة هنا هي الأيديولوجيات الحديثة، حيث كان الدخول في أحزاب علمانية أو متجاوزة للدين أو للقومية، أو لها طابع وطني عريض، يجعل الدور غير محصور في الإطار الأقلياتي الضيق الذي يمثله الحزب الفئوي الخاص ، بل يمكن أن يكون ذلك جسراً إلى تأثير واسع وأحياناً طاغ وربما أيضاً إلى أن يكون الدور هو المسيطر ثقافياً وسياسياً على المجتمع بأسره عبر تلك القاطرة. هذا شمل أوروبا الشرقية والوسطى في النصف الأول من القرن العشرين وأيضاً العالم العربي بالفترة نفسها. كان الإرتداد نحو الصهيونية عند الكثير من يهود أوروبا الشرقية والوسطى، مع هتلر، انتصاراً لتيودور هيرتزل على تروتسكي. في السياق نفسه يمكن القول نفسه بأن تحول الكثير من شيعة العراق من الحزب الشيوعي إلى حزب الدعوة في فترة 1959 -1975 كان انتصاراً للسيد محمد باقر الصدر على سلام عادل (حسين الرضي) سكرتير الحزب الشيوعي العراقي وهو من النجف ومن أسرة تنتمي لآل البيت الحسيني. وهو ما ينطبق أيضاً على تحول الأكراد العراقيين من الحزب الشيوعي إلى حزبي الملا مصطفى البرزاني وجلال الطالباني في فترة الكرديين بهاء الدين نوري وعزيز محمد. هذا الارتداد كان يعني فشل الاندماج ، كما في حالة اليهود بأوروبا الشرقية والوسطى، أوتعبيراً عن أزمة اندماج كما نجد في عراق 1968-2024 بالخلاصة يمكن القول بأن الفكر السياسي لا تتحدد تقدميته أو رجعيته عبر صورته أو مضامينه بل عبر الوظيفية التي يقوم بها حامل هذا الفكر في مكان وزمان معينين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومدى خدمة هذا الفكر عبر تلك الوظيفية للتناقض الرئيسي الذي كان يعيشه ذلك المجتمع في المكان والزمان المعينين، أي خدمة الاتجاه نحو الاندماج الاجتماعي المتجاوز للتحديدات الدينية – الطائفية – القومية – الإثنية عبر علاقات رأسمالية حديثة في مجتمع جديد، فرضه الاختراق الرأسمالي العالمي على مجتمعات ما قبل رأسمالية كانت تعيش نظام الملل الدينية – الطوائفية، وذلك أثناء وبعد وإثر انفراط نظام الدولة الذي كان مبنياً على «الجامعة الدينية» للملة الكبرى، العابرة للقوميات والإثنيات، والمحيدة أو العازلة أو المحددة لأدوار وتخوم الملل الأخرى (روسيا القيصرية والدولة العثمانية). كما أن تحليل أسباب سرعة التحولات وسهولتها من أيديولوجية إلى أخرى لا يمكن تفسيره إلا عبر الوظيفية الاجتماعية للفكر السياسي عند حامليه، ما يجعله أقرب إلى العربة التي توصل إلى هدف محدد، ويمكن هنا ملاحظة أن النزول منها لعربة أخرى يكون سهلاً عند هؤلاء، حيث لا يؤمن أحد بفكر سياسي معين من أجل ذاته بل من أجل وظيفية معينة يراد توظيف هذا الفكر من خلالها في المجتمع.
——————————————————————————–
ماهية رأسمالية الدولة؟
لقد كان القرن العشرين مليئا بتجارب رأ سمالية الدولة ، حتى الدول الامبريالية عززت من مركزيتها بمجتمعاتها اذا أخذناها بشكلها التجريدي . تأتي راسمالية الدولة كسياسات محددة تاريخيا ، يتم فيها التحكم بالسيولة المالية وحنفية المجتمع المالية ، فتسيطر على الحياة الاقتصادية للمجتمع ، كالسيطرة على التجارة الداخلية والخارجية ، وتأميم القطاعات الانتاجية والاستهلاكية لتحقيق تراكما راسماليا معينا ، وصولا – في بعض التجارب – للتحكم بحياة الافراد ونشاطاتهم وتوجيه الحياة الاجتماعية واعادة هيكلتها بما يحافظ على شدة تمركز الراسمال الدولتي لمنع المجتمع من الاستقلالية والنشاط المستقل عن الدولة ، حتى الحاق القوى السياسية بسلطتها وتحجيم وتقليص حرية العمل السياسي للقوى وخاصة المعارض ، وبالتالي تقوم راسمالية الدولة باحتكار العمل السياسي لاقصى حد ممكن . راسمالية الدولة تعني قيام الدولة بالعملية الاقتصادية كاملة او في حدود معينة ، ضمن اطار قانوني تشريعي يسمح لها بممارسة نشاطاتها بما يخدم اعادة انتاج ذاتها بشكل مستقل نسبيا أو في حدود معينة عن المجتمع ، وتشكل راسمالية الدولة خطرا على الحريات الفردية والجماعية وعلى مستقبل مجتمعا ما او عدة مجتمعات كما بينت تجارب عديدة . تكون السوق في راسمالية الدولة خاضعة لقرارات الدولة المركزة ، وكل اتجاهات حركة السوق تشكل مكملة لسياسات الدولة وغاياتها وبرامجها ، بدلا من وجود أريحية واستقلالية للسوق لتكون الدولة حامية للسوق من خلال تشريعاتها وقوانينها وسياساتها .
تجعل راسمالية الدولة من الدولة ذات استقلالية عن المجتمع بتوفر شروط معينة ، مما يسمح بممارسة الارهاب السياسي تجاهه ومنعه من النشاط المستقل والنوعي . كل تجارب رأسمالية الدولة قد انتهت لاقتصاد السوق او ذاهبة بهذا الاتجاه في ظل سياسات وتوجهات دولية تحكمها قوانين السوق وحركتها و حاجاتها ، ولا يمكن معرفة ما اذا كانت راسمالية الدولة ستتجدد في المراحل اللاحقة من مسيرة البشرية لان هذا يعود لشروط وظروف معينة – ان توفرت – لتنشيط جديد لهذا الاتجاه الذي رأيناه بقوة بين عشرينيات وستينيات القرن العشرين.
—————————————————————————
السياسة الجديدة لاسرائيل وأحقية المقاومة
تأتي سياسة اسرائيل الاعلامية الجديدة من أجل تكوين بيئة عربية حاضنة للاحتلال الصهيوني .
عندما تشن اسرائيل منذ فجر تأسيسها حملات لابادة العرب في فلسطين او الجولان او الاراضي اللبنانية وباجتياحها للبنان او شنها لحرب ابادة جماعية ضد العرب الفلسطينين في غزة الآن ، وبالنظر لطبيعتها العنصرية اليهودية باحتقارها للعرب المسلمين والمسيحيين وتعاليها عليهم ، سوف يدرك المتابع ان الكيان الصهيوني يحاول خلق حالة استسلام عربية ، والضحية هم العرب انفسهم عندما ينقلب ميزان القوى لصالح اسرائيل، وخسارتنا بالضبط هي مشروعنا الوطني والقومي التنموي والتحديثي المستقل بقراره السيادي والشعبي .
ويراد من ذلك اسرائيلياً أن تتردى أحوالنا عرباً وفلسطينيين حتى الرفع للراية البيضاء ومنع بلورة سلطة وطنية حقة وايضا منع التفكير المستقل في معالجة أزماتنا باتجاه الخضوع للقوة الاسرائيلية والعمالة لها .
من يظن أن لاسرائيل حليفا من العرب ليس فقط يانع في السياسة بل ضحية اسرائيل ذاتها ، وضحية النظم العربية الرسمية التي تاجرت بأوجاع المواطن العربي وعمقتها باسم فلسطين والقضية الفلسطينية .
نتيجة طبيعية جدا أن يخرج تيار مؤيد لاسرائيل من العرب أمام الاندفاع الاعلامي والضغط السياسي والاعلامي على العرب ذاتهم ، وأمام توسع حجم المتضررين من الأزمات والأوضاع وتردي المستويات المعيشية ، لكن ، ليس لهذا التيار الاستسلامي برنامجا وطنيا وقوميا يلبي حاجات شعبنا العربي بل انه في الحقيقة سيعمق الأزمات ويولد أزمات جديدة ويدفع بالدول الغربية للتحكم باقتصادنا وأمننا وقرارنا العربي والوطني والسيادي .
مقاومة الكيان الصهيوني مبنية على معادلة منذ تأسيسه عام 1948 وهي معركة وجود وليس حدود .
السلام مع اسرائيل يعني تدمير مقومات وجودنا وتزايد الازمات وخسارة مشروعنا ومقدراتنا الوطنية والقومية ، وهذه هي مصر تستورد القمح الامريكي بدلا من أن تصدر القمح بسبب السلام مع اسرائيل .
لا قرار مستقل بالسلام مع اسرائيل بل تبعية وافقار وتقسيم وتزايد الاضطرابات السياسية والاجتماعية وارتفاع مستويات العنف وعدم الاستقرار في المنطقة .
لن يكون هناك استقراراً في المنطقة إلامع الاستقرار بدولة ديمقراطية علمانية على كامل أرض فلسطين التاريخية من النهر للبحر تضم العرب واليهود يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات. ..ولا أمن امام عدو متربص بنا نحن الشعوب العربية ، ولا حل لقضايانا بالاستسلام والتخلي عن حقنا في الحياة الكريمة والمستقلة .
فلتعش المقاومة على امتداد أرضنا العربية .
——————————————————————————–
المركز القانوني للاجئين في القانون الدولي الإنساني والإتفاقيات الدولية
28\2\2019
)مكتب الدراسات والتوثيق بهيئة التنسيق الوطنية(
إن تحديد المقصود باللاجئ بصورة عامة من المسائل الصعبة في القانون الدولي حيث لم ينتهي الفقه الدولي الحديث لتعريف شامل وموحد للاجئين ، ولقد لعبت المنظمات الدولية والإقليمية دورا بارزا في إيجاد بعض المفاهيم التي تضمن الحد الأدنى من
الحماية القانونية للاجئين وتعريف العالم بمآسيهم، فالعهود الدولية والاتفاقيات الإقليمية ساهمت في بلورة مفهوم اللاجئ:
أولا:تحديد مفهوم اللاجئين في القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية
إن مصطلح اللاجئين وإن كان حديثا في الفقه الدولي والاتفاقيات الدولية إلا أن مضمونه ومعناه ينطبق على كثير من الحالات سواء في القديم أو في العصور الحديثة ذلك أن اللجوء مرتبط ارتباطا وثيقا بالإنسان الذي يبحث عن أماكن الأمن منذ القديم.
