- الافتتاحية: حول مفهوم العلمانية
- أردوغان والمصالحة مع الأسد.. حسابات طريق التنمية والممر الهندي – محمد سيد رصاص
- الماركسية وظاهرة الانتهازية والشعوب التحررية – د. منذر ابو مروان اسبر
- حول مفهوم رأسمالية الدولة – يوسف الطويل
- الثابت و المتحول في الانتقال من سيطرة القوميين الى الاسلاميين – ماهر كم الماز
- دروس شي جين بينغ الروسية – مجلة الفورين أفيرز
باستثناء الافتتاحية والبيانات الموقعة من الحزب فإن النصوص والمقالات الواردة في العدد لا تعبّر بالضرورة عن رأي الحزب.
الافتتاحية:
حول مفهوم العلمانية
تحوّلت المسيحية في عهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين (306 – 337 ميلادية) إلى دين للدولة، إذ تولت الأخيرة بناء الكنائس ودعم فئة الإكليروس وملائمة التشريع مع الدين الجديد، إضافة إلى منع العبادات الوثنية وفرض قيود مشددة على اليهود. في العصور الوسطى، ضعف ملوك أوروبا وبدأت سلطة بابا روما بالنمو، وقد تبع ملوك أوروبا دعوة البابا أربانيوس الثاني إلى الحرب الصليبية عام 1095في حملاتها الثماني. مع عصر النهضة الأوروبية، منذ القرن الخامس عشر، بدأت سلطة الملوك تقوى على حساب الباباوات، إذ تجسّد هذا في فرنسا عام 1516 عندما حُسم الصراع لمصلحة الملك مقابل الكنيسة على حساب روما، ثم تثنى هذا في إنكلترا عام 1534 عندما قام الملك هنري الثامن بفصل كنيسة إنكلترا عن روما وتأميم الأديرة وأملاكها في وقت كانت فيه ثروة الكنيسة تعادل ثلث ثروة إنكلترا، وكانت ثروة الكاردينال وولزي تعادل ثروة الملك وتفوق ثروة النبلاء. بين هذين التاريخين، وفي عام 1517، كان الألماني مارتن لوثر قد بدأ حركته الاحتجاجية (البروتستانتية) ضد سلطة بابا روما وضد التراتبية الإكليروسية، داعياً إلى انتفاء الوساطة بين المؤمن والكتاب المقدس، وبعده بسبع سنوات بدأت حرب الفلاحين في ألمانيا التي شملت أيضاً سكان المدن وصغار النبلاء ضد الكنيسة المرتبطة بالبابا والإمبراطورية النمسوية والأمراء الدينيين وأغنياء النبلاء وأخذت شكل حرب شمال ووسط بروتستانتي ضد الجنوب الكاثوليكي.
كان المسار الإنكليزي مولّداً لعلمانية مختلفة عن تلك الفرنسية. كان الصراع مع فئة رجال الدين الذين يتبعون روما وسيطروا على الاقتصاد والتعليم ونافسوا في سلطتهم الملك والنبلاء وسائر فئات المجتمع. أخذ الصراع مع روما شكلاً ارتبط فيه استقلال كنيسة إنكلترا مع تعزز القومية المحلية ومع اتجاه سلطة الملك نحو الشكل المطلق بعدما تعززت قوته الاقتصادية من خلال السيطرة على أملاك الكنيسة التابعة لروما. هذه الحركة للتخلص من سلطة الكنيسة ورجال الإكليروس clergyفيها اعتبرت بمثابة حركة علمنة ما دام سواد أو عامة الناس laity قد تولوا زمام الشؤون العامة على حساب سلطة فئة .clergyفي اللغة الإنكليزية، هناك تعاكس بين الشأن المدني (laic) وبين (clerical)، أي الأمر المتعلق بالكنيسة وفئة الإكليروس، أي بين الفرد المدني ــــ العلماني (layman) ورجل الدين clergyman . من هنا، تسمى العلمانية في إنكلترا بمصطلح (laicism)، أي اتجاه مدني نحو تولي المدنيين، يعني غير رجال الدين، للفضاء العام. بهذا المعنى، العلمانية الإنكليزية هي الفصل بين الدولة والكنيسة وحيادية الدولة تجاه الدين. هذه الحيادية هي حيادية مؤسسات الدولة تجاه الدين ومنع للكنيسة والإكليروس من أن يكون لهما تأثير على الدولة ومؤسساتها. هذا لا يتضمن منعاً لمتدينين من المدنيين في الانخراط في الشأن السياسي العام. من هنا، لم تمنع العلمانية الإنكليزية اتجاهات سياسية لأفراد مدنيين مستمدة كاتجاه سياسي من عقيدتهم الدينية، كما في حركة البيوريتان في ثورة 1642-1649، المدعومة من البرلمان ومن تجار لندن، ضد سلطة الملك والنبلاء. البيوريتان مع أوليفر كرومويل 1653-1658 هم الذين قاموا بالثورة البورجوازية الإنكليزية بعد قطع رأس الملك عام1649ثم كانوا في «حزب الأحرار» (الويغ) ضد «حزب المحافظين» (التوري) عماد ثورة 1688-1689 التي جعلت إنكلترا ملكية دستورية.
نجد في ألمانيا والولايات المتحدة شيئاً شبيهاً مع العلمانية الإنكليزية، حيث العلمانية تعني الفصل بين مؤسسات الدولة ومؤسسات الدين. ولكن هناك في الوقت نفسه توجد اتجاهات سياسية أميركية متأثرة بالمنظور الديني، وفي ألمانيا يوجد «حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي» و«الحزب المسيحي الاجتماعي» في ولاية بافاريا. كان المسار الفرنسي مختلفاً بسبب حدث 1615 عندما أدى وضع الكنيسة تحت سلطة الملك إلى نشوء اتحاد ثنائي بين السلطة الملكية المطلقة وبين الكنيسة انضاف إلى النبلاء. من هنا، كانت ثورة 1789 الفرنسية موجهة ضد اتحاد هذه القوى الثلاث. عملياً، لا يساعد مصطلح (laicism) في توضيح العلمانية الفرنسية التي تكرس انتصارها بعد صراعات طويلة عام 1905. الأفضل والأقرب لملامسة العلمانية الفرنسية أن توضع تحت مصطلح (secularism) وهو مصطلح من إنتاج خمسينيات القرن التاسع عشر. يعني هذا المصطلح الفصل بين الدين والسياسة وكل فضاءات الشأن العام وحصر الدين في الشأن الفردي الطقوسي والأخلاقي الخاص. من هنا، في فرنسا يمنع إنشاء أحزاب تستمد من الدين أيديولوجيتها السياسية، مثل الأحزاب الديموقراطية المسيحية التي انتشرت في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وألمانيا وفي بلدان أميركا اللاتينية، كما منعت الكنيسة من أن يكون لها مؤسسات في التعليم، وتم منع المظاهر والإشارات والأزياء ذات الدلالات الدينية في المؤسسات العامة.
لا يزال اليمين الأميركي حتى الآن يعتبر العلمانية الفرنسية (secularism) مرادفةً للإلحاد أو العداء للدين، وفي نظرة يمينية معتدلة يعتبرها أقرب إلى الشكية الريبية أو اللاأدرية بالمعنى الفلسفي كمنطقة وسطى بين الإيمان والالحاد . في الهند، هناك نموذج علماني على الطراز الإنكليزي، إذ يوجد الآن حزب هندوسي أصولي هو «حزب بهاراتيا جاناتا» يحكم منذ انتخابات برلمان 2014 وهو يقبل بالدستور العلماني الهندي ويشتغل تحت مظلته ويسعى إلى تشريعات في البرلمان تتطابق مع التعاليم الدينية الهندوسية، إذ يستمد أيديولوجيته السياسية منها مع مزجها بنزعة قومية هندية. كما يوجد في ولاية البنجاب حزب سيخي هو «حزب أكالي دال»، بينما المسلمون الهنود يتجهون، وهم أقلية بين 10ــ 15%من السكان، نحو حزب المؤتمر أو الحزب الشيوعي بجناحيه( الحزب الشيوعي الهندي والحزب الشيوعي الهندي- الماركسي) من دون أن ينخرطوا في أي حزب إسلامي أصولي أوحزب فئوي خاص . في إسرائيل، لا يوجد دستور، لكن الصهيونية عند العماليين والليكوديين تعتبر حركة قومية يهودية علمانية، وهناك فصل بين الدين والدولة وتوجد عندهما مقاومة ضد الأحزاب الأصولية اليهودية، مثل «حزب أغودات يسرائيل»، عند محاولة فرضها تشريعات دينية أرثوذكسية في الفضاء العام أو على مؤسسات الدولة عبر الكنيست. هناك حزب واحد حاول الجمع بين الصهيونية والأرثوذكسية اليهودية الدينية هو «الحزب الديني القومي ــــ المفدال”، ووريثته الآن الصهيونية الدينية بزعامة بن كفير وسموتريتش ولها كاتجاه سياسي في انتخابات كنيست 2022أربعة عشر مقعداً. في العالم الإسلامي، كانت هناك تجارب علمانية عند مصطفى كمال أتاتورك وعند شاه إيران، هي أقرب إلى نموذج العلمانية الفرنسية. أسقط الإسلاميون شاه إيران وأقاموا الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أما في تركيا، فإن حزب رجب طيب إردوغان، وهو الحزب الحاكم منذ عام 2002، لايستطيع التصريح عن أيديولوجيته الإسلامية، إذ يمنع الدستور الأتاتوركي ذلك، وفي برنامجه يتجنب ذلك مقدماً نفسه بوصفه حزباً يمينياً محافظاً. في العالم العربي، لم يكن هناك تجارب علمانية صريحة عند الليبراليين ولا عند العروبيين وحتى الأحزاب الشيوعية العربية، بسبب الصدى السلبي عربياً لتجربة أتاتورك، قد تجنبت في برامجها تقديم مطالب علمانية. مع نمو الأحزاب الإسلامية، طُرحت غالباً العلمانية بنموذجها الفرنسي من قبل أطراف أو أفراد عرب من أجل منع وحظر الأحزاب الإسلامية وليس من أجل تقديم تصور فكري ــــ سياسي علماني ، مع تجنب طرح النموذج العلماني الإنكليزي. طرح العلمانية كان وقائياً أو دفاعياً، وهو غالباً كما في مصر والجزائر، وفي تونس زين العابدين وعند قيس سعيد ، كان طرحاً علمانياً يأتي من ليبراليين ويساريين هم في حالة تحالف مع السلطة ضد الإسلاميين.
