- الافتتاحية: هل يمكن تبيئة الماركسية؟
- العرجاني جروب: اختراع القبيلة – شادي لويس
- الشيعية السياسية الخاسر الأكبر – محمد علي مقلد
- المعارضة السورية الإسلامية المسلحة – محمد سيد رصاص
- المركز القانوني للاجئين في القانون الدولي الإنساني والإتفاقيات الدولية – (مكتب الدراسات والتوثيق بهيئة التنسيق الوطنية)
باستثناء الافتتاحية والبيانات الموقعة من الحزب فإن النصوص والمقالات الواردة في العدد لا تعبّر بالضرورة عن رأي الحزب .
الافتتاحية:
هل يمكن تبيئة الماركسية؟
في أواخر عام 1918 ظهر كتاب بعنوان: «تدهور الغرب» لمؤلف ألماني اسمه أوزوالد اشبنغلر. أطلق اشبنغلر نبوءة حصلت بين عامي 1989-1991 من خلال توقعه «انهيار البلشفية» التي هزّت العالم عبر ثورة أكتوبر 1917 الروسية وفق تعبير جون ريد.
انطلق اشبنغلر في هذا من مقولة وضعها تقول هناك «تشكل تاريخي كاذب» يغطي كقشرة في حالات معينة البنية العميقة لحضارات معينة تكون بنيتها الحضارية ــ الثقافية مكتملة التكوين، ويحصل هذا التشكل إما بفعل غزو عسكري خارجي أو إما من خلال تقليد حضارة أقوى عسكرياً وسياسياً وتقنياً واقتصادياً: يعتبر المؤلف الألماني أن حركة التغريب لروسيا التي بدأها بطرس الأكبر (1682-1725) هي قشرة رقيقة سطحية أتت فوق البنية العميقة لروسيا التي هي ذات طابع سلافي ـ أرثوذكسي منذ إنشاء الدولة الروسية الأولى في كييف عام 972 من قبل «الدوق فلاديمير» واعتناقه المسيحية الأرثوذكسية البيزنطية عام 988، وهو يرى أن البلشفية هي ذروة التغريب الذي بدأه بطرس الأكبر عبر خط يصل إلى لينين عبر محطات (الحركة الديسمبرية ـ 1825) والأديب ليو تولستوي والماركسية بفرعيها المنشفي والبلشفي، وهو يعتبر أن روسيا خلال قرنين من الزمن «قد أُرغمت على أن تدخل تاريخاً اصطناعياً مزوراً لم تكن نفس روسيا القديمة قادرة على فهمه» (الطبعة العربية، دارمكتبة الحياة، بيروت 1964، المجلد الثالث، ص 16).
لم يحصل مع الشيوعية الصينية بمحطتيها مع ماوتسي تونغ (1949-1976) ومع دينغ سياو بينغ (1978-1997) وخلفائه ما حصل مع البلشفية التي انتهت في مجرى استغرق ثلاثة أرباع القرن. أيضاً نجحت الشيوعية الفييتنامية مع “هو شي منه” منذ عام 1930 وحتى وفاته عام 1969، ثم مع خلفائه حيث نجح الشيوعيون الفييتناميون في أن يكونوا قادة التحرر الوطني ضد الفرنسيين واليابانيين والأميركيين، ثم أن يكونوا قادة التوحيد القومي لفييتنام المجزأة عام 1975 ثم بعد هذا أن يقودوا عملية التحديث الرأسمالي تحت قيادة الحزب الشيوعي كما في الصين ما بعد عام 1987 حيث يقود الشيوعيون الصينيون أكبر ثورة رأسمالية لم تشهد البشرية مثيلاً لحجمها منذ الثورة الصناعية الإنكليزية بالقرن الثامن عشر.
من خلال التجربتين الصينية والفييتنامية، وأيضاً تجربة الحزب الشيوعي الإيطالي الذي تفاعل أيضاً مع التربة المحلية الممزوجة فيها القومية الإيطالية مع الهوية الثقافية ـ الحضارية الرومانية الكاثوليكية، هناك إثبات عملي بأن الماركسية هي منهج معرفي تحليلي لمكان وزمان معينين وفي إطار تفاعل المحلي ــ الخارجي حيث ينتج ــ أي المنهج ــ برنامجاً سياسياً، وليست عقيدة صالحة لكل مكان وزمان. هذا البرنامج السياسي، وبوصف السياسة مكثفاً للاقتصاد والاجتماع والثقافة، لا يمكن أن ينجح على المستوى القريب والمتوسط والبعيد إذا لم يكن ناتجاً عن تفاعل المنهج المعرفي التحليلي مع التربة المحلية المتمثلة في البنية الحضارية ـ الثقافية . مع التجربتين الشيوعيتين الصينية والفييتنامية جرى تلقيح الماركسية مع البنية الحضارية ــ الثقافية، الآتية من الكونفوشية والبوذية والتاوية عند الصينيين والبوذية والتاوية عند الفييتناميين، لإنتاج ماركسية مخصوصة تفاعلت مع القومية المحلية وليتم تكريسها لمكافحة المحتل الأجنبي، حيث نجحت لاحقاً في البلدين في مهام «التحرر الوطني» و«التوحيد القومي» و«التحديث وتجاوز التأخر». نجح لينين وستالين في تحديث روسيا ولكن التجربة البلشفية أنتجت بنية اجتماعية ـ اقتصادية ـ ثقافية، أصبحت متناقضة مع البنية السياسية ـ الدولاتية، ما جعل هناك تناقضاً منذ الخمسينيات بين البنيتين، حتى تمت إزاحة البنية الثانية من قبل الأولى بفترة 1989 ـ 1991. لم يحصل هذا في الصين وفييتنام، وعلى الأرجح أن ما طرحه أوزوالد اشبنغلر هو الذي يفسر ذلك.
يتحدث اشبنغلر عن حالة ثانية من «التشكل التاريخي الكاذب» حصل مع «الحضارة العربية»، التي يسميها أيضاً بـ«الحضارة المجوسية»، بفعل الإسكندر المقدوني والرومان والبيزنطيين، ولينتهي هذا في معركة اليرموك عام 636 ميلادية ماسحاً ما بدأ مع المقدونيين عام 331 قبل الميلاد ثم مع سيطرة روما على الشرق في معركة أكتيوم 31 قبل الميلاد من تشكل لثقافة هيلينستية، وليعيد الإسلام وصل واستمرار تاريخ الشرق القديم في فارس وبلاد الرافدين والشام وفي عموم المنطقة الممتدة من نهر السند إلى مراكش مع ماردوخ ـ يهوه ـ أهورا مازدا (إله الخير عند الزرادشتية): «امتص الإسلام الطوائف الفارسية واليهودية والمسيحية من العالم المتمدن والأرقى عقلانياً» (ص 100)، «الإسلام لم يكن دين الصحراء، بل جاء نتاجاً لاكتساح المؤمنين به المتحمسين، هذا الاكتساح الذي كان بمثابة انهيار كتل من الثلوج، حمل معه المسيحيين واليهود والمازاديين… ومعظم العرب الذين هاجموا القسطنطينية عام717 لأول مرة كانوا قد ولدوا مسيحيين، وقرابة عام 650 اختفت فجأة تماماً الآداب البيزنطية» (ص185). ذاب المسيحيون الشرقيون، وبخاصة اليعاقبة والنسطوريون، في الإسلام في فترة مابعد معركة اليرموك وهزيمة البيزنطيين فيها عام636ميلادية.
يعزو اشبنغلر عدم قدرة المسيح على فعل ما قام به محمد إلى بولس الرسول: «فكنيسة يسوع قد فصلت فصلاً اصطناعياً عن منابعها وأصولها الروحية وشدت إلى جوهر أجنبي وعلماني» (ص 63) مع ذهاب بولس إلى عالم أثينا ــ روما.
في التاريخ العربي الحديث في القرن العشرين، يلاحظ أن التيارات التي تفاعلت مع البيئة المحلية بخصائصها الاقتصادية ــ الاجتماعية (المشكلة الزراعية) والحضارية ـ الثقافية (القومية العربية التي تمتح من الإسلام ليس بوصف الأخير ديناً بل كثقافة) والسياسية (مقاومة الاحتلال والغزو والاستيطان) هي التي نجحت في أن تعوم عربياً: البعث وعبد الناصر والإسلام السياسي. فشلت الليبرالية التي كان منظرها الأول، أحمد لطفي السيد، مؤيداً ومتعاوناً مع الاحتلال البريطاني، ثم سقط زعيم أكبر تجربة ليبرالية عربية في حفرة التعاون مع الأجنبي، أي مصطفى النحاس باشا زعيم حزب «الوفد» في مصر، لما فرضته الدبابات البريطانية رئيساً للوزراء في يوم الرابع من شباط/ فبراير 1942 ضد إرادة الملك فاروق. الشيوعيون العرب ضربوا رأسهم وجسمهم في الحائط بسبب تأييدهم لقيام دولة اسرائيل في عامي 1947 و1948 بحكم تبعيتهم للسوفيات، وهو أمر قادهم أيضاً في سوريا لمعارضة وحدة 1958 بين سورية ومصر. لم تكتمل تجربة الحزب الشيوعي السوري ــ المكتب السياسي منذ انشقاق الثالث من نيسان 1972 عن السوفيات وخالد بكداش في الوصول إلى تفعيل الماركسية كمنهج معرفي ـ تحليلي مع «البنية الحضارية ـ الثقافية» واقتصر مسار الحزب على تبني «العروبة» و«قضية فلسطين» و«فك التبعية للسوفيات». تم تغليب السياسي على الفكري من دون المزج بينهما أو إدراك أن الثاني هو المفتاح وأن الأول هو الباب.
مع بدء انحسار «الإسلام السياسي» منذ سقوط حكم «الإخوان» في مصر في يوم الثالث من تموز/ يوليو 2013، وتبوأ «السلفية الجهادية» زعامة الإسلاميين بدلاً من «الأصولية الإخوانية» وهو من العلامات الكبرى لتلك العملية الانحسارية، هناك فراغ سياسي عربي، ما دامت الحركة العروبية، بطبعتيها الناصرية والبعثية، في حركة انحسار أيضاً، وما دام الماركسيون في حالة إغماء بفعل صدمة انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي بين عامي 1989 ـ 1991.
لن تستطيع الحركات السياسية التي تقطع مع التربة المحلية عبر محاولة جعل فترة 331 قبل الميلاد ـ 636 ميلادية هي «التشكل التاريخي لبلاد الشام»، مثل «القوميون السوريون» الذين بدأوا كتجربة حزبية منذ عام 1932 وكانوا من الطائفة الأرثوذكسية أساساً في سوريا ولبنان، أن يعوموا اجتماعياً، ولا من يريد (مصر أو سوريا أو العراق أولاً).
السؤال الآن: هل يستطيع الماركسيون العرب تكرار ما فعله ماوتسي تونغ وهو شي منه؟… الماركسية والتي أنتجها كارل ماركس سليل الحاخامات اليهود لأبيه وأمه، تشبه الإسلام واليهودية، كفكر تركيبي لعناصر الاقتصاد ـ الاجتماع ـ الثقافة ـ السياسة، في سلسلة تمتد من ابن رشد ــ موسى بن ميمون ــ اسبينوزا ــ ماركس.
