هناك ثلاثة عشر عاماً تفصلنا عن بداية الأزمة السورية، التي بدأت داخلية في ربيع وصيف عام2011،ثم أصبحت اقليمية مع انتقال الأتراك إلى دعم المعارضة الاسلامية في شهر آب2011،ثم بين 18آب 2011،مع مطالبة الرئيس الأميركي باراك أوباما برحيل الرئيس السوري ،وبين 4تشرين الأول2011عندما استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو)ضد مشروع قرار بمجلس الأمن رأته ليس لصالح السلطة السورية،أصبحت الأزمة السورية دولية،ثم حصل لها طابق رابع لبنيتها كأزمة لمادخلت سوريا المنظمات العسكرية العابرة للحدود مثل “جبهة النصرة”و”داعش”و”حزب الله اللبناني”والمنظمات المسلحة الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية الموالية لايران التي أرسلت بدورها منذ عام2011مستشارين للأراضي السورية ساندوا السلطة في دمشق،ثم مع دخول القوات الروسية إلى سوريا في خريف2015وبناء قواعد عسكرية لها قام الأميركان في العام التالي ومابعده بانشاء قواعد عسكرية لهم في شرق الفرات وفي منطقة التنف عند المثلث الجدودي السوري-الأردني-العراقي،ثم دخلت القوات التركية بتوافق مع الروس إلى شريط جرابلس- إعزاز بعامي2016و2017ثم مدينة عفرين ومنطقتها في عام2018ثم شريط رأس العين- تل أبيض بعام2019.
قضية (تعدد المعايير عند السوريين)يمكن تلخيصها وتكثيفها في شقين:
- ماهو موقف المواطن السوري،مهما كان موقعه في أقانيم(الموالاة)و(المعارضة)و(التردد)،من القوات النظامية وغير النظامية(وممارساتها) التي دخلت إلى سوريا وشاركت في الأعمال المسلحة لحسابها الخاص أولصالح هذا الطرف أوذاك من السوريين أوضد هذا الطرف أوذاك من السوريين.
- ماهو موقف المواطن السوري،مهما كان موقعه في أقانيم(الموالاة)و(المعارضة)و(التردد)،من السوريين الذين يتحالفون أويتعاونون أويسوغون أويسكتون عن وجود وأفعال وممارسات غير السوريين من القوات النظامية أوغير النظامية .
هناك حجج ومسوغات يبرزها الموالون للسلطة السورية في قضية استجلابها لقوات نظامية إلى سوريا مثل الروسية،أوالمستشارون الايرانيون ومن والى طهران من قوات غير نظامية،بأن “من حق السلطة المعترف بها دولياً أن تستجلب قوات من خارج الحدود لمواجهة التهديد الخارجي”،ولكن هؤلاء يتناسون بأن الطرف الآخر كان سورياً معارضاً مسلحاً عندما طلبت السلطة المساعدة ضده من ايران وحزب الله في عام2013، وعندما عجز هؤلاء طلبت مساعدة الروس في عام2015.فالحالة السورية هي أقرب إلى حالة النزاع الداخلي المسلح الذي حصل بين الطرف اليميني الملكي وبين الطرف اليساري الشيوعي في اليونان بين عامي1946و1949، وهي ليست مماثلة لحالة ملك اليونان عام1941عندما طلب مساعدة عسكرية خارجية بريطانية لمواجهة الغزو العسكري الألماني لليونان،حيث القانون يتيح المشروعية لطلب المساعدة الخارجية من حكومة معترف بها دولياً ولكن ضد قوات من دولة غازية أومعتدية.
هناك ايضاً،عند أقنومي (الموالاة)و(التردد)،تسويغ لوجود القوات الروسية أولمشاركة قوات ايرانية ومن والى طهران في النزاع السوري ،بأن هؤلاء مادام أتوا للمساعدة ،بناء على طلب سلطة معترف بها دولياً،فإن هؤلاء لايعتبر وجودهم غير شرعي أوغير قانوني ،وبالتالي لايمكن اعتبارهم قوى محتلة أومهيمنة أوخارقة أومتجاوزة للسيادة الوطنية،بل القوى المحتلة هي عند (الموالي)هي القوى النظامية لدول،مثل تركيا والولايات المتحدة الأميركية، الآتية من خارج الحدود من دون طلب السلطة المعترف بها دولياً،كماأن القوى غير النظامية الآتية من خارج طلب السلطة المعترف بها دولياً،مثل “النصرة”(مع مسمياتها اللاحقة)و”داعش” أو”تنظيم حراس الدين”الذي يعترف علناً بارتباطه بتنظيم القاعدة بعد فك ارتباط”القاعدة”بتنظيم القاعدة بعام2016،هي قوات عسكرية غير نظامية لاتملك أي شرعية دولية لوجودها بل هي انتهاك للقانون الدولي المعترف به من قبل منظمة الأمم المتحدة وهذا صحيح فعلاً.