في تجربة انقلاب الجنرال خالد نزار عام 1992، كان منع الحزب الإسلامي الفائز بالانتخابات طريقاً سالكاً إلى حرب دموية جزائرية دامت عشر سنوات خلفت مئات آلاف القتلى وحطمت المسيرة الديموقراطية البادئة عام 1989. مسار ما بعد 11 كانون الثاني 1992 الجزائري ليس بعيداً عن مسار ما بعد 3 تموز 2013 المصري مع عبدالفتاح السيسي، الذي ينذر باضطراب مصري قادم نتيجة الصراع المستدام منذ عام1954بين المؤسسة العسكرية وبين الاسلاميين ، أي السيسي الذي دعمه في انقلابه على الاسلاميين ناصريون وليبراليون والحزب الشيوعي المصري، ثم ندموا كثيراً على ذلك ،عندما أتوا بهذا الدكتاتور الذي قضى على العملية الديمقراطية المصرية التي أتت بعد ثورة 25يناير2011على حسني مبارك. في سوريا يأتي طرح العلمانية على الطراز الفرنسي، أي الفصل بين الدين والسياسة وليس بالمعنى الانكليزي أي الفصل بين الدين والدولة، مبنياً على رهاب من الاسلاميين ومن رغبة في منعهم واقصائهم من العمل السياسي ، وليس عن ميل علماني فكري حقيقي ، وهو غالباً مايوجد عند أبناء الأقليات الدينية والطائفية.
أردوغان والمصالحة مع الأسد.. حسابات طريق التنمية والممر الهندي
محمد سيد رصاص
المركز الكردي للدراسات،ألمانيا،مدينة بوخوم-
١٨ تموز ٢٠٢٤ –
رابط المقال
https://nlka.net/archives/12095
منذ بداية الأزمة السورية، هناك أردوغان مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بين عامي 2011 – 2016 في مرحلة تحالف بينهما حتى عام 2013 وتفارق بعد هذا العام، وهناك أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ لقائهما في 9آب/أغسطس2016 بعد ثلاثة أسابيع من محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس التركي وحتى اتفاقهما حول الوضع في محافظة إدلب في 5آذار/مارس2020. في المرحلة الأميركية لأردوغان، كان هناك قطيعة مع السلطة السورية مارستها واشنطن وأنقرة معاً بنفس شهر آب/أغسطس2011، ثم كانت طريقة الدعم الأميركية لقيام “المجلس الوطني السوري”، المولود تحت الرعاية التركية بتوأم من إسلاميي “الإخوان المسلمون” وليبراليي “إعلان دمشق”، توحي بأن هناك نية أميركية لتكرار السيناريو الليبي في سوريا من خلال قيام مجلس محلي معارض يطلب تدخلاً عسكرياً خارجياً لحماية المدنيين يتم تشريعه عبر قرار من مجلس الأمن الدولي مع دور تركي لقيادة تلك العملية العسكرية يشبه الدور الفرنسي في قيادة العملية الليبية ضد نظام القذافي مع قيادة أميركية من الخلف حسب تعبير أوباما، وهو ما أفشلته موسكو في 4 تشرين الأول/أوكتوبر بـ”فيتو” في مجلس الأمن عندما قدم قرار يخص سوريا لهناك بعد يومين من قيام مجلس اسطنبول، بإعلان من موسكو بأن موقفها الليبي لن يتكرر في سوريا. وقد كان هذا التنسيق الأميركي- التركي في سوريا متزامناً مع رعاية الأميركان لعملية تنصيب جماعة الإخوان المسلمين كبدلاء عند واشنطن لأنظمة سقطت في تونس ومصر، وكشركاء في أنظمة جديدة أعقبت سقوط حكام في ليبيا واليمن، وكشركاء في الحكم مع الملك عبر عملية انتخابية جرت في المغرب جعلت الإسلاميين يتولون رئاسة الحكومة أواخر عام2011. هنا، لم تكن عملية تشكيل مجلس اسطنبول خارج هذا السياق عند أردوغان، والأرجح أنها كانت تصل عنده إلى وضع الأصوليين الإسلاميين الإخوانيين في دمشق كحكام تابعين له برضا واشنطن في الوضع الشبيه الذي كان للأصوليين الاسلاميين الشيعة من حزب الدعوة في بغداد من حيث تبعيتهم لخامنئي في طهران، وهو الذي صرح آنذاك بأنه “سيصلي قريباً في الجامع الأموي” في لحظة كانت ذروة الخلاف مع السلطة السورية، وفي وقت كانت أنقرة تشجع العنف السوري المعارض وتدعمه وتوفر الظهير المكاني له وتيسر التمويل المالي الآتي عبرها له من قطر. هنا أيضاً، كان وقوف موسكو بالتحالف مع طهران مع السلطة السورية ضد خطة أوباما- أردوغان السورية، قد جعل هذه الخطة تلاقي الفشل ، وجعل الأزمة السورية تنتقل إلى مدار تكون فيه مدخلاً لكي تصبح سوريا مكاناً للصراع على سوريا ومكاناً للصراع في سوريا لقوى دولية وإقليمية طوال الفترة المنصرمة عن خريف عام2011. في عام 2013 تبدلت الأمور بين واشنطن وأنقرة مع تراجع الأميركان عن تحالفهم مع الإسلاميين الإخوانيين، وهو ما توضح في صيف ذلك العام مع سقوط حكم الإسلاميين في مصر بدعم أميركي غير معلن ولكن يمكن لمسه، وهو ما انعكس توتراً بين أردوغان وأوباما في سوريا وافتراقاً، كان أحد مظاهره عند الأميركان اتجاههم للتنسيق مع موسكو في سوريا عبر الاتفاق مع الروس حول السلاح الكيماوي السوري (14أيلول 2013)، وهو ما أنتج القرار الدولي 2118 الذي دعا لمؤتمر “جنيف2” ولتفعيل بيان “جنيف1″، ثم الاتفاق الأميركي- الروسي على الدخول الروسي العسكري إلى سوريا (30 أيلول/ سبتمبر 2015) في ظرف اجتاح فيه الإسلاميون المسلحون بتشجيع من أنقرة محافظة إدلب وسهل الغاب ووصلوا لمشارف اللاذقية وحماة وحمص، الأمر الذي أنتج القرار الدولي 2254 ومؤتمر “جنيف3” بين السلطة السورية و(هيئة المفاوضات)، وهو مؤتمر أفشله رياض حجاب بتشجيع من أردوغان، الذي كان بلحظتها في حالة خلاف مع أوباما وبوتين معاً، وكان أردوغان لا يكتفي وقتها بتشجيع جبهة النصرة على الهجوم على منطقة الراموسة بحلب بصيف 2016 بل كان يرى مصلحة تركية في تمدّد تنظيم داعش داخل الأراضي السورية في وقت تشكل برعاية واشنطن وموسكو تحالف دولي منذ صيف 2014 ضد داعش. وقد منعت أنقرة التنظيمات المسلحة السورية المعارضة من الاشتراك في الجهد الدولي ضد داعش، فيما كانت (وحدات حماية الشعب) ثم (قوات سوريا الديمقراطية- قسد) هم الجهة المسلحة السورية الوحيدة التي شاركت في الجهد الدولي ضد داعش. بعد محاولة الانقلاب العسكرية ضده في 15 تموز/يوليو 2016، والتي رددت أنقرة الكثير من المؤشرات على ضلوع واشنطن بها، بدأت تلاقيات أردوغان مع بوتين، وقد باع أردوغان المعارضة المسلحة في الغوطة وشمال حمص وحوران مقابل أن يأخذ، بموافقة الروس، سيطرة عسكرية تركية على خط جرابلس- الباب- إعزاز (آب2016- شباط2017) وعلى مدينة عفرين ومنطقتها ( كانون ثاني- آذار 2018) وعلى خط تل أبيض- رأس العين (سري كانيه) في تشرين الأول 2019. وعندما نشب القتال في محافظة إدلب أوائل عام 2020 بين السلطة السورية والمعارضة المسلحة، دخل الروس للتهدئة، وأرادوا أن تكون إدلب هي منطقة خفض التصعيد الرابعة، على غرار شمال حمص والغوطة وحوران، وعندما عقد بوتين اتفاق 5 آذار2020 مع أردوغان في موسكو كان نص الاتفاق يقول بفتح خط (إم 4) الرابط بين اللاذقية وحلب عبر محافظة إدلب وبالتعامل مع (هيئة تحرير الشام- النصرة) كتنظيم إرهابي يجب نزع سلاحه وبتسوية أوضاع المسلحين المعارضين الباقين وفق ما تم في مناطق خفض التصعيد الثلاث السابقة مع دخول الإدارة السورية الحكومية لمحافظة إدلب. ولكن أردوغان لم ينفذ اتفاقه مع بوتين، وتوحي الأربع سنوات السابقة بأن خطط الرئيس التركي تجاه المناطق السورية التي يسيطر عليها الآن تحوي الكثير من الأجندة “التتبيعية” لتلك المناطق لأنقرة في الاقتصاد والتعليم والبنية