العدد الثالث والثمانون من جريدة المسار – كانون الأول ٢٠٢٣

  • الافتتاحية: لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية
  • السنوار والحزام الناسف – غسان شربل 
  • عودة إلى يوم 7 أكتوبر – محمد سيد رصاص
  • هدف حماس في غزة – ليلى سورات
  • الولايات المتحدة لن تتراجع أمام تحدي بوتين وحماس – الرئيس الأمريكي جو بايدن
  • وصول أولى شحنات الجسر البري بين الإمارات وإسرائيل مرورا بالأردن والسعودية – اعلام عبري
  • ليس دفاعاً عن اليسار السوري – مازن كم الماز

——————————————————————————– 

باستثناء الافتتاحية والبيانات الموقعة من الحزب فإن النصوص والمقالات الواردة في العدد لا تعبر بالضرورة عن رأي الحزب.

————————————————————————————                            

الافتتاحية:

لا يمكن تجاوز القضية الفلسطينية

منذ اتفاقيات كامب دافيد عام1978بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن ،برعاية أميركية، بدأ مسار من التطبيع بين أنظمة عربية واسرائيل، شمل الأردن (1994)والامارات(2020)والبحرين(2020)والمغرب(2020)والسودان(2021).

وعملياً،كان التفكير الاسرائيلي بأن التطبيع مع الأنظمة العربية سيجعل الفلسطينيين في وضع المحاصر والضعيف،وقد رأينا بأن زيارة السادات للقدس قد أعقبها بأربعة اشهر الاجتياح الاسرائيلي الأول لجنوب لبنان في آذار1978والذي أريد منه ضرب وانهاء وجود منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان،وبعد تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي من سيناء وفق اتفاقيات كامب دافيد جاء اجتياح لبنان من قبل اسرائيل بعد شهر ونصف من ذلك الانسحاب في حزيران1982وأريد منه اخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وفرض التطبيع مع الدولة اللبنانية عبر اتفاق17أيار1983الذي أنهاه اللبنانيون المعارضون في العام التالي عبر قوة السلاح.

وحتى التكتيكات الاسرائيلية- الأميركية التي أوحت بأن هناك اتفاقات قريبة مع سوريا والأردن عبر مسار (مفاوضات مدريد) هي التي دفعت ياسر عرفات إلى توقيع اتفاقية أوسلو عام1993بكل ماجرته هذه الاتفاقية من فخ وقعت به قيادة منظمة التحرير الفلسطينية حتى وصل الأمر بها ،هي وسلطة رام الله،إلى أن تكون أقرب لمايضعه ناتنياهو الآن من مخططات لقطاع غزة بعد الحرب أي”إدارة مدنية فلسطينية ولكن السلطة الأمنية لاسرائيل”.

أساساً جاءت ضربة (7أوكتوبر2023)لضرب مسار التطبيع السعودي-الاسرائيلي الذي كان سيقود إليه الاتفاق الموقع قبل شهر لانشاء كوريدور بري من سواحل الامارات إلى ميناء حيفا عبر السعودية والأردن ليكون هذا الكوريدور بمثابة قناة جافة تصل بين الهند وأوروبا شرقاً من الساحل الهندي للامارتي ومن حيفا للساحل الايطالي والعكس،وكان هذا الكوريدور سيمر بغلاف غزة عند الطريق الواصل بين ايلات وعسقلان قبل توجهه شمالاً نحو حيفا والعكس لينقل سلع عبر أتوسترادات وسكك حديد وأنبيب طاقة من نفط وغاز وهيدروجين. ويبدو أن حركة حماس،والأرجح حلفائها الاقليميون في طهران وأنقرة وهم متضررون كبار من مشروع الكوريدور،قد استشعرت بأخطار مدمرة من تطبيع الرياض مع تل أبيب  مماثلة لماشعرت به قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاقيات كامب دافيد ، فقامت وبادرت إلى محاولة قلب الطاولة على رؤؤس أطراف ذلك (الكوريدور)وذلك التطبيع من خلال عملية 7أوكتوبر،ونتنياهو كان واضحاً منذ اتفاقيات التطبيع عام2020مع الامارات والبحرين بأن هذا التطبيع يتم وفق (مبدأ السلام مقابل السلام)وليس من خلال (مبدأ الأرض مقابل السلام)الذي وضعته المبادرة العربية التي اقترحتها السعودية وتبنتها القمة العربية في بيروت عام2002،وكان ملفتاً أن ولي العهد السعودي عندما قال بمقابلة مع (محطة فوكس نيوز)،بيوم20أيلول2023،”أننا نقترب يوماً بعد يوم من التطبيع مع اسرائيل”لم يذكر تلك المبادرة العربية التي اقترحتها الرياض في تلك القمة والتي اشترطت قيام دولة فلسطينية على حدود4حزيران1967وعاصمتها القدس مقابل السلام والتطبيع مع اسرائيل.

من الواضح عبر (7اوكتوبر)بأن القضية الفلسطينية كانت صاعقاً كبيراً قام بهزهزة العلاقات الدولية في أكبر هزة شهدها العالم منذ انتهاء الحرب الباردة عام1989،والحرب الحالية في غزة قد “حرفت الأنظار عن أوكرانيا”وفق تعبير الرئيس الأوكراني زيلنسكي،وهي قد أشعلت الضوء الأحمر في العواصم الكبرى،وعندما نشبت الحرب الأوكرانية عام2022كانت هي الأزمة الكبرى في عالم مابعد الحرب الباردة وتجاوزت بتأثيراتها حرب كوسوفو 1999وضربة 11سبتمبر2001وغزو واحتلال العراق عام2003.ويبدو من خلال تصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية بأن هناك لامناص من حل “ما”للقضية الفلسطينية عبر (حل الدولتين:الاسرائيلية والفلسطينية) وذلك وفق قناعة  يبدو أنها قد تشكلت عندهم بواشنطن  في عالم مابعد7أوكتوبر2023بأن التطبيع الرسمي العربي لم ينهي ولم يطمس القضية الفلسطينية،وهو وهم تشكل في واشنطن منذ (كامب دافيد)  وفي عواصم عربية وعند الأوروبيين ويبدو أنه مازال معشعشاً في رؤوس قادة اليمين الاسرائيلي ولايعرف إن كان الوسط واليسار في الحركة الصهيونية سيميل إلى نزع هذا الوهم من رؤؤس القادة هناك. 

ولكن كيف سيتم ذلك في عالم مابعد الحرب في غزة؟..هذا سؤال مفتوح،سيعتمد على النتيجة العسكرية للحرب،وليس صدفة صدور تصريحات مؤخراً،من قادة في حركة حماس مثل اسماعيل هنية وموسى أبومرزوق، تلمح وتصرح بالقبول ب “حل الدولتين”،وصدور تصريحات علنية من نتنياهو حول رفضه ل”حل الدولتين”، فيما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن بأكثر مرة بعد(7 أكتوبر)عن “ضرورة حل الدولتين”.

في كل الأحوال،إن حصل هذا بعد الحرب الراهنة في غزة وتم الاتجاه نحو “حل الدولتين”، أم لم يحصل نتيجة تعقيدات واستقطابات متعددة ،فإن وهم تجاوز القضية الفلسطينية، الذي عشعش بين 17أيلول1978يوم توقيع اتفاقيات كامب ويوم 7أوكتوبر2023،قد مات وانتهى،ولايمكن تجاوز مترتبات أن القضية الفلسطينية قد أصبحت من جديد في قلب مائدة العلاقات الدولية.