العرجاني جروب: اختراع القبيلة
شادي لويس
موقع “المدن” 8 أيار 2024
الصعود السريع لرجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، على خلفية الحرب في غزة، وبالأخص دور شركات “هلا” و”أبناء سيناء”، المنضوية تحت مظلة “العرجاني جروب”، أثار كثيراً من اللغط في وسائل الإعلام العالمية والمحلية على السواء. التقارير المتتابعة حول بيزنس التنسيقات الأمنية لخروج سكان غزة عبر معبر رفح، واحتكار عمليات نقل المعونات إلى داخل القطاع وتوزيعها، لم يدفع السلطة في مصر إلى التغطية على الطبيعة الاحتكارية لاقتصاد الحرب هذا أو تسويغها. بل على العكس، انطلقت موجة رسمية لتلميع شخصية العرجاني وأفراد أسرته، وتضمين حضوره داخل أطر الأعراف الرسمي
في الأيام القليلة الماضية، ومع اقتراب العمليات العسكرية من معبر رفح، احتفت وسائل الإعلام المصرية بكيان شرفي شبه مجهول باسم “اتحاد القبائل العربية”، وعاود اسم العرجاني الظهور مرة أخرى بوصفه رئيساً لهذا الاتحاد. وفي الساعات التي سبقت دخول القوات الإسرائيلية للسيطرة على الجانب الفلسطيني لمعبر رفح، أصدر الاتحاد بياناً رسمياً يحذر من اقتحام القطاع ويناشد الأمم المتحدة التدخل. والحال إن تصريحات قيادات الاتحاد، التي وصفته بالظهير الشعبي للقوات المسلحة في سيناء، تحيلنا إلى كيان آخر كان العرجاني واحداً من قياداته، هو “اتحاد قبائل سيناء” والذي ساهم بقسط كبير في القتال ضد التنظيمات
الجهادية في سيناء.
في ذلك السياق يبدو العرجاني، تمثيلاً أو واجهة لتقاطعات ثلاثة حقول للسلطة. أولاً، دائرة المصالح الاقتصادية الاحتكارية بوصفه رجل أعمال، وثانياً دائرة بيروقراطية الدولة كونه يتقلد مناصب رسمية من بينها عضوية الجهاز الوطني لتنمية سيناء، وأخيراً دائرة السلطة العرفية بتنصيبه زعيماً قبلياً. والحال أن مقارنة العرجاني واتحاده القبائلي، مع حميدتي وقوات الدعم السريع، أو مع “فاغنر” الروسية، قد تحتوي الكثير من المبالغة المفتقرة إلى فهم السياقات، لكنها تشير بحصافة إلى طور من خصخصة الأمن العابر للحدود والتداخلات الخطرة بين الرسمي وغير الرسمي.
عند تأسيس الدولة المصرية الحديثة، كان على دولة محمد علي تدجين الهياكل القبلية، وبالأخص البدو الرحل والمجموعات المعتادة على التكسب عبر الإغارات الموسمية على وادي النيل وفرض الإتاوات. تم ذلك عبر العنف المفرط ضدها حيناً، وعبر التضمين داخل شبكة المصالح الاقتصادية للدولة ومناصبها الرسمية حيناً آخر. منح الباشا، الكثير من الزعماء التقليديين، التزام مساحات واسعة من الأراضي وبالتبعية تحويلهم إلى إقطاعيين ريفيين. على تلك الخلفية، سعت المؤسسة إلى الحفاظ بشكل صُوري على الهياكل القبلية، لكن مع تغييرها بشكل جذري لصالحها. كان ذلك نوعاً من إنتاج حداثي لتراتبيات قبلية شبه إقطاعية، لا تمتّ بصِلة إلى جذورها التقليدية، لا من حيث البنية الداخلية ولا الوظيفة الاجتماعية.
والحال إن الدولة اليوم، أو في أي وقت، ليست واقعة راسخة، بل هي حاصل جمع تدفق التعاملات اليومية، وبالأخص المتعلقة بفرض القانون وتجاوزه والتداخلات بين الرسمي وغير الرسمي. شكل التمرد الجهادي المسلح في سيناء، خلال العقد الأخير، محكّاً لإعادة تشكيل علاقات الرسمية-اللارسمية في شبه جزيرة سيناء. فبعد عجزها عن حسم القتال بالقوة الرسمية، ارتكست مؤسسات الدولة إلى طَور قَبَلي، وجنّدت ما يشبه الميليشيات الأهلية للتصدي للجماعات الجهادية وضبط الحركة على الحدود. وكما في الماضي، كان تشكيل مظلة مثل “اتحاد قبائل سيناء” هو إعادة اختراع للهيكل القبلي، وتغييره جذرياً. مثالاً، لم يخضع القتال الذي خاضه الاتحاد، للأعراف التقليدية. أما قياداته، وعلى رأسها العرجاني، فتم تنصيبها من أعلى، وليس بحسب التراتبية العُرفية أو أي آليات قاعدية.
يحدد الطور الاقتصادي شكل العلاقات السيادية. فالزعماء القبليون على شاكلة العرجاني في عصرنا النيوليبرالي، لم يعودوا ملّاكاً شبه إقطاعيين، بل يتولون مجموعات رأسمالية واتحادات قبلية أهلية، تقوم بالنيابة عن الدولة أو كواجهة لها، بتقديم خدمات تسيير الشؤون الأمنية والاقتصادية في سيناء وعلى المعابر وداخل قطاع غزة، بل وحتى إصدار البيانات المتعلقة بالسياسة الخارجية. لكن، والأهم، ففي سياق خصخصة الخدمات الحكومية، يسند النظام الحاكم لمثل تلك المجموعات مهام فساده وعملياته الخارجة على القانون.
الشيعية السياسية الخاسر الأكبر
محمد علي مقلد
موقع “نداء الوطن” 17\4\2024
بدت إيران كأنّها تخوض مباراة حبّية مع إسرائيل معدة لتنتهي بالتعادل، فيما تخوض أذرعتها، ولا سيما في لبنان، حروباً دامية بأكلاف بشرية ومادية باهظة. أو كأنها لعبت مسرحية هزلية فاستحقت سخرية المشاهدين والحزن على ضحايا الأذرع. أو كأنها تقول سأقاتل إسرائيل حتى آخر شيعي في بلاد العرب.
ألم يكن أكثر جدوى لمشروعها أن تقدم لذراعها اللبناني ثمن الصواريخ والطائرات المسيرة لتعويض أهل الجنوب خسائرهم المادية في البيوت والمزروعات، بدل أن تهدرها وتهدر معها هيبتها وتقدم هدية للمتطرفين في إسرائيل تنقذهم مع رئيسهم من شجب عالمي لوحشيتهم في غزة؟
الشيعية السياسية في لبنان هي الخاسر الأكبر، لأنّها بكرُ الأذرع، الأقدم بينها والأكبر سناً، المولودة قبل أن تكون الثورة الإيرانية. يقال إنّ شيعة الجنوب كانوا الروّاد والسباقين في الحفاظ على العقيدة الإثني عشرية وكانوا أساتذة للإيرانيين. الغلاة منهم الناشطون في الحقل الديني لا في الحقل السياسي، ومعظمهم على معرفة محدودة في فقه الدين، تضاءل دورهم في بدايات نشوء الجمهورية البرلمانية، وكاد ينحصر في افتعال التمايز عن أهل السنة في موضوع الطقوس ولا سيما الصوم دقائق إضافية كل يوم ويوماً إضافياً في شهر رمضان، وبالتالي إعلان عيد الإفطار في اليوم التالي لإعلانه من دار الإفتاء.
بعد الثورة الإيرانية وغياب موسى الصدر أضيف إلى التمايز الرمضاني تمايز غير مسبوق يوم الوقوف على جبل عرفة بمناسبة عيد الأضحى، وذلك ليس لاختلاف على رؤية الهلال، بل بسبب دخول القيادة الإيرانية في تنافس على حلبة النفوذ السياسي مع العرب، بعد انتقال المرجعية الدينية الشيعية من النجف في العراق إلى قم في إيران.
نَجَمَ التمايز الأول عن اختلاف مفتعل في رؤية الهلال، أما الثاني فبسبب سياسي حول الشيعية السياسية اللبنانية من ذراع سوري إلى ذراع مشترك سوري إيراني ثم إلى ذراع إيراني، تولى زمام أمور الممانعة بنفسه أصالة ونيابة بعد انسحاب الجيش السوري، وتمكنت من استثمار بطولات المقاومة ونتائج “النصر الإلهي” عام 2006 واحتلال وسط بيروت عام 2007 وأحداث أيار 2008 فاستولت على الدولة اللبنانية وإداراتها ومؤسساتها وأمعنت فيها تخريباً.
أدى ذلك إلى فقدان الثنائي الحضانة الشعبية الوطنية، فتحول إلى طرف معزول داخل الطائفة الشيعية ومنبوذ من سائر الطوائف، باستثناء بقايا من أحزاب الممانعة ذات الحنين إلى الزمن الميليشيوي.
أيام الاختلاف على رؤية الهلال كان الإيمان الشعبي مبنياً على قراءة النص القرآني، استناداً إلى الآية 185 من صورة البقرة: “فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ”. التفسير الحرفي اعتمد مشاهدة الهلال بالعين المجردة، يوم كان علم الفلك في نظر العامة حتى ذلك الحين جزءاً من علوم الغيب ولا يختلف بشيء عن التنجيم.
مع ولادة جيل العلوم الرقمية والذكاء الاصطناعي لم يعد التفسير الحرفي قادراً على منافسة غاليليه وحسابات الخسوف والكسوف واكتناه أسرار الفضاء وأعماق المحيطات، فانكشفت التأويلات الواهية أمام قفزات العلم المجنونة، وتجففت أرصدة تجار الدين من وسائل الإقناع ولم يعد أمام التخلف غير الاستنجاد بسلطة الاستبداد الديني والسياسي.
بعد أن حولت الشيعية السياسية النظام الديمقراطي البرلماني في لبنان إلى نظام استبدادي، واختارت رئيساً للجمهورية وضع البلاد على أبواب جهنم، وبعد أن انكشف استثمارها في القضية الفلسطينية، وخصوصاً بعد هزال المواجهة الإيرانية مع إسرائيل، باتت لا تملك من عوامل القوة غير السلاح والتشبيح، ووقفت على باب أرذل العمر.
عاجلاً أم آجلاً ستنتهي معركة المشاغلة مع إسرائيل، وستكون الشيعية السياسية أمام خيارين، إما الاستدارة نحو الداخل لتستخدم فائض قوتها في معارك سياسية خاسرة، وإما أن تستجيب لنداءات اللبنانيين الداعية إلى الالتفاف حول مشروع الدولة والالتزام بأحكام الدستور والانخراط في عملية إعادة بناء الوطن. الخيار الثاني وحده ينقذ الثنائي والطائفة الشيعية من مصير شبيه بما فعلته المارونية السياسية بنفسها وبالمسيحيين في لبنان.
المعارضة السورية الإسلامية المسلحة
محمد سيد رصاص
(المركز الكردي للدراسات) في مدينة بوخوم، ألمانيا – 8 أيار\مايو 2024
رابط الدراسة على موقع (المركز الكردي للدراسات):
https://nlka.net/archives/11816
هناك إسلامي سوري على الأرجح أنه كان القناة الواصلة بين تجربتي 1979-1982 و2011-2020 للمعارضة السورية الإسلامية المسلحة، هو مصطفى ست مريم نصار (أبو مصعب السوري) والذي ولد في حلب عام 1958 وكان طالباً في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعتها وعضواً في تنظيم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين الذي أسسه الشيخ مروان حديد عام 1975 ثم مات في السجن بعد إضراب عن الطعام عام 1976. قام هذا التنظيم بارتكاب مجزرة مدرسة المدفعية في حلب في يونيو/حزيران عام 1979 قبل أن يندمج في «مؤتمر الوفاق» المنعقد في روما في ديسمبر/كانون الأول 1980 مع التنظيم العام للإخوان (عدنان سعد الدين) وتنظيم الطلائع الإسلامية (عصام العطار) ثم انسحب في مارس/آذار 1982 إثر دخول الإخوان في «التحالف الوطني» مع بعث العراق وحركة الاشتراكيين العرب بقيادة أكرم حوراني إثر هزيمة المسلحين الإسلاميين في حماة قبلها بشهر. وكانت تلك التجربة التحالفية بداية اتجاه سياسي جديد لدى الإسلاميين يتبني الديمقراطية والدولة المدنية، بلغ ذروته مع تولي علي صدر الدين البيانوني منصب المراقب العام للجماعة بين عامي 1996و2010، وهو اتجاه يقول أيضاً بالتحالفات مع سياسيين علمانيين، من ليبراليين ويساريين وقوميين من عرب وكرد، كما فعل البيانوني عام 2005 من خلال دخوله في «إعلان دمشق”.