وقد استعملت كلمة لاجئ لأول مرة في فرنسا للدلالة على البروتستانت المطرودين من فرنسا خلال القرن السابع عشر، ولم تظهر هذه الصيغة الرسمية في المواثيق الدولية إلا مع بداية القرن التاسع عشر ثم مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
كما أن أمريكا اللاتينية واجهت اللاجئين عام 1889 ، حيث كانت اتفاقية مونتفيديو الخاصة بالقانون الجنائي الدولي
أول وثيقة إقليمية تناولت اللجوء.
-1 المقصود باللجوء في القانون الدولي الإنساني
ويقصد باللجوء في القانون الدولي هروب الضحايا من الأخطار المحدقة بهم بسبب النزاعات المسلحة إلى أماكن وهيئات تتوفر لهم فيها الحماية، وأول الأماكن التي يلجأ الضحايا إليها هي اللجنة الدولية للصليب الأحمر باعتبارها المفوضة من طرف إتفاقية جنيف بحماية أكثر الأفراد ضعفا، سواء كانوا أسرى حرب أو مدنيين يتعرضون للهجوم، كما تقوم بتقصي المفقودين ولم شملهم مع عائلاتهم والإشراف على إعادة الأسرى إلى أوطانهم، وتذكير جميع أطراف النزاع
بأنهم ملزمون بتطبيق اتفاقيات جنيف المقصود باللاجئين في اتفاقية جنيف الرابعة والبرتوكولين الإضافيين
الأول والثاني لعام 1977
” نصت الفقرة الرابعة من المادة 45 من اتفاقية جنيف الرابعة على عدم جواز نقل أي شخص محمي في المجال إلى بلد يخشى
فيه التعرض للاضطهاد بسبب آراءه السياسية أو عقائده الدينية “. كما نصت الفقرة 01 من المادة 49 من نفس المعاهدة على حظر النقل الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم إلى أراضي دولة الاحتلال أو أي دولة أخرى أيا كانت الدعاوى .كما نص البروتوكول الإضافي الأول لمعاهدات جنيف
بخصوص ضحايا النزاعات الدولية المسلحة في المادة 73 منه على: وجوب حماية الأشخاص الذين كانوا بدون وثيقة تثبت
انتمائه لدولة الإقامة أو كانوا لاجئين وبدون تمييز)
كما ينص البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977 في المادة 17
على: ” لا يجوز إرغام الأفراد المدنيين على النزوح عن أراضيهم
لأسباب متصلة بالنزاع “
وكذلك تنص المادة 85 البروتوكول الإضافي الأول على: ” عدم
جواز ترحيل السكان المدنيين من طرف دولة الاحتلال …”)
يلاحظ أن اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكوليها الإضافيين لم
يضعا تعريفا واضحا للاجئين في القانون الدولي الإنساني فهي اكتفت بتعداد بعض الأعمال المحظورة والتي تؤدي بالسكان المدنيين إلى اللجوء عن أراضيهم، كذلك عددت بعض الأفعال التي يتعرضون لها والتي تعد انتهاكات للقانون الإنساني. فالاتفاقية لم تتعرض لتعريف اللاجئين الذي يهاجرون عادة
في شكل جماعي عبر الحدود الدولية للبحث عن أماكن أكثر أمنا، وهذا خوفهم من التعرض لانتهاكات أطراف النزاع. بل إن المادة 45 في فقرتها الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة عرفت اللاجئ بأنه الشخص الذي فر من وطنه خوفا من تعرضه للتعذيب والاضطهاد من طرف حكومة دولته بسبب معارضته
لسياساتها الداخلية، أو كان سبب الخروج هو الاضطهاد بسبب معتقداته الدينية، كما نلاحظ أن هذه المادة لم تعالج كذلك
اللجوء الجماعي الذي يحدث عادة بسبب خوف هؤلاء السكان من التعرض لانتهاكات أطراف النزاع أثناء النزاعات المسلحة.
-2 تحديد مفهوم اللاجئين في الاتفاقيات الدولية
* المقصود باللاجئ في اتفاقية الأمم المتحدة اللاجئين لسنة 1951
نظرا للنق ص الواضح في تحديد مفهوم اللاجئ في اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكوليها الإضافيين، وهذا ما جعل اللاجئين أكثر الفئات المدنية تعرضا للانتهاكات من قبل أطراف النزاع، فقد كانت هذه الظروف دافعا قويا نحو عقد اتفاقية خاصة بوضع اللاجئين، وهذا من أجل تحديدهم وتبيان
حقوقهم وتوفير الحماية اللازمة لهم ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين
لسنة 1951 .
وقد عرفت الاتفاقية اللاجئ في مادتها الأولى: ” اللاجئ وهو كل شخص يوجد نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من فبراير
1951 ، وبسبب تخوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع لعرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آراءه السياسية، خارج دولة إقامته ولا يستطيع ولا يريد لذلك الخوف أن ستظل بحماية ذلك البلد”.
…
الملاحظ أن هذه الاتفاقية جاءت لتحل مشكلة اللاجئين الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية هو ما جعلها مقيدة بحاجز جغرافي وضعت خصيصا له، وهذا الذي تحفظت عليه كل من أستراليا، فرنسا وإيطاليا ) ،كما أنها نصت على شرط زمني يحدد على أساسه لاجئ في نظر الاتفاقية، وهو
وجود الشخص خارج دولته بسبب أحداث وقعت قبل
1951 ، وهذا ما يجعل تعريف اللاجئ حسب هذه الاتفاقية حكرا على مواطني الدول الأوروبية المتضررة من الحرب العالمية
الثانية، مما يجعل منه تعريفا غير شامل لجميع اللاجئين المنتشرين عبر مختلف دول العالم بسبب الأزمات والحروب،
أو الذين لجئوا خارج دياره بعد تاريخ 1951 ، هذا الذي يجعلها أشبه باتفاقية إقليمية خاصة بلاجئي أوروبا دون غيرهم، وبعدها عن معالجة البعد العالمي لأزمة اللاجئين، الأمر الذي جعل خبراء الأمم المتحدة يتجاوزون هذا الشرط ) الشرط الزماني والمكاني ( في البروتوكول الإضافي لسنة 1967 )
لكن رغم هذا التطور لمفهوم اللاجئ إلا أن الاتفاقية لم تتحدث عن اللجوء بمفهومه الحقيقي، فاللاجئين في القانون الدولي
الإنساني لا يفرون من أماكنهم إلى أماكن أخرى بسبب آرائهم السياسية أو الدينية وفي شكل فردي، وإنما بسبب الاستعمال المفرط للقوة من جانب أطراف النزاع، وفي غالب الأحيان يكون اللجوء بشكل جماعي عن طريق عبور حدود
الدولة إلى دول أكثر أمنا، كما حدث في الحرب الأهلية في
رواندا سنة 1994 وفي النزاع السوري، حيث لجأ المواطنون بشكل جماعي إلى الدول المجاورة هربا من العنف بعثا
عن أماكن أكثر أمنا. بالرغم من أن موجات اللجوء التي عانت منها أوربا كانت بسبب
الحرب العالمية الثانية إلا أن هذه الاتفاقية جعلت الاضطهاد السياسي والديني السبب الرئيسي وراء اللجوء، هذا السبب الذي
عانت منه أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وتقسيمها إلى معسكر شرقي وغربي. رغم ذلك تبقى اتفاقية الأمم المتحدة سنة 1951 بمادتها
الأولى هي المرجع الأساسي لتحديد مفهوم اللاجئ خاصة وأنها أدرجت أسباب اللجوء وجعلت من بينها الاضطهاد الذي
هو أساس تحديد صفة اللاجئ حيث لا يشترط حتى يتمتع الشخص بصفة اللاجئ وقوع اضطهاد الناتج عن أحداث وقعت
وإنما ينصرف مصطلح اللاجئ حتى وإن كان الاضطهاد محتمل الوقوع ،هذا السبب الذي يحمل في معانيه مختلف أنواع الأشكال والممارسات الماسة لحقوق الإنسان والتي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948
في تحديد وضع اللاجئين في القانون الدولي الإنساني ومن بينها التعذيب، المعاملة القاسية واللا إنسانية، والاستعباد،
والاعتقال والحجز التعسفي ….. ولعل أهم فئة من اللاجئين في العالم خاصة في الوقت الحالي
هي لاجئو الحرب الذين يفرون من بلدانهم بفعل النزاعات المسلحة أو الذين يهجرون منها بالقوة والتهديد إلى بلدان
أخرى.
*تحديد مفهوم اللاجئ في الاتفاقيات الإقليمية
أ- المقصود باللاجئ في منظمة الوحدة الإفريقية
بعد استقلال الكثير من الدول الإفريقية أواخر الخمسينات انتشرت الحروب الأهلية داخل هذه الدول تنافسا على السلطة
بين مختلف الأطراف، مما تسبب في الكثير من المآسي لمواطني
تلك الدول، الأمر الذي أدى بمجموعات كثيرة من السكان
إلى الهرب منها والبحث عن مكان أكثر أمنا.
هذه الأسباب دفعت منظمة الوحدة الإفريقية إلى البحث في
هذه المعضلة وعرض إجتماع لمعالجتها بإتفاقية خاصة باللاجئين وقعت في 10 أيلول 1969 ، حيث راعت هذه الاتفاقية
الأسباب والآثار الناتجة عن الحروب والمتمثلة في مشكلة اللاجئين، وصاغت تعريفا لهم استندت فيه لاتفاقية اللاجئين
لسنة 1951 ولكنها توسعت في تحديد صفة اللاجئين، فذكرت أسباب أخرى للجوء وهي الأسباب الحقيقية لحالات اللجوء،
وخلصت إلى أن اللاجئ هو ” كل شخص ،بسبب العدوان أو الاحتلال الخارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث التي تخل بشدة
بالنظام العام إما في جزء أو كل الدول التي ينتمي إليها بأصله أو جنسيته، أجبر على ترك مكان إقامته المعتاد للبحث عن مكان
آخر خارج دولة أصله أو جنسيته “
الملاحظ أن هذا التعريف جاء أكثر شمولا ودقة من التي التعريف التي جاءت به اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين،
وذلك أنها تحدثت عن الأسباب الشائعة في اللجوء الناتجة عن الحروب والنزاعات الداخلية وليس بسبب الاضطهاد السياسي
فقط.