عند الكثير من المعارضين،برز اتجاه منذ صيف2011نحو الاستعانة بالتدخل العسكري الخارجي ،إسوة بماجرى في العراق2003وليبيا2011،وذلك تحت مسوغات أن “هناك مشروعية لطلب الحماية الدولية ضد نظام يستخدم السلاح ضد معارضيه،أو مشروعية لطلب مناطق آمنة تقيمها وتحرسها قوات أجنبية”،من دون أن يعرف هؤلاء بأن هذا مخالف للقانون الدولي،وهم في الحقيقة منذ خريف2011شجعوا استخدام السلاح،بدعم من تركية وقطر ومع سكوت واشنطن،ضد السلطة وهم يعرفون بأن هذا لن يسقطها،فهم أرادوا من السلاح المعارض أن يكون مجرد عود ثقاب يضرم ناراً تولد حريقاً تأتي قوات خارجية وتتدخل لاخماده،كماجرى في ليبيا2011عندما تدخلت قوات حلف الأطلسي(الناتو)منذ ربيع2011حتى أسقطت نظام معمر القذافي في آب2011،وهناك أيضاً بدأت مظاهرات سلمية في شباط2011تدخل القذافي لاخمادها بعنف،فقام المعارضون بحمل السلاح.
هذا الاتجاه في المعارضة الذي برز في “المجلس”ثم في “الائتلاف”،سكت عن التطرف الاسلامي المسلح وقال العديد من ممثليه أن “جبهة النصرة جزء من الثورة”في عام2012ثم رفض هؤلاء الوقوف ضد “داعش”لماتشكل تحالف دولي واقليمي ضدها في عام2014و2015،وهؤلاء يتحالفون مع التركي الذي يحكم ويدير مناطق واسعة من الأراضي السورية وتتواجد قواته العسكرية هناك منذ عام2016،وهم لايقولون ولم يقولوا كلمة واحدة عن طرد السكان الكرد السوريين من مدينة عفرين ومنطقتها ومن مدينة رأس العين واحلال سكان سوريين آخرين تحت اشراف الأتراك الذين يريدون احداث فتنة وشرخ عربي- كردي في سوريا.
هناك حالات أخرى بين السوريين،ولوأنها تتوزع بين معارضين وموالين تجمعهم “نظرية المقاومة والممانعة”،ينظرون إلى الوجود الايراني العسكري والوجود العسكري لقوات حزب الله اللبناني وللوجود الروسي،من منظار أن هؤلاء جميعاً ينخرطون في جبهة عالمية ،تضم الصين أيضاً،تقف ضد أميركا واسرائيل،وبالتالي لايمكن تطبيق المعايير عليهم بل يجب أن تكون معايير (الاحتلال)و(الوجود غير الشرعي)تنطبق فقط على القوات العسكرية الأميركية والتركية،وهم كمايقفون مع موسكو ضد كييف في الحرب الأوكرانية ،فهم يقفون مع ايران ضد كل من تعاديه أوتتصادم معه حتى لوكان من العرب،وهم ينحازون في النزاع اليمني إلى الحوثيين الموالين لايران ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
بالخلاصة:خلال ثلاث افتتاحيات ،قدمنا لأول مرة من قبل سوريين ، لقضية(تعدد المعايير عند السوريين) في النظر لأنفسهم وفي النظر للآخرين الذين يتواجدون عسكرياً في الأرض السورية وينخرطون بهذا الشكل أوذاك في الأزمة السورية منذ عام2011.
نحن نريد من هذه الافتتاحيات الثلاث أن نقول بأن هناك أزمة سورية وطنية عامة تشمل كل السوريين تعكسها عملية وقضية (تعدد المعايير عند السوريين).