السنوار والحزام الناسف 

غسان شربل 

جريدة “الشرق الأوسط” 4\12\2023 

كانَ ذلك في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. أيقظوا بنيامين نتنياهو فوجد كأسَ السُّمِّ في انتظاره. لم يصدق للوهلة الأولى. جاؤوا براً وجواً وبحراً. مقاتلو «القسام» يسرحون في المستوطنات. يطلقون القذائف والرصاص ويقتادون الرهائن إلى أنفاق غزة. انطلت حيلةُ يحيى السنوار على أجهزة الأمن المغرورة. انطلت أيضاً على «الجيش الذي لا يُقهر». وسَرعانَ ما تكشف أنَّ عبورَ مقاتلي «حماس» الجدارَ الإلكتروني في غلاف غزةَ أشدُّ هولاً ممَّا عرفته إسرائيل سابقاً.
المواجهة ليست جديدة. تلقَّت إسرائيلُ في السابق صفعاتٍ كثيرةً وجهتها فصائلُ فلسطينية لكنَّها كانت تردُّ بما هو أقسى منها. هذه ليست صفعة. إنَّها طعنةٌ عميقة. هزَّت طعنة السنوار المستوطناتِ والمستوطنين. هزَّت المؤسسةَ الأمنيةَ والعسكرية ووضعت المؤسسة السياسية أمام فضيحةٍ غيرِ مسبوقة. اندفعت إسرائيلُ في «حرب وجودية» كما قال كبار المسؤولين فيها. القصةُ أكبرُ من استعادةِ الرهائن على رغم أهميتها لحكومة نتنياهو. إنَّها استعادة الهيبة والقدرة على الردع وضمان عدم ظهور سنوار آخر في مكان آخر.
إنَّنا الآن في الرابع من ديسمبر (كانون الأول). بحرٌ من الدم والنعوش الصغيرة. أمواج متلاحقة من النازحين. بحرٌ من الركام. هدنةٌ إنسانيةٌ سمحت بتبادلِ أسرى وإدخال مساعدات. كانَ العالم يحلم بأن يفضيَ تمديدُ الهدنةِ إلى وقف دائمٍ لإطلاق النار. لكنَّ المواجهةَ أكثر تعقيداً ممَّا اعتقد العالم.
إنَّها حربٌ يصعب التراجع فيها. للهزيمة ثمن باهظ لا يمكن احتماله. ثمن المجازفة بالاندفاع في المواجهة أقل من ثمن الانكسار. ففي هذا النوع من الحروب للانكسار طعم الانتحار. لا بدَّ من استكمال الحرب للقضاء على «حماس» وقيام غزة لا تحتضن الأخطارَ ضد إسرائيل. هذا ما سمعه الرئيس الأميركي ومعه وزير خارجيته ووزير دفاعه. لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية رؤية «حماس» تعود إلى حكمِ غزة. وإخراج «حماس» من المشهد يستلزم قصمَ ظهرِها وهو متعذّر من دون التسبب في نكبة جديدة. و«حماس» لا تستطيع قَبولَ سيناريوهات «اليوم التالي» المطروحة فهي لم تطلق «طوفان الأقصى» كي تتقاعدَ بعده.
بعد ما يقرب من الشهرين تستمر الأسئلة حول ما دار في ذهنِ السنوار و«جنرال القسَّام» محمد الضيف قبل إطلاق «طوفان الأقصى». هل اعتبر السنوار أنَّ الهجومَ سيسفر عن العودة بعدد من الرهائن يتيح «تبييض السجون الإسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين»؟ هل توقع أن تردَّ إسرائيل بتوغل على غرار التوغلات السابقةِ يعقبه وقف لإطلاق النار وإنضاج عملية تبادل تعزز رصيد «حماس» في غزة والضفة معاً وتكرسها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ هل استبعد أن تردَّ إسرائيل بحربٍ بلا حدود قتلاً وتدميراً؟ هل أخذ في الاعتبار احتمالَ أن تسارعَ أميركا بأساطيلها ورئيسها للتأكد من أنَّ «حماس» لن تنتصر ولن يكون لها دورٌ في «اليوم التالي»؟ وهل صحيح ما يردّده البعض أنَّ «حماس» فوجئت بانكشاف المستوطنات تماماً أمام مقاتليها فذهبت بعيداً في تكبيد الإسرائيليين خسائرَ غير مسبوقة
أسئلة كثيرة تتزاحم. هل قرَّر السنوار توجيهَ ضربةٍ مؤلمة إلى إسرائيل أم قرَّر إطلاقَ شرارة حرب واسعة معها وبغضّ النظر عن الحسابات الدولية والعواقب؟ وهل أطلق شرارة الحرب معتمداً على أنَّ رداً إسرائيلياً واسعاً ووحشياً سيؤدي بالضرورة إلى إشعال حرب إقليمية؟ هل اعتقد أنَّ الشركاءَ في محور الممانعة سيعتبرون الحربَ حربَهم وتمس دورَهم ومستقبلهم وسيسارعون إلى الانخراط فيها؟ هل افترض أنَّ إيران ستشعل المنطقة في وجه الأميركيين فيسارع العالمُ إلى إطفاء النار في منطقة سريعة الاشتعال؟ وهل صحيح أنَّ توقيت المعركة كان سرَّ الأسرار بين السنوار والضيف وأنَّ الحلفاء عرفوا بالزلزال بعد انطلاقه؟ وهل يحقّ للسنوار أن يضعَ حلفاءه أمام أمرٍ واقع بهذه الدرجة من الخطورة أم كانَ واثقاً أنَّهم يستعدون أصلاً لـ«ضربة كبرى» ستنطلق مهما تأخرت؟

تقود الأسئلة إلى مزيد من الأسئلة. هل يقبل السنوار بتقاعد «القسَّام» في مقابل وعدٍ دولي صارم بإطلاق عملية سياسية تفضي إلى حل الدولتين؟ وهل يوافق على الجلوس في دولة فلسطينية ستعترف بالضرورة بالدولة الأخرى أم أن مطلبَه الفعلي هو فلسطين من النهر إلى البحر؟ هل اعتقد السنوار أنَّه يستطيع قلب الموازين الدولية والإقليمية وإرغام الجميع على التعامل مع «حماس» متناسياً أنَّ منظمة التحرير لم تصبح مقبولة دولياً إلا بعدما أعادت النظر في مسلمات وعبارات؟

قضى السنوار الستيني 24 عاماً في السجون الإسرائيلية. حررته «حماس» في 2011 في «صفقة شاليط» يوم أفرجت إسرائيلُ عن أكثرَ من ألف معتقل في مقابل إفراج «حماس» عن الجندي جلعاد شاليط. استنتج من إقامته الطويلة في السجن أنَّ الحربَ مفتوحة على مصراعيها وأنَّها ليست أقلَ من حرب وجود.
أدركت عمقَ هذا الصراع من حكايةٍ رواها لي الرئيسُ السابق للمكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل حينَ رحتُ أقلّب معه في دمشق صفحات قصة الحركةِ منذ ولادتها. سألتُه كيف يتيح المسؤول لنفسه إرسال شاب في عملية انتحارية؟ سارع إلى التصحيح وقال: «نحن نعتبرها عمليات استشهادية فرضها الظلمُ الإسرائيلي المتمادي». روى لي أنَّ شاباً اسمه محمد فتحي فرحات (17 عاماً) قدَّم طلباً لقيادة «كتائب القسام» لتنفيذ عملية استشهادية. ردَّت القيادة طلبه رأفةً بالعائلة إذ كان شقيقٌ له نفذ عمليةً من هذا النوع وشقيقه الأكبر مطارد. بعد فترة تلقَّت قيادة «القسَّام» رسالةً من والدة الشاب تقول فيها: «لا أسمح لكم أن ترفضوا رغبتَه في الاستشهاد وأتمنَّى عليكم قبول طلبه». وافقت القيادة وواكبت الأم استعدادات نجلها وحين بلغها نبأ رحيلِه لبست أفضلَ ما لديها من ثياب وبدأت في تقبل التهاني. وقد قُتل نجلها الأكبر لاحقاً.

ما أقسى هذه الحرب! إسرائيل تبلغ زائريها أنَّها لا تستطيع التراجع. و«حماس» لا تستطيع التراجع. هل نفذ السنوار انقلاباً على تاريخ الضربات المتبادلة مع إسرائيل؟ أين سيكون في «اليوم التالي»؟ هل تقبل «حماس» بالعودة إلى عباءة السلطة وعباس لتفادي كارثة؟ وهل نجح السنوار في قلب المعادلة أم أنَّه ألبس «حماس» حزاماً ناسفاً ودفعها في «عملية استشهادية»؟

————————————————————————————

عودة إلى يوم 7 أكتوبر

محمد سيد رصاص 

وكالة نورث برس 11\12\2023 

كان أغلب قادة العمل الفلسطيني المسلح من اللاجئين الذين اقتلعوا مع عائلاتهم من أرضهم وبيتهم، مثل خليل الوزير(أبوجهاد)وصلاح خلف (أبوإياد) وجورج حبش ووديع حداد ،أوولدوا في مخيمات اللجوء التي لجأ لها أهاليهم، مثل قادة (كتائب القسًام) صلاح شحادة ومحمد الضيف ومروان عيسى ويحيى سنوار.

بعد مايقارب ربع قرن يروي الدكتور جورج حبش (مقابلة مع مجلة “لايف”الأميركية،عدد 12حزيران\يونيو1970) كيف اقتلع مع أبناء مدينة اللد من الديار وساروا في مسيرة بشهر تموز1948ماتت بها أخته مع خمسمئة شخص سميت “مسيرة موت اللد” بدون طعام لعشرات الكيلومترات ولمدة ثلاثة أيام :” لقد شعرت بالإهانة في أحداث1948. فقد أتى الاسرائيليون إلى اللد وأجبرونا على الفرار. إنها صورة لاتغيب عن ذهني ولايمكن أن أنساها . ثلاثون ألف شخص يسيرون..يبكون.. يصرخون من الرعب..نساء يحملن الرضع على أذرعهن ، والأطفال يمسكون بأذيالهن.. والجنود الاسرائيليون يشهرون السلاح في ظهورهن.. بعض الناس سقط على قارعة الطريق، وبعضهم لم ينهض ثانية.. لقد كان أمراً فظيعاً ماإن ترى ذلك حتى يتغير عقلك وقلبك.. فماالفائدة من معالجة الجسم المريض عندما تحدث مثل هذه الأمور؟. يجب على الانسان أن يغير العالم، أن يعمل شيئاً ما ، يجب أن يقتل إذا قضى الأمر، ولوأدى ذلك إلى أن نصبح بدورنا غير انسانيين” .

بالتأكيد كان الدكتور حبش ، وهو يعارض اتفاقية أوسلو عام1993، قد تذكر بأن قائد القوة الاسرائيلية التي اقتلعته من أرضه كان إسحاق رابين، وبالتأكيد قد سخر في قلبه من عبارة ياسر عرفات الذي قال عن رابين “شريكي في السلام”، وهي نفس العبارة التي قالها الرئيس المصري أنور السادات بعد (اتفاقيات كامب دافيد)عام1978عن مناحيم بيغن الذي كان زعيم منظمة (الإرغون)التي نفذت في نيسان\إبريل 1948مجزرة قرية دير ياسين التي راح ضحيتها مائة وسبعة من الرجال والنساء والأطفال. ويمكن لهذا التذكر أوالحنين النوستالجي للأرض أن يكون قد دفعا مروان عيسى ويحيى السنوار للذهاب من بيتهما في خان يونس بالجنوب إلى أقصى شمال قطاع غزة عند بيت لاهيا للتفرج ورؤية  موطن عائلتيهما في عسقلان  أثناء سماء صافية أولرؤية أضوائها في الليل وهي التي لاتبعد سوى أربعة عشر كيلومتراً، وربما قد قسيا على قلبيهما ، وهما من مواليد الستينيات، وذهبا لهناك وتجولا في شوارع عسقلان، وربما أيضاً كان صلاح شحادة(مواليد1952) قد زار يافا وقام محمد الضيف (مواليد1965) بزيارة قرية عائلته:قبيبة من قضاء مدينة الرملة، وذلك بفترة السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات عندما اتبع الاسرائيليون سياسة الأبواب المفتوحة مع الضفة والقطاع.