التحتية مع فرض سيطرة عسكرية- أمنية تركية مباشرة مع واجهات إدارية مثل “حكومة الإنقاذ” في إدلب و”الحكومة المؤقتة” شمال حلب، مع تعاون تركي وثيق مع الجولاني. على الأرجح، أن هذه الخطط التركية التتبيعية لمناطق سورية يسيطر عليها الأتراك، بشكل يذكر بما جرى للواء اسكندرون بين عامي1937و1939عندما تم ضمه بعد سنتين من التتبيع التدريجي له، هي السبب في فشل المحادثات السورية- التركية برعاية روسية على مستوى وزراء الخارجية والدفاع وعلى مستوى استخباراتي رفيع، أواخر عام 2022 وأوائل 2023، وخاصة عندما وضعت السلطة السورية شرط الانسحاب العسكري التركي من الأراضي السورية كشرط مسبق للتطبيع بين دمشق وأنقرة، فالانسحاب العسكري التركي يعني انهيار حبات المسبحة التركية كلها في سوريا بعد انقطاع خيطها، وأردوغان خلال تلك المحادثات، حسب ما أوردت وسائل إعلام تركية، لم يقبل بالانسحاب العسكري مقابل إعادة تفعيل اتفاقية أضنة لعام 1998، ولو مع محاولة توسيع نطاقها الجغرافي، ولا مقابل مكاسب اقتصادية تركية من خلال فتح خط الترانزيت البري المار من أوروبا عبر أراضي تركيا وسوريا والأردن إلى منطقة الخليج، ولا مقابل حلول عرضت لعودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلدهم وهم الذين كانوا آنذاك موضوعاً ساخناً ضده قبيل أشهر من الانتخابات التشريعية والرئاسية بربيع 2023 استغلته المعارضة التركية. الآن، هناك أردوغان ثالث، أو ملامح لإرهاصات ذلك، تختلف عن أردوغان أوباما، وأردوغان بوتين، ويبدو أن سبب ذلك هو ماجرى في أيلول/سبتمبر2023عندما تم التوقيع في نيودلهي على مشروع (الممر الهندي) لتكون هناك قناة برية جافة تمتد من الساحل الإماراتي عبر السعودية والأردن تصل للساحل الاسرائيلي لنقل البضائع عبر طرق برية وسكك حديد وأنابيب طاقة من الغاز والنفط بين القارتين الآسيوية والأوروبية تمتد من الساحل الهندي إلى الساحل الايطالي( وربما أيضاً اليوناني) وبالعكس. في (الممر الهندي) هناك استبعاد لباكستان وإيران والعراق واليمن ومصر ولبنان وسوريا وتركيا، وهناك أرجحية بأنه موجه ضد مشروع (الحزام والطريق) الذي طرحته الصين عام 2013 كطريق واصل لها برياً إلى أوروبا عبر باكستان – إيران – العراق – سوريا ومنه إلى أوروبا عبر خطي إيران- تركيا وخط إيران – العراق- سوريا- تركيا، مع أهمية قصوى لخط النقب – غلاف غزة الذي يمر فيه (الكوريدور الهندي) قبل أن يصعد عبر عسقلان إلى مصبه البري الأخير في مرفأ حيفا. هناك ثلاثة أسابيع تفصل توقيع (الممر الهندي) عن يوم (7 أكتوبر) الذي أعلنت من خلاله حركة حماس عبر عمليتها بأن غلاف غزة منطقة غير آمنة، وسط رضا ضمني من طهران وأنقرة وموسكو وبكين. وكان هناك وقبل أسبوع من توقيع (الممر- الكوريدور الهندي) قد جرى وضع حجر الأساس لربط خط سكتي الحديد الإيرانية- العراقية بين الشلامجة والبصرة، وهو مايعني أن سكة حديد ستصبح ممتدة عبر باكستان – إيران- العراق- سوريا- تركيا بين الصين والقارة الأوروبية وهو ما سيشكل عصب مشروع (الحزام والطريق) الذي طرحه الرئيس الصيني غداة توليه مسؤولياته كمشروع رئيسي للدور الاقتصادي الصيني في مداره الغربي عام 2013. وأيضاً ، والأرجح أن خط الشلامجة – البصرة ، ومعه (الحزام والطريق) ، يرتبطان بما طرح في بداية عام 2023 كمشروع تمت تسميته ب”القناة الجافة”( طريق التنمية) لوصل بري عبر أوتوسترادات وسكك حديد بين مرفأي الفاو- مرسين والفاو- اسطنبول عبر البصرة- الديوانية- النجف – كربلاء- بغداد- الموصل – زاخو. هنا، يمكن تفسير العمليات العسكرية المكثفة خلال سنتي 2023 و 2024 التي أجراها الأتراك في منطقتي زمار وسنجار وعند المثلث الحدودي التركي- العراقي- السوري بإقليم كردستان العراق من خلال تفكير الأتراك بـ”القناة الجافة”، ويلفت النظر هنا تفكير بغداد وأنقرة في استبعاد إقليم كردستان من أن يكون ممراً لمشروع القناة الجافة. وكذلك يلفت النظر في أيار/ مايو الماضي تصريح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عندما طالب الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق بإخراج قوات “وحدات مقاومة سنجار” من منطقة سنجار (شنكال) وجنوب منطقة زمار التي تسيطر عليها منذ عام2017 بعد إخراج قوات داعش من هناك، ويتهم الأتراك هذه القوات بموالاة حزب العمال الكردستاني، وهي تسيطر أو تهدد أمنياً أجزاء من طريق “القناة الجافة”. من الممكن هنا التفكير في تصاعد التصريحات التركية منذ نهاية أيار/مايو الماضي تجاه المصالحة مع دمشق وربطه بتصريح فيدان حول منطقة سنجار وزمار من حيث أن طريق العراق- تركيا غير آمن، وبالتالي التفكير بطريق سوري للقناة الجافة إلى تركيا، ومعها الحزام والطريق، عبر الناصرية- السماوة -النجف – كربلاء – الفلوجة – الرمادي- القائم- البوكمال- الميادين- ديرالزور، ومن هناك إلى معبري (باب السلامة) شمال حلب و(باب الهوى) غرب إدلب. كما يجب ربط تلك التصريحات بتوترات تتصاعد داخل المجتمع التركي ومنها مدن مثل قيصرية، أحد المعاقل لحزب أردوغان، ضد اللاجئين السوريين بظل الأزمة الاقتصادية التركية، وحاجة تركيا إلى الأوكسجين السوري سواء عبر طريق الترانزيت إلى الخليج أو عبر “القناة الجافة” و”الحزام والطريق” إضافة إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا كوسيلة عند أردوغان لتخفيف الاحتقان المجتمعي التركي ضدهم وضده. الآن، هناك أسئلة كثيرة ،وقضايا عدة، هي التي تشكل المفتاح إلى موضوع (أردوغان وسوريا): أولها، هل يتخلى الرئيس التركي عن خطط ظل يرسمها وينفذها منذ عام 2011، وبعضها يصل إلى خطط توسعية تركية في الأراضي السورية، مقابل مكاسب اقتصادية؟…السؤال الثاني: إن انخرط أردوغان في مشروع المصالحة مع دمشق، برعاية روسية ورضا إيراني وصيني، فهذا يعني بطريقة أو بأخرى انضماماً تركياً إلى ثالوث بكين- موسكو- طهران الذي تشكل عام 2022 مع الحرب الأوكرانية كمحور يواجه واشنطن وحلفائها في حلف الأطلسي وفي اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، مع حياد الهند وترجرج موقفها، على نطاق العالم في ملامح لحرب باردة جديدة بدأت تأخذ منحى عالمياً، وبالتالي انشقاق أردوغان عن حلف الأطلسي- الناتو، واتجاهه شرقاً. فهل تسمح واشنطن لأنقرة بذلك؟.. السؤال الثالث: ألا يشكل إصرار بوتين على مصالحة أنقرة- دمشق اتجاهاً عنده لجعل تركيا في الطريق الأوراسي بدلاً من الطريق الأطلسي الغربي، وبالتالي بداية تقويض (الناتو) من خلال أول انشقاق في هذا التحالف منذ ولادته عام 1949، وهو ماحاول ديغول فعله ولو بشكل أوّلي من خلال انسحابه عام 1966من الجناح العسكري للناتو، وربما كان هذا سبباً في سقوطه بعد ثلاث سنوات، فهل تسمح واشنطن لبوتين وأردوغان بذلك؟
____________________________________________________________
الماركسية وظاهرة الانتهازية والشعوب التحررية
د. منذر ابومروان اسبر
تتعدد الآراء حول الانتهازية لدى مختلف الحركات السياسية بصدد مصدرها أو علاقتها مع النظرية أو التنظيم الحزبي او المواقف من الأحداث السياسية .