ب- المقصود باللاجئين في إعلان قرطاج لسنة 1984
بعد الحروب الأهلية في أمريكا اللاتينية خاصة ما تعلق بالنزاع الكولومبي والبيرو وبوليفيا أواخر السبعينيات وعبور الآلاف من مواطني هذه الدول هربا من العنف والحروب داخل بلدانهم الأصلية، عقد اجتماع حول اللاجئين بدعوة منالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين بكولومبيا بتاريخ 22 نوفمبر
1984 حول الحماية الدولية للاجئين في أمريكا الوسطى أو ما يسمى بإعلان قرطاج الخاص باللاجئين لسنة 1984 .
حيث عرف اللاجئين بأنهم: ” الأشخاص الفارين من بلادهم بسبب تهديد حياتهم بسبب أعمال عنف أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان أو أية ظروف أخرى …”
ويعتبر هذا الإعلان أول من تحدث عن حالات اللجوء الحقيقية فهو تحدث عن مجموعات فارين من بلادهم بسبب أعمال
عدوان وبالتالي كان أكثر شمولا من الاتفاقيات الأخرى أي أنه لم يعتمد مصطلح الاضطهاد كمعيار لتحديد اللجوء،
كما نص على مصطلح الأشخاص الفارين من الحرب بصيغة
الجمع، وهو الذي أغفلته الاتفاقيات السابقة.
من هنا نستنتج تعريف شامل وواضح للاجئين في القانون الدولي الإنساني وهو: ” اللاجئون هم الأشخاص الذين يعبرون حدود دولهم الأصلية لبحث عن أماكن آمنة لسبب استعمال المفرط للقوة بين أطراف النزاع، أو بسبب خوفهم من التعرض
للاضطهاد من الأطراف المتنازعة”.
ج- المقصود باللجوء بجامعة الدول العربية
عقد مجلس وزراء جامعة الدول العربية اجتماعا لمناقشة مسألة اللجوء واللاجئين في الوطن العربي في مارس 1994 ، خاصة بعد أزمات اللجوء التي عرفتها المنطقة مرورا بالحرب العراقية إلى الحرب اليمنية، وحرب الصومال ولبنان. الأمر الذي توج بإقرار الاتفاقية العربية الخاصة باللاجئين في 27
مارس 1994 ، وأضافت هذه الاتفاقية أسباب أخرى في تعريف
اللاجئ من ضمنها الكوارث الطبيعية وهو ما أكدته المادة 01
من هذه الاتفاقية: ” يعتبر لاجئا كل شخص يلجأ مضطرا إلى عبور حدود بلده الأصلي أو مقر إقامته الاعتيادية بسبب العدوان المسلط على ذلك البلد أو لاحتلاله له، والسيطرة الأجنبية عليه أو لوقوع كوارث طبيعية أو أحداث جسيمة ترتب عليها إخلال كبير بالنظام العام في كامل البلد أو جزء منه
لكن هذه الاتفاقية لم تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ إلى الآن بسبب عدم وجود التوقيعات الكافية التي تجعلها نافذة، وقد عقد اجتماع أخر في مجلس جامعة العربية على مستوى اللجان المشتركة لخبراء وممثلي وزارات العدل والداخلية في الجامعة لمناقشة ودراسة الاتفاقية العربية الخاصة باللجوء
وذلك بتاريخ 08 / 08 / 2016 من أجل تعديل وتحيين الاتفاقية بغية إقرارها .
ثانيا- التمييز بين مراكز اللاجئ وبعض المراكز الأخرى
1 -المهاجر الاقتصادي
يترك المهاجر الاقتصادي عادة بلده بصورة طوعية التماسا لحياة أفضل، وما إن يختار العودة إلى وطنه فإنه يستمر في
التمتع بحماية حكومته، أما اللاجئون فيفرون بسبب خوفهم من الأعمال العدائية ومن الاستعمال المفرط للقوة بين أطراف
النزاع، ولذا فهم لا يستطيعون العودة بأمان إلى ديارهم في ظل تلك الظروف السائدة.
والمهاجر هو ببساطة شخص ينتقل من مكان إلى آخر، وقد يجبر على المغادرة لأنه خائف أو جائع أو بحاجة ماسة لضمان
سلامة عائلته، وينتقل طواعية لبلد آخر لهذه الأسباب. كما أنهم يتمتعون بحقوق إنسانية كغيرهم مثل الحق في الحياة
والحق في مستوى معيشي كاف، وهناك اتفاقيات دولية تنص على حقوق المهاجرين مثل: اتفاقية منظمة العمل الدولية.
2 -النازح أو المشرد داخليا
ظهر مصطلح النزوح في السنوات الأخيرة وخاصة في مناطق الصراعات والنزاعات المسلحة، حيث يعرف النزوح بأنه حركة
الفردي أو المجموعة من مكان لآخر داخل حدود دولة، ويتم النزوح رغم عن إرادة النازح بسبب الحروب أو المجاعة والتوجه
إلى مكان آخر لكن داخل حدود دولته )
ويصطلح على النازح أيضا المشرد داخليا: ” والمشردون داخليا هم الأشخاص الذين أكرهوا على الهرب أو على ترك منازلهم وأماكن إقامتهم العادية أو اضطروا إلى ذلك سعيا لتفادي آثار نزاع مسلح أو حالات العنف العام أو انتهاك حقوق الإنسان أو
الكوارث الطبيعية، والذين لم يعبروا الحدود الدولية لدولة إقامتهم “
الملاحظ أنه مهما اختلفت التسميات إلا أنها تعالج موضوع الأشخاص الذين يتركون ديارهم هربا من أوضاع اقتصادية أو عسكرية للبحث عن أماكن أفضل لكن داخل حدود دولهم. بالرغم من عدم وجود اتفاقية خاصة بالنازحين، كما هو الحال باللاجئين إلا أنهم يتمتعون بحماية بموجب قوانينهم
الوطنية وقوانين حقوق الإنسان وكذا يتمتعون بالحماية وفق قواعد القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة وفق ما
قررته اتفاقيات جنيف لعام 1949 .
كما أن مشكلة النازحين اليوم أصبحت تشكل خطرا على مستوى العالمي بسبب أثارها السلبية على النازحين وبالخصوص عندما يطول أمد النزع وتطول معه مدة النزوح، هذا الذي تحدثت عنه اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمام
الأمم المتحدة في دورتها 68 في بندها 62 من جدول أعمالها.
الحماية الدولية للاجئين وآلياتها
عدم توصل الفقه الدولي إلى تعريف موحد وشامل للاجئين لا يعني إهمال موضوع اللاجئين وإهدار حقوقهم بما في ذلك
الحماية والتعويضات المقررة لهم، بل اهتم القانون الدولي بشكل عام والقانون الدولي الإنساني بشكل خاص باللاجئين
وعمل على توفير الحماية اللازمة لهم سواء أثناء النزاع أو بعد استقرارهم في البلدان التي لجئوا إليها، فالبحث عن حقوق اللاجئين والحماية المقررة لهم لا ينبغي أن يقتصر على اتفاقية اللجوء فقط، وذلك أن الكثير من حقوق اللاجئين تجد منشؤها
ومصدرها في اتفاقيات حقوق الإنسان الأساسية والتي يستفيد منها اللاجئ كإنسان قبل كونه لاجئ.
أولا – الحماية الدولية للاجئين في الاتفاقيات الدولية
-1 اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وحماية اللاجئين
في حالة نشوب نزاع مسلح يتمتع مواطنو أي بلد بعد فرارهم من العمليات الفدائية واستقرارهم في بلد العدو بالحماية بموجب
اتفاقية جنيف الرابعة ، كذلك يمكن أن يكون اللاجئين من دول أخرى في وسط حرب أهلية في دولة اللجوء، وهنا يتدخل
القانون الدولي الإنساني بقواعده لتوفير الحماية لهؤلاء اللاجئين على أساس أنهم أجانب يقيمون في أراضي طرف
النزاع وليس على أساس أنهم مواطنو الدولة المعادية، وهكذا نلاحظ أن القانون الدولي الإنساني خصص حماية تامة وسد
بعض الذرائع التي يمكن أن تتحجج بها الدولة المعادية المضيفة وتعامل لاجئ الدولة المعادية بصفتهم أعداء، فالقانون الدولي
الإنساني سد هذا الفراغ وطالب الدولة المضيفة معاملتهم على أساس أنهم أجانب فقط، أي معاملتهم وهذا ما تناولته المواد 35
إلى غاية المادة 46 من الاتفاقية.
كما تطلب الاتفاقية في مادتها 44 من البلد المضيف معاملة اللاجئين معاملة تفضيلية وعدم معاملتهم كأجانب أعداء
على أساس الجنسية لا غير. حيث نصت على ” لا تعامل الدولة الحاجزة اللاجئين الذين لا يتمتعون في الواقع بحماية
آلية حكومته كأجانب أعداء لمجرد تبعيتهم القانونية لدولة
معادية “
كما تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على عدم قيام دولة الاحتلال بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة
معينة وضمان عدم التفريق بين أفراد العائلة الواحدة، وهذا ما يضر كثيرا فئة اللاجئين والتي يؤدي لجوئها في الغالب إلى
تشتت أفرادها.
كما تنص المادة 74 من البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والفقرة الثالثة ” ب” من المادة 4 للبروتوكول الإضافي الثاني
على ضرورة ضمان الدول المتعاقدة عملية جمع شمل الأسر المشتتة نتيجة النزاع المسلح، والمقصود هنا هم فئة اللاجئين
وتسهيل وتشجيع عمل المنظمات الإنسانية المخولة بهذه المهمة.