يمكن للمقطع الذي يتحدث به الدكتور حبش أن يكون مثل الجسر الذي بدايته كلمة (الإهانة) ونهايته (يجب أن يقتل إذا قضى الأمر،ولوأدى ذلك إلى أن نصبح بدورنا غير انسانيين)، وفي هذا السياق عندما أسس الدكتور حبش عام1949(كتائب الفداء العربي)كان ثالوثها :(وحدة، تحرر، ثأر)،وعندما أصبحت بعد عامين النواة ل(حركة القومييين العرب)كان الفرع الفلسطيني للحركة اسمه :(شباب الثأر).

فمن الصعب أن يخرج من فرن (النكبة)أشخاص مثل غاندي ، بل سينطبق على جيل فلسطينيي (النكبة)،وسلالتهم،عنوان مسرحية جون أوزبورن:”انظر خلفك بغضب”  look back in anger   ، وربما كان الغضب الأكبر قد حمله وديع حداد،اللاجى من مدينة صفد،الذي من تحت عباءته خرج (كارلوس) ، وتمرن على يديه (الجيش الأحمر الياباني)و(الجيش الأرمني السري)و(الجيش الجمهوري الايرلندي)و(الألوية الحمراء)و(جماعة بادر- ماينهوف) ، وتحت اشرافه خطفت الطائرات للصحراء الأردنية عام1970وتم خطف طائرة الخطوط الجوية الفرنسية إلى مدينة عينتيبي عام1976،والأرجح أن الغضب الأكبرالثاني هو عند محمد الضيف ويحيى سنوار ومروان عيسى وهم من قادوا كتائب القسًام إلى تنفيذ  عملية 7أوكتوبر.

ولكن ،إذا استعرضنا كل  هؤلاء القادة للكفاح الفلسطيني المسلح لانجد بينهم ساسة سوى أبوجهاد وأبوإياد، وهما كانا في منظمة (فتح)التي تؤمن بأن “العنف هو القابلة القانونية(الداية)للتاريخ” وفق عبارة كارل ماركس ، ومن دون نطفة  ورحم وحبل  لاتحصل الولادة حتى ولوأتت (الداية)، وهذا شيء نجده عند ساسة كبار استخدموا (العنف)مثل ماوتسي تونغ وهوشي مينه ولكنهم كانوا يؤمنون إضافة لعبارة ماركس المذكورة بعبارة كلاوزفيتز:”الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى”، وأيضاً كماشرح ريمون آرون عبارة كلاوزفيتز المذكورة فإن “السياسة استمرار نتائجي للحرب” وهي حصيلة مرآتية لها وبالتالي ف “السياسة استمرار للحرب بوسائل أخرى”، كماأن سياسي كبير،مثل ماوتسي تونغ ، وهو في الوقت نفسه “أعظم من مارس الثورة بعد لينين” وفق تعبير إسحق دويتشر،هو صاحب كراس:”في التناقض”عام1937الذي يدعو فيه إلى مصالحة من قاموا من حزب الكيومنتانغ قبل عشر سنوات في شنغهاي بمجزرة قتل فيها عشرات الآلاف من الشيوعيين لأن “التناقض الرئيسي ” قد أصبح مع الغازي والمحتل الياباني وأصبح “التناقض الثانوي” مع أتباع شيان كاي شيك، وعندما اندحر اليابانيون عام1945أصبح “التناقض الرئيسي” مع الكيومنتانغ الذين دحرهم الشيوعيون عام1949إلى جزيرة فورموزا(تايوان) . أيضاً،هوشي منه، الذي  وحزبه قد هزم اليابانيين والفرنسيين والأميركان، كان لايمنعه (العنف)من أن يقوم بالتسويات ، كماتسوية 1954عندما قبل بوجود دولة فييتنام الجنوبية ثم كان وراء منظمة (الفيتكونغ)التي منذ عام1959جعلت الجنوب الفييتنامي مشتعلاً حتى أتى الأميركان عام1964لنجدته، والشيوعيون الفييتناميون بعد وفاة هوشي مينه عام1969قد قبلوا بتسوية باريس عام1973مع كيسنجر وأقروا ببقاء فييتنام الجنوبية كدولة ، ولكن مع انسحاب عسكري أميركي ، ثم انقضوا عليها وأنهوها بعد سنتين.

يمكن ،هنا،أن يكون أبوجهاد وابوإياد يشبهان الجنرال جياب الفييتنامي  أوتشوتيه القائد العسكري الشيوعي الصيني، ولكن بالتأكيد فإن ياسر عرفات لايشبه هوشي مينه ولاماوتسي تونغ، ولكنهما كانا سيعارضان (أوسلو) لوكانا أحياء، ولكن ليس من منطلق أخلاقي ، مثل الدكتور حبش ، بل من منطلق سياسي يقول أن “الحصيلة لاتوازي الجهد”. 

كتكثيف:سمع كاتب هذه السطور ،خلال شهرين انقضيا من بعد يوم 7أوكتوبر،عبارات مثل:”أذقناهم من الكأس التي أذاقونا إياها” و”عملنا بهم متل ماعملوا بنا”، من أناس سياسيين ومن غير السياسيين ومنهم ربًات بيوت عاديات. في الوقت نفسه أشار الرئيس الأميركي جو بايدن،بمقال نشره في صحيفة”الواشنطن بوست”،في العشرين من الشهر الماضي،أن هدف (حماس)من (7أوكتوبر)هو تقويض مساعي التطبيع السعودي- الاسرائيلي وضرب مشروع (الكوريدور الهندي).

السؤال الآن: هل تنطبق على 7أوكتوبر عبارة كلاوزفيتز:”الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى”؟..أم أنها  هي مجرد ” أذقناهم من الكأس التي أذاقونا إياها”؟…أم أن الحصيلة ستكون موازية لعامي 1948و1967؟..


هدف حماس في غزة

الاستراتيجية التي أدت إلى الحرب – وماذا تعني بالنسبة للمستقبل

ليلى سورات

 11 ديسمبر 2023 – مجلة فورين أفيرز الأميركية

 من بين الجوانب العديدة الملفتة للنظر في هجوم حماس الذي شنته في 7 أكتوبر/تشرين الأول ضد إسرائيل، هناك جانب لم يحظ بتدقيق كبير نسبيا وهو الموقع.  خلال معظم العقد الماضي، لم يعد قطاع غزة يبدو وكأنه ساحة معركة رئيسية للمقاومة الفلسطينية.  وكانت التوغلات المتكررة التي قام بها الجيش الإسرائيلي داخل غزة، بما في ذلك عملية “الجرف الصامد” التي دامت ما يقرب من شهرين في عام 2014، قد حبست حماس في موقف دفاعي.  ومن ناحية أخرى، أدت الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية المتطورة على نحو متزايد إلى جعل هجمات حماس الصاروخية من القطاع غير فعّالة إلى حد كبير، كما أدى الحصار المفروض على غزة إلى عزل القطاع عن بقية العالم.

 وعلى النقيض من ذلك، كانت الضفة الغربية ساحة صراع أكثر وضوحًا.  ومع توسع المستوطنات الإسرائيلية والتوغلات المتكررة للجنود والمستوطنين الإسرائيليين في القرى الفلسطينية، اجتذبت الضفة الغربية – إلى جانب الأماكن المقدسة في القدس – اهتمام وسائل الإعلام الدولية المستمر.  بالنسبة لحماس والجماعات المسلحة الأخرى، كان هذا هو المكان الأكثر ملاءمة لانطلاق المقاومة المسلحة الوطنية الفلسطينية.  والحقيقة أن إسرائيل أدركت هذه الحقيقة على ما يبدو: ففي عشية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت القوات الإسرائيلية مشغولة بمراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية، على افتراض أن غزة لا تشكل تهديداً يذكر باستثناء إطلاق الصواريخ بين الحين والآخر.

 لكن عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول تناقضت بشكل جذري مع هذا الرأي.  ولشن غارتها المميتة فجراً، قام الجناح العسكري لحركة حماس في غزة بتفجير معبر إيريز الحدودي مع إسرائيل واخترق الحاجز الأمني ​​في غزة في نقاط عديدة.  وبقتل أكثر من 1200 إسرائيلي واحتجاز أكثر من 240 رهينة، توقع المهاجمون بوضوح رداً عسكرياً واسع النطاق ضد غزة، وهو التوقع الذي تأكد في الهجوم الجوي والبري العنيف غير المسبوق الذي شنه الجيش الإسرائيلي.  وفي المقابل، سيطرت الحملة الإسرائيلية، التي قتلت أكثر من 17 ألف فلسطيني وتسببت في دمار هائل في جميع أنحاء الأراضي، على اهتمام زعماء العالم ووسائل الإعلام الدولية لأسابيع.  في الجوهر، بعد سنوات من بقاءها في الخلفية، أصبحت غزة قلب المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية.

 إن تجدد مركزية غزة يثير تساؤلات مهمة حول القيادة العليا لحماس.  في السابق، كان من المفترض أن حماس تدار إلى حد كبير من خارج الأراضي الفلسطينية من قبل قادتها الموجودين في عمان ودمشق والدوحة.  لكن هذا الفهم عفا عليه الزمن منذ فترة طويلة.  على الأقل منذ عام 2017، عندما تولى يحيى السنوار قيادة حماس في غزة، لما شهدت حماس تحولًا تنظيميًا تجاه غزة نفسها.  وإلى جانب جعل المنطقة أكثر استقلالية عن قادة حماس الخارجيين، أشرف السنوار على تجديد استراتيجي لحماس كقوة مقاتلة في غزة.  وعلى وجه الخصوص، كان يهدف إلى اتخاذ إجراءات هجومية ضد إسرائيل وربط غزة بالنضال الفلسطيني الأكبر.  وفي الوقت نفسه، قام بتعديل استراتيجيات الحركة لتأخذ في الاعتبار التطورات المتطورة في الضفة الغربية والقدس، بما في ذلك التوترات المتزايدة حول المسجد الأقصى.  ومن عجيب المفارقات هنا أنه بدلاً من عزل غزة، ساعد الحصار الإسرائيلي في الواقع على إعادة القطاع إلى مركز الاهتمام العالمي.