ولقد اتسمت الوضعية العربية مع أحدات ” الربيع العربي ” بوقائع انتشار الحروب الأهلية وارهاب القوى الحاكمة ، وتصاعد الاحتلال الاجنبي وتكاثر المجموعات المسلحة الخارجية و انتهاج التمحورات الخارجية الانتهازية ، الوقائع التي تشكل عناوين لهذه الوضعية المأساوية الدموية اكانت داخلية أم خارجية أو مشتركة .
ولما كانت التجربة الماركسية هامة وأساسية في العصور الحديثة فإن عرض العلاقة بين ماعاشته من احداث وبين ظاهرة الانتهازية السياسية ، من شأنها القاء الأضواء على ماسببته كظاهرة ترافق العمل السياسي وتهدد نضالات الشعوب التحررية باستمرار .
لقد اخذ لينين بمقولة الانتهازية في دلالاتها المعروفة كسياسة ظرفية دون مبدأ وطبقا للمصالح الخاصة و البحث عن المكاسب المؤقته .
ولكن لينين لم يتوفف عند ذلك بقدر ما أنه ربط الانتهازية بالتحريفية للنظرية الثورية التي يقوم عليها التغيير وبناء المجتمع والاقتصاد والدولة .
وتشكل أطروحات برنشتاين النموذج التحريفي الانتهازي في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الالماني بما جعل المقولة التحريفية الانتهازية نظرية لبرنشتاين قام بنقدها وتعريتها أبرز القيادات الماركسية ، نقصد روزا لوكسمبورغ وكاوتسكي وبليخانوف ولينين .
فاطروحات برنشتاين تتعلق بالنظرية على أن الماركسية نظرية تقوم على عناصر اختبارية تمحيصية على شاكلة نظرية التطور الداروينية ،وبالتالي فإن كل تغيير ليس اكثر من تطور تدريجي ينفي الحاجة إلى الثورة بينما يتحقق التغيير والمجتمع الجديد الاشتراكي عبر هذا التطور اي عبر المؤسسات البورجوازية الليبرالية دعما لها وحركة إصلاحات مستمرة فيها .
بهذا تطرح روزا لوكسمبورغ السمات الأساسية للانتهازية في أنها :
_ضد النظرية اولا ومع البحث عن المكتسبات العاجلة ثانيا واعلاء اولوية التاكتيك ثالثا وممارسة التنازلات المستمرة رابعا وحق المناورة على الحلفاء والأصدقاء خامسا .
ولكي تضع روزا لوكسمبورغ حدا للانتهازية التصفوية للتغيير والثورة ، فلقد عملت على ربط الاستراتيجية بالاهداف السياسية وعلى تعضي العمل السياسي نفسه بالنضالات الاجتماعية ، واعتماد التحليل الملموس للوضعية التاريخية وتناقصاتها وتطوراتهاقاعدة لكل عمل سياسي.
واذا كان لايوجد من حتمية تاريخية لسقوط النظام القائم كما تقول روزا لوكسمبورغ أو استباق تاريخ سقوطه والأشكال التي يأخذها ، فمن الخطأ الاعتقاد ان هذا التغيير يتم تدريجيا عبر الإصلاحات له ودقرطة سلطة الدولة وزيادة بعض العائدات الإنتاجية على قوى العمل الاجتماعي .
وعلى صعيد أخر وبدراسة الحركات السياسية فإن لينين يرى أن معظم تنظيماتها التي تقول بالتغيير والثورة كان منقسمة إلى تيارين :
التيار الانتهازي والتيار الثوري وأن هذا الانقسام التنظيمي يأخذ أشكالا مختلفة حسب اللحظة التاريخية بما يطرح النضالات الفكرية والسياسية الضرورية لتعرية الانتهازية و فقدان الخط والخطة السياسية .
والواقع ان لينين يعيد بعض اشكال الانتهازية الى جذر اجتماعي للبورجوازية الصغيرة الطامحة إلى الارتقاء في السلم الاجتماعي وبوجه خاص لشرائح الأرستقراطية العمالية والثقافية ، الشرائح التي تهدف إلى تقاسم منافع النظام القائم بمايخدم مصالحها الخاصة دون أن تدرك على الصعيد العالمي أن هذه المنافع ليست سوى بعض مايقدم النظام الرأسمالي نفسه لها من استغلال واستلاب للشعوب .
وتتبدى الانتهازية في أوضح صورها بالعلاقة مع الإمبريالية وحروبها حيث التقت القوى البورجوازية الرأسمالية والاشتراكية الإصلاحية والديمقراطيةالليبرالية في دعم الحرب وبحيث أن عنوان الأممية الثانية هوحسب لينين “الانتهازية ، هذاهو عدونا السياسي ” .
بعبارة أخرى فإن الموقف من الحرب أوالاحتلال الخارجي يشكل مقياسا فاصلا بين الموقف الانتهازي تدعيما و تواطؤا وبين الموقف التحرري معارضة ومناهضة .
ولكن الانتهازية تتغيير أيضا بتغير ظروف العمل السياسي والثورة ، ففي روسيا وبين معاهدة السلام ( بريست ليتوفسك ) والسياسة الاقتصادية الجديدة ، تعاظمت انتقادات اليسراوية ( وبالضرورة اليمين ) لتقدم العدو الألماني في الأرض الروسية وضد القيام بمساومات مع العدو ، بما دعى لينين إلى الرد عليها بضرورة معرفة الإمكانيات في المواجهة مع العدو نفسه و” امتلاك أوسع المرونة في التاكتيك ” في الظروف العصيبة ، لماذا ؟ لأن اليسار الطفولي ينهج ترديد الثوابت الدوغمائية والخطابات الشعارية في حين أنه يقوم في بلدان أخرى برفض المشاركة في الانتخابات واجراءالتحالفات الضرورية اوالأخذ بخصوصيات هذه البلدان أي دون أي اعتبار للواقع القائم فيها .
إن مساهمة التجربة الماركسية في نقد وتفنيد الانتهازية والتمييز الفاصل بينها وبين العمل السياسي تغييرا وثورة ، سواء بالعلاقة مع النظرية السياسية أو مع التنظيم السياسي أو مع الحرب الإمبريالية أو مع الاحتلالات الأجنبية أو مع الظروف المستجدة للعمل السياسي ، يشكل مرجعية خاصة في أوضاع الشعوب التحررية العربية التي تطرح العمل باتجاه الحل التفاوضي الانتقالي والتغيير الوطني الديمقراطي الجذري .
حول مفهوم رأسمالية الدولة
يوسف الطويل
بعد المٱلات التي وصلت لها المجتمعات المحكومة برأسمالية الدولة ، يجب توضيح هذا المفهوم وان كان بشكل مختصر وعام وعلاقته مع اقتصاد السوق . رأسمالية الدولة هي فعل القوانين الراسمالية بصيغة مدارة من قبل جهاز الدولة التنفيذي في المجتمع ، وتتحكم الحكومة بكل مفاصل العملية الاقتصادية ، لتتحول الدولة لرب العمل الاساسي في المجتمع . عادة تتحول نظم راسمالية الدولة لاقتصاد السوق ، بسبب انشائها بنية مجتمعية اصبحت تعوق نموها البنية الدولاتية لراسمالية الدولة بشكل اساسي ، اضافة للعب الخارج دور في التحول نحو اقتصاد السوق ، وهذا لا يعني أن راسمالية الدولة انتهت بل تبين تجارب عديدة بأن الدولة تقوم بدور رئيسي في التحول مع اتاحة مجالا تشريعيا وانتاجيا يحدده جهاز الدولة لعمل الراسمال الخاص المحلي ام الاجنبي . عموما تبقى قوانين الراسمالية فاعلة في ظل راسمالية الدولة ، ويبقى مٱل مشروعها الى اقتصاد السوق وفق تجارب عديدة لكن بتوجيه وادارة من راسمالية الدولة بشكل رئيسي ،مع تخفيف محددا تاريخيا لمجالات عمل رأسمالية الدولة تقرره التوازنات الداخلية وشروط الخارج .