كذلك تقضي اتفاقية جنيف الرابعة بعدم جواز نقل أي شخص محمي في أي حال من الأحوال إلى بلد يخشى فيه
الاضطهاد لأي سبب كان، فهي تحدثت عن الحماية من وضع اللاجئين في القانون الدولي الإنساني
الطرد التعسفي، فأقرت مبدأ عدم جواز الطرد في المادة 45 في
فقرتها الرابعة.
ولكن لا تشكل أحكام هذه المادة عقبة أمام تسليم الأشخاص المحميين المتهمين بجرائم ضد القانون طبقا لمعاهدات تسليم
الأشخاص المحميين المتهمين بجرائم ضد القانون طبقا
لمعاهدات تسليم المجرمين المبرمة.
كذلك يتمتع اللاجئون من بين مواطني أي دولة محايدة في حال إقامتهم في أراضي دولة محاربة بالحماية بموجب
الاتفاقية الرابعة، وذلك إذا لم تكن هناك علاقات دبلوماسية بين دولتهم والدولة المحاربة.
وعززت هذه الحماية المادة 73 من البروتوكول الإضافي للدول حتى وإن كانت العلاقات الدبلوماسية قائمة بين البلدين.
كما تضمن القانون العرفي المتراكم أحكاما لحماية اللاجئين بالإضافة لاتفاقية جنيف، فمثلا اشترطت اتفاقية جنيف
معيارا إنسانيا لمعاونة المدنيين الذين لا يتمتعون بوضع ديبلوماسي، كما ضمنت هذه الاتفاقية حق اللاجئين بعد
إجبارهم على العودة إلى البلد الذي يواجهون فيه خطرا، أو إذا ادعوا بشكل مشروع أنهم سيكونون عرضة للاضطهاد
ولقد أضافت المادة 70 في فقرتها الثالثة من الاتفاقية الرابعة على عدم جواز القبض على رعايا دولة الاحتلال الذين لجئوا قبل بدء
النزاع إلى الأراضي المحتلة كذلك يمنع إبعادهم ومحاكمتهم إلا بسبب مخالفات اقترفوها بعد بدء الأعمال الفدائية
أي في حالة احتلال أراضي دولة ما، فإن اللاجئ الذي يقع تحت سلطة الدولة هو أحد مواطنيها يتمتع أيضا بحماية
خاصة، إذ أن الاتفاقية تحظر على دولة الاحتلال القبض على هذا اللاجئ، بل وتحظر عليها محاكمته أو إدانته أو إبعاده عن
الأراضي المحتلة.
.
-2 اتفاقية جنيف للاجئين لسنة 1951
غالبا ما يفر اللاجئون من مناطق النزاع ويعبرون الحدود الدولية واستقرارهم في بلدان آمنة، وبالتالي لا يتدخل القانون الدولي الإنساني في هذه الحالة لحمايتهم، وإنما تعمل على حمايتهم اتفاقية جنيف لسنة 1951 على حمايتهم فتلزم الأطراف بتنفيذ أحكامها. وتقع على عاتق الحكومات المضيفة للاجئين بصفة أساسية مسؤولية حماية اللاجئين وتعتبر البلدان ال 140 الأطراف في اتفاقية عام 1951 أو البروتوكول ملزمة بتنفيذ أحكامها: وتحفظ المفوضية بدور رقابي مؤقت وتدخل حسب الاقتضاء لضمان منع اللاجئين الفعليين اللجوء، كذلك تمنع الاتفاقية إرغام اللاجئين على العودة إلى بلدانهم الفارين منها خشية
تعرض حياتهم فيها للخطر بسبب عدم استتباب الوضع في بلدانهم.
وتلتمس الوكالة السبل من أجل مساعدة اللاجئين على بدء حياتهم مجددا، إما من خلال الاندماج المحلي أو العودة الطوعية إلى أوطانهم أو إعادة توطينهم في بلد ثالث. كما نصت المادة 08 من النظام الأساسي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين على حلول مشكلة اللاجئين، فحضرت إعادة اللاجئين قصرا إلى ديارهم في حالة توفر المن هناك. كما طالبت الدول المضيفة للاجئين على اتخاذ إجراءات بعيدة عن التعقيد من أجل المساعدة على استقرار طالبي اللجوء هناك، ووضع الترتيبات التي تضمن سلامة وأمن، والتشجيع على العودة الاختيارية الآمنة إلى ديارهم، والمساعدة في إعادة استقرارهم. كما منحت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951
ضمانات للاجئ، وهي حقوق الإنسان المفصلة في أدوات قانونية دولية أخرى وعلى رأسها الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، فلا يجب معاملتهم كأجانب غير شرعيين، كما لهم الحق في التحرك بحرية في بلد اللجوء ولا
يجب تقييدهم دون ضرورة وبالتالي يتمتع اللاجئون بحقوق حسب اتفاقية اللاجئين سنة
1951 والتي جاءت مكملة للنقص الواقع في اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين نلاحظ أن اتفاقية جنيف لسنة 1951 الخاصة بوضع اللاجئين كانت أشمل من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 في تفصيلها لحماية اللاجئين وتبيين حقوقهم بصورة شاملة وخاصة فيما يتعلق بنصها
على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية الأساسية مثل العمل والتعليم والصحة، والمساعدة الاجتماعية وتقضي المادة
35 من الاتفاقية بأن تتعاون الدول المتعاقدة مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ممارسة وظائفها وبصفة خاصة تسهيل مهمتها في الإشراف على تنفيذ أحكام الاتفاقية
-3 التكامل بين القانون الدولي الإنساني وقانون اللاجئين سنة 1951
أثر القانون الدولي الإنساني على القانون الدولي للاجئين
حيث استعارة هذا الأخير بعض المفاهيم والمبادئ من القانون الدولي الإنساني، ومن بينها ما نصت عليه اتفاقية اللاجئين من
الصبغة المدنية للمخيمات اللجوء عملا بمبدأ تحييد المدنيين على النزاعات المسلحة المعمول بها في القانون الدولي الإنساني،
وهو شرط أساسي للحصول على الحماية التي توفرها اتفاقية اللاجئين لمخيمات اللجوء. ومن هنا نستنتج أن كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر
والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعملان سويا على توفير الحماية اللازمة للاجئين، وهذه نقطة التقاء بين القانون
الدولي الإنساني والقانون الدولي للاجئين. فعلى سبيل المثال: قدمت المفوضية السامية تقارير عن الظروف المروعة في معسكرات الاحتجاز التي يديرها كروات البوسنة في منطقة ” موستار ” في أغسطس / آب 1993 ، وحصلت على تغطية كبيرة في وسائل الإعلام الدولية، مما
أدى على ضغط سياسي على السلطات الكرواتية، وهو ما أسفر بدوره على موافقة كروات البوسنة على منح اللجنة
الدولية للصليب الحمر نفاذا كاملا في المعسكرات بعد أن ظل غير متاح لما يقرب عن 06 أشهروالسماح للمفوضية
السامية لشؤون اللاجئين بإعادة توطين المحتجزين في بلدان أخرى وظهر مصطلح التعويض لأول مرة في إعلان القاهرة سنة 1986
الخاص بالوضع القانوني للاجئين حيث نصت في المادة 04 منه على وجوب قيام الدولة بتعويض مواطنيها الذين أرغموا على
ترك بيوتهم بنفس القيمة الواجب على هذه الدولة تقديمها لأي شخص غريب كذلك عقدت هذه اللجنة مؤتمرها الثاني
في القاهرة سنة 1992 وخلصت إلى أنه إذا طردت دولة مواطنيها مباشرة فإن لهم حق العودة والتعويض معا.
ثانيا- الآليات الدولية لحماية اللاجئين-1 اللجنة الدولية للصليب الأحمر ) )ICRC
هي منظمة إنسانية مستقلة تعمل بشكل محايد لمساعدة وحماية ضحايا الحرب، بما فيهم اللاجئين، حيث أن اللجنة
الدولية للصليب الأحمر تضطلع بمسؤولياتها والتي تدخل في حد ذاتها في اختصاص وفقا للمادة 23 من النظام الأساسي
للاجئين بصورة خاصة على حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني. وتدخل اللجنة الدولية فيما يخص اللاجئين الذين يشملهم
القانون الأساسي لكي يطبق المتحاربون القواعد ذات الصلة باتفاقية جنيف الرابعة، وتحاول في مجال عملها الحماية
والمساعدة الضرورية وفق المادة 24 من نظام اللجنة الأساسي. كذلك تقدم وكالتها المركزية للبحث عن المفقودين اللاجئين
في كل وقت، فضلا عن ذلك فقد ابتكرت اللجنة الدولية برامج طبية جراحية في زمن الحرب للاجئين الجرحى طبقا للمادة
26 من النظام الأساسي. كما تتدخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر عند مواجهة اللاجئين مشاكل أمنية في دول اللجوء )البلدان المضيفة(
خاصة عندما يتعلق الأمر بتعرض مخيمات اللجوء الواقعة بالقرب من الحدود لأعمال عدائية، هنا تتدخل اللجنة الدولية
لضمان الحماية للاجئين كطرف مستقل وتمارس أعمال بشكل محايد.
وفيما يخص مشكلات أمن اللاجئين في مخيمات اللجوء فإنه تجدر الإشارة على وجهيها التاليين:
– تحديد مكان المخيمات في المناطق الخطرة المعرضة للعمال العدائية بالقرب من الحدود من جهة.
– تواجد المحاربين في مخيمات اللاجئين من جهة أخرى، ومما
لا شك فيه أن القانون الدولي الإنساني يوفر بعض الحلول
للتغلب على هذه المشكلات الأمنية، ولكن يجب أولا احترام هذا
القانون قبل كل شيء. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى الدور المهم الذي تضطلع به الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، فضلا عن
اتحادها في عمليات المساعدة المقدمة للاجئين، وتمثل مسألة إعادة اللاجئين على أوطانهم من المشاغل الرئيسية للجنة
الدولية، ففي واقع الأمر حتى إذا لم تكن تشارك كقاعدة عامة في عمليات إعادة اللاجئين على أوطانهم، فإنها ترى أنه
يجب على الدول والمنظمات المعنية أن تحدد بالضبط موعد وشروط عودة اللاجئين إلى أوطانهم ولا جدال في أن معرفتها
التامة بالبلد الأصلي للاجئين تسمح لها بتكوين فكرة مفصلة وبتقديم توصيات بشأن عودة اللاجئين على أوطانهم مع ضمان
أمنهم وكرامتهم، وقد حذرت اللجنة الدولية أكثر من مرة من مخاطر الإعادة المبكرة إلى الوطن في المناطق غير المستقرة
أو في المناطق التي دمرت فيها البنى الأساسية ) 29 (. وفي الأخير يمكن الإشارة أنه غالبا ما لا يتمتع اللاجئون
بالحماية بموجب القانون الإنساني، وهذا إذا كان البلد المضيف لهم ليس طرفا في نزاع مسلح سواء كان النزاع دوليا
أو غير دولي.