الطريق من دمشق

 كمنظمة سياسية وعسكرية، لدى حماس أربعة مراكز قوة: غزة؛  الضفة الغربية؛  السجون الإسرائيلية، حيث يقبع العديد من كبار مسؤولي حماس؛  و”الخارج” – قيادته الخارجية.  ومن بين هؤلاء الأربعة، كانت القيادة الخارجية، التي تدير المكتب السياسي لحماس، هي التي تسيطر بشكل عام على السياسة.  في عام 1989، خلال الانتفاضة الأولى، قامت إسرائيل بقمع حماس، مما أجبر قادة الحركة على الفرار إلى الأردن ولبنان وسوريا.  وفي حوالي عام 2000، أصبحت دمشق المقر الرئيسي لحماس.

 ومن مناصبهم في الخارج، حافظ هؤلاء القادة على سيطرتهم على الجناح العسكري للحركة في غزة، المعروف باسم كتائب القسام.  كما مارسوا الدبلوماسية مع الزعماء الأجانب وحصلوا على الدعم من مجموعة من المانحين الأجانب، بما في ذلك الجمعيات الخيرية، والمانحين من القطاع الخاص، وبعد بدء عملية السلام في مدريد وأوسلو، من إيران.  خلال هذه السنوات، كان القادة الخارجيون هم المسيطرون؛  بعضهم، مثل خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، نشأ في المنفى.  ومن عمان، ولاحقاً من دمشق، قرر مشعل والزعماء الآخرون الحرب والسلام، وكان على كتائب القسام في الأراضي الفلسطينية أن تتصرف وفقاً لذلك، حتى عندما اختلفوا مع هذه الأوامر من بعيد.

 ولكن أولوية قادة حماس الخارجيين أصبحت موضع شك تدريجياً بعد أن اغتالت إسرائيل الشيخ ياسين، الزعيم الروحي للحركة، في غزة عام 2004. وهناك عدة عوامل مكنت المنظمة في غزة من اكتساب قدر أكبر من النفوذ.  كان الأول هو فوز حماس في انتخابات عام 2006 وتشكيلها للحكومة، قبل وبعد سيطرتها على القطاع في يونيو/حزيران 2007. وبمجرد أن عززت إسرائيل حصارها، تمكن قادة غزة من توليد الإيرادات من خلال التجارة عبر شبكتهم السرية من  من المنظمات غير الحكومية، مما يجعل المنظمة الغزية أقل اعتماداً على الدعم الاقتصادي الذي يقدمه الشتات.

 وقد أدى الربيع العربي بشكل عام والانتفاضة السورية بشكل خاص إلى تسريع التحول نحو غزة.  في بداية الحرب الأهلية السورية، حاول قادة حماس في دمشق التوسط بين النظام السوري والمتمردين السنة.  لكنهم رفضوا الأوامر الإيرانية لإظهار الدعم غير المشروط للرئيس السوري بشار الأسد، وفي فبراير 2012 قرروا أخيرًا مغادرة البلاد.  نائب الرئيس للمكتب السياسي موسى أبو مرزوق استقر في القاهرة؛  ذهب مشعل إلى الدوحة، حيث انتقد بشدة إيران وحزب الله، الذي يساعد الآن نظام الأسد.  رداً على ذلك، علقت إيران دعمها المالي لحماس على مرحلتين: في صيف 2012 وفي مايو 2013، عندما قاتلت كتائب القسام قوات النظام السوري وحزب الله في معركة القصير.  وخفضت إيران مساعداتها الاقتصادية لحماس إلى النصف، من 150 مليون دولار إلى أقل من 75 مليون دولار سنويا.

 وأدت هذه التوترات، إلى جانب تفريق القادة، إلى إضعاف التنظيم الخارجي لحماس.  اعترف غازي حمد، وهو عضو بارز في حركة حماس، عندما أجريت مقابلة معه في غزة في مايو/أيار 2013، بأن “الخروج من سوريا ساعد قيادة غزة كثيراً”. وأضاف: “أنا لا أقول إن غزة قد تفوقت على القادة المتمركزين خارج غزة، ولكن  هناك الآن توازن أكبر بين الاثنين.”  ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من التمزق في سوريا، تمكنت القيادة في غزة من الحفاظ على روابط قوية مع إيران.  وينطبق هذا بشكل خاص على كبار أعضاء كتائب القسام مثل مروان عيسى، نائب قائد الجناح العسكري لحركة حماس في غزة، الذي كان يسافر إلى طهران كلما أمكن ذلك.

 وكان الاستقلال الذاتي المتنامي لمنظمة حماس العسكرية واضحاً أيضاً في حالة جلعاد شاليط، الجندي الإسرائيلي الذي اختطف واقتيد إلى غزة في عام 2006. وكان أحمد الجعبري، زعيم كتائب القسام، هو الذي أمر بأسر شاليط والذي  تفاوض مع حمد على اتفاق 2011 الذي نوقش كثيرًا لإطلاق سراح شاليط.  وبموجب الاتفاق، تم إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مقابل 1027 سجينًا فلسطينيًا محتجزين في السجون الإسرائيلية، واعتبر العديد من الفلسطينيين ذلك انتصارًا كبيرًا لحماس في غزة.  واغتالت إسرائيل الجعبري بعد ذلك بعام، لتبدأ هجومًا عسكريًا جديدًا على قطاع غزة يُعرف باسم عملية “عمود السحاب”.

وفي الوقت نفسه، لعبت العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة في غزة دوراً خاصاً بها في تعزيز نفوذ كتائب القسام.  وعلى الخطوط الأمامية في غزة، يمكن لهؤلاء المقاتلين المطالبة بدور مركزي في الصراع ضد إسرائيل على النقيض من القيادة الخارجية، التي تم تهميشها بشكل متزايد.  واعترافًا بالأهمية المتزايدة للكتائب، انضم ثلاثة من أعضائها في عام 2013 إلى المكتب السياسي لحماس، مما أعطى الجناح المسلح دورًا جديدًا ومباشرًا في صنع القرار السياسي.

 ومع استمرار الحصار، اكتسبت غزة أيضاً أهمية باعتبارها منطقة رمزية ومكاناً للتضحية، وهو الأمر الذي كان قادة حماس السياسيون في حاجة إلى الاعتراف به لتعزيز شرعيتهم.  على سبيل المثال، في عام 2012، احتفالاً بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس حماس، دخل مشعل، الذي كان حينها مرشحاً لإعادة انتخابه رئيساً للمكتب السياسي، إلى غزة للمرة الأولى، وألقى خطاباً استحضر فيه دماء الشهداء والتضحيات.  أمهات غزة “الأبية”.  وقال: “أقول إنني سأعود إلى هنا إلى غزة، حتى لو كانت هذه هي المرة الأولى التي أتواجد فيها هنا، لأن غزة كانت دائما في قلبي”.

 ولكن في السنوات التي تلت عام 2017، أصبحت غزة مركزية بشكل متزايد بالنسبة للقيادة العليا لحركة حماس.  وفي ذلك العام، خلف مشعل في رئاسة المكتب السياسي إسماعيل هنية، الذي كان في السابق رئيسًا لحركة حماس في غزة.  وقد فتحت هذه الخطوة الطريق أمام تعزيز العلاقات بين حماس والإيرانيين، الذين يتعاملون الآن بشكل مباشر مع محاوريهم في غزة.  لعدد من الأسباب، بما في ذلك صعوبات السفر داخل وخارج غزة، والتي تعتمد على حسن النية المصرية، انتقل هنية في نهاية المطاف إلى الدوحة في ديسمبر 2019. لكن رحيل هنية يشير أيضًا إلى وصول السنوار إلى السلطة في غزة، وهو عسكري سابق في حماس.  القائد الذي بدأ ينافس هنية في النفوذ.

 إعادة تسليح المقاومة

 وكان السنوار شخصية حاسمة في تأسيس الجناح العسكري لحركة حماس في الثمانينيات.  ثم أمضى 22 عاماً في السجون الإسرائيلية، حيث ساعد في بناء قيادة حماس؛  تم إطلاق سراحه في أكتوبر 2011 كجزء من صفقة شاليط.  كان لدى السنوار رؤية استباقية للكفاح الفلسطيني المسلح: بالنسبة له، القوة الهجومية وتأكيد القوة هي وحدها القادرة على تمهيد الطريق لمفاوضات أكثر عدالة مع إسرائيل.  وبعد أن أصبح رجل حماس القوي في غزة، بدأ بوضع هذه الرؤية موضع التنفيذ.  وهكذا، سعى إلى استخدام سيطرة حماس على القطاع لانتزاع المزيد من التنازلات من إسرائيل، واستمر في توسيع كتائب القسام، التي يقدر المحللون أن عددها ارتفع من أقل من 10 آلاف مقاتل في العقد الأول من هذا القرن إلى نحو 30 ألف مقاتل أو أكثر.

 وداخل صفوف حماس السياسية، أعرب أحمد يوسف، المستشار السابق لهنية، رسميًا عن تحفظاته بشأن تعيين السنوار.  كان يوسف يشعر بالقلق من أن الكثير من سلطة اتخاذ القرار قد تم تحويلها إلى الأراضي الفلسطينية، وشعر أن القيادة الخارجية يجب أن تستمر في الحصول على الأسبقية.  كما أعرب عن قلقه من أن علاقات السنوار الوثيقة مع الجناح المسلح للحركة يمكن أن تعمل ضد حماس.  ووفقاً ليوسف، فإن ذلك قد يمنح الإسرائيليين ذريعة أخرى للتعامل مع غزة باعتبارها مجرد أرض خصبة للإرهاب الإسلامي.