الثابت و المتحول في الانتقال من سيطرة القوميين إلى الإسلاميين
مازن كم الماز
قادنا القوميون إلى نكسات جدية كما سموها هم لكن يبدو أن الإسلاميين سيتفوقون عليهم في حجم الخراب الذي يجرونه على شعوبهم … إن استعداد هؤلاء للدخول في مغامرات غير محسوبة و كارثية مدهش و دورهم في الخراب العام الذي سرعان ما تلا انفجار الربيع العربي لا يقل عن دور خصومهم في الأنظمة التي يحاربونها … على الجهة الأخرى إذا كان صعود القوميين خاصة من العسكر قد ارتبط بتكريس نموذج الدولة العربية التي تجمع مهامها الحداثية إلى مهامها القمعية و الدموية في كثير من الأحيان ، فإن صعود الإسلاميين و حضور تأثيرهم ارتبط بصعود الميليشيات و سيطرتها و اعتمادها على الخوات و النهب المباشر من دون الالتزام بأية واجبات تجاه “محكوميها” و يعكس هذا طبيعة الفئات التي يتشكل منها التياران فالقوميون جاؤوا من الطبقة الوسطى ، آنذاك ، المدينية و الريفية و خاصةً تلك المنخرطة في مؤسسات الدولة ما بعد الاستقلال و تحديدًا المؤسسة العسكرية أما الإسلاميون و رغم وجود ممثلين لطبقات مختلفة بينهم لكن جمهورهم خاصة الذي صعد إلى الواجهة بعد الربيع العربي ينتمي لفئات أقل تعليمًا و تعيش على هامش عملية الإنتاج و ضعيفة العلاقة بالحداثة و خاصةً مؤسسات الدولة الحداثية المعقدة و آليات عملها … ورغم ذلك سيكون من الممتع محاولة دراسة بنية و تطور الأنظمة أو الديكتاتوريات التي جاء قادتها من الجيش مثلًا في السودان حيث حكم الإسلاميون لثلاثة عقود و في المشرق أو ليبيا حيث كانت السلطة بيد القوميين لمعرفة مقدار التشابه و الاختلاف في بنية هذه الأنظمة و ميكانيزمات عملها على الرغم من اختلاف أيديولوجيا قادتها هنا و هناك … و رغم استناد القوميين و الإسلاميين على مبادئ متقاربة توجد فروق مهمة بين الايديولوجيتين ، فالقوميون العرب أكثر إيجابية في خطابهم الذي يستحضر التاريخ الامبراطوري القروسطي للدول العربية الإسلامية أما خطاب الإسلاميين فهو أكثر تفجعا و تلعب مظلومية المسلمين و فكرة نصرة المظلومين و المستضعفين في مواجهة الاستكبار دورًا مركزيًا في خطابهم … و بينما يقر الطرفان بتخلف مجتمعاتنا أو تأخرها مقارنةً بالغرب كان القوميون مصممين على “تثوير” مجتمعاتنا و إطلاق طاقاتها رغم أنهم كانوا في الممارسة ينكفئون أكثر فأكثر عن تلك المهمة التي وضعوها نصب أعينهم أما الإسلاميون فيرون أن مكونات و مبررات هذا التخلف أو كوننا كمجتمعات نعيش و نفكر خارج إطار الحداثة هي جزء من هويتنا و كل محاولة لتجاوزها هي عدوان على تلك الهوية … يمكن بالطبع مرةً أخرى تفسير كل ذلك بالسمات المميزة لأفراد كلا التيارين و منابتهم الاجتماعية … و رغم أن القوميين و الإسلاميين يشتركون في اعتقادهم بهوية جماعية جامعة تعلو على الهويات “الفرعية” المناطقية و غيرها لكنهم انقسموا عمليًا عند كل منعطف على أسس مناطقية بحتة ، هذا يصح مثلًا على البعثيين في سوريا و العراق كما يصح أيضًا على الإخوان المسلمين في سوريا الذين انقسموا في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي بين إخوان دمشق و حلب و حماة و الدير و ما زالت آثار تلك الانقسامات فاعلة في تنظيمهم السوري و شاهدنا مثل ذلك أيضًا في اصطفافات السلفيين السوريين و انشقاقاتهم العديدة … هذا كله يؤكد أننا كمجتمعات ما نزال نعيش في عصر العصبية الخلدوني و الذي نرى فعل قوانينه اليوم في مجتمعاتنا و التي قد لا تكون وحدها الفاعلة لكنها ذات تأثير قوي و ملموس ، و هذا بالمناسبة ليس حكمًا سلبيًا أو إيجابيًا بالضرورة بل قد يبدو ضروريًا لمعرفة مجتمعاتنا و فهم تطورها و التأثير في هذه العملية بما يخدم مصالح الطبقات التي نزعم أننا نمثلها.
دروس شي جين بينغ الروسية :
ما علمه والد الزعيم الصيني عن التعامل مع موسكو؟
“مجلة الفورين أفيرز”
بقلم جوزيف توريجيان
24 يونيو 2024
في الرابع من فبراير/شباط 2022، قبل غزو أوكرانيا مباشرة، سافر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بكين، حيث وقع هو والزعيم الصيني شي جين بينج على وثيقة أشادت بالشراكة “بلا حدود”. وفي أكثر من عامين منذ ذلك الحين، رفضت الصين إدانة الغزو وساعدت روسيا في الحصول على العتاد، من الأدوات الآلية إلى المحركات إلى الطائرات بدون طيار، وهو أمر بالغ الأهمية للمجهود الحربي. أثارت الشراكة المزدهرة بين شي وبوتين تساؤلات جدية في العواصم الغربية. هل يعود هذا التحالف إلى ذاك الذي ربط موسكو وبكين في أوائل الحرب الباردة بين عامي1949و1960؟ وقد رفض الروس والصينيون مرارا وتكرارا مثل هذا الحديث، ولكنهم أكدوا أيضا أن شراكتهم الحالية أكثر مرونة من الأيام التي قادوا فيها العالم الشيوعي معا.
سيعرف شي جين بينغ : كان والده، شي تشونغ شون، مسؤولاً رفيع المستوى في الحزب الشيوعي الصيني، وكانت حياته المهنية نموذجًا مصغرًا للعلاقات بين بكين وموسكو خلال القرن العشرين، منذ الأيام الأولى للثورة في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين وحتى يومنا هذا. المساعدة المتقطعة خلال الأربعينيات والنسخ بالجملة للنموذج السوفييتي في الخمسينيات، ومن الانقسام المفتوح في الستينيات والسبعينيات إلى التقارب في أواخر الثمانينيات. وأظهرت تعاملات شي الأب مع موسكو مخاطر العلاقة الحميمة والعداوة، وكيف أدى التقارب الشديد إلى خلق توترات لا يمكن السيطرة عليها مما أدى إلى عداء مكلف. ومن خلال فهم هذا التاريخ، يعتقد شي الأصغر بكل المظاهر أن العلاقة الحالية بين موسكو وبكين أقوى بالفعل مما كانت عليه في الخمسينيات، وأنه قادر على تجنب التوترات التي أدت إلى الانقسام السابق.
خلال الحرب الباردة، أدت الإيديولوجية الشيوعية في نهاية المطاف إلى تباعد البلدين، في حين أنهما الآن متحدتان من خلال مجموعة أكثر عمومية من المواقف المحافظة والمعادية للغرب والقطبية الأحادية الأميركية. في الماضي، كانت العلاقات السيئة بين القادة الفرديين تلحق الضرر بالعلاقة، بينما اليوم، جعل شي وبوتين من ارتباطهما الشخصي سمة من سمات الشراكة الاستراتيجية. ثم كانت مقتضيات تحالف الحرب الباردة، والتي كانت تتطلب من كل جانب التضحية بمصالحه من أجل مصالح الطرف الآخر، تحتوي على بذور زواله، في حين يسمح محور الملاءمة الحالي بمزيد من المرونة. لن تسير الصين وروسيا على قدم وساق مرة أخرى كما فعلتا في السنوات الأولى بعد الثورة الصينية، ولكنهما لن يبتعدا عن بعضهما البعض في أي وقت قريب.
علاقات خطرة
ولد شي جين بينج في عام 1953، في ذروة تقليد الصين المحموم للاتحاد السوفييتي. وكان الشعار الأكثر شعبية في الصين في ذلك العام هو: “الاتحاد السوفييتي اليوم هو صين الغد”. كان شي تشونغ شون قد انتقل للتو إلى بكين قادماً من شمال غرب الصين، حيث أمضى معظم العقود الأربعة الأولى من حياته وهو يقاتل في ثورة مستوحاة من الثورة البلشفية عام 1917. ومثل كثيرين من أبناء جيله، كان شي مخلصا للقضية على الرغم من النكسات العديدة والتضحيات الشخصية ــ وهو الإخلاص الذي نجا من اضطهاده وسجنه على يد زملائه أعضاء الحزب الشيوعي الصيني في عام 1935 لعدم التزامه بشكل وثيق بالعقيدة الشيوعية.
أثًر الانتصار البلشفي على المتطرفين الصينيين الأوائل، وقادت موسكو الحزب الشيوعي الصيني ومولته في سنواته الأولى بعد تأسيسه عام1921. لكن الاستقلال المتزايد للشيوعيين الصينيين سار جنبا إلى جنب مع صعود ماو تسي تونج الذي أصبح رئيس الحزب بعام1935، وربط مصير شي تشونغ شيون بمصير ماو. ووفقاً لسرد ماو فإن المتطرفين الذين تلقوا التدريب السوفييتي كادوا أن يدفنوا الثورة في الصين لأنهم فشلوا في فهم الظروف الخاصة للبلاد. وادعى ماو أن هؤلاء الدوغمائيين اضطهدوا شي في عام 1935 تماما كما أساؤوا معاملة ماو نفسه في وقت سابق من ذلك العقد، عندما تم تهميش ماو من قبل القادة المتحالفين مع السوفييت في الحزب الشيوعي الصيني.
ومع ذلك، لم يكن ماو يدعو إلى الانفصال عن موسكو. التقى شي تشونغ شيون بعدد قليل للغاية من الأجانب في معظم حياته المبكرة، لكن ذلك تغير في أواخر الأربعينيات، عندما اجتاح الشيوعيون الصين البلاد خلال الحرب الأهلية ، وانتصروا عام1949. بدأ في التفاعل المستمر مع السوفييت كرئيس لمكتب الشمال الغربي الضخم، وهو المنظمة الحزبية التي أشرفت على منطقة شينجيانغ. ساعد الاتحاد السوفييتي الحزب الشيوعي الصيني على إبراز القوة العسكرية هناك، وفي ديسمبر 1949، بعد أن انتصر الشيوعيون في الحرب وعززوا سيطرتهم على البر الرئيسي للصين، نجح شي تشونغ شيون في اقتراح على قادة الحزب أن تتعاون شينجيانغ والاتحاد السوفييتي لتطوير الموارد في الإقليم. . وبعد مرور عام، أصبح شي رئيسًا لجمعية الصداقة الشمالية الغربية الصينية السوفييتية.