كان أبو مصعب السوري في اتجاه مضاد لاتجاه البيانوني، وهو الذي ذهب في الثمانينات إلى إسبانيا قبل أن يتوجه إلى أفغانستان في التسعينات ويتقرب من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري إثر إعلانهما في 1998 قيام «قاعدة الجهاد» مع احتفاظه بمسافة نقدية تجاههما. اعتقل في باكستان عام 2005 وبقي مصيره مجهولاً في ظل أنباء عن تسليمه للسلطات السورية. وفي 1987، أنجز مراجعة من جزئين نشرها في كتاب عام 1991 بعنوان «الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا»، الجزء الأول: التجربة والعبرة، الجزء الثاني: الفكر والمنهج (1070 صفحة) بإسم حركي هو عمر عبد الحكيم من دون تحديد مكان النشر (1).
يقول أبو مصعب إن «طبيعة الأنظمة الجاثمة على صدورنا لا تقبل الحلول الجزئية، بل تقتضي الجذرية» (ج1، ص 440، نسخة بي دي إف). ويهاجم جماعة الإخوان المسلمين قائلاً إن «الذين شاخوا من زعماء الحركات الإسلامية وكبار مفكريها اليوم وقعوا بفعل الهزائم المتكررة للدعوة.. في تصورات شائهة.. ولامبرر لكل ذلك إلا الضعف وقلة الحيلة» (441). ثم يوضح من يقصد بالصفحة التالية بأنهم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا من خلال انضمامهم إلى «التحالف الوطني» والإخوان المسلمين في مصر حينما دخلوا في تحالفات مع حزب الوفد بقائمة واحدة في انتخابات مجلس الشعب مع «تصريحهم بإيمان الحاكم وتعاونهم معه وكبحهم لتيارات الجهاد» (442(.
ثم يحدد الهدف: «كل الحركات الإسلامية المعاصرة التي تتصدى لإقامة الحكم في بلاد الوطن الإسلامي الكبير انقلابية الطابع جذرية التصور والحلول على صعيد الهدف المعلن. فهي تسعى إلى استبدال حكم البشر بحكم الله لهم.. وهي بهذا الطرح الانقلابي الجذري تمثل ثورة على الأوضاع القائمة بكل أشكالها ونتائجها.. وعلى الإسلاميين أن يفهموا أن شعاراتهم الانقلابية هي ثورة كاملة على هذا الواقع.. وأن يقرروا أحد أمرين: إما أن يقبلوا واقع هؤلاء الطواغيت ككل وينصرفوا إلى العمل الدعوي الذي يرضى به الطواغيت مما لايشكل عليهم خطراً ويحيون الإسلام في نفوسهم وأهليهم ضمن ما يسمح به الطاغوت، وإما أن يعملوا على إيجاد الحل الناجح لإزالة هذا الطاغوت بشكل جاد، وهذا نهج انقلابي ثوري بالطبع، فإن بنية هذه الهياكل الطاغوتية تفرض علينا إما قبولها أو اسقاطها كلها» (437-438).
سابقاً ،قبل كتاب أبو مصعب، كان مفهوم الجهاد بالمعنى الدفاعي عند الإسلاميين، مثل الذين ذهبوا إلى أفغانستان في الثمانينات للقتال ضد السوفييت، أو بالمعنى الذي يهز السلطة الحاكمة عبر وسيلة العنف المضاد كما كان الأمر عند تنظيم الجهاد المصري بزعامة أيمن الظواهري قبل اندماجه مع بن لادن. أما مع هذا الكتاب، فهو يربط بين الثورة وهي ذات هدف: الحكم لله وبين الجهاد الذي هو «ممارسة كل أشكال الجهد بما في ذلك القتال (وهو المقصود منه عموماً في معظم النصوص) ومنه الحرب بكل أشكالها، ومنها قتال المسلمين كجهة أو دولة أو جيش للكافرين كجبهة متمايزة عنهم كدولة عدوة أو جيش» (ص 439-440).
واضح هنا أن العنف عند أبي مصعب قريب للمفهوم الماركسي للعنف، إذ أن “العنف هو القابلة القانونية للتاريخ” حسب كارل ماركس، في وضعية شبيهة بماوتسي تونغ في الثلاثينات والأربعينات والذي استخدم حرب العصابات عبر السيطرة على أرياف ومناطق من أجل هزيمة سلطة حاكمة لتحقيق الوصول إلى السلطة في عام 1949 والبدء بإنجاز أهداف الثورة.
في عام 1999، أسس أبو مصعب السوري «معسكر الغرباء» قرب كابول، وكان يضم إسلاميين سوريين وغيرهم. في نفس العام وقرب مدينة هيرات الأفغانية، تم تأسيس معسكر آخر ضم أردنيين وفلسطينيين من قبل أحمد الخلايلة (أبو مصعب الزرقاوي)، الذي أسس في السنتين اللاحقتين «تنظيم التوحيد والجهاد» وهو الذي بدأ العمل في العراق في عامي 2002 و2003 قبيل غزو واحتلال الأميركيين للعراق بعد أن أتى عبر إيران للعراق وكان في البداية بضيافة الإسلامي الكردي الملا كريكار. بدأ عملياته ضد الأميركيين تحت اسم «تنظيم التوحيد والجهاد» ثم بايع بن لادن تحت اسم «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» في أكتوبر/تشرين الأول 2004.
من يقرأ كتاب أبو مصعب السوري يشعر بأن الزرقاوي كان مطبّقاً له في العراق، خاصة من خلال ما فعله خليفته أبو حمزة المهاجر، الذي تولى قيادة التنظيم بعد مقتل الزرقاوي في يونيو/حزيران 2006، عندما قام بتأسيس «الدولة الإسلامية في العراق» في أكتوبر/تشرين الأول 2006 ونصّب العراقي أبو عمر البغدادي (حامد الزاوي، والذي سبق له زيارة أفغانستان في التسعينات) أميراً لها قبل مقتلهما في أبريل/نيسان 2010 بغارة جوية أميركية. وتم بعد ذلك تنصيب أبو بكر البغدادي (إبراهيم البدري) أميراً، وهو الذي بعث أبو محمد الجولاني (أحمد حسين الشرع) في صيف 2011 إلى سوريا لتأسيس “جبهة النصرة” التي أعلنت عن نفسها في يناير/كانون الثاني 2012، قبل تأسيس «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في أبريل/نيسان 2013 التي أطلق خصومها عليها لقب «داعش». ومن ثم، أعلن الخلافة الإسلامية وتنصيب نفسه خليفة في يونيو/حزيران 2014، الأمر الذي شكّل تأسيساً لمركز جهادي عالمي جديد ينافس تنظيم القاعدة في أفغانستان الذي أعلن زعيمه أيمن الظواهري رفض إجراءات البغدادي في تأسيس «داعش» والتي ضمت خطوة حل “جبهة النصرة” وما تبعها.
ولكن حسب ما نشر لاحقاً في كتاب لـ«الشرعي العام» لجبهة فتح الشام، الاسم الجديد لجبهة النصرة بين يوليو/تموز 2016 ويناير/كانون الثاني 2017 قبل تحولها لهيئة تحرير الشام، عبد الرحيم عطون – أبوعبدالله الشامي تحت عنوان «في دوحة الجهاد»، فإن «المشروع الحقيقي للزرقاوي كان الانتقال إلى الشام بعد توطيد العمل في العراق. وبالفعل، أنشأ الزرقاوي فرعاً سرياً في سوريا ودعمه بالأموال استعداداً لبداية المشروع إلا أنه سرعان ماقتل بعد ذلك وتعرض فرع التنظيم في سوريا إلى ضربات متتالية جعلت قيادات التنظيم بين قتيل وأسير بين عامي 2005-2008» (2(.
عند دراسة تركيب السجناء الإسلاميين في سجن صيدنايا قرب دمشق الذين تمردوا في يوليو/تموز 2008، ومعظمهم اعتقلوا في العام السابق على خلفية تعاونهم مع «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين»، يلاحظ من شهود عيان كانوا في السجن وقتها هناك من غير الإسلاميين، أنه كان عدد السجناء الإسلاميين بالآلاف وحوالى نصفهم من حملة الشهادات الجامعية، ويحمل معظمهم فكراً سلفياً- جهادياً موالياً لتنظيم القاعدة أو قريباً منه. وهم معادون لفكر الإخوان المسلمين أو بعيدون عنه، ويحملون فكراً قريباً من الذي احتواه كتاب أبو مصعب السوري.
وأصبح بعض من خرج من سجن صيدنايا بموجب عفو مايو/أيار 2011 من قادة التنظيمات الإسلامية المسلحة:
1- القادة الثلاثة الأوائل لحركة «أحرار الشام» الإسلامية: حسان عبود (قتل في سبتمبر/أيلول 2014) – هاشم الشيخ (حتى سبتمبر/أيلول 2015) – مهند المصري.
2- زهران علوش، مؤسس «جيش الإسلام» في الغوطة (قتل في ديسمبر/كانون الأول 2015 بغارة جوية روسية في دوما(.
3-أحمد عيسى الشيخ، مؤسس تنظيم «صقور الشام» في جبل الزاوية في خريف 2011.
طبّقت التنظيمات الثلاثة المسلحة المذكورة أعلاه نظرية أبو مصعب السوري حول شن حرب عصابات من خلال تأسيس قاعدة مكانية استنادية. وعندما اجتمعت مع بعضها في «الجبهة الإسلامية» مع «لواء التوحيد» في حلب وريفها في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، قالت في ميثاقها بـ«إقامة دولة مستقلة تكون السيادة فيها لشرع الله.. والتشريع حق لله وحده لاشريك له». وهي لم تطبق استراتيجية حرب المدن التي انتهجها تنظيم الطليعة أواخر السبعينات في سوريا أو تنظيم الجهاد المصري على طريقة «توباماروس» أواخر الستينات وأوائل السبعينات في الأوروغواي. رغم أنه من الضروري التنويه أن كتاب أبو مصعب السوري الأخير «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» (1600 صفحة، نشر أواخر 2004 على الانترنت) يدعو إلى نظرية جديدة هي «الذئاب المنفردة» أو «مقاومة بلا قيادة»، أي خلايا جهادية عالمية بدون تنظيم مركزي، بعكس تنظيم القاعدة، تتصرف لوحدها وفق الواقع المكاني المحلي الملموس. ولكن من الواضح منذ كتاب 1987 أن المتأثرين السوريين به أخذوا بكتابه المخصص عن التجربة السورية. ويجب هنا الأخذ بما كتبه لورانس رايت في مقاله «الخطة الأصلية» («نيويوركر»، 3 سبتمبر/أيلول 2006) عن أن أبو مصعب السوري عارض ضربة 11 سبتمبر لأنها أدخلت تنظيم القاعدة في معركة غير متكافئة وأفقدت الجهاديين المكان الاستنادي الذي كانت توفره أفغانستان تحت حكم حركة طالبان. وقبلها، عارض بن لادن بسبب الهجوم الذي شنه التنظيم على السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا صيف عام 1998لأن هذا يهدد حكم حركة طالبان. وبالتالي، يبدو أن نظريته عن الذئاب المنفردة ناتجة عن قراءته بأن تنظيم القاعدة انتهى بضربة نيويورك، وهو ما يرجح أن كتاب 2004 ليس تفكيره الأساسي بل كتاب 1987. ويؤكد رايت في مقاله أن الزرقاوي طبّق تعاليم أبو مصعب السوري عن المكان الاستنادي في العراق، وهو المكان الذي يقول رايت بأن أبو مصعب السوري اعتبره بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 أعطى فرصة تاريخية جديدة للحركة الجهادية بعد أن كادت تموت بعد انهيار حكم حركة طالبان في أفغانستان في خريف 2001 إثر الغزو الأميركي. وفي هذا الصدد، يورد رايت رسالة للزرقاوي حصل عليها الأميركيون بعد مقتله يشرح فيها مراحل خطته العراقية كمكان: 1- طرد الأميركيين من العراق، 2- تأسيس سلطة أو إمارة إسلامية، 3- نقل ومد الموجة الجهادية للبلدان المجاورة للعراق، 4- الصدام مع إسرائيل.