 وتزامن تواصل حماس مع الفلسطينيين مع تطبيع القادة العرب مع إسرائيل.

لكن السنوار سرعان ما أثبت أنه قادر على تحقيق النتائج.  وفي عامي 2018 و2019، تمكن من تحقيق تخفيف نسبي للحصار الإسرائيلي من خلال تنظيم احتجاجات مسيرة العودة على حواجز غزة مع إسرائيل.  وسرعان ما استغلت حماس هذه الاحتجاجات الأسبوعية، التي اجتذبت عشرات الآلاف من سكان غزة إلى الحدود للاحتجاج على الحصار، لإطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة باتجاه إسرائيل.  ردًا على استراتيجية الضغط هذه، دخلت إسرائيل في نهاية المطاف في سلسلة من الاتفاقيات للسماح بالفتح المحدود للعديد من المعابر الحدودية بالإضافة إلى زيادة الأموال القطرية التي سيتم تسليمها إلى غزة لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.  ومع ذلك، ظل العديد من الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية متشككين في حماس، واتهموها باستخدام المسيرات لصرف الانتباه عن الانتقادات المتزايدة لحكمها واستخدام القوة فقط للدفاع عن مصالحها الخاصة في غزة.

 وفي عام 2021، اغتنم السنوار الفرصة لمعالجة مشكلة مصداقية حماس.  وفي ذلك الوقت، شنت إسرائيل حملة قمع عنيفة على الفلسطينيين الذين كانوا يحتجون على عمليات الإخلاء الإسرائيلية للسكان الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية.  وفي 20 مايو/أيار، وبعد إصدار إنذار نهائي، أطلقت كتائب القسام آلاف الصواريخ على أشدود وعسقلان والقدس وتل أبيب.  وبشكل عفوي، انتفض العرب الإسرائيليون في العديد من المدن الإسرائيلية تضامناً مع الفلسطينيين في القدس، الأمر الذي مكن حماس من إعادة التواصل مع الفلسطينيين خارج غزة وتقديم نفسها باعتبارها حامية المدينة المقدسة.  ومنذ ذلك الحين، ظل اسم أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، يردد كلما احتج الفلسطينيون في القدس أو الضفة الغربية.

 ومن الجدير بالذكر أن التواصل المتزايد للقيادة في غزة مع الفلسطينيين خارج غزة جاء بعد فترة وجيزة من تطبيع العلاقات بين البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة مع إسرائيل.  ومن خلال الانضمام إلى هذه الاتفاقيات التي توسطت فيها الولايات المتحدة – والمعروفة باسم “اتفاقيات أبراهام” – أوضحت هذه الدول العربية أنها مستعدة لاتخاذ مثل هذه الخطوة التاريخية على الرغم من الاحتمال الذي يلوح في الأفق بضم إسرائيلي كامل للضفة الغربية.  بالنسبة للفلسطينيين، كان هذا يُنظر إليه بأغلبية ساحقة على أنه خيانة.  وهكذا، ففي الوقت الذي كانت فيه الدول العربية تشير إلى أنها لن تدافع بعد الآن عن الفلسطينيين، كانت حماس في غزة تدافع عن الضفة الغربية والقدس.

 منذ عام 2021، حرصت حماس أيضًا على العمل تضامنًا مع الفلسطينيين ضد التهديدات الإسرائيلية المتزايدة للمسجد الأقصى في القدس، الرمز الوطني للفلسطينيين.  وفي هذا السياق، فإن عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر التي نفذتها حماس – والتي تسميها طوفان الأقصى – هي جزء من نفس منطق استخدام القوة الهجومية للدفاع عن الأراضي الفلسطينية ككل.  ومن الجدير بالذكر أن قرار الهجوم يبدو أنه جاء من داخل منظمة حماس في غزة ولم يشمل القيادة الخارجية للحركة.

 رواية قصة مختلفة

 منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية، نشرت حماس أيضًا استراتيجية إعلامية منسقة للتأكيد على مركزية غزة في النضال الفلسطيني.  وكان أهمها قدرة التنظيم على التواصل مع العالم الخارجي أثناء القتال.  وعلى الرغم من التعتيم على الإنترنت في غزة، والقصف الإسرائيلي المكثف، وتدمير البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية في جميع أنحاء القطاع، واصلت حماس بث المعلومات من ساحة المعركة، مما يوفر رواية مضادة متواصلة للروايات الإسرائيلية الرسمية عن الحرب.  من خلال نشر مقاطع فيديو شبه يومية لتدمير الدبابات الإسرائيلية والادعاءات الصعبة حول استخدام المستشفيات كدروع بشرية، تناقضت كتائب القسام ومنظمة حماس في غزة بشكل عام مع الادعاءات الإسرائيلية وحافظت على بعض التأثير على تغطية الحرب من قبل وسائل الإعلام الدولية.

 ولا يبدو أن قادة حماس الخارجيين في الدوحة منخرطون في هذه الحملة الإعلامية، التي تم إملاءها وتوجيهها من غزة.  وعلى النقيض من اتصالات حماس خلال عملية الرصاص المصبوب، والهجوم الإسرائيلي على غزة في عامي 2008 و2009، لم يعد رئيس المكتب السياسي لحماس هو الذي يعلق على الأحداث الجارية من موقع خارجي، بل أصبح القائد العسكري – أبو عبيدة – هو الذي يعلق على الأحداث الجارية.  الأرض في غزة نفسها.  في الواقع، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن السنوار وبقية قيادة حماس في غزة لايرتاحون إلى  أعضاء الحركة في الدوحة، الذين يعيشون في مكان مريح وفاخر بعيدًا عن الصراع.

ومن ناحية أخرى، كان لممثلي حماس في لبنان دور مهم في حرب المعلومات الحالية.  يعقد أسامة حمدان، الرئيس السابق لدائرة العلاقات الخارجية في حماس وأحد أبرز الشخصيات في المكتب السياسي، مؤتمرات صحفية منتظمة في بيروت يتحدى فيها الروايات الإسرائيلية عن الحرب.  وخلافاً لشخصيات حماس الأخرى، التي تخشى أن يكون السنوار قريباً جداً من كتائب القسام، يعتبر حمدان أن التقارب بين جناحي حماس المدني والعسكري أمر طبيعي تماماً.  كما أنه يشارك السنوار وجهة نظره بأن استخدام القوة فقط هو الذي يمكن أن يساعد القضية الفلسطينية.  (في مقابلة أجريتها مع حمدان عام 2017 في بيروت، قارن حمدان بالقيادة الإسرائيلية، مشيراً إلى أن “القادة السياسيين في إسرائيل، سواء نتنياهو أو رابين أو باراك أو بيريز، كانوا جميعاً أمراء حرب قبل أن يتولوا المسؤوليات السياسية.  “)

 وسعى حمدان في تصريحاته إلى تصوير الحرب ليس على أنها معركة حماس بل كنضال عام من أجل تحرير فلسطين، ويدعو بقية العالم إلى دعم الفلسطينيين ضد ما يشير إليه بـ”الإمبريالية الأمريكية الصهيونية”.   ووفقا له، فقد أدى هجوم 7 أكتوبر إلى العديد من المكاسب للفلسطينيين: إطلاق سراح الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل، ووضع الجيش الإسرائيلي في وضع صعب على الأرض، وإجبار السكان الإسرائيليين على إخلاء البلدات الشمالية المتاخمة للبنان ومن المناطق  المحيطة بغزة.  ويزعم حمدان أن الصعوبات المتزايدة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في حملته البرية في غزة هي التي جعلت إسرائيل مستعدة لوقف القتال وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين.  ويؤكد حمدان أيضاً أن إسرائيل قررت استئناف عمليتها العسكرية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر لأنها فشلت في تحقيق أهدافها خلال المرحلة الأولى من القتال.

 ولم تمر رواية حماس دون منازع في وسائل الإعلام العربية الرسمية، وخاصة في المملكة العربية السعودية، التي كانت تقليديا معادية للحركة.  لكن تصريحات أبو عبيدة وحمدان كان لها تأثير كبير سواء في العالم الفلسطيني الكبير أو بين السكان العرب في الدول المجاورة، والذين قد يكون بعضهم أكثر تعاطفاً مع حماس مما كانوا عليه قبل الحرب.  وبشن عملياتها، أظهرت حماس أن إسرائيل ليست دولة لا تقهر، على النقيض من منظمة التحرير الفلسطينية، التي يشعر العديد من الفلسطينيين أنها لم تفعل إلا أقل القليل لتعزيز قضيتهم.  وحتى لو كان الثمن باهظاً، فإن هجوم حماس جعل مشروع التحرير ملموساً بالنسبة للفلسطينيين؛  ومن خلال استفزاز إسرائيل لإطلاق العنان لغزوها المدمر والقتل الجماعي للمدنيين، فقد لفتت أيضًا انتباهًا عالميًا غير عادي إلى وحشية الاحتلال الإسرائيلي والسيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.  ومن المحتمل أن يكون لهذه النتائج عواقب عميقة على مستقبل الصراع.

في أي يوم بعد؟

 في الأسابيع التي تلت شن حماس هجومها، تركز قدر كبير من الاهتمام الدولي على المذبحة غير المسبوقة التي ارتكبت بحق المدنيين الإسرائيليين.  والأمر الأقل إثارة للاهتمام هو ما كشفه الهجوم عن التحولات الاستراتيجية داخل حماس نفسها.  ومن خلال إرغام إسرائيل على شن حرب ضخمة على غزة، قلبت عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول المفهوم السائد عن غزة باعتبارها منطقة تم تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، والتي يمكن الحفاظ على وضعها الراهن باعتبارها جيباً معزولاً إلى أجل غير مسمى.  ومهما كانت التكلفة الكبيرة التي تحملها سكان غزة أنفسهم، فقد حققت الحرب بالفعل أهدافها المتمثلة في جعل غزة جزءاً أساسياً من نضال التحرير الفلسطيني، ووضع هذا النضال في مركز الاهتمام الدولي.