وهذا الفراغ جعل الأمم المتحدة تعمل على إنشاء لجنة خاصة تعمل على حماية اللاجئين في هذه الحالات ومن هنا أنشأت
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
-2 المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ) )UNHCR
تم إنشاؤها سنة 1951 للمساعدة في تقديم الحماية الدولية للاجئين بمقتضى قرار الجمعية العام 319 – 4 في كانون الأول
/ ديسمبر 1949 لتحل محل منظمة اللاجئين الدولية، والهدف الرئيسي للمنظمة هو ضمان حق اللجوء لكل الأفراد وإيجاد
مكان آمن لهم في دولة أخرى والعودة الاختيارية لبلدانهم، وعمل المفوضية هو عمل إنساني كليا وغير سياسي، ومن أبرز
اختصاصات المنظمة ما يلي:
أ- العمل على عقد اتفاقيات دولية لحماية اللاجئين والتصديق
عليها والإشراف على تنفيذها.
ب- العمل عن طريق اتفاقيات خاصة مع الحكومات على تنفيذ
أية تدابير ترمي إلى تحسين أحوال اللاجئين.
ج- الحصول من الحكومات على معلومات بشأن عدد اللاجئين
الموجودين على أراضيها وأوضاعهم المعيشية.
د- تيسير التنسيق بين جهود المنظمات الخاصة المهتمة برفاهية
اللاجئين.
كذلك بدأت المنظمة بالقيام بمسؤوليات إضافية للتنسيق في تقديم المساعدات للاجئين والعائدين بالرغم أن هذا لم يكن من
واجب المنظمة إلا أن هذا الدور أصبح من أهم واجباتها لحماية اللاجئين والبحث عن حلول دائمة لهم، ويدخل في حماية
المفوضية الأشخاص الطبيعيون الذين يقيمون خارج أوطانهم الأصلية ولا ينتفعون بحماية حكوماتهم وفي نفس الوقت لا
يرغبون أو لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم. وقد قامت المفوضية السامية منذ إنشائها بكل الأعمال الموكلة
لها من توفير الحماية للاجئين والمساعدة الغذائية والصحية بالإضافة إلى بعض واجباتها المتمثل في إيجاد دائمة لهم
بالتنسيق مع حكومات دول اللجوء سواء تعلق الأمر بالعودة الطواعية أو التوطين).
في كثير من الأحيان، كما حدث للاجئي البوسنة حيث كانت المناطق تشهد عمليات عدائية تدخلت على إثرها اللجنة الدولية للصليب
الأحمر لحماية اللاجئين الفارين من ديارهم وساعدتها في ذلك المفوضية السامية، وهذا ما شكل نوع من التعاون وتوفير الحماية.
———————————————————————–
المسألة المناطقية في سوريا
محمد سيد رصاص
(المركز الكردي للدراسات)،24\8\2024 https://nlka.net/archives/12250
نشر نيكولاس فان دام تمثيلاً جدولياً عن تركيب القيادات القطرية لحزب البعث في سوريا بين عامي 1963و1995. يلاحظ في هذا الجدول عدم وجود أي عضو في القيادة القطرية من مدينتي دمشق وحلب في الفترة الممتدة بين 23 فبراير/شباط 1966 و16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970 (الصراع على السلطة في سورية: المسألة الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961-1995، الطبعة الالكترونية، ص317). ويورد محمد حيدر في كتابه «البعث والبينونة الكبرى»، الطبعة الأولى عام 1988، أسماء أعضاء القيادات القطرية المتعاقبة بين عامي 1963 و1966 حتى وقوع حركة 23 فبراير/شباط (من الصفحة
157 حتى الصفحة 162). ويطلق حيدر مصطلح «تيار» لوصف كل الأجنحة البعثية المتصارعة، حيث نجد فيها ضعف الدمشقي الأبرز، أي صلاح الدين البيطار، أمام تيار اللجنة العسكرية وتيار البعث المتمركس وأغلبه من منطقة السويداء بقيادة حمود الشوفي وتيار القطريين الذي ظل يشتغل سراً بعد حل القيادة القومية لحزب البعث للتنظيم الحزبي السوري زمن الوحدة السورية المصرية. ثم عاد هذا التيار لحزب البعث عام 1964وأغلب قياداته من دير الزور والساحل. ثم يورد ضعف الحلبي الأبرز، أي الفريق أمين الحافظ، أمام تيار البعث اليساري بقيادة اللواء صلاح جديد، الذي أطاح به وبالبيطار في 23 فبراير/شباط 1966. بعد حركة 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970 نسج الفريق حافظ الأسد تحالفاً مع تجار دمشق والمؤسسة الدينية الإسلامية برمزيها المفتي العام للجمهورية الشيخ أحمد كفتارو والشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وهما من دمشق. وكان رؤساء الحكومة السورية بين عامي 1971و1987 من دمشق، وهم بالتتابع: عبدالرحمن خليفاوي، محمود الأيوبي، عبدالرحمن خليفاوي، محمد علي الحلبي، عبد الرؤوف الكسم. وكان لافتاً أن يكون أمين فرع مدينة دمشق لحزب البعث علاء الدين عابدين، وهو ابن أخ المفتي العام للجمهورية أبو اليسر عابدين 1954-1963، وحفيد مفتي دمشق أواخر العهد العثماني والعهد الفيصلي، فيما كان أمين فرع مدينة دمشق لحزب البعث، زمن اللواء صلاح جديد، فلسطيني يدعى محمد أحمد رباح. تتناقض هذه اللوحة السورية بين 8 مارس/آذار 1963 و16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، وبالذات بعد 23 فبراير/شباط 1966، مع اللوحة السورية بين 17 أبريل/نيسان 1946 و8 مارس/آذار 1963، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحكم زمن الوحدة السورية- المصرية بين 1958 و1961 كان بيدي الرئيس جمال عبدالناصر في القاهرة. إذا استعرضنا لوحة رؤساء الجمهورية بالتتابع: شكري القوتلي، حسني الزعيم، هاشم الأتاسي، فوزي سلو، أديب الشيشكلي، مأمون الكزبري، هاشم الأتاسي، شكري القوتلي، مأمون الكزبري، عزت النص، وناظم القدسي، سنرى تولي الدمشقيين المنصب سبع مرات مقابل تولي الحلبيين المنصب مرتين (القدسي والزعيم، رغم أن القاعدة الاجتماعية للزعيم كانت في حماة) وحمصي وحموي مرة واحدة (الأتاسي والشيشكلي). وإذا استعرضنا لوحة رؤساء الحكومات بالتتابع: سعد الله الجابري، خالد العظم، جميل مردم بيك، خالد العظم، حسني الزعيم، محسن البرازي، هاشم الأتاسي، ناظم القدسي، خالد العظم، ناظم القدسي، خالد العظم، حسن الحكيم، معروف الدواليبي، فوزي سلو، أديب الشيشكلي، صبري العسلي، سعيد الغزي، فارس الخوري، صبري العسلي، سعيد الغزي، صبري العسلي، مأمون الكزبري، عزت النص، معروف الدواليبي، بشير العظمة، وخالد العظم، سنجد أن جميعهم من دمشق وحلب ما عدا حمصي واحد (الأتاسي) وحمويان (البرازي والشيشكلي). في عام 2016، قدمت أطروحة في الجامعة الاسبانية للتعليم عن بعد من قبل باحثين هما خيسوس دي أندريس وروبين رويس راماس عن« مفهوم تشارلز تيلي للثورة» في 58 صفحة تحولت لاحقاً إلى كتاب نشر في الولايات المتحدة. ونجد أنه تم تطبيق مفهوم تيلي للثورة، الذي قدمه المفكر الأميركي عام 1977 في كتابه «من التعبئة إلى الثورة»، على «الثورات الملونة» التي حدثت في
جورجيا 2003وأوكرانيا 2004 وقرغيزستان 2005. وتفادى تيلي، وهو المؤسس الحديث لميدان علم ميكانيزمات الحركات الاجتماعية من ثورات وأعمال تمرد وحروب أهلية، التعريف الصارم لمفهوم الثورة، ليقوم أيضاً باستعمال هذا المفهوم في الإشارة إلى التغيرات المفاجئة في فئة الحاكمين، حيث قام بوضع الانقلابات والحروب الأهلية والتمردات في سياق يمكن عبره إحداث ثورات (ص 7). وكما في مصر 23 يوليو/تموز 1952، حيث أنتج الانقلاب العسكري “ثورة”، فإن انقلاب 8 مارس/آذار 1963 في سوريا أنتج “ثورة” لجهة مستوى التغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية، قلبت ومحت كل البنية السورية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية التي سادت في فترة ما بين 1946-1958، ومن ثم اهتزت بحكم الإصلاح الزراعي وتأميم البنوك والمصانع الذي قام بهما عبدالناصر زمن الوحدة، ثم حاولت تلك البنية العودة والقيام من حطامها زمن الانفصال، ولكنها لم تستطع الوقوف على رجليها وسرعان ما تهاوت بسهولة في 1963. من يدرس بنية «تنظيم الضباط الأحرار» بقيادة عبدالناصر، يلاحظ أن كبار قادته أو من لعبوا دوراً كبيراً في النظام الذي أقاموه، هم من الريف (جمال عبدالناصر، عبد الحكيم عامر، وأنور السادات). وهم قلبوا نظاماً كانت نخبته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية في العاصمة، وإلى حد أقل في الإسكندرية، مع تهميش كبير للريف والبلدات الصغيرة. في عراق مرحلة ما بعد 14 يوليو/تموز 1958، حدث انزياح عن حكم فئة آتية من العاصمة أساساً مثلما كان في العهد الملكي منذ عام 1921. وهو أمر لم يظهر في فترة حكم عبد الكريم قاسم أو في فترة ما بعد انقلاب 8 فبراير/شباط 1963، الذي قام به حزب البعث على حكم قاسم، في شكل تركز السلطة بأبناء منطقة محددة. بل ظهر هذا الأمر بداية من فترة حكم الأخوين عبدالسلام وعبد الرحمن عارف بين 1963 و1968، لتأتي الفئة الحاكمة من منطقة الأنبار ومركزها الرمادي (الأخوين عارف، العقيد سعيد صليبي قائد حامية بغداد، والعقيد عبدالرزاق النايف رئيس الاستخبارات العسكرية، حيث ينتمي الأربعة إلى قبيلة الجُميلة التي شكلت العمود الفقري للحرس الجمهوري برئاسة المقدم إبراهيم الداوود، وهو من الرمادي). أو تأتي من مدينة تكريت (رئيس الوزراء طاهر يحيى، ووزير الداخلية رشيد مصلح). ازداد هذا الأمر بعد تفرد البعثيين بالسلطة بعد مرحلة يوليو/تموز 1968، حيث أصبحت مراكز القرار في أيدي أبناء تكريت (أحمد حسن البكر، حردان التكريتي، حماد شهاب، وصدام حسين). في الجزائر، كانت السلطة عملياً بيد العسكر بعد الاستقلال عن فرنسا في 1962. وهؤلاء أبعدوا المدنيين الذين باتوا واجهة، سواء حكومة يوسف بن خدة في 1962 أو الرئيس أحمد بن بلة في 1965. أتت كل الشخصيات العسكرية الرئيسية التي حكمت الجزائر من الريف أو من بلدات صغيرة، مثل هواري بومدين (بلدة قالمة قرب مدينة عنابة في الشرق)، والشاذلي بن جديد (قرية بوتلجة قرب عنابة)، خالد نزار (من بلدة باتنة في جبال الأوراس)، محمد مدين (الجنرال توفيق) وهو رئيس الاستخبارات ذائع الصيت (بلدة قنزات قرب مدينة صطيف). وهناك قول في الجزائر سمعه سوريون هناك إن من يحكم الجزائر هم «B.T.S»، أي الضباط والإداريين من باتنة، تبسة، وسوق هراس في المنطقة