في وقت قريب من ولادة شي جين بينج، نفذ الحزب الشيوعي الصيني أول عملية تطهير كبرى له ــ وهي حادثة ترتبط ارتباطا وثيقا بكل من الاتحاد السوفييتي وعائلة شي. وقد ذهب جاو جانج، وهو مسؤول رفيع المستوى كان يُنظر إليه على أنه خليفة محتمل لماو، إلى أبعد من اللازم في انتقاداته للقادة الآخرين خلال محادثات خاصة. انقلب ماو على تلميذه، وانتحر جاو في النهاية. كان لدى جاو علاقات وثيقة مع موسكو، وعلى الرغم من أنها لم تكن السبب وراء حملة التطهير التي قام بها في ذلك الوقت، إلا أن ماو شعر بالقلق بشأن مثل هذه العلاقات وخلص إلى أنها ترقى إلى مستوى الخيانة. ولم يكن من الممكن أن يغيب خطر إقامة علاقات وثيقة مع قوة أجنبية، حتى ولو كانت حليفة، عن شي تشونغ شيون، الذي خدم إلى جانب جاو في الشمال الغربي وتعرض للاضطهاد معه في عام 1935، وكاد شي أن يسقط معه بعام1953.
على الرغم من أن مهنة شي تشونغ شون تضررت بسبب سوء حظ جاو، فقد تم تعيينه لاحقًا مسؤولاً عن إدارة عشرات الآلاف من الخبراء السوفييت الذين تم إرسالهم لمساعدة الصين في إعادة البناء بعد سنوات من الحرب. ولم تكن تلك مهمة سهلة. وكما ذكر شي في خطاب ألقاه عام 1956، فإن هؤلاء الخبراء واجهوا صعوبة في التأقلم مع الصين، وبعضهم “مات، وتسمم، وأصيب، ومرض، وتعرض للسرقة” – حتى الانتحار كان يمثل مشكلة. وعندما قرر ماو في نفس العام أن البنية السياسية الصينية كانت “سوفييتية” للغاية وتركز الكثير من السلطة في بكين، تم تكليف شي أيضًا من قبل القيادة بوضع خطة لإعادة هيكلة الحكومة.
ينفصل:
وفي أغسطس وسبتمبر من عام 1959، قاد شي، الذي كان آنذاك نائباً قوياً لرئيس مجلس الدولة، وفداً إلى الاتحاد السوفييتي. وكان التوقيت غير مناسب. وفي يونيو/حزيران، تراجع السوفييت عن وعدهم بدعم برنامج الأسلحة النووية الصيني. وكان من المفترض أن يزور شي الاتحاد السوفييتي في وقت سابق من صيف ذلك العام، ولكن الجلسة المكتملة للحزب الشيوعي الصيني في لوشان ــ حيث تم تطهير وزير الدفاع بينج ده هواي ــ أبطلت تلك الخطط. كان بنج قد كتب رسالة إلى ماو ينتقد فيها القفزة العظيمة إلى الأمام، ولم يكتف ماو بتفسير تصرف بنج باعتباره إهانة شخصية، بل اشتبه أيضًا، بشكل غير صحيح، في أن الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف هو الذي عرّضه للخطر. وكان بينج وشي مرتبطين بعلاقات مهنية أقيمت في ساحة المعركة في شمال غرب الصين. وكانت عملية التطهير الكبرى الثانية التي قام بها الحزب الشيوعي الصيني، تماماً مثل الأولى، قريبة من عائلة شي جين بينج ومرتبطة بشكوك ماو في النوايا السوفييتية. ومرة أخرى، لم ينجو شي إلا بصعوبة.
منذ عام 1956، كانت التوترات الصينية السوفييتية تتزايد تدريجياً خلف الكواليس، لكنها اندلعت علناً خلال رحلة شي. وفي 25 أغسطس، وهو نفس اليوم الذي دعت فيه السفارة السوفييتية في بكين الرئيس شي للقيام بزيارته، قتل الجنود الصينيون جنديًا هنديًا وأصابوا آخر على الحدود الصينية الهندية. ورغم أن الصينيين استنتجوا أن الوفيات كانت عرضية، إلا أن السوفييت استشاطوا غضباً، لأنهم تصوروا أن العنف من شأنه أن يدفع الهنود بعيداً عن الكتلة الشيوعية وأن يحبط محاولات خروشوف لتحقيق الوفاق مع الغرب خلال رحلته المقبلة إلى واشنطن.
وعندما وصل شي إلى موسكو بعد يومين من أعمال العنف على الحدود، بذل قصارى جهده لتأكيد التحالف. وفي اجتماع خاص مع نائب رئيس الوزراء السوفييتي، حاول إضفاء لمسة إيجابية على قفزة ماو العظيمة إلى الأمام، والتي تم تنفيذها بعد عام واحد. وقام بزيارة معرض إنجازات الاقتصاد الوطني، وهو معرض للانتصارات التكنولوجية السوفييتية، ووضع إكليلا من الزهور على ضريح أول زعيمين للاتحاد السوفييتي، فلاديمير لينين وجوزيف ستالين. وبعد قضاء بضعة أيام في أوكرانيا السوفييتية وتشيكوسلوفاكيا، عاد شي إلى موسكو، حيث قام وفده بجولة في مكتب لينين القديم وشقه في قصر الكرملين الكبير. ومن الواضح أنه أخبر ابنه عن تلك اللحظة: في عام 2010، عندما زار شي جين بينغ موسكو كنائب للرئيس، طلب من الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن يأخذه إلى نفس الغرفة. ووفقاً لخبير روسي يتمتع بعلاقات جيدة، بقي شي هناك، وأخبر ميدفيديف أن هذه كانت مهد البلشفية. وزعم شي أن والده قال إن روسيا والصين يجب أن تكونا صديقتين دائما.
ومع ذلك، في عام 1959، كان شي تشونغ شون في منتصف أزمة في العلاقة. في التاسع من سبتمبر، في بكين، أبلغ الدبلوماسيون السوفييت الصينيين عن خطط لنشر بيان في وكالة الأنباء تاس، المملوكة للدولة، والذي اتخذ موقفًا محايدًا بشأن المناوشات الحدودية الصينية الهندية. كان الصينيون غاضبين وطلبوا من السوفييت تغيير النشرة أو تأخيرها. ولم يرفض السوفييت طلبهم فحسب، بل نشروا البيان في ذلك المساء. غادر شي إلى بكين في اليوم التالي مباشرة – على الرغم من أنه كان من المفترض أن يستمر في قيادة الوفد حتى 18 سبتمبر. وعندما التقى ماو وخروتشوف في الشهر التالي، اشتكى ماو من الحادث قائلا: “إن إعلان تاس جعل كل الإمبرياليين سعداء”.
وكان الخلاف مجرد الصدع العام الأول في التحالف. في صيف عام 1960، قام خروتشوف بإبعاد جميع الخبراء السوفييت من الصين، وتم تعيين شي مسؤولاً عن إدارة رحيلهم. وكان الدرس الذي استخلصه ابنه من هذه الحادثة هو أن الصينيين بحاجة إلى الاعتماد على أنفسهم. في اجتماع عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في بالي، وفقًا لدبلوماسي أمريكي كبير سابق، أخبر شي جين بينغ الرئيس الأمريكي جو بايدن أن القيود التكنولوجية الأمريكية ستفشل، مشيرًا إلى أن وقف السوفييت للتعاون التكنولوجي لم يمنع الصين من تطوير أسلحة نووية خاصة بها. .
حار وبارد:
وفي عام 1962، نفد حظ شي تشونغ شيون، وتم طرده من السلطة في عملية التطهير الكبرى الثالثة التي قام بها الحزب الشيوعي الصيني. تمامًا مثل جاو وبنغ، اتُهم بالتجسس لصالح الاتحاد السوفييتي، رغم أن ذلك لم يكن السبب الرئيسي لعقوبته. فقد قرر ماو أن الصين، مثلها كمثل الاتحاد السوفييتي من قبله، بدأت تفقد تركيزها على الصراع الطبقي، ووقع شي في براثن الدمار الذي أحدثه ماو كرد فعل. في عام 1965، بينما كان ماو يخطط لعملية إعادة تنظيم مكلفة للمجتمع الصيني لخوض حرب محتملة ضد الاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة، تم نفي شي من بكين إلى مصنع لآلات التعدين على بعد مئات الأميال في مدينة لويانغ. ومن عجيب المفارقات أن هذا المصنع تم الانتهاء منه بمساعدة خبراء سوفييت، حتى أنه تم وصفه في إحدى الصحف المحلية بأنه “تبلور” “للصداقة الصينية السوفييتية المجيدة”.
في المحصلة، قضى شي تشونغ شيون 16 عاما في البرية السياسية. وكان عليه أن ينتظر حتى عام 1978، أي بعد عامين من وفاة ماو، حتى تتم إعادة تأهيله. وباعتباره رئيس الحزب في مقاطعة قوانغدونغ، حذر شي الأميركيين من أنهم بحاجة إلى أن يكونوا أقوياء لدرء العدوان السوفييتي. وفي رحلة إلى الولايات المتحدة في عام 1980، أثار إعجاب نظرائه الأمريكيين بآرائه المناهضة للسوفييت، حتى أنه قام برحلة إلى مقر قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية، أو نوراد، في كولورادو، حيث قام بتدوين ملاحظات غزيرة. بصفته عضو المكتب السياسي المكلف بإدارة العلاقات مع الأحزاب الأجنبية التي كانت ثورية أو يسارية أو شيوعية بطبيعتها، ساعد شي في قيادة منافسة بكين على النفوذ مع موسكو في جميع أنحاء العالم. كما أدار شؤون التبت، وفي النصف الأول من الثمانينيات، كان قلقًا بشأن النفوذ السوفييتي على الدالاي لاما. ولكن بحلول عام 1986، مع تحسن العلاقات، كان شي يشيد بإصلاحات الزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف ويعرب عن أمله في تحسين العلاقات.
