محمد سيد رصاص
“نورث برس”،13\3\2024
عقب ماجرى في تونس ومصر ومع توقع عدم استمرار الوضع السوري القائم أطلقت الأمانة العامة ل”اعلان دمشق” في يوم25شباط\فبراير2011 النداء من أجل دعوة “جميع قوى المعارضة على أمل اللقاء في لجنة وطنية للتنسيق من أجل التغيير ، تنسق المواقف، وتخطط للنشاطات وتديرها ” .
في فترة مابعد درعا18آذار\مارس2011، ومانشأ من مشهد سوري جديد بفعل مظاهرات حصلت في محافظات سورية عديدة ، كان برنامج (التغيير الوطني الديمقراطي) يجمع كل أطراف المعارضة السورية ، ومن أجل تفادي مشهد الثمانينيات لماانقسمت المعارضة السورية بين الاسلاميين والديمقراطيين كانت فكرة “اللجنة الوطنية للتنسيق” التي أطلقت في نداء 25شباط هي أقرب للدعوة إلى جبهة عريضة للمعارضة ، وفعلاً في يوم9أيار\مايو 2011وزعت سراً على أطراف المعارضة السورية:”اعلان دمشق” و”التجمع الوطني الديمقراطي” و” تجمع اليسار الماركسي- تيم” و” المجلس السياسي الكردي ” و “حزب الاتحاد الديمقراطي- ب . ي . د)، وعلى خمسة وثلاثين شخصية مستقلة بعضها من الاسلاميين، وثيقة حملت عنواناً هو:” نحو ائتلاف عام للتغيير الوطني الديمقراطي” .
خلال الأيام الفاصلة بين الوثيقتين كان مطلب (التغيير) مرفوقاً بالدعوة إلى (حوار وطني شامل) وهو ماكان بالحرف موجوداً في وثيقة “اعلان دمشق”.، ولم تكن هناك دعوات إلى ” اسقاط النظام ” بالوثيقتين . ولكن في 15أيار\مايو انتقل “اعلان دمشق” نحو طرح جديد في بيان علني يقول بأن “الحديث عن الحوار في ظل اصرار النظام على خياره الأمني يعتبر موقفاً خاطئاً”.
خلال أربعون يوماً فصلت بين 15أيار و25حزيران يوم قيام “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي”، والتي هي وليدة نداء 25شباط ، وضح أن امكانية قيام جبهة عريضة للمعارضة أصبحت غير ممكنة ، فمن وقع على وثيقة تأسيس” الهيئة ” كان العروبيون والماركسيون واليسار الكردي، فيماتبلور اتجاه معارض آخر ،ضم ليبراليوا “اعلان دمشق” والاسلاميون ، اتجه نحو تشكيل “المجلس الوطني”الذي أعلن عنه في اسطنبول بيوم2تشرين الأول\أوكتوبر،وكان الاتجاه الأخير يحمل شعار “اسقاط النظام” و”طلب الحماية الدولية” بالترافق مع انخراط الاسلاميين بالمجلس في تمويل وتنظيم الفصائل المسلحة المعارضة التي بدأت بالظهور منذ خريف ذلك العام.
هذا الانقسام الذي ظهرت معالمه في الصيف جرت محاولة لتجسيره لماجرت محادثات في الدوحة في الأسبوع الأول من أيلول\سبتمبر،بين “الهيئة”و”اعلان دمشق”و”الاخوان المسلمون”،وفشلت بسبب رفض الاعلان والاخوان تضمين مطلبي (رفض التدخل العسكري الخارجي)و(إدانة العنف من أية جهة أتى) في الوثيقة للجسم الجديد المقترح للمعارضة الذي أسمي بالمسودة باسم “الائتلاف الوطني السوري” ، ثم فشلت المحاولة الثانية بين “المجلس ” و”الهيئة” لمارفض المكتب التنفيذي للمجلس وثيقة 30كانون أول\ديسمبر2011التي وقعها رئيسه الدكتور برهان غليون مع نائب المنسق العام للهيئة الدكتور هيثم مناع في القاهرة . وبين التاريخين اتجهت الأحزاب الكردية إلى تشكيل “المجلس الوطني الكردي”بيوم27تشرين الأول\أوكتوبر،وكان ملفتاً بقاء “حزب الاتحاد الديمقراطي” في هيئة التنسيق وعدم اتجاهه نحو جسم فئوي قومي خاص مثل “المجلس الوطني الكردي” (حزب الاتحاد الديمقراطي قام بتجميد عضويته في هيئة التنسيق بكتاب يحمل تاريخ 7\1\2016) .
لم تكن الخلافات تنظيمية بين الاتجاهين المذكورين في المعارضة السورية ،حيث كانت “الهيئة” منذ مؤتمر حلبون في 17أيلول تطرح مرحلة انتقالية تتشارك فيها السلطة والمعارضة في “مرحلة انتقالية تتولى السلطة فيها حكومة وحدة وطنية تتمتع بكل الصلاحيات اللازمة لقيادة الانتقال نحو النظام الجديد المنشود”(وثيقة:”الانتفاضة – الثورة:المخاطر وطريق التغيير”،البند السابع).، فيماكان تحالف الاسلاميين والليبراليين في “المجلس” يطرح بدل (المطلب التغييري الانتقالي)مطلب (اسقاط النظام) بالترافق مع ميول عندهم نحو المراهنة على التدخل العسكري الخارجي وتشجيع العنف المعارض في زمن كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يرعى تحالفاً أميركياً مع تركية الأردوغانية ويؤيد تولي الاسلاميين للسلطة في تونس بخريف2011ثم مصر في صيف2012.