سيطرت تنظيمات الخارجين من صيدنايا ممن ذكرت أسماءهم أعلاه على الخريطة الأكبر للعمل الإسلامي المسلّح، ويجب أن يضاف إليهم «النصرة» و«داعش». يدل ذلك على أن النزعة السلفية – الجهادية عند المسلحين الإسلاميين كانت ما بين 2011 و2020 أقوى من الأصولية الإسلامية الأخوانية التي سادت إبان فترة 1979 و1982، رغم أن تنظيم الطليعة المقاتلة تأثر بجهادية سيد قطب، إذ كان تفكير حسن البنا وحسن الهضيبي أقوى لدى الإخوان المسلمين، حيث رد الهضيبي على كتاب قطب «معالم في الطريق» بكتاب «دعاة لا قضاة» وأكد فيه على النزعة الدعوية ورفض النزعة الجهادية عند قطب التي ارتبطت بمفاهيم الجاهلية والتكفير والطليعة المؤمنة.
ويقول تشارلز ليستر في كتابه «بروفايل جبهة النصرة» (معهد بروكينغز، واشنطن 2016، 191 صفحة، نسخة بي دي إف) إنه «ذات ليلة من شهر أغسطس 2011، عبر سبعة قياديين جهاديين من العراق إلى شمال سوريا لتأسيس جناح سوري جديد لدولة العراق الإسلامية.. ثلاثة سوريين (من بينهم الجولاني)، فلسطيني واحد، عراقي واحد (أبو مارية القحطاني- ميسرة الجبوري)، اثنان أردنيان من أصل فلسطيني (أحدهما صهر الزرقاوي هو إياد الطوباسي).. وقاموا بالاتصال مع شبكة دولة العراق الإسلامية قديمة التأسيس في سوريا» (3).
بتقاطع كلام ليستر مع ما أورده عبد الرحيم عطون. وهو يفسر كيف استطاع هؤلاء السبعة في 2012 أن يؤسسوا تنظيماً مسلحاً هو جبهة النصرة يتراوح أعضائه بين عشرة وخمسة عشر ألفاً. فالعجينة كانت جاهزة لخبزهم من خلال تنظيم جاهز ضُرب في النصف الثاني من العقد الأول من القرن، ولكنه لم يتحطم، ثم قوي مع خروج سجناء صيدنايا بالعفو. وهذا يفسر أيضاً كيف أن سجناء من صيدنايا استطاعوا أن يؤسسوا تنظيمات أخرى في عامي 2011و2012 من نفس العجينة مثل حسان عبود، «أحرار الشام»، أحمد عيسى الشيخ، «صقور الشام»، زهران علوش، “جيش الإسلام”.
ولكن القوة التنظيمية لا تفَسر فقط من خلال الأداة، وإنما أساساً من خلال توفر القاعدة الاجتماعية، والتي أظهرت من خلال تجربة 2011-2020 أن القاعدة الاجتماعية للإسلاميين المسلحين كانت ريفية، وبالذات مع تدهور الزراعة في فترة 1995-2010في ظل مواسم الجفاف ثم مع زيادة أسعار المازوت والكيماويات الزراعية في عام 2008. هنا، يلاحظ أن كل قادة العمل الإسلامي المسلّح أتوا من الريف: حسان عبود من قرية الحويز بمنطقة الغاب، أحمد عيسى الشيخ من جبل الزاوية، زهران علوش من دوما، أبو محمد الجولاني من أسرة نازحة من قرية جيبين في الجولان أقامت في دمشق ووالده كان خبيراً اقتصادياً يعمل في رئاسة مجلس الوزراء ثم سرح بسبب ميوله لبعث العراق ليذهب إلى السعودية ويعمل هناك وكانت له دراسات اقتصادية منشورة في مجلات منها «دراسات عربية»، فضلاً عن عبدالقادر صالح مؤسس «لواء التوحيد» وهو من بلدة مارع شمال حلب. أما قادة العمل الإسلامي المسلّح في فترة 1979-1982 فكانوا من المدن وهم: عبد الستار الزعيم وهشام جنباز وعمر جواد، من مدينة حماة، حسني عابو ومصطفى قصار، من مدينة حلب. ويجب أن يذكر هنا أن الشيخ مروان حديد من أسرة مدينية حموية غنية، وكذلك أبو مصعب السوري الذي ينتمي لأسرة حلبية مدينية تعود من جهة الأب للإمام الصوفي الرفاعي ومن جهة الأم لابراهيم باشا ابن الحاكم المصري محمد علي باشا. مع إضافة أن حالة عدنان عقلة، قائد تنظيم الطليعة المقاتلة في حلب، شبيهة بالجولاني. فهو مثله نازح من الجولان، وعاش في مدينة حلب وتزوج من أسرة خير الله الغنية.
إذا استثنينا مدن درعا وحمص وديرالزور عام 2011، فإن الحراك الاجتماعي المعارض للسلطة السورية كان ريفي القاعدة الاجتماعية أساساً. والملفت للنظر أن يكون شخص مثل اللواء قاسم سليماني مدرك لذلك ومنذ أوائل عام 2012. فهو يقول في محاضرة ألقاها في 18 يناير/كانون الثاني 2012 أمام مؤتمر «شباب الصحوة الإسلامية» في طهران إن «الحركة الجماهيرية في سوريا ليست في المدن بل في القرى، وستستمر كذلك.. وبالتالي فإن المرض السوري لن يقود إلى موت الحكومة» (4). يمكن لصعود الإسلاميين المسلحين السلفيين الجهاديين في فترة 2011-2020، وبالذات منذ عام 2013، أن يفسر عدم صعود ظاهرة ما سمي «الجيش الحر» التي ضمت ضباطاً وصف ضباط وجنوداً من الجيش النظامي، وأيضاً عدم قدرة الإخوان المسلمين أن يكونوا في تلك الفترة ما كانوا عليه بين 1979 و1982 حينما ولد العمل المسلح من رحمهم، رغم محاولتهم إغداق المال على الفصائل المسلحة الناشئة بمعونة تركيا.
تعتبر طبيعة الحركات الإسلامية بطبعتيها الأصولية الإسلامية الإخوانية ثم السلفية الجهادية، والأخيرة ظهرت في الثمانينات والتسعينات، أممية المدى والاستناد ولا تعترف بالحدود القائمة للدول الإسلامية. ولذلك، تدفق المقاتلون الأجانب على أفغانستان والعراق ثم سوريا، التي كانت أكثر بلد تدفق عليه مقاتلون أجانب منذ التجربة الأفغانية. في الدراسة التي أجرتها مجموعة «صوفان غروب»، ومقرها نيويورك، في ديسمبر/كانون الأول 2015 عن المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق (25 صفحة) نقرأ ما يلي: «اعتماداً على تحقيقات أجرتها صوفان غروب بين يونيو/ حزيران 2014 وديسمبر/كانون الأول 2015، هناك ما بين 27-31 ألفاً ذهبوا من ستة وثمانين بلداً للقتال في العراق وسوريا إلى جانب داعش ومجموعات متطرفة أخرى» (ص4)، منهم «6000 تونسي و2500 سعودي و2400 روسي (شيشان وداغستان) و2400 تركي و2000 أردني. ومن هؤلاء أتى 5000 من أوروبا الغربية و4700 من الجمهوريات السوفياتية السابقة و280 من أميركا الشمالية و875 من البلقان و8000 من دول المغرب و8240 من الشرق الأوسط و900 من دول جنوب شرق آسيا» (ص5).
يجب مقارنة هذه الأرقام مع أرقام نشرها مركز IHS JANES ” للمعلومات الاستخباراتية والدفاعية” وأوردتها صحيفة «ديلي تلغراف» في 15 سبتمبر/أيلول 2013 عن أن «هناك 100 ألف مقاتل معارض منهم 10 آلاف جهادي و30-35 ألف إسلامي متشدد و30 ألف مقاتل معتدل في فصائل ذات ملمح إسلامي» (5).
قبل ذلك بقليل، كان بن هوبارد، من صحيفة «نيويورك تايمز»، تلمس التالي: «ولا في مكان من المناطق السورية الخاضعة للمتمردين يمكن أن تجد فصيلاً علمانياً مقاتلاً تتحدث معه. الطابع الإسلامي للمعارضة يعكس السمة الرئيسية للتمرد في مناطق مهمشة ذات طابع محافظ» (6).
كان التمويل للسلاح يأتي عبر قطر كما في صفقة سلاح اشترتها قطر من حكومة عمر البشير عام 2013 تم نقلها بالبحر لساحل تركيا من مرفأ بورتسودان وبالطائرات من مطار الخرطوم إلى مطارات عسكرية ومدنية غرب تركيا، ونقلت من هناك إلى سوريا وتضم بنادق قناصة وصواريخ مضادة للدروع (7). وفي دراسة جوزيف هوليداي المنشورة في مارس/آذار 2012 (ص33) يذكر أنه «وبالتعاون مع قطر، فإن زعيم المجموعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج كان يساعد المسلحين السوريين بالسلاح والمقاتلين». وذكرت دراسة لمركز” CNA للدراسات الاستراتيجية ” في مارس/آذار 2013 بعنوان: «تحالف المتمردين: لماذا فشلت المعارضة السورية في التوحد؟» (32 صفحة نسخة بي دي إف)، كتبها أوفشون أوستوفر وويل ماكنت، أن «لواء التوحيد كان ممولاً من الإخوان المسلمين» (ص20) وأن «هناك تمويلاً من سلفيي الخليج وسوريين في الخليج لأحرار الشام» (ص 23و24و25).
من جهة أخرى، فإن «النائب السابق لمستشار الأمن القومي لمكافحة الارهاب جوان زاراتي كشف أن شبكة تمويل القاعدة تمتد من شخصيات رفيعة في الكويت وقطر لتصل إلى مسؤولي القاعدة في إيران الذين يحولوها إلى أفغانستان وباكستان والعراق، وأن أحد رؤوس هذه الشبكة في ايران هو محسن الفضلي الذي أتى إلى سوريا ليرأس مجموعة خراسان» (8). وكان من بين قادة تنظيم القاعدة الذين كانوا محتجزين كإقامة جبرية في طهران كل من سيف العدل وأبو محمد المصري وأبو الخير المصري والفلسطيني خالد العاروري، وخرجوا كلهم بعد ثلاث سنوات وأربعة أشهر من الحجز وسمح لهم بالمغادرة في مارس/آذار 2015 وأتوا إلى محافظة إدلب بعد أن تمت صفقة تبادل أفرج فيها عن ديبلوماسي إيراني احتجزه تنظيم القاعدة المحلي في اليمن منذ 2013 مقابل خروج قادة التنظيم من الحجز. وبحسب صحيفة «السفير» في 2 أغسطس/آب 2016، فإنه «اجتمع في سوريا في وقت من الأوقات خلال الأشهر الماضية ثمانية أشخاص من أعضاء مجلس شورى القاعدة» (9). وبالتأكيد، كان هذا الانتقال بأمر من الظواهري الذي ربما أراد تحويل إدلب إلى قاعدة استناد للتنظيم مثلما كانت أفغانستان. وعلى الأرجح، هذا الذي جعله يعارض خطوة الجولاني في فك ارتباط جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة التي تم إعلانها في يوليو/تموز 2016 (10) ومن ثم تسميتها «جبهة فتح الشام» قبل تسميتها «هيئة تحرير الشام» في يناير/كانون الثاني 2017.