الشرقية قرب مدينة قسنطينة، إذ ينتمي معظمهم إلى أمازيغ الشاوية في منطقة الأوراس. عملياً وإذا درسنا المنطقة الممتدة من الجزائر إلى إيران في الفترة البادئة بعبدالناصر وحتى الخميني في 1979، نجد أن أغلب القادة الجدد الذين تصدوا لمهمات تغييرية أتوا من الريف أو من بلدات صغيرة. كما أن معظم هؤلاء، سواء كانوا ضباطاً أو أحزاباً أو رجال دين معممين إيرانيين، استندوا إلى قاعدة اجتماعية من الفئات الوسطى المدينية أو إلى الفلاحين. وبالتأكيد، فإن هذا يعود إلى عدم قدرة البورجوازية على قيادة التحديث الرأسمالي وإيصاله إلى نهاياته بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والذي يدخل ضمن بنوده الرئيسية: حل المشكلة الزراعية، إنهاء العلاقات ما قبل الرأسمالية في الريف، وحل مشكلة التفاوت في النمو بين الريف والمدينة. ما قام به عبد الناصر وحزب البعث وهواري بومدين والخميني هو ثورات رأسمالية، عبر نموذج «رأسمالية الدولة»، قادت أو ستقود إلى ممرات إجبارية نحو اقتصاد السوق. المفارقة أن كل الثورات الرأسمالية في أوروبا قدمتها وقادتها العواصم: لندن 1642-1649 و1688، باريس 1789، باريس 1848، كومونة باريس 1871، سانت بطرسبورغ 1905، بتروغراد في فبراير/شباط 1917 وأكتوبر/تشرين الأول 1917. يمكن لهذه المفارقة أن تعطي الفرق في الطريق والنتائج بين تلك التجربتين الأوروبية والشرق أوسطية المشار إليهما هنا. ولكن يمكن أيضاً أن تعطي تفسيرات لميكانيزمات السلطة– المعارضة. ففي فترة 1946-1963، كانت المعارضة الرئيسية للحزبين الكبيرين، الحزب الوطني المتركز في مدينة دمشق وحزب الشعب المتركز في مدينة حلب والممثلان للبرجوازية التجارية والصناعية والمالية، تأتي من حزب البعث العربي الذي اندمج عام 1952 مع الحزب العربي الاشتراكي ليصبح اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي. ونال هذا الحزب المرتبة الثالثة بعدهما في انتخابات برلمان 1954. وكان متركزاً بين الفلاحين في مناطق أرياف حوران وحمص وحماة وحلب والساحل وضمن الفئات البينية الوسطى في المدن الصغيرة (ديرالزور- اللاذقية) التي نالت تعليماً. وترجم ذلك بقوته بين الطلبة والمعلمين وأساتذة الثانوي. وكان حزب البعث في فترة الخمسينيات وحتى نهاية الستينيات ضعيفاً من ناحية الامتداد الاجتماعي في مدينتي دمشق وحلب. أما الحزب الشيوعي السوري خلال الخمسينيات فامتلك قوة متوسطة بين العمال وقوة أقل بين طلبة الجامعات من تلك التي امتلكها حزب البعث، ولكنه كان الحزب الأقوى حتى ثمانينيات القرن العشرين بين الكرد السوريين، خاصة في حيي الأكراد وركن الدين بدمشق وفي منطقتي عفرين والجزيرة. كما دخلته في فترتي نموه 1945-1947 و1956-1957 فئات من خريجي الجامعات أتوا من أسر غنية في مدن دمشق وحمص وحلب. كان تنظيم الإخوان ضعيفاً في الأربعينيات والخمسينيات في مدينة حماة، وهو ما يفسره يوهانس راينر في كتابه «الحركات الإسلامية في سورية من الأربعينيات حتى نهاية عهد الشيشكلي» بالقول إن «الوضع الاجتماعي التقليدي في حماة ما زال سليماً، ما يعني أن تنظيماً نشيطاً وواسعاً مثل الإخوان المسلمين لم يكن ضرورياً في الأربعينيات، أي على النقيض من ذلك في الستينيات»(ص148). ونلاحظ ذلك في مصر أيضاً، حيث أن البنى الاجتماعية التقليدية في المدن، خاصة بين الحرفيين التقليديين وصغار الكسبة، قاومت تحديثات عبدالناصر الاقتصادية- الاجتماعية- الثقافية. وبرز هؤلاء في السبعينيات كقاعدة اجتماعية كبرى للإسلاميين المصريين، وهو ما نلاحظه في
مدينتي حماة وحلب حيث استندت قوة الإسلاميين إلى مدينتي حماة وحلب، الأمر الملاحظ بقوة في أحداث حماة 1964 وأحداث الدستور عام 1973 في حماة وفي أحداث 1979-1982، حيث شكلت الفئات المدينية الوسطى الأفقر في مدينتي حماة وحلب القاعدة الاجتماعية الأساسية للإسلاميين. يمكن هنا أن تكون معارضة حزب البعث لحكم حزبين تناوبا أو تشاركا في حكم سوريا وكانا يمثلان برجوازية محلية في مدينتي دمشق وحلب، وهو الذي استند إلى بنية اجتماعية ريفية ولفئات وسطى بينية في المدن الصغيرة (ديرالزور- اللاذقية- درعا- السويداء)، أن تعطي صورة عن وجود مسألة مناطقية سورية اختلط فيها الطبقي مع المناطقي. كما أن نمو الحزب الشيوعي السوري منذ الأربعينيات وقوته بين الكرد السوريين، خاصة في منطقتي الجزيرة وعفرين، يعبر عن امتزاج التهميش المناطقي للمنطقتين مع المسألة القومية الكردية في سوريا. كما يعبر نمو الإسلاميين بقوة في حماة وحلب في الستينيات والسبعينيات عن مسألة مناطقية اختلطت مع الاقتصادي والاجتماعي ومع قضايا ثقافية أخذت شكل معارضة مسلحة لنظام حزب البعث في فترة أحداث 1979-1982. بالمقابل، فإن تلك الأحداث أظهرت تأييداً قوياً للسلطة بين تجار دمشق وفئاتها الوسطى المدينية وفي ريف دمشق، وظهر التأييد القوي للسلطة في منطقة حوران بريفها ومدنها وبلداتها وأيضاً في ريف حلب. كما أن المؤسسة الدينية الإسلامية السنية وقفت مع السلطة ضد مسلحي الإسلاميين الأصوليين. في سوريا ما بعد أزمة 2011، كان اللافت أن الحراك الاجتماعي المعارض للسلطة تركز في أرياف حوران ودمشق وحمص وحماة وإدلب وحلب وديرالزور والحسكة، مع تدهور الزراعة نتيجة عقد من الزمن ساد فيه الجفاف ورفع سعر المازوت والمواد الزراعية الكيماوية في عام 2008، مع نمو أحياء عشوائية في دمشق أتى معظم قاطنيها من الأرياف مثل دف الشوك والتضامن. فيما وقفت دمشق وحلب، تجاراً وصناعيين وفئات وسطى، مع السلطة بعد مرحلة التحول منذ عام 2004 نحو اقتصاد السوق والتخلي التدريجي، ولكن المتواتر، عن الوظائف الخدمية الاقتصادية- الاجتماعية للدولة في مجالات عديدة. ويمكن هنا لحراك اجتماعي معارض، مثل الذي جرى منذ عام 2011، طرح المسألة الزراعية في سوريا من جديد، كما في الخمسينيات، ولكن بامتزاج مع مسألة العلاقة بين الريف والمدينة والتي تأخذ شكلاً مناطقياً، كما أن مشاركة الكرد السوريين القوية في الحراك المعارض طرح وبقوة القضية القومية الكردية في سوريا بالتوازي مع المسألة المناطقية التي يشعر من خلالها أغلبية سكان محافظات ديرالزور والرقة والحسكة بالتهميش الخدمي وفيما يخص الاستثمار الحكومي في منطقة هي عصب الاقتصاد السوري في القمح والقطن والنفط والغاز والمياه. كتكثيف: يتفادى السوريون، في الموالاة والمعارضة، التطرق إلى «المسألة المناطقية في سوريا»، كما تفادى السوريون في الخمسينيات التطرق لها. ليس من المعيب وجود مسألة مناطقية، فهي تعبر عن التطور الاقتصادي والاجتماعي اللامتكافىء بين المناطق في بلد معين وعن اللاعدالة في الاستثمارات الاقتصادية والخدمات الحكومية أو في التعيينات والوظائف. وأحياناً، تختلط مع مسائل أخرى، طبقية وقومية وغيرها. توجد هذه المسألة المناطقية في أرقى البلدان. وعندما أتى رونالد ريغان إلى البيت الأبيض عام 1981بطاقم معظمه من ولاية كاليفورنيا شكل ذلك اهتزازاً في بنية النخبة الحكومية الأميركية التي أتت تقليدياً من الساحل الشرقي، وفي بولندا، أتى الأمين العام للحزب الشيوعي إدوارد غيريك 1970-
1980 بطاقم معظمه من منطقة سيليزيا على حساب بنية حكومية تقليدية لطالما أتت منذ عام 1918 من مدينتي وارسو وكراكوف. في .المدى المنظور، تدل كافة المؤشرات على أن المسألة المناطقية مطروحة بقوة على جدول أعمال السوريين
——————————————————–
هنية يعيد زرع أشواك أزالها في طريق إيران
مصطفى الأنصاري https://www.independentarabia.com/node/605747/
“اندبندنت عربية”، 14آب2024 اختصر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية في طهران مشهدي الاستغلال والخذلان معاً، اللذين حاولت إيران إخفائهما أثناء تفاعلها مع هالة “قضية فلسطين” التي أغرت ببريقها الحرس الثوري، إلا أن انكشاف ذلك بأوضح المعاني بعد السابع من أكتوبر، وما تبعه من جنائز وانتهاكات ودمار يقابلها ضبط للنفس من جانب النظام الإيراني ووكلائه، ربما يعيد الأشواك التي أزالها هنية في طريق إيران نحو فلسطين، ويدفع الحركة والتيار الذي يساندها إلى مراجعة الرهان على النظام الإيراني والنظر في خيارات أخرى.