 وفي المقابل، بالنسبة للفلسطينيين، أعادت الحرب ربط غزة ببعض الصدمات المركزية في تجربتهم التاريخية.  إن التهجير القسري لسكان غزة إلى الطرف الجنوبي من القطاع الساحلي، الذي قدمته إسرائيل كإجراء إنساني طارئ – فضلاً عن الخطط التي تمت مناقشتها داخل إدارة نتنياهو لنقل سكان غزة إلى صحراء سيناء – قد أعاد صياغة الوضع في غزة في غضون فترة طويلة من الزمن.  تاريخ أطول من طرد الفلسطينيين الذي بدأ منذ عام 1948. وتكتسب هذه الجهود الحالية لتهجير أو إبعاد سكان غزة أهمية أكبر نظرًا لأن معظم أولئك الذين أُجبروا على الرحيل ينحدرون من عائلات كانت بالفعل لاجئة بسبب أزمة عام 1948.  بالنسبة للعديد منهم – بما في ذلك مئات الآلاف الذين رفضوا مغادرة الجزء الشمالي من القطاع – فإن الوضع يكرر هذه الاضطرابات السابقة.  وكما يرون، فإن الطريقة الوحيدة لتجنب خطر حدوث نكبة ثانية (أو “كارثة”) هي البقاء في غزة، بغض النظر عن حجم الدمار.

 ومع تعرض غزة مرة أخرى لقصف مكثف بعد انهيار وقف إطلاق النار الذي استمر سبعة أيام، تناقش إسرائيل والولايات المتحدة سيناريوهات مختلفة “لليوم التالي”.  ورغم أن البلدين يختلفان حول العديد من القضايا، بما في ذلك إمكانية تشكيل حكومة بقيادة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهو ما ترفضه إسرائيل، فإن البلدين مصران على القضاء التام على حماس.  لكن هذا الهدف في حد ذاته قد يرتكز على فهم للمنظمة لا يأخذ في الاعتبار واقعها الحالي.  حتى الآن، وعلى الرغم من الهجوم الذي دام خمسة أسابيع من قبل أحد أقوى الجيوش في العالم – وهو الهجوم الذي اضطرت فيه الأغلبية الساحقة من سكان غزة إلى مغادرة منازلهم وقُتل أكثر من 17 ألف شخص – فإن حماس لا تظهر سوى القليل من الدلائل على أنها قد تم استهدافها و القضاء عليها.  فهي لم تتمكن من الحفاظ على نفسها فحسب؛  كما أكدت استقلاليتها عن القيادة الخارجية للمنظمة وكذلك عن حلفائها العرب وإيران، التي لم يتم تحذيرها من الهجوم.  إن قدرة المنظمة في غزة على البقاء قوة حتى الآن، في ظل قيادة منظمة للغاية، وحضور إعلامي، وشبكة من الدعم، تثير تساؤلات جدية حول جميع المناقشات الحالية حول مستقبل الحكم في قطاع غزة.

 في الوقت الحاضر، ومع فشل قواتها في تحقيق أهدافها في غزة، كثفت إسرائيل عملياتها العسكرية في الضفة الغربية من خلال الغارات اليومية، والاعتقالات الجماعية، وحملات القمع الشاملة.  وهذا لا يثير فقط احتمال نشوب حرب على جبهتين بعد سنوات من الجهود الإسرائيلية لفصل الأراضي الفلسطينية المحتلة عن قطاع غزة بل  ويشير أيضًا إلى أن الجيش الإسرائيلي نفسه قد يساعد في تعزيز هدف حماس المتمثل في إعادة ربط غزة بالنضال الأوسع من أجل تحرير فلسطين.

————————————————————————————

الولايات المتحدة لن تتراجع أمام تحدي بوتين

وحماس

الرئيس جو بايدن

٢٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣ – الواشنطن بوست 

 جو بايدن، ديمقراطي، رئيس الولايات المتحدة

يجد العالم نفسه اليوم أمام منعطف رئيسي، حيث تحدد الاختيارات التي نتخذها في كل مكان ــ بما في ذلك تلك التي نتخذها في أزمتي أوروبا والشرق الأوسط ــ اتجاه مستقبلنا أمام الأجيال قادمة.

كيف سيبدو عالمنا بمجرد انتهاء هذه الصراعات؟ هل سننجح في منع حماس من القيام بأعمال عنف متطرفة؟ فهل يستطيع الإسرائيليون والفلسطينيون في نهاية المطاف أن يتعايشوا بسلام في ظل دولتين منفصلتين لشعبين مختلفين؟

هل سنتمكن من تحميل فلاديمير بوتين المسؤولية عن عدوانه، لكي يستطيع شعب أوكرانيا أن يعيش حرا وتظل أوروبا مرساة للسلام والأمن العالميين؟

ثم السؤال الأكبر: هل سنواصل تحقيق رؤيتنا الإيجابية للمستقبل بإصرار وتصميم، أم أننا سنسمح لأولئك الذين لا يشاركوننا قيمنا أن يجروا العالم إلى مكان أكثر خطورة وانقساما؟

يقاتل كل من بوتين وحماس من أجل هدف مشترك، هو محو ديمقراطية مجاورة لكل من بلديهما من على الخريطة. ويأمل كل من بوتين وحماس في انهيار الاستقرار والتكامل الإقليميين على نطاق أوسع والاستفادة من الفوضى التي قد تترتب على ذلك. بيد أن أميركا لا يمكنها أن تسمح بحدوث ذلك، ولن تسمح بذلك، من أجل مصالح أمننا القومي – ومن أجل خير العالم أجمع.

إن الولايات المتحدة، إدراكا منها لدورها كدولة أساسية، تتعاون مع حلفائها وشركائها لمواجهة هؤلاء المعتدين وتعزيز مستقبل أكثر سلاما. إن العالم يتطلع إلى الولايات المتحدة من أجل القيادة في التصدي للتحديات المعاصرة، ومن واجبنا أن نتولى القيادة، لأننا إذا ابتعدنا عن تحديات اليوم، فإن خطر الصراع قد ينتشر، وسوف ترتفع تكاليف التصدي له. لن نسمح بحدوث ذلك.

وهذه القناعة هي الأساس الذي يقوم عليه نهجي في دعم شعب أوكرانيا وهو يواصل الدفاع عن حريته ضد حرب بوتين الوحشية.

ونحن نعلم من حربين عالميتين شهدهما القرن الماضي أنه عندما يستمر العدوان في أوروبا دون رد، فإن الأزمة لن تنتهي من تلقاء نفسها. بل ستسبب بجر أمريكا مباشرة. ولهذا السبب فإن التزامنا تجاه أوكرانيا اليوم هو استثمار في أمننا. فهو يمنع نشوب صراع أوسع نطاقا مستقبلا.

ومع ذلك، فنحن نبقي القوات الأمريكية خارج هذه الحرب من خلال دعم الأوكرانيين الشجعان الذين يدافعون عن حريتهم ووطنهم. ونحن نقدم لهم الأسلحة والمساعدات الاقتصادية لوقف حملة بوتين بوتين التوسعية، ومنع الصراع من الانتشار بشكل أكبر.

لا تفعل الولايات المتحدة ذلك بمفردها. لقد ضمت أكثر من 50 دولة جهودها معنا لضمان حصول أوكرانيا على الدعم اللازم لحماية نفسها. ويلعب شركاؤنا دورا مهما في تحمل العبء الاقتصادي لمساعدة أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، قمنا بتعزيز وتوحيد حلف شمال الأطلسي، وهو ما يعزز أمننا من خلال الاستفادة من القوة الجماعية لحلفائنا. لقد أوضحنا أيضا بشكل لا لبس فيه أننا سندافع عن كل شبر من أراضي الناتو لردع أي عدوان روسي محتمل. ويقف حلفاؤنا في آسيا أيضا إلى جانبنا، ويظهرون دعمهم لأوكرانيا والتزامهم بمحاسبة بوتين، مدركين للعلاقة الجوهرية بين الاستقرار في أوروبا ومنطقة المحيط الهادئ والهندي.

من جانب آخر، رأينا أيضا عبر التاريخ كيف يمكن للصراعات في الشرق الأوسط أن تطلق العنان لعواقبها في جميع أنحاء العالم.

إننا نقف بثبات إلى جانب الشعب الإسرائيلي وهو يدافع عن نفسه ضد العدمية القاتلة التي تمارسها حماس. في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ذبحت حماس 1200 شخص، من بينهم 35 مواطنا أمريكيا، في أسوأ مذبحة ترتكب ضد الشعب اليهودي في يوم واحد منذ المحرقة. لقد تم تشويه وقتل الرضع والأطفال الصغار، والأمهات والآباء، والأجداد، والأشخاص ذوي الإعاقة، وحتى بعض الناجين من المحرقة. وذبحت عائلات بأكملها في منازلهم. قُتل شبان بالرصاص في مهرجان موسيقي. جثث مثقوبة بالرصاص ومحترقة لدرجة يصعب التعرف عليها. وعلى مدار أكثر من شهر، ظلت عائلات أكثر من 200 رهينة احتجزتها حماس، بما في ذلك أطفال ومواطنون أميركيون، تعيش في الجحيم، وهي تنتظر بفارغ الصبر معرفة ما إذا كان أحباؤها على قيد الحياة أم موتى. ولغاية كتابة هذه السطور، أقوم أنا وفريقي ساعة بساعة ببذل كل ما في وسعنا لإطلاق سراح الرهائن.