هذا الانقسام بين اتجاه “تغييري انتقالي للسلطة ” و”اتجاه اسقاطي للسلطة” مازال قائماً في المعارضة السورية حتى أيامنا هذه ، وبداية هذا الانقسام ظهرت منذ خريف2011، وكانت بذوره في أيار 2011. تمظهر هذا الانقسام في الموقف من “مبادرة الجامعة العربية”(2تشرين الثاني2011) ومن “بيان جنيف1″(30حزيران2012) وهما يدعوان إلى حل تغييري انتقالي،حيث رفض “المجلس” المبادرة العربية وبيان جنيف وهو ماتابعه “الائتلاف”الذي هو وريث المجلس منذ خريف2012،وحتى عندما شارك “الائتلاف” في الوفد المفاوض المعارض في (مؤتمر جنيف3)، بالربع الأول من عام2016، بمحادثات أجريت مع الوفد الحكومي السوري من أجل تنفيذ القرار الأممي2254(18كانون الأول2015)،برعاية أميركية – روسية وهو يحوي خريطة طريق لمرحلة انتقالية تغييرية ، فإنه سرعان ماشارك رياض حجاب في تفشيل المفاوضات بتشجيع تركي.
يمكن هنا لملمة ماسبق: “اعلان دمشق” و”الاخوان المسلمون”، ثم جسمهما التحالفي المشترك في “المجلس”ووريثه “الائتلاف” ، لم تصب كراتهم شباك المرمى ولامرة واحدة ولاحتى أخشاب المرمى الثلاث خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية ، هذا إذا استخدمنا مصطلحات كرة القدم، وكانت قراءتهم للسياسة بعيدة عن مبدأ :”إدارة الممكنات من أجل تحقيق الهدف”، وكانت قراءاتهم للجو السوري والجوين الدولي والاقليمي لاتلامس الوقائع وتوازنات القوى ولااتجاهات الرياح حتى عند الحلفاء فكيف بالخصوم . ويمكن هنا تذكر موقف رئيس “الائتلاف ” معاذ الخطيب في مؤتمر مراكش ل”مجموعة أصدقاء سوريا”(12\12\2012) لمااعتبر “جبهة النصرة جزء من الثورة” أمام الحاضرين ومن ضمنهم نائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، ثم كرر الموقف ذاته باليوم التالي نائبه جورج صبرة بحديث تلفزيوني مع محطة أميركية ، في وقت كانت واشنطن مصدومة بمقتل السفير الأميركي في ليبيا على أيدي اسلاميين مرتبطين بتنظيم “القاعدة”، وهو مادفعها قبل خمسة ايام من مؤتمر مراكش لتصنيف “جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم القاعدة “منظمة ارهابية”، ثم تكررت الصدمات لواشنطن بالمواقف الصادرة من” الائتلاف” لمارفض النداء الأميركي في فترة 2014-2016بأن يكون صاحب موقف مضاد من “داعش” في وقت شكلت فيه واشنطن تحالفاً دولياً ضدها .
كان موقف “مجلس سوريا الديمقراطية- مسد”و”قوات سوريا الديمقراطية- قسد” في الانخراط في الجهد ضد ” داعش ” قراءة مطابقة للجو الدولي ولاتجاه الرياح الدولية، مثلما كانت قراءة “هيئة التنسيق” مطابقة في قراءة الجو الدولي – الاقليمي نحو الحل الانتقالي منذ عام2011، و” الهيئة ” و” مسد ” اجتمعا أيضاً منذ عام2016على الحل السياسي الانتقالي . والأرجح أن هذا ماجمعهما في وثيقة التفاهم الثنائية الموقعة بينهما في 24حزيران2023، ثم فرقتهما الخلافات حول “وثيقة العقد الاجتماعي”، كمافرقتهما قضية طرح (الفيدرالية)التي طرحتها “الإدارة الذاتية”في عام2016.
كانت وثيقة 24حزيران2023جهداً أولياً من أجل تشكيل “القطب الديمقراطي”، الذي كان يؤمل أن يضم كل المعارضين غير الاسلاميين، بعد أن فشل الاسلاميون ، الذين تصدروا المعارضة السورية، بتشجيع أميركي- تركي، منذ خريف2011، وفي لقاءات لمعارضين سوريين كثر مع أطراف دولية واقليمية كان يلمس تغير الجو الدولي – الاقليمي من الاسلاميين باتجاه النبذ والسلب وضرورة تغيير مافعله أوباما وأردوغان لماساهما في جعل الاسلاميين في واجهة المعارضة السورية ، وقد كان امساك الاسلاميين بمقود مركب المعارضة السورية سبباً رئيسياً في فشل المعارضة السورية خلال ثلاثة عشر عاماً مضت.
