جاء حراك حراك السويداء ردا على السياسات التهميشية المتبعة عموما ، وكسب تأييد مشايخ العقل الثلاث ، قبل ان يتراجع شيخ العقل يوسف جربوع عن موقفه .
فعليا في حال عدم دعم مشايخ العقل للحراك لكان مصير الحراك كحال الحراكات السابقة ، ولتعرض لقمع امني ، ولم يكتسب ارضية شعبية .
كان شعار الشعب يريد اسقاط الميكرفون تعبيرا عن حجم الخلاف بين المشاركين والمنظمين ، وتدشينا لخلاف واسع حول البديل المطلوب ، فبعض المشاركين رافض للفيدرالية والادارة الذاتية ، والبعض الاخر حاملا لهذا المشروع برضا دولي ضمني ،وقد شبك الاخير علاقات مع الادارة الذاتية والعقد الاجتماعي في شرقي الفرات ، بتأييد امريكي ضمني ،كمحاولة لاستغلال حالة العجز والتهميش اللاحق بمحافظة السويداء لفرض مشاريع ليست في اوانها . ويوجد بعض المشاركين الذين يريدون وضع القرار 2254 في سلم اولويات العمل السياسي ، وتجنب الخلافات التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، التي ليست اساسية في هذه المرحلة الراهنة . وهذا يشمل عروبيين وليبراليين ويساريين .
ويأتي تاسيس نقابات جديدة ومنظمات مهنية ردا على تبعية النقابات الرسمية لحزب البعث والاجهزة الامنية ، ومحاولة لاثارة استقلالية العمل النقابي والمهني تنظيميا وسياسيا .
فد سكر العديد من المتظاهريين مقرات حزب البعث في محافظة السويداء تعبيرا عن حالة الاستياء العام من سياسات حزب البعث وامساكه بسدة السلطة ، واستمراره في التغول بمؤسسات الدولة ، وممارسته الفساد السياسي والافساد في مجمل هيكلية الدولة .
من ناحية اخرى : حاول بعض المتظاهرين تسكير مبنى حزب البعث في مدينة السويداء ، وقد قوبلوا بالرصاص الحي ، مما اوقع اصابات بين المتظاهرين ، واثار التوتر في الموقف ، مما حدا في اجتماع وفد من المتظاهرين مع الشيخ حكمت الهجري باعلان الجهاد ضد المشروع الايراني ، بعد ان حصل على معلومات تفيد بتورط ايران في اطلاق النار .
واثر محاولة المتظاهرين اقتحام صالة نيسان في السويداء المخصصة للتسوية باشراف الاجهزة الامنية ، وقع جواد الباروكي ضحية العنف السلطوي واصيب آخر ، وقد شارك في تشييع الضحية المئات من ابناء السويداء ، وقد صرح شيخ العقل الاول حكمت الهجري بضرورة محاسبة الفاعل بما فعل ،والتزام السلمية في الحراك دون اي عنف او مظاهر عنفية ، وفيما بعد قدم محامون دعوة قضائية لمحاسبة مرتكبي جريمة قتل جواد الباروكي.
ولا بد من التنويه ان الميليشيات المسلحة التي صنعت انتفاضة 2022 ، بعضها قد شبك علاقاته مع الاجهزة الامنية،والبعض منها قد انضم للحراك، والبعض الاخر قد اتخذ موقف الحياد.
تواصل مسؤولين في الادارة الامريكية بالشيخ الهجري، ومسؤولين من دول أخرى، كدعم لموقف الشيخ الهجري والمتظاهرين، مما شكك عدد من الاصطفافات بمدى استقلالية قرار الحراك والمشروع الذي يحمله.
يتبع النظام سياستين : سياسة اللامبادرة المبنية على عدم تقديم اي تنازلات او مكتسبات للحراك ، وعزل حراك السويداء عن المدن السورية ، بمحاولة حصره على محافظة السويداء ، واضافة لذلك تحذير اهالي السويداء من شماعة داعش . والسياسة الثانية وهو اسلوب الزعزعة الامنية من خلال اثارة صراع مسلح في السويداء كمحاولة لجعل مطلب اعادة اجهزة الدولة الامنية في المحافظة مطلبا شعبيا.
يعتقد قطاع واسع من المسيسين اهمية الانخراط في المشروع الوطني لاخراج كافة الاحتلالات والقوى غير النظامية ايا كان الطرف الداعي لها ، وفي سلم الاولويات القرار 2254 ، الذي يهيء البلاد لانتقال سياسي يبلور من خلاله نظاما سياسيا جديدا يكون محل توافق وطني.
الحراك بعد ان كان اعداد المشاركين به بالآلاف اصبح الآن بالمئات القليلة نتيجة الافق المسدود الناجم عن حسابات خاطئة للمنظمين كالرهان على انتفاضة جديدة في المحافظات السورية تحت سيطرة السلطة ، ونتيجة التوازانات المحلية والعالمية بما يخص ارتباطات الملف السوري والملف السوري ذاته.
هناك حاجة ماسة لاعادة النظر بالحسابات القديمة ، وبلورة مشروع وطني على اساس رؤية القرار 2254 ، لتشكيل وصياغة نظاما سياسيا جديدا يخدم المصالح والاجندة الوطنية ، وذلك بالعمل على تحالف سوري عريض يضع تكتيكات مناسبة ، بعقل منفتح وديمقراطي يقرب بين الزوايا ، ويدرك اهمية الخروج من الازمة الوطنية باقل الخسائر.
الفئات التي شاركت وتشارك في الحراك جلها من الطلبة والعاملين بأجر والمدرسين والفئات الوسطى المدينية كمدينة السويداء وشهبا ، والفئات الوسطى في الارياف باعداد محدودة جدا مع مشاركة للفلاحين بشكل قوي جزئيا، مع دعم قطاعات من التجار للحراك سواءا ماليا ام ابعادا اخرى ، ويعود ذلك لتقارب الظروف المعيشية بين تلك الفئات الناجمة من دائرة استمرار مفاعيل الازمة الوطنية الكبرى.
الشعوب كحال العلم من غير تجارب حقيقية لا يمكن ان تحقق اهدافها وتصوغ نضالاتها ، ولا يوجد في التاريخ الحديث ثورة قد انجزت كامل خطواتها او ثورة مكتملة ، بل من خلال النضالات الواسعة يتطور الرصيد والرؤى والبرامج السياسية والوعي الجمعي.