وفيما لا يزال الإسرائيليين في حالة ذهول ويعانون من صدمة هذا الهجوم، تعد حماس بأنها سوف تحاول بلا هوادة تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولقد قالت بوضوح شديد إنها لن تتوقف.

إن الشعب الفلسطيني يستحق دولته الخاصة ومستقبلا من دون تأثير حماس. وإنني لأشعر بحزن عميق إزاء الصور المؤلمة القادمة من غزة والخسارة المأساوية للعديد من الأرواح البريئة، بما في ذلك الأطفال. الأطفال الفلسطينيون يشعرون بالحزن على والديهم المفقودين، بينما يلجأ الآباء إلى كتابة اسم طفلهم على أيديهم أو أرجلهم في حالة حدوث الأسوأ. يعمل أخصائيو الرعاية الصحية الفلسطينيون بلا كلل وبموارد محدودة لإنقاذ كل حياة ثمينة يمكنهم إنقاذها. إن كل حياة فلسطينية بريئة تُفقد هي مأساة تؤلم القلب وتمزق العائلات والمجتمعات.

لا ينبغي أن يكون هدفنا ببساطة وقف الحرب اليوم، بل يجب أن يكون إنهاء الحرب إلى الأبد، وكسر دائرة العنف المتواصل، وبناء وضع أقوى في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط حتى لا يستمر التاريخ في تكرار نفسه.

قبل أسابيع فقط من السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، التقيت في نيويورك برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكان الموضوع الرئيسي الذي تناولناه في حديثنا يتركز حول جملة من الالتزامات الجوهرية التي من شأنها أن تساعد إسرائيل والأراضي الفلسطينية على الاندماج بشكل أفضل في الشرق الأوسط الكبير. وهذه هي أيضا الفكرة وراء الممر الاقتصادي الإبداعي الذي سيربط الهند بأوروبا عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، والذي أعلنت عنه مع شركائي في قمة مجموعة العشرين في الهند في أوائل سبتمبر/أيلول. والفكرة الرئيسية وراء هذه الجهود هي تعزيز التكامل بين هذه الدول. وهذا بدوره يؤدي إلى أسواق أكثر قابلية للتنبؤ بها ويجذب المزيد من الاستثمار ويساهم تحسين الاتصال الإقليمي، الذي يشمل البنية التحتية المادية والاقتصادية، في ارتفاع معدلات التوظيف وخلق المزيد من الفرص، وخاصة للشباب. إن هدفنا في الشرق الأوسط هو العمل من أجل تحقيق هذا المستقبل، الذي لا يتسامح مع العنف والعداء الذي تمارسه حماس. وفي اعتقادي أن حماس هي التي حرضت على الأزمة الحالية في محاولة لتقويض الأمل في مثل هذا المستقبل.

ومما لا لبس فيه أن حل الدولتين هو الوسيلة الوحيدة لضمان الأمن الدائم لكل من السكان الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى الرغم من أن هذه الأزمة تبدو في الوقت الحالي بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى، إلا أن هذه الأزمة جعلتها أكثر ضرورة من أي وقت مضى.

إن حل الدولتين، الذي يتميز بوجود شعبين متميزين يتعايشان مع المساواة في الحصول على الحرية والفرص والكرامة، هو الطريق نحو السلام الدائم. ولا شك في أن تحقيق هذا الهدف يتطلب التزامات من الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك من الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا. ومن الضروري أن يبدأ هذا العمل على الفور.

وسعيا لتحقيق هذا الهدف، طرحت الولايات المتحدة مبادئ أساسية لتجاوز هذه الأزمة، حيث قدمت إطارا أساسيا يمكن للعالم البناء عليه.

بداية، يجب ألا تُستخدم غزة مرة أخرى كمنصة للإرهاب. ويجب ألا يكون هناك تهجير قسري للفلسطينيين من غزة، ولا إعادة احتلال، ولا حصار، ولا تقليص في الأراضي. وبعد انتهاء هذه الحرب، يجب أن تكون أصوات الشعب الفلسطيني وتطلعاته في قلب الحكم بعد الأزمة في غزة.

وفي سعينا الحثيث من أجل السلام، لا بد من إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظل هيكل حكم واحد، في نهاية المطاف في ظل سلطة فلسطينية متجددة، بينما نعمل جميعا نحو حل الدولتين. لقد كنت أؤكد في لقاءاتي مع قادة إسرائيل أن العنف المتطرف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية يجب أن يتوقف، ولا بد لأولئك الذين يرتكبون أعمال العنف من أن يخضعوا للمساءلة. والولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ خطواتنا الخاصة، بما في ذلك إصدار حظر على تأشيرات الدخول ضد المتطرفين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية.

ويجب على المجتمع الدولي تخصيص الموارد لدعم سكان غزة في أعقاب هذه الأزمة مباشرة، بما في ذلك التدابير الأمنية المؤقتة، وإنشاء آلية لإعادة الإعمار لتلبية احتياجات غزة على المدى الطويل بشكل مستدام. ومن الضروري ألا تنطلق أي تهديدات إرهابية مرة أخرى من غزة أو الضفة الغربية.

فإذا تمكنا من الاتفاق على هذه الخطوات الأولى، وأخذناها مجتمعة، فيمكننا أن نبدأ في تصور مستقبل مختلف. وفي الأشهر المقبلة، سوف تضاعف الولايات المتحدة جهودها لإقامة شرق أوسط أكثر سلما وتكاملا وازدهارا –منطقة لا يمكن أن يتكرر فيها يوم مثل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وفي غضون ذلك، سنواصل العمل لمنع هذا الصراع من الانتشار والتصعيد. لقد أمرت مجموعتين من حاملات الطائرات الأمريكية بالذهاب إلى المنطقة لتعزيز الردع. نحن نلاحق حماس وأولئك الذين يمولون ويسهلون إرهابها، ونفرض جولات متعددة من العقوبات لإضعاف الهيكل المالي لحماس، وقطعها عن التمويل الخارجي ومنع الوصول إلى قنوات التمويل الجديدة، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد كنت واضحا أيضا في أن الولايات المتحدة ستفعل ما هو ضروري للدفاع عن القوات والأفراد الأمريكيين المتمركزين في جميع أنحاء الشرق الأوسط – وقد استجبنا عدة مرات للضربات الموجهة ضدنا.

كما سافرت على الفور إلى إسرائيل ــ وكنت أول رئيس أميركي يفعل ذلك أثناء الحرب ــ لإظهار التضامن مع الشعب الإسرائيلي والتأكيد للعالم على أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل. إن من واجب إسرائيل ومن حقها أيضا أن تدافع عن نفسها. وأثناء وجودي في تل أبيب، نصحتُ الإسرائيليين أيضا بعدم السماح لألمهم وغضبهم بتضليلهم ودفعهم إلى ارتكاب الأخطاء التي ارتكبناها بأنفسنا في الماضي.

منذ البداية، دعت إدارتي إلى احترام القانون الإنساني الدولي وتقليل الخسائر في الأرواح البريئة إلى الحد الأدنى، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين. وفي أعقاب هجوم حماس على إسرائيل، انقطعت المساعدات عن غزة، وتضاءلت احتياطيات الغذاء والمياه والأدوية بسرعة. وكجزء من مهمتي خلال سفري إلى إسرائيل، عملت بشكل وثيق مع قادة إسرائيل ومصر للتوصل إلى اتفاق لاستئناف تسليم المساعدات الإنسانية الأساسية لسكان غزة. وفي غضون أيام، بدأت الشاحنات المحملة بالإمدادات في عبور الحدود مرة أخرى. واليوم، تدخل ما يقرب من 100 شاحنة مساعدات إلى غزة من مصر يوميا، ونحن نواصل العمل على زيادة تدفق المساعدات أضعافًا مضاعفة. لقد دعوت أيضا إلى هدنة مؤقتة لأسباب إنسانية في الصراع للسماح للمدنيين بمغادرة مناطق القتال النشط وللمساعدة في ضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين. واتخذت إسرائيل خطوة إضافية تتمثل في إنشاء ممرين إنسانيين وتنفيذ وقف يومي للقتال لمدة أربع ساعات في شمال غزة للسماح للمدنيين الفلسطينيين بالفرار إلى مناطق أكثر أمانا في الجنوب.

وتتناقض هذه الجهود بشكل حاد مع التكتيكات البغيضة التي تتبعها حماس كمنظمة إرهابية، والتي تنطوي على التخفي بين المدنيين الفلسطينيين واستخدام الأطفال والأبرياء كدروع بشرية وزرع أنفاق إرهابية تحت المستشفيات والمدارس والمساجد والمباني السكنية، وكلها تؤدي إلى حصيلة مأساوية من الموت والمعاناة بين السكان الإسرائيليين والفلسطينيين الأبرياء. لو كانت حماس مهتمة حقا بحياة الفلسطينيين، لأطلقت سراح جميع الرهائن، ونزعت سلاح المسؤولين عن حادثة 7 أكتوبر/تشرين الأول ، وسلمتهم للمحاسبة.

وما دامت حماس متمسكة بإيديولوجية التدمير، فإن وقف إطلاق النار لن يصنع السلام. وبالنسبة لأعضاء حماس فإن كل وقف لإطلاق النار يمثل لهم فرصة لإعادة بناء مخزونهم من الصواريخ، وإعادة تمركز المقاتلين، وبدء عمليات القتل من خلال مهاجمة الأبرياء مرة أخرى. إن النتيجة التي تسمح لحماس بالسيطرة على غزة من شأنها أن تؤدي مرة أخرى إلى إدامة كراهيتها وحرمان المدنيين الفلسطينيين من الفرصة لبناء شيء أفضل لأنفسهم.