ماذا فعل شي جين بينغ بهذا التاريخ؟ وفي عام 2013، في أول رحلة خارجية له بعد أن أصبح زعيمًا كبيرًا، ذهب إلى روسيا، حيث تحدث بحرارة إلى مجموعة من علماء الصين حول زيارة والده عام 1959. وقال إن صور تلك الرحلة دمرت خلال الثورة الثقافية، لكن والدته احتفظت بالهدايا منها. وأوضح شي أنه على الرغم من أن العديد من المراقبين يعتقدون أن جيله كان موجها نحو الغرب، إلا أنه نشأ وهو يقرأ الأدبين الصيني والروسي. بعد أن تم نفي شي إلى الريف باعتباره “شابا مهجورا” خلال الثورة الثقافية، أمضى أيامه في قراءة الروايات الثورية الروسية، وكانت روايته المفضلة “ما الذي يجب فعله؟” بواسطة نيكولاي تشيرنيشفسكي. وادعى شي في وقت لاحق أنه معجب بشخصية رحمتوف، المتعصب الثوري الذي كان ينام على المسامير لصياغة إرادته. وقال شي، مدعيا الإلهام، إنه كان يتجول خلال العواصف الممطرة والعواصف الثلجية خلال فترة وجوده في الريف.
لكن في حديثه عام 2013 مع علماء الصين الروس، لم يذكر الحالة المزرية للعلاقات الصينية السوفييتية في وقت قراءته الروسية. وفي عام 1969، وهو العام الذي أُرسل فيه إلى الريف، كانت الصين والاتحاد السوفييتي يخوضان حربًا حدودية غير معلنة، وكانت هناك مخاوف من وقوع هجوم نووي سوفياتي. كما أنه لم يخبرهم عن وظيفته الأولى بعد تخرجه من الجامعة، حيث عمل سكرتيرًا لجينغ بياو، الأمين العام للجنة العسكرية المركزية. نظر جينغ إلى موسكو بحذر. في عام 1980، في اجتماع في بكين، أخبر وزير الدفاع الأمريكي هارولد براون جينغ أنه عندما يتعلق الأمر بوجهات نظر الجانبين بشأن الاتحاد السوفيتي، “يبدو لي أن موظفينا لا بد أن يكونوا قد كتبوا أوراق الحديث معًا”.
المثير الأيديولوجي:
ونظراً لحالة العلاقات بين روسيا والصين والولايات المتحدة اليوم، فمن الصعب أن نتخيل أن شي جين بينغ أمضى جزءاً من سنوات مراهقته في حفر ملجأ من الغارات الجوية استعداداً لهجوم سوفياتي محتمل – أو في هذا الصدد، أن تمت دعوة والده لرؤية نوراد. إن مرونة مثلث واشنطن وبكين وموسكو على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية دفعت البعض إلى الأمل في أن يقتنع شي بطريقة أو بأخرى بكبح جماح دعمه لروسيا. ولكن أولئك الذين يرغبون في إعادة الانقسام بين الصين والاتحاد السوفييتي من المرجح أن يصابوا بخيبة أمل.
لسبب واحد، فإن المثيرات الإيديولوجية أصبحت الآن غائبة في الغالب عن العلاقة. صحيح أن الإيديولوجية الشيوعية المشتركة كانت بمثابة غراء غير عادي للصين وروسيا في السنوات التي تلت عام 1949 مباشرة. ولكن مع مرور الوقت، جعلت الإيديولوجية في الواقع من الصعب على البلدين إدارة خلافاتهما. كان ماو معتاداً على تفسير الاختلافات التكتيكية باعتبارها نزاعات أيديولوجية أعمق. وأصبح ماو يعتقد على نحو متزايد أن السوفييت لم يدعموا موقف الصين القتالي تجاه الغرب لأنهم تحولوا إلى “رجعية”. وبين الشيوعيين، كانت اتهامات الهرطقة النظرية شديدة الانفجار. عندما تشاجر ماو وخروشوف حول إعلان تاس في أكتوبر 1959، كان ادعاء وزير الخارجية الصيني تشين يي بأن السوفييت كانوا “خدم الوقت” هو ما أثار غضب خروشوف بشكل خاص، حيث شكك في أوراق اعتماده الشيوعية من خلال تصويره على أنه خائن للثورة. مَشرُوع. هناك قدر كبير من الحقيقة إذن في ادعاء المؤرخ لورنز لوثي بأنه “لولا الدور الحيوي الذي تلعبه الإيديولوجية، ما كان للتحالف أن يتأسس ولا كان لينهار”.
وتعتبر النخب الصينية والروسية أن الترويج للديمقراطية يشكل تهديداً وجودياً:
علاوة على ذلك، بمجرد دخول الخلافات الإيديولوجية إلى المعادلة، أصبح من الصعب الحديث عن أي شيء آخر، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المناقشات حول الإيديولوجية قد تنطوي ضمناً على دعوات لتغيير النظام. في عام 1971، بعد محادثة مثمرة نسبياً مع اثنين من الدبلوماسيين السوفييت، انفجر رئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي عندما أثار أحدهما قضية مقال في صحيفة الشعب اليومية، والذي اعتقدوا أنه يدعو الشعب السوفييتي إلى البدء بثورة. وأشار تشو إلى أن الاتحاد السوفييتي كان يستضيف وانغ مينغ، أحد زعماء الحزب الشيوعي الصيني الأوائل الذين اشتبكوا مع ماو وتم نفيهم فعليًا. قال تشو: “تعتقد أننا نخافه”. “إنه أسوأ من القرف!” فعندما طلب أحد الدبلوماسيين السوفييت من أحد المشاركين الصينيين التوقف عن الصراخ قائلاً: “الصراخ ليس حجة”، رد الدبلوماسي الصيني قائلاً: “لولا الصراخ، فلن تستمع”.
إلا أن روسيا اليوم بعيدة كل البعد عن مُثُل الشيوعية، إذا ما أردنا التعبير عنها بشكل ملطف. ورغم أن بوتين وصف ذات يوم انهيار الاتحاد السوفييتي بأنه “كارثة جيوسياسية”، فإنه كثيراً ما كشف عن وجهات نظر سلبية إلى حد ما تجاه الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي. وفي خطابه عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، ألقى باللوم على لينين في خلق أوكرانيا الحديثة وتحدث عن “ديكتاتورية” ستالين و”نظامه الشمولي”. ومن ناحية أخرى، يواصل شي جين بينج أخذ إرث الشيوعية على محمل الجد. ووفقاً لدبلوماسي أسترالي، فقد وجد الدبلوماسيون الروس الأمر غريباً عندما اقتبس لهم شي في إحدى المناسبات الرواية الثورية الروسية “كيف يتم تقسية الفولاذ”. ورغم أنه ليس دوغمائيا، فإن شي يهتم بشدة بالإيديولوجية، حتى أنه ألقى اللوم جزئيا في انهيار الاتحاد السوفييتي على فشل موسكو في ضمان أن الناس يأخذون الماركسية اللينينية على محمل الجد.
وعلى الرغم من هذه الاختلافات المهمة، فإن النخب الصينية والروسية تتقاسمان وجهة نظر عالمية محافظة تؤيد سيطرة الدولة. وكلاهما يرى أن الهجمات على تاريخهما هي مؤامرات غربية لنزع الشرعية عن أنظمتهما واعتبار الترويج للديمقراطية تهديداً وجودياً. وكلاهما يقدر القيم التقليدية باعتبارها حصناً ضد عدم الاستقرار ويعتقدان أن الغرب يمزق نفسه بالمناقشات الثقافية. وقد خلص كلاهما إلى أن الأنظمة الاستبدادية أفضل في التعامل مع التحديات الحديثة. وكلاهما يريد أن تستعيد بلديهما المكانة المفقودة والأرض المفقودة. بل إن بوتن وشي يروجان لنفس رواية الشرعية، زاعمين أن أسلافهما سمحوا بتدهور لا يطاق (بتأثير من الغرب) للسلطة، وهو ما لا يستطيع إيقافه إلا حكم الرجل القوي.
رجل لرجل:
هناك عامل آخر يربط بين موسكو وبكين اليوم وهو العلاقات الدافئة بين بوتين وشي. وتروج وسائل الإعلام الصينية والروسية للعلاقة الشخصية القوية بين الزعيمين، على الرغم من أنه من الصعب تحديد مدى صدق الصداقة المفترضة. لقد تدرب بوتين كعميل للاستخبارات السوفييتية (كي جي بي)، وهي التجربة التي علمته كيفية إدارة الناس، وكان شي ليتعلم حيلاً مماثلة من والده، أستاذ جهود “الجبهة الموحدة” التي يبذلها الحزب لاستمالة المتشككين. بوتين وشي شخصان مختلفان للغاية. ذات مرة كسر بوتين ذراعه أثناء قتاله بقوة في مترو أنفاق لينينغراد. لقد أظهر شي جين بينج على نحو مستمر قدرا غير عادي من ضبط النفس، كما يتضح من قدرته على الصعود إلى السلطة دون أن يعرف أحد ما كان يفكر فيه حقا. ويتمتع بوتن بحياة مترفة، في حين يبدو أسلوب شي الشخصي أقرب إلى الزهد. ولكن على أقل تقدير، فإن العلاقة الوظيفية بين القادة الروس والصينيين تشكل شذوذاً تاريخياً.