لقد أحدث رد النظام الخجول على المعركة منذ 7أوكتوبر بعد تحريضه عليها نقمة لم يستطع حتى حلفاؤه في “حماس” تجاوزها، ثم يأتي مقتل هنية وقبله إبراهيم رئيسي ليصرخ بحالة عجز تام، ويفاقم الفشل الإيراني الداخلي، فكيف بالخارجي، حتى وإن حاول القيادي في الحركة خليل الحية تخفيف وطأة العجز والتنديد بأن “دماء إسماعيل هنية ستؤثر في طريق وحدة الأمة الإسلامية وفي تحرير فلسطين”.
استغلال فلسطين حتى في أمواتها
لكن ذلك العجز بدا يتحول إلى النقيض عندما جاء أوان توظيف “الجنازة”، التي صلى عليها رأس النظام نفسه وطاف بها الشوارع، وأطلق في تأبينها الوعود والثارات. ليظهر كم هو مخلص للقضية ووفي لرمزها، في حين كانت أدبيات القتيل على النقيض، وهي “إكرام الميت دفنه”، وليس استغلال هالة قضيته في الدعاية السياسية، واستعراض القوة الذي لم يترجم في معركته الحرجة هناك في غزة وليس إيران، مما أثار جدلاً وانتقادات ليس للجانب المذهبي وحده، ولكن أيضاً بالنظر إلى ظهور “الاستخدام المسف” للقضية حتى في مشهد الموت المهاب.
يأتي ذلك في حين اعتبر المختص في الشأن الإيراني يحيى بوزيدي أن اغتيال إسرائيل هنية في طهران، وخلال حضوره مراسيم تنصيب رئيس الجمهورية مسعود زبشكيان، أظهر أن إيران في “حالة انكشاف، وأن معادلة الردع التي حاولت إرساءها لم تتحقق، من هنا فإن مستقبل النفوذ الإيراني مرتبط بطبيعة ردها على إسرائيل الذي سيكون له كثير من الدلالات سلباً أو إيجاباً بحسب حجمه، بوصفه يضع النقاط على مسارات النفوذ الإيراني في المنطقة على المديين المتوسط والبعيد” هبوطاً أو صعوداً.
خيبة أمل “حماس” لم تستطع إخفاءها
ليس سراً أن زعماء “حماس” منذ فترة طويلة يحظون برعاية إيرانية في كل ما يتصل بالتمويل والتدريب والأسلحة، إلا أن ردهم على استهداف إيران إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي كان مقتضباً وكافياً للتعبير عن امتعاض الحركة، إذ اكتفى إسماعيل هنية يومها بتهنئة طهران على العملية الكبرى، في حين أصدرت المنظمة ككل بياناً أعلنت فيه أن “الهجوم الإيراني حق طبيعي لأية دولة تدافع عن نفسها ضد العدوان الصهيوني”.
دلالات التصريحات المقتضبة وفق معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أظهرت “خيبة أمل حماس من إيران ووكيلها الرئيس حزب الله، لعدم تصعيد الصراع إلى
الدرجة التي تجبر إسرائيل على خوض حرب متعددة الجبهات على نطاق واسع. ومن المفترض أن المجموعة كانت محبطة أيضاً من التصريحات اللاحقة لرئيس الأركان العسكرية الإيرانية محمد باقري، الذي أشار إلى أنه إذا لم ترد إسرائيل على الهجوم، فإن طهران ستعتبر الأمر منتهياً”، مما يوضح وفق المعهد أن الضربة كانت “مجرد رد اعتبار على الضربة الإسرائيلية في دمشق، وليست معنية بمحنة الفلسطينيين”.
ومع أن مراقبين رأوا في تسمية يحيى السنوار رئيساً للحركة بدلاً من هنية رهاناً مستمراً على رغم حال عدم الرضا عن الدعم الإيراني، إلا أن المرحلة التي تلي الحرب القائمة هي الفصل وليس الآن، فمن غير المرجح بعد التطورات والمواقف التي أعقبت “طوفان الأقصى” من جانب محور إيران بما في ذلك مقتل هنية وجنازته، ألا تتوقف “حماس” عند ذلك، وهي التي تقول عن نفسها “مؤسسة فكر” وحوار وتشاور، راجعت عدداً من مواقفها مثل العلاقة مع دمشق، حين رأت ذلك في مصلحة مسار قضيتها. لكن ما يقلل من فرص أي مراجعة مفيدة هو طابع الإصرار الذي ظل ملازماً للتيارات الأصولية، بعيداً عن الواقعية السياسية، واستسلاماً لغرور وأسر الأيدولوجيا، بما أعمى الكثير منها عن التصرف الرشيد، ابتداء من تنظيم الإخوان المسلمين، حتى نظام ولاية الفقية والجماعات السياسية والجهادية المنبثقة عنهما.
إيران نفسها تبحث عن طوق نجاة!
وحتى إن هيمن صقور الحركة على القرار وظلوا مستمسكين بتبعية طهران، فإن الأخيرة بحكومتها الجديدة والضغوط التي منيت بها، أصبحت في موقف لا يسمح لها بالذهاب أبعد في دعم “حماس” وأخذها في زاوية مضادة للإجماع الفلسطيني والرؤية التي تدافع عنها دول الاعتدال في المنطقة، إذ على رغم تضاؤل فرص استجابة إسرائيل لنداءات السلام، إلا أن أخطار إعلان الحركة الحرب عليها في ظروف كالتي تعيش في غزة أمراً بالغ الكلفة، لا يسعها الاستجابة له، مهما كانت ضغوط إيران، التي انكشف أن همها ليس إحراز تقدم في ملف القضية بقدر ما هو إظهار تحكمها بالنفوذ بما يجعل تجاوزها، في أية معادلة إقليمية، غير مأمون العواقب.
ويرى رجل الاستخبارات الأميركي السابق الكاتب في مجلة “فورين فيرز” ماثيو ليفيت لدى تعليقه على مآلات هجوم السابع من أكتوبر، أنه “عندما يهدأ الغبار فإن ما ستستخلصه بعض الدول من الحرب سيكون في اتجاه معاكس تماماً (لما أرادت طهران وحلفاؤها)، إذ من المرجح أن ترى القوى الإقليمية، مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، أن خلاصة ما حصل تفترض التعاون لمواجهة الشبكات المتنامية لإرهابيي إيران وميليشياتها وحلفائها، وهذا ناد لا يضم “حماس” و”حزب الله” وحسب، بل أيضاً الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق. الدروس المستخلصة من هذه الحرب بالنسبة إلى دول الخليج ستكون متعلقة بإيران، وبشبكة وكلائها عموماً”.
وفي هذا السياق يعتقد الكاتب اللبناني على حمادة أن ما عبرنا عنه بالأشواك، هو في ظنه أهول، نيران تحرق وتأكل حصاد السنوات الماضية من النفوذ الذي بنته إيران في الإقليم، ضداً عن إرادة سكانه.
ويقول “إن هناك أمراً واحداً مؤكداً، إن إيران وحزب الله يكتشفان يوماً بعد يوم حدود لعبتهما القاتلة في المواجهة مع إسرائيل. وهي لعبة لطالما لعبت بدماء اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين والسوريين واليمنيين، ولكن مستوى الخطر بلغ ذروته بالنسبة إلى الإيرانيين وجناحهم المسلح الرئيس في المنطقة، حزب الله في لبنان، إلى حد ربما يدرك النظام في إيران، الذي طالما كان بارعاً في اللعب بالنار، الآن أن مدمني الحرائق يمكن أن يحترقوا أيضاً”.
مسار الاستحواذ
وسواء كان الرد الإيراني المرتقب على اغتيال هنية شكلياً مثلما يتوقع لحفظ ماء وجهها، أم قوياً، لا ريب أنها ستدفع ثمنه غالياً، فإنها بذلك أوقعت نفسها في عنق الزجاجة مما قد يرغمها على التراجع جراء سياساتها العدائية في المنطقة، التي جعلتها تستثمر في زعزعة استقرار الدول، عبر خلق ميليشيات فيها تأتمر بها، وتخدم مقارباتها السياسية لو كان ذلك على حساب دولهم، في مثل حالات “حماس” و”حزب الله” والحوثي و”الحشد الشعبي”.