وخلال سبع سنوات لاحقة من تأسيس الهيئة، تحول تركيز الجولاني إلى السيطرة والإدارة لبقعة جغرافية بالتعاون وتحت اشراف الأتراك، فاستحدث واجهة إدارية اسماها «حكومة الانقاذ» في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وعلى الأرجح، أنه يقبل أو يبدي استعداداً للتلاقي مع رياح دولية مناسبة تتجه نحو إعادة تأهيله. وهنا، يجب دراسة مدى دور الجولاني في اصطياد الأميركيين لقيادات دولية لتنظيم القاعدة أو لـ«جماعة خراسان» التي رأسها محسن الفضلي (11)، وهي مختصة في العمليات الخارجية لتنظيم القاعدة، ثم اصطياد أبو بكر البغدادي في محافظة إدلب في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وهناك دراسة تحت عنوان «كيف يعاد تبيئة الجهاد العالمي وإلى أين يتجه: حالة هيئة تحرير الشام، الفرع السابق للقاعدة في سوريا» كتبها جيروم دريفون وباتريك هايني وأجريت عام 2021 من قبل معهد الجامعة الأوروبية (مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة: برنامج اتجاهات الشرق الأوسط) ومقره إيطاليا (نسخة بي دي إف، 34 صفحة). وفي هذا الدراسة، نجد تقييماً جديداً يقول إن «تجربة هيئة تحرير الشام في الهيمنة ليست تجربة حاضنة للجهاد العالمي بل حفرت قبره» (ص2) وأن «مشروع هيئة تحرير الشام هو من أجل وضع المجموعة في إطار اللعبة الاستراتيجية الدولية المتقدمة في سوريا» (ص2). وتضيف أن ذلك ترافق مع «علاقة رعاية مع تركيا بدأت في فبراير/شباط 2020 مع الحضور الكثيف للجيش التركي» (ص2) وترافق «في صيف 2020 مع تفكيك وإخضاع الفرع المحلي لتنظيم القاعدة المسمى حراس الدين، وإخضاع المقاتلين الأجانب واقتلاع خلايا داعش وضرب أحرار الشام» (ص1). وتزامن ذلك مع اتفاقية بوتين- أردوغان في مارس/آذار 2020 التي كرست الهيمنة التركية، بموافقة الكرملين، على الشمال الغربي السوري،فيما تخلى الأتراك عن مسلحي الغوطة وحوران وشمال حمص الذين نقلوا وفق اتفاقيات «خفض التصعيد» إلى محافظة إدلب بالباصات الخضر. وقبلها، تخلت أنقرة عن مسلحي الأحياء الشرقية من مدينة حلب في الربع الأخير من عام 2016، حيث حدث كل ذلك بعد قمة أغسطس/آب 2016 بين بوتين وأردوغان، والتي كرست سيطرة عسكرية تركية على خط جرابلس- الباب- إعزاز منذ أغسطس/آب 2016، وعلى مدينة عفرين ومنطقتها في يناير/كانون ثاني – أبريل/نيسان 2018، ثم على خط تل أبيض- رأس العين (سري كانيه) في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وبحسب الدراسة التي وضعها دريفون وهايني، فإن «حالة إدلب ما بعد 2020 هي حالة ترميدورية» (12)، يتم فيها «التخلي عن الحالة اليوتوبية الثورية في مرحلة تعقب صراعاً مسلحاً مع نبذ اليوتوبيا في طريقة الحكم» (ص25). أي أن الجولاني «في حالة ترميدورية، كشخص يرى أن وضعه تجاه حالته الإسلامية الثورية السابقة يضطره إلى أن يكون خلاصه من خلال الدعم الخارجي وليس عبر وسائل ثورية» (ص28). وبالتالي، فإن «هيئة تحرير الشام منخرطة الآن في لعبة استراتيجية دولية مع دول أولها تركيا، والدول الغربية بعد ذلك» (ص30).
إذا كان الاتجاه على مايبدو هو احتواء جبهة النصرة وتفريعاتها اللاحقة، وهذا ما لا توحيه الدراسة المذكورة سابقاً فحسب بل أيضاً تصرفات الغرب الأميركي- الأوروبي مع الجولاني، فإن تعامل هذا الغرب مع تنظيم داعش تمثّل في الاستئصال.
ولكن في البداية، وفي الفترة الفاصلة بين ولادة التنظيم (نيسان2013) وسقوط الموصل في يونيو/حزيران 2014، برز تجاهل دولي واقليمي للتنظيم الجديد رغم سيطرته على مدينتي الفلوجة والرقة في الشهر الأول من عام 2014. ويبدو أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي كان يتفاوض مع طهران حول البرنامج النووي الايراني، رأى أن وضع ظهر الحليف العراقي لإيران، أي رئيس الوزراء نوري المالكي، في الحائط يمكن أن يضعف المفاوض الايراني. تغيّر هذا الأمر في فترة مابعد الموصل، إذ أطلقت صفارات الإنذار الإقليمية والدولية، خاصةً مع تمدد التنظيم في الشهرين التاليين حيث سيطر على تكريت وبيجي والحويجة ووصل إلى ضاحية أبو غريب قرب بغداد وامتد نحو الحدود السورية باتجاه تل عفر وسنجار. وفي أغسطس/آب 2014، سيطر على خط نهر الفرات من الفلوجة وحتى جرابلس عند الحدود السورية- التركية وغرباً حتى خط منبج – الباب. وفي خريف 2014- صيف 2015، تمدد في محافظة الحسكة من الحدود العراقية ووصل في يونيو/حزيران 2015 أبواب مدينة الحسكة، في حين كان يسيطر إلى الغرب منها على مدينة تل أبيض، حتى وصل منطقة الخابور في فبراير/شباط 2015.
كانت معركة مدينة كوباني بين سبتمبر/أيلول 2014 ويناير/كانون الثاني 2015 بداية النهاية لمد التنظيم بعد أن هزمته «وحدات حماية الشعب». وفعلاً، بدأ التنظيم بالتراجع في العراق في مرحلة ما بعد كوباني منذ نهاية 2015 عندما تم تحرير مدينة الرمادي. وفي 10 ديسمبر/كانون الأول عام 2017، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحرير كافة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم. لكن استلزم الأمر وقتاً أطول في سوريا لتحرير الأراضي التي استولى عليها التنظيم رغم هزيمته أمام «وحدات حماية الشعب» في تل أبيض في يونيو/حزيران 2015 وأمام «قوات سوريا الديمقراطية»، التي هي استمرار للوحدات، في الشدادي في فبراير/شباط 2016 ومنبج في صيف 2016. وفي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2017، فقد التنظيم السيطرة على مدينتي الطبقة والرقة على التوالي، مع تحرير مدينة دير الزور وقسم كبير من محافظتها لصالح القوات النظامية السورية وصالح «قسد» في الضفة الشرقية من الفرات. وعملياً، فإن وجود «داعش» السوري لم ينته إلا بعد هزيمته في معركة الباغوز في فبراير/شباط – مارس/آذار 2019 في الضفة الشرقية من الفرات المقابلة لمدينة البوكمال. ومنذ ذلك الوقت، تدل المؤشرات على أنه لم يعد له تمركزات سيطرة في سوريا، مثل تلك التي كانت منذ عام 2014 حيث كان يسيطر على مدن وبلدات ويقيم سلطة وإدارة فيها، فيما تدل مؤشرات مرحلة ما بعد الباغوز على أن وجوده قد أصبح متحركاً في مناطق البادية العراقية- السورية، متخذاً منها مناطق حركة لشيء قريب من حرب العصابات.
يمكن اعتبار نهاية معركة الباغوز في مارس/آذار 2019 نهاية لفصل كبير بدأ عام 2011 عنوانه «المعارضة السورية الإسلامية المسلحة». لاقى «داعش» امتداداً سورياً كبيراً في أوساط اجتماعية ريفية، خاصة في الريف الفراتي. ويبدو أن هذا الذي أغرى أبوبكر البغدادي في 2013 لإعلان «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بعد أن شاهد نمو جبهة النصرة وامتدادها في سوريا خلال 2012، فيما كانت «دولة العراق الإسلامية» التي أعلنت في 2006 في حالة انكفاء بين 2007 و2011 بتأثير ابتعاد الوسط السني العراقي عنها بسبب ظاهرة «قوات الصحوات» التي تعاونت مع الأميركيين والحكومة العراقية ضدها.
ويمكن أيضاً اعتبار 5 مارس/آذار 2020، عندما تم توقيع اتفاق إنهاء القتال في محافظة إدلب من قبل بوتين وأردوغان في موسكو، تكملة إضافية لنهاية فصل «المعارضة السورية الإسلامية المسلحة»، حيث بات المسلحون الإسلاميون تحت سيطرة مباشرة من أنقرة التي أضحت تديرهم بشكل مكشوف في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها في الشمال الغربي أو في خط تل أبيض – رأس العين (سري كانيه)، بعد أن أنهت اتفاقيات «خفض التصعيد»، التي رعتها موسكو وأنقرة بتأييد من طهران في العامين السابقين، وجود المسلحين المعارضين في شمال حمص والغوطة الشرقية ومنطقة حوران.
هوامش:
(1) رابط كتاب أبو مصعب السوري حول سوريا.
(2) صحيفة السفير، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عبدالله سليمان علي: جبهة النصرة تروي نشأتها وخلافها مع داعش.
(3) تشارلز ليستر: بروفايل جبهة النصرة، معهد بروكينغز، واشنطن 2016، 191صفحة، نسخة بي دي إف، ص 11.
(4) جوزيف هوليداي: المعارضة السورية المسلحة، معهد دراسة الحرب، واشنطن، مارس/آذار 2012، نسخة بي دي إف، 57صفحة، ص36.
(5) بن فارمر- روث شرلوك: تقريباً نصف المقاتلين من الجهاديين والإسلاميين المتشددين، صحيفة ديلي تلغراف، 13 سبتمبر/أيلول 2013.
(6) الإسلاميون المتمردون يخلقون ورطة في السياسة المتبعة حيال سوريا، صحيفة نيويورك تايمز، 27 أبريل/نيسان 2013.
(7) إريك شميت: شحنات سلاح شوهدت تبحر من السودان إلى المتمردين السوريين، صحيفة نيويورك تايمز، 12 أغسطس/آب 2013.
(8) دافيد أندرو وينبرغ: قطر وتمويل الإرهاب: الإهمال (الجزء الأول)، مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، واشنطن، ديسمبر/كانون الأول 2014، دراسة في 24صفحة، نسخة بي دي إف، ص17.
(9) عبدالله سليمان علي: أذرع الظواهري والتحولات الكبرى: عقول القاعدة تنتقل تدريجياً إلى سوريا، صحيفة السفير، 2 أغسطس/آب 2016.
(10) عبدالغني مزوز: تنظيم حراس الدين: إشكاليات النشأة والتفكيك، المعهد المصري للدراسات، سبتمبر/أيلول 2020، نسخة بي دي إف، 57 صفحة، ص13. تم تأسيس التنظيم من الرافضين لفك ارتباط جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة، في 27 فبراير/شباط 2018.
(11) الذين قتلوا بغارات أميركية في محافظة إدلب من قيادات تنظيم القاعدة:
1- محسن الفضلي: كويتي، مسؤول «مجموعة خراسان». قتل في 8 يوليو/تموز 2015 في بلدة سرمدا. المجموعة تضم نخبة أعضاء تنظيم القاعدة في سوريا، وكانت مكلفة بالعمليات الخارجية.
2- أبو فراس السوري (رضوان ناموس)، مواليد 1950. من مضايا بريف دمشق. المتحدث الرسمي باسم جبهة النصرة. قتل بغارة أميركية في 3 أبريل/نيسان 2016 في شمال غرب مدينة إدلب . من أعضاء تنظيم الطليعة المقاتلة في السبعينات والثمانينات. ذهب إلى أفغانستان وكان مقرباً من بن لادن. كان من السبعة الذين أرسلهم البغدادي من العراق إلى سوريا في 2011 لتأسيس جبهة النصرة، ومن الرافضين لفك ارتباطها بتنظيم القاعدة خلال المشاورات التمهيدية التي أجريت حول الموضوع
محطة روسيا اليوم، 5 أبريل/نيسان 2016:
هل يعكس مقتل أبو فراس أزمة جبهة النصرة؟
3- الرفاعي طه: من القيادات المصرية لتنظيم الجماعة الإسلامية. رفض مراجعات الجماعة عام 1997 حينما نبذت العنف ضد نظام الرئيس حسني مبارك. من المؤسسين لتنظيم القاعدة مع بن لادن والظواهري عام 1998. قتل بغارة أميركية في 5 أبريل/نيسان 2016 في مدينة إدلب بعد أيام قليلة من عبوره الحدود التركية – السورية.