وهنا في الوطن، في اللحظات التي يكون فيها الخوف والشك والغضب على أشدها، يتعين علينا أن نعمل بجد أكبر للتمسك بالقيم التي تجعلنا ما نحن عليه. نحن أمة الحرية الدينية وحرية التعبير. لدينا جميعا الحق في النقاش والاختلاف والاحتجاج السلمي، ولكن دون خوف من استهداف المدارس أو أماكن العمل أو أي مكان آخر في مجتمعاتنا.

في السنوات الأخيرة، تم توفير الكثير من الأكسجين للكثير من الكراهية، مما أدى إلى تأجيج العنصرية والارتفاع المثير للقلق في معاداة السامية في أمريكا. وقد تكثف ذلك في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. تشعر العائلات اليهودية بالقلق من استهدافها في المدرسة، أثناء ارتداء رموز عقيدتها في الشارع أو أثناء ممارسة حياتها اليومية. وفي الوقت نفسه، يشعر عدد كبير جدا من الأميركيين المسلمين، والأميركيين العرب، والأميركيين الفلسطينيين، والعديد من المجتمعات الأخرى، بالغضب والألم، خوفا من عودة كراهية الإسلام وانعدام الثقة التي شهدناها بعد 11 سبتمبر/أيلول.

لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي عندما تطل الكراهية برأسها. ويجب علينا، دون لبس، أن ندين معاداة السامية، وكراهية الإسلام، وغيرها من أشكال الكراهية والتحيز. ويجب علينا أن ننبذ العنف والانتقاد اللاذع وأن ننظر إلى بعضنا البعض ليس كأعداء، بل كمواطنين أميركيين.

وفي خضم العنف والمعاناة السائدين في أماكن مثل أوكرانيا وإسرائيل وغزة والعديد من البلدان الأخرى، قد يكون من الصعب تصور إمكانية وجود واقع مختلف. ومع ذلك، يجب علينا أن نتذكر دائما الدرس الذي علمنا إياه التاريخ مرارا: من خلال المآسي والاضطرابات الهائلة، يمكن تحقيق تقدم كبير. ويستلزم هذا التقدم المزيد من الأمل، ومزيدا من الحرية، كما يتطلب تقليل الغضب، وتقليل المظالم، وتقليل الصراع. ومن الأهمية بمكان أن نحافظ على تصميمنا على تحقيق هذه الأهداف، وخاصة في هذه اللحظة حيث تشتد الحاجة إلى رؤية واضحة، وأفكار طموحة، وشجاعة سياسية.

وهذه هي الاستراتيجية التي ستستمر إدارتي في قيادتها، سواء أفي الشرق الأوسط، أم في أوروبا، أم في مختلف أنحاء العالم. إن كل خطوة نتخذها نحو تحقيق هذا المستقبل تمثل تقدما يعزز الأمن العالمي ويقوي الولايات المتحدة الأمريكية.

————————————————————————————

اعلام عبري: وصول أولى شحنات الجسر البري بين الإمارات وإسرائيل مرورا بالأردن والسعودية

لندن- عربي 21 16 ديسمبر 2023

وصلت الدفعة الأولى من الشحنات التجارية المحملة بالمواد الغذائية الطازجة من دبي إلى الاحتلال الإسرائيلي من خلال الجسر البري الجديد البديل للبحر الأحمر عبر موانئ دبي مروراً بالسعودية والأردن ويبلغ طوله ألفي كيلو متر وتستغرق الرحلة يومين، بحسب وسائل إعلام عبرية. 
وكشفت صحيفة “واللا” العبرية، أنه تتم إدارة عمليات النقل من خلال تطبيق النقل الإسرائيلي Trakent ، الذي يجذب بين أصحاب الشاحنات والعملاء الذين يحتاجون إلى النقل، وصمم في سبيل تشغيل جسر بري من موانئ دبي كبديل للرحلات البحرية عبر البحر الأحمر، لاستيراد وتصدير المنتجات الغذائية الطازجة التي لن تنجو من رحلة السفينة حول أفريقيا. 
وقالت الصحيفة إنه تم بنجاح تدشين لخط نقل بري جديد في الشاحنات عبر موانئ دبي، مرورا من المملكة العربية السعودية والأردن.
وأضافت أنه في الأسابيع الأخيرة، أكملت عشر شاحنات أولى الطريق الطويل من موانئ الخليج العربي إلى الاحتلال الإسرائيلي.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الشركة عن توقيع اتفاقية تعاون مع شركة الخدمات اللوجستية الإماراتية Puretrans FZCO ومشغل شركة ميناء دبي DP WORLD لنقل البضائع من الخليج إلى ميناء حيفا والعودة، تم الانتهاء من الشحنات التجريبية هذا الأسبوع.
من المتوقع أن يوفر الجسر البري، الذي حصل على موافقة وزارة الدفاع والحكومة الإسرائيلية، بديلاً أسرع من المعبر عبر قناة السويس, وأسرع حتى بالنسبة للمسار الخارجي لاستيراد البضائع في السفن التي تضطر إلى تجاوز رأس الرجاء الصالح وتمديد الطريق بمتوسط حوالي ثلاثة أسابيع للابتعاد عن تهديدات الحوثي، وفق الصحيفة.
واستغرقت الرحلة البرية من دبي على بعد 2550 كم أربعة أيام، ومن البحرين 1700 كيلومتر يومين وسبع ساعات.
وذكرت الصحيفة أن تكلفة الجسر البري حوالي 1.2 دولار لكل كيلومتر، أغلى قليلاً من النقل البحري في الأيام العادية، ولكنه رخيص نسبيا. 
بالإضافة إلى ذلك، فإن تسليم البضائع أسرع بكثير، مع توفير الوقت الحرج عندما يتعلق الأمر باستيراد وتصدير السلع ذات العمر القصير مثل المنتجات الغذائية الطازجة، أو المواد الخام والمنتجات التي وصلت إليها أمر ملح للعملاء، وفقا لـ”واللا”.
في الوقت نفسه، ذكرت الصحيفة أن الجسر “قناة يمكنها خدمة الشركات من دبي وحتى الهند لتقصير أوقات نقل منتجاتها إلى أوروبا بشكل كبير عبر ميناء حيفا وميناء الخليج, مع توفير حوالي 10 أيام مقارنة بالعبور في قناة السويس وحوالي شهر الآن حيث تتجنب السفن دخول البحر الأحمر وتشرع في تجاوز أفريقيا”. 



ليس دفاعاً عن اليسار السوري

مازن كم الماز


يمكن أن تقول ما تشاء عن “اليسار” السوري فجسد اليسار السوري لبيس كما يقال و في تاريخه و حاضره ما يكفي من مصائب يكفي لتجعل منه بالفعل هدفًا للنقد و النقد اللاذع أيضًا ، فاليسار عرف عبادة الفرد و غياب حتى المركزية الديمقراطية التي يفترض أن تحكم الحياة الداخلية للأحزاب الشيوعية و أخواتها و عرف الدوغماتية و مارسها بحماسة و خضع لتوجيهات الرفيق الأكبر على الضد من مصالح الطبقات السورية الكادحة و أحيانًا حتى على الضد من مصالحه هو المباشرة و كان موقف الكثير من “اليساريين” السوريين من الثورة السورية مخيبًا ، ذيليا مائعًا بلا أية نكهة يسارية و ما مارسه الحزب أو الأحزاب الشيوعية الرسمية تجاه النظام مارسه خصومهم تجاه المعارضة الرسمية و خاصة الإسلاميين و غابت شعارات اليسار عن العدالة و الحرية و استبدلت تارةً بشعارات الدفاع عن الوطن ( النظام ) أو بالديمقراطية تحديدًا كأكثرية طائفية و قومية رغم الإصرار في نفس الوقت على الأقليات القومية و الدينية العربية و الإسلامية في بلاد اللجوء في فصام غير محير بالمرة … لكن حتى أسوأ مواقف الشيوعيين الرسميين الخانعة و الوجلة لم تكن هي المسؤولة عن هزيمة الثورة بينما تكمن أسباب الخراب و الهزيمة في مكان آخر تمامًا : عند الإسلاميين السوريين الذين تصدروا المشهد الرسمي و العسكري و الذين ساقوا غالبية جماهير الثورة وراءهم من هزيمة لأخرى مكتفين بتوزيع الاتهامات على الباقين … إن انتقاد اليساريين و الشيوعيين السوريين اليوم هو فقط لأن حيطهم واطي و لأنه لا توجد دولة اقليمية أو عالمية تدعمهم خلافًا للإسلاميين الذين يخطب ودهم الكثيرون ليس لأنهم على حق بالضرورة … أعتقد بناءً على سيرة قيادات الحزبين الشيوعيين الرسميين الانتهازية أنهم كانوا سيقفزون من سفينة النظام الغارقة لو أن الثورة السورية اقتربت بالفعل من إسقاط النظام و إذا تأخروا في فعل ذلك فكانوا سيدفعون وحدهم ثمن تلك “الهفوة” … أعتقد أن المشكلة الأكثر تأثيرًا كانت في انضمام شخصيات كرياض حجاب و موظفين كبار آخرين في النظام إلى جانب أعداد كبيرة من ضباط الجيش و الأمن  ; لا شك أن هذا كانت حركة ذكية منهم ( في وقتها ) لكن من الممكن مناقشة كم كانت حركتهم الذكية تلك تخدم السوريين المحكومين الذين يفترض أن الثورة جاءت لتحريرهم … و ربما كان استمرار قيادات الحزبين الشيوعيين الرسميين إلى جانب النظام كان متسقًا أكثر مع مسيرتهم و مواقفهم السابقة و أكثر فائدة للثورة من جهةٍ ثانية … انتقاد اليسار السوري على كل علاته هو هروب من أي نقاش جدي للواقع السوري و خاصة من الأسئلة الأكثر صعوبة التي لا يريد أحد و ربما لا يمكنه حتى التفكير بها.


لقراءة أعداد جريدة المسار اضغط هنا