وساد شبه إجماع بين المحللين في المنطقة على أن إطلاق عملية “طوفان الأقصى” كان بتنسيق إيراني خالص، صمم بهدف إفشال الصفقة التي كانت قيد اللمسات الأخيرة حينها بين السعودية وأميركا وإسرائيل، وهي التي ترى فيها طهران تهديداً لها وتهميشاً لدورها الإقليمي لصالح منافستها الكبرى الرياض، فيما خشيت “حماس” أن تدفع بها إلى خارج اللعبة إن لم تخضع لشروط السلطة الفلسطينية التي فضت العلاقة معها والشراكة في الحكم منذ 2007 حين استأثرت بقطاع غزة وانقلبت على رام الله.
عوضاً عن ذلك تظهر التقديرات أن “حماس” إنما أرادت السير على خطى “حزب الله” والحوثي من خلال قضم السلطة شيئاً فشيئاً، فمن خلال غزة يمكنها توسيع النفوذ إلى الضفة الغربية، فضلاً عن بيروت والشتات، لتنسج خيوط إمارتها الإسلامية على أنقاض إرث السلطة، إلا أن الاستراتيجية الإسرائيلية كانت عكس ذلك، فهي إنما استثمرت في “حماس” لتبقى مناوئة للسلطة حتى تضمن إرجاء أي بصيص أمل لقيام دولة فلسطين ما أمكن ذلك.
البحث عن الحرب
ونقلاً عن دبلوماسي غربي في بيروت، يشير حمادة إلى أن “السلطات الإسرائيلية لا تخشى احتمال وقوع هجمات إيرانية قد تتسبب في أضرار جسيمة في تل أبيب أو غيرها من المناطق السكنية الكبيرة مثل المعتاد، إذ إن هذا من شأنه أن يبرر رداً إسرائيلياً أكثر وحشية في قلب طهران أو أصفهان أو حتى قم، العاصمة الدينية لإيران، وينطبق الأمر نفسه على هجمات حزب الله”.
ويؤكد أن استثمار المحور الإيراني في صناعة الحرائق، انقلب عليه هذه المرة فصار نتنياهو ينصب الفخ تلو الآخر “في محاولة لجر حزب الله إلى منحدر زلق يؤدي إلى خطأ قاتل ويبرر حملة عسكرية إسرائيلية تشمل هجمات على بيروت وأهدافاً حيوية في أجزاء أخرى من لبنان، وهذا يشير إلى أن الإسرائيليين ربما يكونون مستعدين للانطلاق في مواجهة واسعة النطاق وطويلة الأمد في لبنان”.
ومع محاولة “حماس” إظهار التماسك بعد القتل المستشري في قادتها الكبار، وأنها ليست على وشك الإنهيار، إلا أنها لا تنكر مرارة تلك التجربة التي تستدعي التوقف، إذ قال هنية نفسه في مايو (أيار) الماضي بعد مقتل عدد من القيادات “لقد أصبح هذا مواجهة مفتوحة مع العدو”، مستدركاً بأنه ليس هناك خيار آخر سوى “الاستمرار في الدفاع عن شعبنا في غزة. كلما مات قائد، سيحمل الشعلة صف طويل من القادة ويواصلون الطريق نحو النصر والتحرير والعودة”.
أشواك هنية
غير أن هذا الإصرار يخفي من ورائه كما سلف خيبة أمل درجت على ألسنة مختلف زعماء الحركة، ولا سيما من محور المقاومة الذي عولوا عليه كثيراً. وكان هنية وجناحه في الحركة بمن فيهم يحيى السنوار، عملوا بشكل خاص على نزع الأشواك في طريق طهران لاستغلال قضية فلسطين، وإعطاء دعايتها بتحرير القدس زخماً لطالما حلمت به. بيد أن تلك الأشواك وضعتها تبعات السابع من أكتوبر ومقتل هنية في اختبار، فإما أن تعيدها الحركة لإعاقة الانحياز التام لصف طهران بعد انكشاف عجزها، أو تكون كمن يطلق النار على نفسه، على النحو الذي فهمه بعضهم في اختيار السنوار رئيساً للحركة خلفاً لهنية المعروف بأنه براغماتي كبير، إذا ما قورن بخلفه السنوار.
ويعتقد الباحث في الشأن الإيراني بوزيدي في حديثه مع “اندبندنت عربية” أن “حماس” واجهت صعوبات كبيرة جداً بعد نحو سنة من القتال المتواصل، “لذلك فإن فتح جبهات جديدة يعتبر متنفساً كبيراً هي في حاجة إليه لتخفيف الضغط عليها أو دفع القوى الكبرى نحو صفقة تنهي الحرب، لأن وحدة الساحات التي سوقتها إيران في وقت سابق أثبتت التطورات أنها موجهة للاستهلاك الاعلامي فقط، فإسرائيل منحت فيلق القدس والحرس الثوري مبررات (رميها في البحر)، ولكن الحسابات الخاصة بكل طرف سواء إيران أم حزب الله هي التي كانت تتحكم في تفاعلهما مع التطورات”.
ورجح تبعاً لتجربة الحركة المخيبة مع ذلك المحور منذ بداية المعركة وصولاً إلى مقتل زعيمها أن تستبعد في خططها “أي تعويل على تنسيق عسكري شامل بعد نفي إيران وحزب الله علاقتهما بهجمات أكتوبر، وعدم استجابتهما لدعوات كتائب القسام إلى الانخراط في الحرب”، إلا أنه لا يرى إمكان مراجعة غزة علاقاتها بطهران “كون خياراتها محدودة على صعيد الحلفاء”.
فرصة قد تكون مواتية
بيد أن محللة إسرائيلية في معهد واشنطن نيومي نيومان ترى أن انكشاف محور إيران وحجم قدرته على إسناد “حماس” في معاركها ضد تل أبيب قد يشكل فرصة لواشنطن ودول الاعتدال العربية في جذبها إلى صف مقاربة السلام، التي كان المحور الإيراني يدفعها إلى ضدها.
وترى أن الأحداث الأخيرة قد تشجع على بناء توازن إقليمي جديد يشكل جبهة ضد التيار الإيراني، ذلك أن “الوضع الحالي يوفر لواشنطن فرصة فريدة لإظهار تدهور العلاقة بين حماس وإيران، وهذا يعني العمل مع الدول العربية والولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى بطرق تساعد في بناء تحالف ضد معسكر ’المقاومة‘ ولصالح التطبيع”، خصوصاً بعد أن أوضحت طهران أن مصالحها لا تتطابق بالضرورة مع مصالح “حماس”، وفق تعبيرها.
ومن بين الأولويات التي قد تشجع “حماس” على هذا المسلك، رغبة الحركة في الحفاظ على تأثيرها مهما لحق بها من خسائر، فهي تنظر لنفسها، وفق أحد أبرز قادتها سامي أبو زهري لـ”رويترز”، على أنها “فكرة ومؤسسة وليست أشخاصاً، وستمضي على الدرب مهما بلغت التضحيات”، لكن إصرار نتنياهو على التدمير الكلي للحركة ورفضه وقف الحرب قد يعوق أية استراتيجية، ويدفع بتأجيج الصراع إلى درجة لا يمكن التحكم بها.
وهكذا يرى حتى الخبراء الأجانب أنه على رغم ارتماء “حماس” في المحور الإيراني، فإن شرعية قضيتها قد تجعلها بدعم العرب وحلفائهم قادرة، إن عادت
لمنطق المقاربة السياسية، على ترتيب صفوفها ضمن الصف الفلسطيني، بعيداً من أسر نفسها بخيارات طهران، التي انقلبت أحداث السابع من أكتوبر وبالاً عليها عكس ما كانت تؤمل وتعد.
بذلك يمكن أن يصبح مقتل هنية ورفاقه على مرارته فاتحة خير على الجيل الصاعد من الحركة، على رغم الانتهاكات الإسرائيلية والضغوط الإيرانية.
ويستدعي المحللون في هذا السياق تجربة ياسر عرفات في 1982 عند انسحابه من بيروت كقائد مهزوم عسكرياً، ما لبث أن عاد منتصراً سياسياً إلى قلب فلسطين في رام الله، على رغم أنف تل أبيب.
حكومة بزشكيان حذرة أكثر
مما قد يساعد في هذا المسار أن إيران نفسها في عهد رئيسها الجديد مسعود بزشكيان تعهدت بفتح صفحة جديدة، بما في ذلك إصلاح علاقتها بالغرب وإحياء الاتفاق النووي، إن ظفر حلفاؤها التقليديون الديمقراطيون بالرئاسة الأميركية كما يرجحون، مما يفرض عليها قدراً من المسؤولية نحو خفض التصعيد في المنطقة وفرض ذلك تبعاً على وكلائها.
ومع أن أشواكاً عدة زرعتها إسرائيل في هذا الطريق باغتيال هنية وفؤاد شكر ورفضها وقف النار في غزة، إلا أن ثمن التصعيد الذي أشير إليه سلفاً، لا يترك لإيران خياراً غير “ضبط النفس”، مهما سعت إسرائيل لجرها إلى ملعب المبارزة غير المتكافئة.
وفي هذا السياق حذر مسؤول إصلاحي هو محمد علي سبحاني، السفير الإيراني السابق في قطر ولبنان وسوريا، الحكومة الجديدة في بلاده من توريطها في فخ الحرب، وذلك في حديث مع صحيفة شرق اليومية، أعرب فيه عن الاعتقاد بأن “هناك بعض التيارات داخل إيران وإسرائيل وأعداء آخرين للجمهورية الإسلامية،
الذين يحاولون من خلال خلق الأزمات تغيير المسار الإصلاحي لحكومة بيزيشكيان… لذلك أحث حكومة بيزيشكيان على تجاهل مثل هذه الأزمات المصطنعة والتركيز على القضية الرئيسية… أما بالنسبة لرد فعل إيران، فهل يجب علينا توريط إيران في حرب شاملة، وهو الأمر الذي يرغب فيه نتنياهو…؟ يجب أن يكون رد الفعل متحكمًا وذكيًا… من أجل تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة”.
——————————————————————————