4- خالد العاروري: فلسطيني. من قيادات تنظيم القاعدة الذين أفرجت إيران عنهم في 2015. رفض فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة، ومن المؤسسين لـ«حراس الدين». قتل في مدينة إدلب في 14 يونيو/حزيران 2020.
5- أبوذر المصري: من قيادات «حراس الدين». قتل على طريق إدلب- بنش في 20 سبتمبر/أيلول 2021 بغارة أميركية.
(12) فترة حكم الترميدور: هي التي أعقبت المرحلة الراديكالية الثورية في الثورة الفرنسية بين يوليو/تموز 1789 ويوليو/تموز 1794، والتي أتت بعد تصفية حكم اليعاقبة واعدام روبسبيير بالمقصلة.
المركز القانوني للاجئين في القانون الدولي الإنساني والإتفاقيات الدولية
(مكتب الدراسات والتوثيق بهيئة التنسيق الوطنية)
28 شباط 2019
إن تحديد المقصود باللاجئ بصورة عامة من المسائل الصعبة في القانون الدولي حيث لم ينتهي الفقه الدولي الحديث لتعريف شامل وموحد للاجئين ، ولقد لعبت المنظمات الدولية والإقليمية دورا بارزا في إيجاد بعض المفاهيم التي تضمن الحد الأدنى من
الحماية القانونية للاجئين وتعريف العالم بمآسيهم، فالعهود الدولية والاتفاقيات الإقليمية ساهمت في بلورة مفهوم اللاجئ:
أولا:تحديد مفهوم اللاجئين في القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية
إن مصطلح اللاجئين وإن كان حديثا في الفقه الدولي والاتفاقيات الدولية إلا أن مضمونه ومعناه ينطبق على كثير من الحالات سواء في القديم أو في العصور الحديثة ذلك أن اللجوء مرتبط ارتباطا وثيقا بالإنسان الذي يبحث عن أماكن الأمن منذ القديم.
وقد استعملت كلمة لاجئ لأول مرة في فرنسا للدلالة على البروتستانت المطرودين من فرنسا خلال القرن السابع عشر، ولم تظهر هذه الصيغة الرسمية في المواثيق الدولية إلا مع بداية القرن التاسع عشر ثم مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
كما أن أمريكا اللاتينية واجهت اللاجئين عام 1889 ، حيث كانت اتفاقية مونتفيديو الخاصة بالقانون الجنائي الدولي
أول وثيقة إقليمية تناولت اللجوء.
-1 المقصود باللجوء في القانون الدولي الإنساني:
ويقصد باللجوء في القانون الدولي هروب الضحايا من الأخطار المحدقة بهم بسبب النزاعات المسلحة إلى أماكن وهيئات تتوفر لهم فيها الحماية، وأول الأماكن التي يلجأ الضحايا إليها هي اللجنة الدولية للصليب الأحمر باعتبارها المفوضة من طرف إتفاقية جنيف بحماية أكثر الأفراد ضعفا، سواء كانوا أسرى حرب أو مدنيين يتعرضون للهجوم، كما تقوم بتقصي المفقودين ولم شملهم مع عائلاتهم والإشراف على إعادة الأسرى إلى أوطانهم، وتذكير جميع أطراف النزاع
بأنهم ملزمون بتطبيق اتفاقيات جنيف المقصود باللاجئين في اتفاقية جنيف الرابعة والبرتوكولين الإضافيين
الأول والثاني لعام 1977
” نصت الفقرة الرابعة من المادة 45 من اتفاقية جنيف الرابعة على عدم جواز نقل أي شخص محمي في المجال إلى بلد يخشى
فيه التعرض للاضطهاد بسبب آراءه السياسية أو عقائده الدينية “. كما نصت الفقرة 01 من المادة 49 من نفس المعاهدة على حظر النقل الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم إلى أراضي دولة الاحتلال أو أي دولة أخرى أيا كانت الدعاوى .كما نص البروتوكول الإضافي الأول لمعاهدات جنيف
بخصوص ضحايا النزاعات الدولية المسلحة في المادة 73 منه على: وجوب حماية الأشخاص الذين كانوا بدون وثيقة تثبت
انتمائه لدولة الإقامة أو كانوا لاجئين وبدون تمييز)
كما ينص البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977 في المادة 17
على: ” لا يجوز إرغام الأفراد المدنيين على النزوح عن أراضيهم
لأسباب متصلة بالنزاع ”
وكذلك تنص المادة 85 البروتوكول الإضافي الأول على: ” عدم
جواز ترحيل السكان المدنيين من طرف دولة الاحتلال …”)
يلاحظ أن اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكوليها الإضافيين لم
يضعا تعريفا واضحا للاجئين في القانون الدولي الإنساني فهي اكتفت بتعداد بعض الأعمال المحظورة والتي تؤدي بالسكان المدنيين إلى اللجوء عن أراضيهم، كذلك عددت بعض الأفعال التي يتعرضون لها والتي تعد انتهاكات للقانون الإنساني. فالاتفاقية لم تتعرض لتعريف اللاجئين الذي يهاجرون عادة
في شكل جماعي عبر الحدود الدولية للبحث عن أماكن أكثر أمنا، وهذا خوفهم من التعرض لانتهاكات أطراف النزاع. بل إن المادة 45 في فقرتها الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة عرفت اللاجئ بأنه الشخص الذي فر من وطنه خوفا من تعرضه للتعذيب والاضطهاد من طرف حكومة دولته بسبب معارضته
لسياساتها الداخلية، أو كان سبب الخروج هو الاضطهاد بسبب معتقداته الدينية، كما نلاحظ أن هذه المادة لم تعالج كذلك
اللجوء الجماعي الذي يحدث عادة بسبب خوف هؤلاء السكان من التعرض لانتهاكات أطراف النزاع أثناء النزاعات المسلحة.
-2 تحديد مفهوم اللاجئين في الاتفاقيات الدولية:
* المقصود باللاجئ في اتفاقية الأمم المتحدة اللاجئين لسنة 1951
نظرا للنق ص الواضح في تحديد مفهوم اللاجئ في اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكوليها الإضافيين، وهذا ما جعل اللاجئين أكثر الفئات المدنية تعرضا للانتهاكات من قبل أطراف النزاع، فقد كانت هذه الظروف دافعا قويا نحو عقد اتفاقية خاصة بوضع اللاجئين، وهذا من أجل تحديدهم وتبيان
حقوقهم وتوفير الحماية اللازمة لهم ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين
لسنة 1951 .
وقد عرفت الاتفاقية اللاجئ في مادتها الأولى: ” اللاجئ وهو كل شخص يوجد نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من فبراير
1951 ، وبسبب تخوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع لعرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آراءه السياسية، خارج دولة إقامته ولا يستطيع ولا يريد لذلك الخوف أن ستظل بحماية ذلك البلد”.
…
الملاحظ أن هذه الاتفاقية جاءت لتحل مشكلة اللاجئين الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية هو ما جعلها مقيدة بحاجز جغرافي وضعت خصيصا له، وهذا الذي تحفظت عليه كل من أستراليا، فرنسا وإيطاليا ) ،كما أنها نصت على شرط زمني يحدد على أساسه لاجئ في نظر الاتفاقية، وهو
وجود الشخص خارج دولته بسبب أحداث وقعت قبل
1951 ، وهذا ما يجعل تعريف اللاجئ حسب هذه الاتفاقية حكرا على مواطني الدول الأوروبية المتضررة من الحرب العالمية الثانية، مما يجعل منه تعريفا غير شامل لجميع اللاجئين المنتشرين عبر مختلف دول العالم بسبب الأزمات والحروب،
أو الذين لجئوا خارج دياره بعد تاريخ 1951 ، هذا الذي يجعلها أشبه باتفاقية إقليمية خاصة بلاجئي أوروبا دون غيرهم، وبعدها عن معالجة البعد العالمي لأزمة اللاجئين، الأمر الذي جعل خبراء الأمم المتحدة يتجاوزون هذا الشرط ) الشرط الزماني والمكاني ( في البروتوكول الإضافي لسنة 1967 )
لكن رغم هذا التطور لمفهوم اللاجئ إلا أن الاتفاقية لم تتحدث عن اللجوء بمفهومه الحقيقي، فاللاجئين في القانون الدولي
الإنساني لا يفرون من أماكنهم إلى أماكن أخرى بسبب آرائهم السياسية أو الدينية وفي شكل فردي، وإنما بسبب الاستعمال المفرط للقوة من جانب أطراف النزاع، وفي غالب الأحيان يكون اللجوء بشكل جماعي عن طريق عبور حدود
الدولة إلى دول أكثر أمنا، كما حدث في الحرب الأهلية في
رواندا سنة 1994 وفي النزاع السوري، حيث لجأ المواطنون بشكل جماعي إلى الدول المجاورة هربا من العنف بعثا
عن أماكن أكثر أمنا. بالرغم من أن موجات اللجوء التي عانت منها أوربا كانت بسبب
الحرب العالمية الثانية إلا أن هذه الاتفاقية جعلت الاضطهاد السياسي والديني السبب الرئيسي وراء اللجوء، هذا السبب الذي
عانت منه أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وتقسيمها إلى معسكر شرقي وغربي. رغم ذلك تبقى اتفاقية الأمم المتحدة سنة 1951 بمادتها
الأولى هي المرجع الأساسي لتحديد مفهوم اللاجئ خاصة وأنها أدرجت أسباب اللجوء وجعلت من بينها الاضطهاد الذي
هو أساس تحديد صفة اللاجئ حيث لا يشترط حتى يتمتع الشخص بصفة اللاجئ وقوع اضطهاد الناتج عن أحداث وقعت
وإنما ينصرف مصطلح اللاجئ حتى وإن كان الاضطهاد محتمل الوقوع ،هذا السبب الذي يحمل في معانيه مختلف أنواع الأشكال والممارسات الماسة لحقوق الإنسان والتي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948
في تحديد وضع اللاجئين في القانون الدولي الإنساني ومن بينها التعذيب، المعاملة القاسية واللا إنسانية، والاستعباد،
والاعتقال والحجز التعسفي ….. ولعل أهم فئة من اللاجئين في العالم خاصة في الوقت الحالي
هي لاجئو الحرب الذين يفرون من بلدانهم بفعل النزاعات المسلحة أو الذين يهجرون منها بالقوة والتهديد إلى بلدان
أخرى.
*تحديد مفهوم اللاجئ في الاتفاقيات الإقليمية
أ- المقصود باللاجئ في منظمة الوحدة الإفريقية:
بعد استقلال الكثير من الدول الإفريقية أواخر الخمسينات انتشرت الحروب الأهلية داخل هذه الدول تنافسا على السلطة
بين مختلف الأطراف، مما تسبب في الكثير من المآسي لمواطني
تلك الدول، الأمر الذي أدى بمجموعات كثيرة من السكان
إلى الهرب منها والبحث عن مكان أكثر أمنا.