بالنسبة لماو، فإن مؤهلات ستالين الأيديولوجية ومساهماته في التاريخ السوفييتي جعلت منه عملاقًا في العالم الشيوعي. ومع ذلك، فإن موقف ستالين الحذر تجاه الثورة الصينية في النصف الثاني من الأربعينيات أثار غضبه. وكذلك فعلت طغيان ستالين أثناء المفاوضات بشأن معاهدة التحالف بين البلدين في عامي 1949 و1950. وبعد وفاة ستالين في عام 1953، شعر ماو أن مكانته تفوق بكثير مكانة خروشوف، ومن المعروف أن الرئيس يعامل نظيره السوفييتي بازدراء.
وقد تأثر ماو بالصرامة التي أظهرها تلميذه دينغ شياو بينج خلال المناقشات التي لا نهاية لها حول الإيديولوجية في موسكو في الستينيات، عندما كان دينغ أبرز قلب هجوم في بكين على المسرح العالمي. بعد وفاة ماو، أشار دينج إلى أن الدول القريبة من الاتحاد السوفييتي كانت تعاني من خلل اقتصادي، في حين ازدهر حلفاء الولايات المتحدة. وبحلول الوقت الذي أصبح فيه دنج الزعيم الأعلى للصين، كان العديد من رفاقه يأملون في إقامة علاقة أفضل مع موسكو، لكن دنج تجاهل تلك الأصوات. لقد التقى هو وجورباتشوف مرة واحدة فقط ــ خلال احتجاجات ميدان السلام السماوي في عام 1989 ــ وخلص دينغ إلى أن الزعيم السوفييتي كان “أحمق”. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وأصبح بوريس يلتسين رئيساً لروسيا، كان الصينيون في البداية متشككين فيه، نظراً لدوره في المساعدة في القضاء على الشيوعية، ولكن العلاقات بين كبار القادة تحسنت تدريجياً. وبعد وفاة دنغ في عام 1997، كان خليفة دنغ، جيانغ تسه مين، قد درس في الاتحاد السوفييتي وكان بوسعه أن يغني أغاني الصداقة الصينية السوفييتية القديمة.
إن العلاقات الشخصية الدافئة ليست السبب الرئيسي وراء التقارب الشديد بين روسيا والصين اليوم، ولكن الماضي يظهر بكل تأكيد مدى أهمية القادة الأفراد عندما يشعرون بازدراء نظرائهم والدول التي يقودونها. وعلى الرغم من الاختلافات بينهما، ليس من الصعب تخمين السبب وراء اتفاق بوتين وشي على المستوى الشخصي. إنهما في نفس العمر تقريبًا، وكلاهما أبناء رجال ضحوا من أجل بلادهم. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن كلاهما كان لديه تجارب تكوينية حول مخاطر عدم الاستقرار السياسي. خلال الثورة الثقافية، تم اختطاف شي وعائلته وضربهم من قبل الحرس الأحمر لماو، وفي عام 1989، شاهد بوتين، الذي كان آنذاك ضابطا في الاستخبارات السوفييتية المتمركزة في دريسدن، ألمانيا الشرقية تنهار من حوله في حين لم يتمكن من الحصول على التوجيه من موسكو. لديهما الكثير ليتحدثا عنه عندما يصنعان الفطائر والزلابية معًا أمام كاميرات التلفزيون.
التعاون:
إن المرونة الأكبر في الشراكة بين بكين وموسكو اليوم تجعل الأمر أكثر صعوبة مما كان عليه في الماضي. منذ عام 1949، كان التحدي الاستراتيجي المركزي يتمثل في كيفية تعاون القوتين، اللتين تشكلان معاً قلب أوراسيا الاستبدادي، بشكل فعال ضد التهديد الذي يشكله المحيط الديمقراطي الذي تقوده الولايات المتحدة. وعلى الرغم من القوة غير العادية لموقف واشنطن في أحيائهما، فقد كافحت بكين وموسكو من أجل تحقيق هذا التنسيق بشكل صحيح. وقد أثبتوا مرارا وتكرارا عدم رغبتهم في التضحية بمصالحهم من أجل بعضهم البعض، مدفوعا جزئيا بالشكوك في أن الطرف الآخر يتخلى عنهم ويسعى إلى تحسين العلاقات مع الغرب.
قبل الانقسام الصيني السوفييتي في عام 1960، خلق التحالف بين موسكو وبكين مشاكل حقيقية للولايات المتحدة وفوائد حقيقية للقوتين. وسمحت الحدود الهادئة بين البلدين لهما بالتركيز على مواجهة الغرب وتقاسم التكنولوجيا العسكرية. في عام 1958، عندما هاجمت الصين تايوان في محاولة للسيطرة على الجزيرة، هب خروتشوف لمساعدة بكين من خلال تحذيره علنًا من أنه سيتدخل لحماية الصين إذا دخلت الولايات المتحدة في الصراع – على الرغم من استيائه من فشل بكين في إخبارها له عن خططها في وقت مبكر.
ومع ذلك، فإن علاقة القلب مع الأطراف كانت دائمًا مزيجًا من التعايش والمنافسة، ونادرا ما أعطت موسكو وبكين وزنًا متساويًا لتلك الأهداف المتبارزة. خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، كانت الصين خارج النظام الدولي بشكل أساسي، بينما كان الاتحاد السوفييتي قوة في الوضع الراهن إلى حد كبير. وكانت لغة ماو المتعجرفة التي تهدد بحرب نووية، جنباً إلى جنب مع استخدامه للقوة على الحدود الصينية الهندية وضد الجزر البحرية في مضيق تايوان، سبباً في إثارة المخاوف في الكرملين من احتمال قيام الصين بجر الاتحاد السوفييتي إلى الحرب. دعمت موسكو معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ورفضت مساعدة الصين خلال الأزمات المختلفة، وكانت تأمل في حدوث انفراج مع الغرب – وهي التحركات التي دفعت القادة في بكين إلى استنتاج أن موسكو تهتم بالغرب أكثر من اهتمامها بالكتلة الشيوعية.
والآن، بدلت الصين وروسيا مواقفهما. وتأمل بكين الاستفادة اقتصاديا وتقنيا من العلاقات المستمرة مع الولايات المتحدة وأوروبا، بينما ترى موسكو نفسها في علاقة تنافسية بحتة. لا شك أن الروس يرغبون في أن تقدم بكين مساعدات فتاكة ضد أوكرانيا وأن توافق على مشروع “قوة سيبيريا 2″، وهو خط الأنابيب المقترح الذي سيرسل الغاز الطبيعي إلى شمال شرق الصين. ومع ذلك، وعلى النقيض من ذروة التحالف الصيني السوفييتي، فإن بكين ليست مدينة بالفضل من الناحية الفنية للتضحية بمصالحها الاقتصادية أو سمعتها لصالح موسكو لأن الاثنين ليسا حليفين رسميين. فالروس لديهم أسباب أقل للشعور بالخيانة، والصينيون لديهم أسباب أقل للخوف من الوقوع في الفخ.
دروس التاريخ
وباعتباره ابن رجل منخرط في علاقة بلاده مع موسكو، فإن شي جين بينج يعرف تاريخه. لقد أظهر الماضي مخاطر الاحتضان غير الحذر والعداء الكامل. والآن يريد شي أن يحصل على كعكته ويأكلها أيضا ــ ويقترب بالقدر الكافي من روسيا لخلق مشاكل للغرب، ولكن ليس إلى الحد الذي يجعل الصين مضطرة إلى الانفصال تماما. إنها ليست كعكة سهلة الخبز، وقد تصبح أكثر صعوبة. وتحاول واشنطن أن تجعل الأمر صعباً قدر الإمكان من خلال رسم روسيا والصين بنفس الفرشاة، وتصوير الصين (بشكل صحيح) على أنها تسهل حرب روسيا في أوكرانيا. لقد خلق الصراع تكاليف اقتصادية حقيقية وتكاليف تتعلق بسمعة بكين، حتى في الوقت الذي تتجنب فيه بعض طلبات موسكو.
المشاكل موجودة في أي علاقة، وخاصة بين القوى العظمى. والأمر المختلف عن الحرب الباردة هو أن القضايا الإيديولوجية والشخصية الشائكة لم تعد تجعل إدارة مثل هذه التحديات أمراً بالغ الصعوبة. وفي غياب الأحداث ذات التأثير الكبير ولكن ذات الاحتمالية المنخفضة ــ مثل استخدام سلاح نووي في أوكرانيا، أو انهيار الدولة الروسية، أو الحرب على تايوان ــ فمن المرجح أن تناور الصين ضمن المعايير العريضة التي حددتها بالفعل للعلاقة. . في بعض الأحيان تقترح بكين إقامة علاقة وثيقة مع موسكو، وفي أحيان أخرى تقترح علاقة أكثر بعدا، مع تعديل رسالتها حسب ما يتطلبه الوضع. وقد تكون الولايات المتحدة، من جانبها، قادرة على تشكيل بعض حسابات الصين والحد من أنواع المساعدة التي تتلقاها روسيا. ولكن في المستقبل المنظور، من المرجح أن يثبت نموذج شي للعلاقات الصينية الروسية أنه أكثر ثباتا مما كان عليه في الماضي لأنه، ربما على عكس الحدس، يتجنب خطر العلاقة الحميمة.
——————-
جوزيف توريجيان هو زميل باحث في مختبر هوفر للتاريخ بجامعة ستانفورد وأستاذ بكلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية.