هذه الأسباب دفعت منظمة الوحدة الإفريقية إلى البحث في
هذه المعضلة وعرض إجتماع لمعالجتها بإتفاقية خاصة باللاجئين وقعت في 10 أيلول 1969 ، حيث راعت هذه الاتفاقية الأسباب والآثار الناتجة عن الحروب والمتمثلة في مشكلةاللاجئين، وصاغت تعريفا لهم استندت فيه لاتفاقية اللاجئين لسنة 1951 ولكنها توسعت في تحديد صفة اللاجئين، فذكرت أسباب أخرى للجوء وهي الأسباب الحقيقية لحالات اللجوء، وخلصت إلى أن اللاجئ هو ” كل شخص ،بسبب العدوان أو الاحتلال الخارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث التي تخل بشدة بالنظام العام إما في جزء أو كل الدول التي ينتمي إليها بأصله أو جنسيته، أجبر على ترك مكان إقامته المعتاد للبحث عن مكان
آخر خارج دولة أصله أو جنسيته ” الملاحظ أن هذا التعريف جاء أكثر شمولا ودقة من التي التعريف التي جاءت به اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين، وذلك أنها تحدثت عن الأسباب الشائعة في اللجوء الناتجة عن الحروب والنزاعات الداخلية وليس بسبب الاضطهاد السياسي فقط.
ب- المقصود باللاجئين في إعلان قرطاج لسنة 1984:
بعد الحروب الأهلية في أمريكا اللاتينية خاصة ما تعلق بالنزاع الكولومبي والبيرو وبوليفيا أواخر السبعينيات وعبور الآلاف من مواطني هذه الدول هربا من العنف والحروب داخل بلدانهم الأصلية، عقد اجتماع حول اللاجئين بدعوة منالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين بكولومبيا بتاريخ 22 نوفمبر
1984 حول الحماية الدولية للاجئين في أمريكا الوسطى أو ما يسمى بإعلان قرطاج الخاص باللاجئين لسنة 1984 .
حيث عرف اللاجئين بأنهم: ” الأشخاص الفارين من بلادهم بسبب تهديد حياتهم بسبب أعمال عنف أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان أو عدوان خارجي أو نزاعات داخلية أو خرق عام لحقوق الإنسان أو أية ظروف أخرى …”
ويعتبر هذا الإعلان أول من تحدث عن حالات اللجوء الحقيقية فهو تحدث عن مجموعات فارين من بلادهم بسبب أعمال
عدوان وبالتالي كان أكثر شمولا من الاتفاقيات الأخرى أي أنه لم يعتمد مصطلح الاضطهاد كمعيار لتحديد اللجوء،
كما نص على مصطلح الأشخاص الفارين من الحرب بصيغة
الجمع، وهو الذي أغفلته الاتفاقيات السابقة.
من هنا نستنتج تعريف شامل وواضح للاجئين في القانون الدولي الإنساني وهو: ” اللاجئون هم الأشخاص الذين يعبرون حدود دولهم الأصلية لبحث عن أماكن آمنة لسبب استعمال المفرط للقوة بين أطراف النزاع، أو بسبب خوفهم من التعرض
للاضطهاد من الأطراف المتنازعة”.
ج- المقصود باللجوء بجامعة الدول العربية
عقد مجلس وزراء جامعة الدول العربية اجتماعا لمناقشة مسألة اللجوء واللاجئين في الوطن العربي في مارس 1994 ، خاصة بعد أزمات اللجوء التي عرفتها المنطقة مرورا بالحرب العراقية إلى الحرب اليمنية، وحرب الصومال ولبنان. الأمر الذي توج بإقرار الاتفاقية العربية الخاصة باللاجئين في 27
مارس 1994 ، وأضافت هذه الاتفاقية أسباب أخرى في تعريف اللاجئ من ضمنها الكوارث الطبيعية وهو ما أكدته المادة 01 من هذه الاتفاقية: ” يعتبر لاجئا كل شخص يلجأ مضطرا إلى عبور حدود بلده الأصلي أو مقر إقامته الاعتيادية بسبب العدوان المسلط على ذلك البلد أو لاحتلاله له، والسيطرة الأجنبية عليه أو لوقوع كوارث طبيعية أو أحداث جسيمة ترتب عليها إخلال كبير بالنظام العام في كامل البلد أو جزء منه “) 16 (.
لكن هذه الاتفاقية لم تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ إلى الآن بسبب عدم وجود التوقيعات الكافية التي تجعلها نافذة، وقد عقد اجتماع أخر في مجلس جامعة العربية على مستوى اللجان المشتركة لخبراء وممثلي وزارات العدل والداخلية في الجامعة لمناقشة ودراسة الاتفاقية العربية الخاصة باللجوء وذلك بتاريخ 08 / 08 / 2016 من أجل تعديل وتحيين الاتفاقية بغية إقرارها .
ثانيا- التمييز بين مراكز اللاجئ وبعض المراكز الأخرى:
-1 المهاجر الاقتصادي:
يترك المهاجر الاقتصادي عادة بلده بصورة طوعية التماسا لحياة أفضل، وما إن يختار العودة إلى وطنه فإنه يستمر في
التمتع بحماية حكومته، أما اللاجئون فيفرون بسبب خوفهم من الأعمال العدائية ومن الاستعمال المفرط للقوة بين أطراف
النزاع، ولذا فهم لا يستطيعون العودة بأمان إلى ديارهم في ظل تلك الظروف السائدة.
والمهاجر هو ببساطة شخص ينتقل من مكان إلى آخر، وقد يجبر على المغادرة لأنه خائف أو جائع أو بحاجة ماسة لضمان
سلامة عائلته، وينتقل طواعية لبلد آخر لهذه الأسباب. كما أنهم يتمتعون بحقوق إنسانية كغيرهم مثل الحق في الحياة
والحق في مستوى معيشي كاف، وهناك اتفاقيات دولية تنص على حقوق المهاجرين مثل: اتفاقية منظمة العمل الدولية.
-2 النازح أو المشرد داخليا :
ظهر مصطلح النزوح في السنوات الأخيرة وخاصة في مناطق الصراعات والنزاعات المسلحة، حيث يعرف النزوح بأنه حركة
الفردي أو المجموعة من مكان لآخر داخل حدود دولة، ويتم النزوح رغم عن إرادة النازح بسبب الحروب أو المجاعة والتوجه
إلى مكان آخر لكن داخل حدود دولته ) ويصطلح على النازح أيضا المشرد داخليا: ” والمشردون داخليا هم الأشخاص الذين أكرهوا على الهرب أو على ترك منازلهم وأماكن إقامتهم العادية أو اضطروا إلى ذلك سعيا لتفادي آثار نزاع مسلح أو حالات العنف العام أو انتهاك حقوق الإنسان أو الكوارث الطبيعية، والذين لم يعبروا الحدود الدولية لدولة إقامتهم ”
الملاحظ أنه مهما اختلفت التسميات إلا أنها تعالج موضوع الأشخاص الذين يتركون ديارهم هربا من أوضاع اقتصادية أو عسكرية للبحث عن أماكن أفضل لكن داخل حدود دولهم. بالرغم من عدم وجود اتفاقية خاصة بالنازحين، كما هو الحال باللاجئين إلا أنهم يتمتعون بحماية بموجب قوانينهم
الوطنية وقوانين حقوق الإنسان وكذا يتمتعون بالحماية وفق قواعد القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة وفق ما قررته اتفاقيات جنيف لعام 1949 .
كما أن مشكلة النازحين اليوم أصبحت تشكل خطرا على مستوى العالمي بسبب أثارها السلبية على النازحين وبالخصوص عندما يطول أمد النزع وتطول معه مدة النزوح، هذا الذي تحدثت عنه اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمام
الأمم المتحدة في دورتها 68 في بندها 62 من جدول أعمالها. الحماية الدولية للاجئين وآلياتها
عدم توصل الفقه الدولي إلى تعريف موحد وشامل للاجئين لا يعني إهمال موضوع اللاجئين وإهدار حقوقهم بما في ذلك الحماية والتعويضات المقررة لهم، بل اهتم القانون الدولي بشكل عام والقانون الدولي الإنساني بشكل خاص باللاجئين وعمل على توفير الحماية اللازمة لهم سواء أثناء النزاع أو بعد استقرارهم في البلدان التي لجئوا إليها، فالبحث عن حقوق اللاجئين والحماية المقررة لهم لا ينبغي أن يقتصر على اتفاقية اللجوء فقط، وذلك أن الكثير من حقوق اللاجئين تجد منشؤها ومصدرها في اتفاقيات حقوق الإنسان الأساسية والتي يستفيد منها اللاجئ كإنسان قبل كونه لاجئا
.
أولا – الحماية الدولية للاجئين في الاتفاقيات الدولية
-1 اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وحماية اللاجئين:
في حالة نشوب نزاع مسلح يتمتع مواطنو أي بلد بعد فرارهم من العمليات الفدائية واستقرارهم في بلد العدو بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة ، كذلك يمكن أن يكون اللاجئين من دول أخرى في وسط حرب أهلية في دولة اللجوء، وهنا يتدخل القانون الدولي الإنساني بقواعده لتوفير الحماية لهؤلاء اللاجئين على أساس أنهم أجانب يقيمون في أراضي طرف النزاع وليس على أساس أنهم مواطنو الدولة المعادية، وهكذا نلاحظ أن القانون الدولي الإنساني خصص حماية تامة وسد بعض الذرائع التي يمكن أن تتحجج بها الدولة المعادية المضيفة وتعامل لاجئ الدولة المعادية بصفتهم أعداء، فالقانون الدولي الإنساني سد هذا الفراغ وطالب الدولة المضيفة معاملتهم على أساس أنهم أجانب فقط، أي معاملتهم وهذا ما تناولته المواد 35 إلى غاية المادة 46 من الاتفاقية.
كما تطلب الاتفاقية في مادتها 44 من البلد المضيف معاملة اللاجئين معاملة تفضيلية وعدم معاملتهم كأجانب أعداء على أساس الجنسية لا غير. حيث نصت على ” لا تعامل الدولة الحاجزة اللاجئين الذين لا يتمتعون في الواقع بحماية آلية حكومته كأجانب أعداء لمجرد تبعيتهم القانونية لدولة معادية “
كما تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على عدم قيام دولة الاحتلال بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة معينة وضمان عدم التفريق بين أفراد العائلة الواحدة، وهذا ما يضر كثيرا فئة اللاجئين والتي يؤدي لجوئها في الغالب إلى تشتت أفرادها.
كما تنص المادة 74 من البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والفقرة الثالثة ” ب” من المادة 4 للبروتوكول الإضافي الثاني
على ضرورة ضمان الدول المتعاقدة عملية جمع شمل الأسر المشتتة نتيجة النزاع المسلح، والمقصود هنا هم فئة اللاجئين
وتسهيل وتشجيع عمل المنظمات الإنسانية المخولة بهذه المهمة.
كذلك تقضي اتفاقية جنيف الرابعة بعدم جواز نقل أي شخص محمي في أي حال من الأحوال إلى بلد يخشى فيه
الاضطهاد لأي سبب كان، فهي تحدثت عن الحماية من وضع اللاجئين في القانون الدولي الإنساني
الطرد التعسفي، فأقرت مبدأ عدم جواز الطرد في المادة 45 في
فقرتها الرابعة.
ولكن لا تشكل أحكام هذه المادة عقبة أمام تسليم الأشخاص المحميين المتهمين بجرائم ضد القانون طبقا لمعاهدات تسليم
الأشخاص المحميين المتهمين بجرائم ضد القانون طبقا
لمعاهدات تسليم المجرمين المبرمة.
كذلك يتمتع اللاجئون من بين مواطني أي دولة محايدة في حال إقامتهم في أراضي دولة محاربة بالحماية بموجب
الاتفاقية الرابعة، وذلك إذا لم تكن هناك علاقات دبلوماسية بين دولتهم والدولة المحاربة.
وعززت هذه الحماية المادة 73 من البروتوكول الإضافي للدول حتى وإن كانت العلاقات الدبلوماسية قائمة بين البلدين.
كما تضمن القانون العرفي المتراكم أحكاما لحماية اللاجئين بالإضافة لاتفاقية جنيف، فمثلا اشترطت اتفاقية جنيف
معيارا إنسانيا لمعاونة المدنيين الذين لا يتمتعون بوضع ديبلوماسي، كما ضمنت هذه الاتفاقية حق اللاجئين بعد
إجبارهم على العودة إلى البلد الذي يواجهون فيه خطرا، أو إذا ادعوا بشكل مشروع أنهم سيكونون عرضة للاضطهاد
ولقد أضافت المادة 70 في فقرتها الثالثة من الاتفاقية الرابعة على عدم جواز القبض على رعايا دولة الاحتلال الذين لجئوا قبل بدء
النزاع إلى الأراضي المحتلة كذلك يمنع إبعادهم ومحاكمتهم إلا بسبب مخالفات اقترفوها بعد بدء الأعمال الفدائية
أي في حالة احتلال أراضي دولة ما، فإن اللاجئ الذي يقع تحت سلطة الدولة هو أحد مواطنيها يتمتع أيضا بحماية
خاصة، إذ أن الاتفاقية تحظر على دولة الاحتلال القبض على هذا اللاجئ، بل وتحظر عليها محاكمته أو إدانته أو إبعاده عن الأراضي المحتلة.
.
-2 اتفاقية جنيف للاجئين لسنة 1951:
غالبا ما يفر اللاجئون من مناطق النزاع ويعبرون الحدود الدولية واستقرارهم في بلدان آمنة، وبالتالي لا يتدخل القانون الدولي الإنساني في هذه الحالة لحمايتهم، وإنما تعمل على حمايتهم اتفاقية جنيف لسنة 1951 على حمايتهم فتلزم الأطراف بتنفيذ أحكامها. وتقع على عاتق الحكومات المضيفة للاجئين بصفة أساسية مسؤولية حماية اللاجئين وتعتبر البلدان ال 140 الأطراف في اتفاقية عام 1951 أو البروتوكول ملزمة بتنفيذ أحكامها: وتحفظ المفوضية بدور رقابي مؤقت وتدخل حسب الاقتضاء لضمان منع اللاجئين الفعليين اللجوء، كذلك تمنع الاتفاقية إرغام اللاجئين على العودة إلى بلدانهم الفارين منها خشية
تعرض حياتهم فيها للخطر بسبب عدم استتباب الوضع في بلدانهم.
وتلتمس الوكالة السبل من أجل مساعدة اللاجئين على بدء حياتهم مجددا، إما من خلال الاندماج المحلي أو العودة الطوعية إلى أوطانهم أو إعادة توطينهم في بلد ثالث. كما نصت المادة 08 من النظام الأساسي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين على حلول مشكلة اللاجئين، فحضرت إعادة اللاجئين قصرا إلى ديارهم في حالة توفر المن هناك. كما طالبت الدول المضيفة للاجئين على اتخاذ إجراءات بعيدة عن التعقيد من أجل المساعدة على استقرار طالبي اللجوء هناك، ووضع الترتيبات التي تضمن سلامة وأمن، والتشجيع على العودة الاختيارية الآمنة إلى ديارهم، والمساعدة في إعادة استقرارهم. كما منحت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951 ضمانات للاجئ، وهي حقوق الإنسان المفصلة في أدوات قانونية دولية أخرى وعلى رأسها الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، فلا يجب معاملتهم كأجانب غير شرعيين، كما لهم الحق في التحرك بحرية في بلد اللجوء ولا
يجب تقييدهم دون ضرورة وبالتالي يتمتع اللاجئون بحقوق حسب اتفاقية اللاجئين سنة
1951 والتي جاءت مكملة للنقص الواقع في اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين نلاحظ أن اتفاقية جنيف لسنة 1951 الخاصة بوضع اللاجئين كانت أشمل من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 في تفصيلها لحماية اللاجئين وتبيين حقوقهم بصورة شاملة وخاصة فيما يتعلق بنصها
على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية الأساسية مثل العمل والتعليم والصحة، والمساعدة الاجتماعية وتقضي المادة
35 من الاتفاقية بأن تتعاون الدول المتعاقدة مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ممارسة وظائفها وبصفة خاصة تسهيل مهمتها في الإشراف على تنفيذ أحكام الاتفاقية
-3 التكامل بين القانون الدولي الإنساني وقانون اللاجئين سنة 1951:
أثر القانون الدولي الإنساني على القانون الدولي للاجئين:
حيث استعارة هذا الأخير بعض المفاهيم والمبادئ من القانون الدولي الإنساني، ومن بينها ما نصت عليه اتفاقية اللاجئين من الصبغة المدنية للمخيمات اللجوء عملا بمبدأ تحييد المدنيين على النزاعات المسلحة المعمول بها في القانون الدولي الإنساني، وهو شرط أساسي للحصول على الحماية التي توفرها اتفاقية اللاجئين لمخيمات اللجوء. ومن هنا نستنتج أن كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر
والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعملان سويا على توفير الحماية اللازمة للاجئين، وهذه نقطة التقاء بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي للاجئين. فعلى سبيل المثال: قدمت المفوضية السامية تقارير عن الظروف المروعة في معسكرات الاحتجاز التي يديرها كروات البوسنة في منطقة ” موستار ” في أغسطس / آب 1993 ، وحصلت على تغطية كبيرة في وسائل الإعلام الدولية، مما أدى على ضغط سياسي على السلطات الكرواتية، وهو ما أسفر بدوره على موافقة كروات البوسنة على منح اللجنة الدولية للصليب الحمر نفاذا كاملا في المعسكرات بعد أن ظل غير متاح لما يقرب عن 06 أشهروالسماح للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإعادة توطين المحتجزين في بلدان أخرى وظهر مصطلح التعويض لأول مرة في إعلان القاهرة سنة 1986 الخاص بالوضع القانوني للاجئين حيث نصت في المادة 04 منه على وجوب قيام الدولة بتعويض مواطنيها الذين أرغموا على ترك بيوتهم بنفس القيمة الواجب على هذه الدولة تقديمها لأي شخص غريب كذلك عقدت هذه اللجنة مؤتمرها الثاني في القاهرة سنة 1992 وخلصت إلى أنه إذا طردت دولة مواطنيها مباشرة فإن لهم حق العودة والتعويض معا.
ثانيا- الآليات الدولية لحماية اللاجئين-1 اللجنة الدولية للصليب الأحمر 🙂 )ICRC
هي منظمة إنسانية مستقلة تعمل بشكل محايد لمساعدة وحماية ضحايا الحرب، بما فيهم اللاجئين، حيث أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تضطلع بمسؤولياتها والتي تدخل في حد ذاتها في اختصاص وفقا للمادة 23 من النظام الأساسي للاجئين بصورة خاصة على حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني. وتدخل اللجنة الدولية فيما يخص اللاجئين الذين يشملهم القانون الأساسي لكي يطبق المتحاربون القواعد ذات الصلة باتفاقية جنيف الرابعة، وتحاول في مجال عملها الحماية والمساعدة الضرورية وفق المادة 24 من نظام اللجنة الأساسي. كذلك تقدم وكالتها المركزية للبحث عن المفقودين اللاجئين في كل وقت، فضلا عن ذلك فقد ابتكرت اللجنة الدولية برامج طبية جراحية في زمن الحرب للاجئين الجرحى طبقا للمادة
2 من النظام الأساسي. كما تتدخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر عند مواجهة اللاجئين مشاكل أمنية في دول اللجوء )البلدان المضيفة( خاصة عندما يتعلق الأمر بتعرض مخيمات اللجوء الواقعة بالقرب من الحدود لأعمال عدائية، هنا تتدخل اللجنة الدولية لضمان الحماية للاجئين كطرف مستقل وتمارس أعمال بشكل محايد. وفيما يخص مشكلات أمن اللاجئين في مخيمات اللجوء فإنه تجدر الإشارة على وجهيها التاليين:
– تحديد مكان المخيمات في المناطق الخطرة المعرضة للعمال العدائية بالقرب من الحدود من جهة.
– تواجد المحاربين في مخيمات اللاجئين من جهة أخرى، ومما لا شك فيه أن القانون الدولي الإنساني يوفر بعض الحلول للتغلب على هذه المشكلات الأمنية، ولكن يجب أولا احترام هذا القانون قبل كل شيء. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى الدور المهم الذي تضطلع به الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، فضلا عن اتحادها في عمليات المساعدة المقدمة للاجئين، وتمثل مسألة إعادة اللاجئين على أوطانهم من المشاغل الرئيسية للجنة الدولية، ففي واقع الأمر حتى إذا لم تكن تشارك كقاعدة عامة في عمليات إعادة اللاجئين على أوطانهم، فإنها ترى أنه يجب على الدول والمنظمات المعنية أن تحدد بالضبط موعد وشروط عودة اللاجئين إلى أوطانهم ولا جدال في أن معرفتها التامة بالبلد الأصلي للاجئين تسمح لها بتكوين فكرة مفصلة وبتقديم توصيات بشأن عودة اللاجئين على أوطانهم مع ضمان أمنهم وكرامتهم، وقد حذرت اللجنة الدولية أكثر من مرة من مخاطر الإعادة المبكرة إلى الوطن في المناطق غير المستقرة أو في المناطق التي دمرت فيها البنى الأساسية ) 29 (. وفي الأخير يمكن الإشارة أنه غالبا ما لا يتمتع اللاجئون بالحماية بموجب القانون الإنساني، وهذا إذا كان البلد المضيف لهم ليس طرفا في نزاع مسلح سواء كان النزاع دوليا
أو غير دولي.
وهذا الفراغ جعل الأمم المتحدة تعمل على إنشاء لجنة خاصة تعمل على حماية اللاجئين في هذه الحالات ومن هنا أُنشأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
-2 المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ) )UNHCR
تم إنشاؤها سنة 1951 للمساعدة في تقديم الحماية الدولية للاجئين بمقتضى قرار الجمعية العام 319 – 4 في كانون الأول ديسمبر 1949 لتحل محل منظمة اللاجئين الدولية، والهدف الرئيسي للمنظمة هو ضمان حق اللجوء لكل الأفراد وإيجاد مكان آمن لهم في دولة أخرى والعودة الاختيارية لبلدانهم، وعمل المفوضية هو عمل إنساني كليا وغير سياسي، ومن أبرز اختصاصات المنظمة ما يلي:
أ- العمل على عقد اتفاقيات دولية لحماية اللاجئين والتصديق
عليها والإشراف على تنفيذها.
ب- العمل عن طريق اتفاقيات خاصة مع الحكومات على تنفيذ
أية تدابير ترمي إلى تحسين أحوال اللاجئين.
ج- الحصول من الحكومات على معلومات بشأن عدد اللاجئين
الموجودين على أراضيها وأوضاعهم المعيشية.
د- تيسير التنسيق بين جهود المنظمات الخاصة المهتمة برفاهية اللاجئين.
كذلك بدأت المنظمة بالقيام بمسؤوليات إضافية للتنسيق في تقديم المساعدات للاجئين والعائدين بالرغم أن هذا لم يكن من واجب المنظمة إلا أن هذا الدور أصبح من أهم واجباتها لحماية اللاجئين والبحث عن حلول دائمة لهم، ويدخل في حماية المفوضية الأشخاص الطبيعيون الذين يقيمون خارج أوطانهم الأصلية ولا ينتفعون بحماية حكوماتهم وفي نفس الوقت لا يرغبون أو لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم. وقد قامت المفوضية السامية منذ إنشائها بكل الأعمال الموكلة لها من توفير الحماية للاجئين والمساعدة الغذائية والصحية بالإضافة إلى بعض واجباتها المتمثل في إيجاد دائمة لهم بالتنسيق مع حكومات دول اللجوء سواء تعلق الأمر بالعودة الطواعية أو التوطين) في كثير من الأحيان، كما حدث للاجئي البوسنة حيث كانت المناطق تشهد عمليات عدائية تدخلت على إثرها اللجنة الدولية للصليب الأحمر لحماية اللاجئين الفارين من ديارهم وساعدتها في ذلك المفوضية السامية، وهذا ما شكل نوع من التعاون وتوفير الحماية.
لقراءة أعداد جريدة المسار اضغط هنا
