- الافتتاحية: حول غزة: محاولة لمقاربة الوقائع
- من اتفاقية أوسلو ووهم الدولة الفلسطينية إلى طوفان الأقصى
- هكذا تعاطت بعض الحكومات الأوروبية مع حرب غزة
- مكاسب الحلف الروسي الصيني الإيراني من حرب غزة
- غيوم هذه الحرب – محمد سيد رصاص
- حول مفهوم الحرب العادلة – مايكل فالزر وكريس براون
- ما أهمية الخروج من مأزق الفرقة؟
- عرض للتمييز والنفي في ضوء تجربتنا الشيوعية السابقة
- عبد الله حنا.. وداعاً
باستثناء الافتتاحية فإن النصوص والمقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الحزب.
الافتتاحية:
حول غزة: محاولة لمقاربة الوقائع
بعد ساعات عدة من هجوم 7 أكتوبر 2023 العسكري الذي شنته حركة حماس على منطقة (غلاف غزة)أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “اسرائيل في حالة الحرب” .
يمكن هنا استذكار أيام اسرائيلية صعبة ، منها وأولها يوم 6 تشرين الأول\أكتوبر 1973لما شنت مصر وسوريا الحرب على اسرائيل وتقدم الجيشان المصري والسوري في الضفة الشرقية لقناة السويس وفي هضبة الجولان في يوم كان هجومه بمثابة مفاجأة عربية عسكرية استراتيجية لاسرائيل مرفوقاً بفشل استخباراتي اسرائيلي بتوقع الهجوم ، وثانيها يوم 4 تشرين الثاني\نوفمبر 1995 لما اغتال أحد الاسرائيليين اليمينيين رئيس الوزراء الاسرائيلي إسحاق رابين ، ولكن بالتأكيد ليس يومي 19 أيار 1967 و23 أيار 1967من الأيام الاسرائيلية الصعبة ، بل أنتجا فرصة اسرائيلية لتوجيه ضربة للعرب هي توازي والأرجح هي أقسى من ضربة حرب 1948.
في هذا الإطار قالت وسائل اعلام اسرائيلية عديدة :أن يوم 7أوكتوبر2023هو “اليوم الأكثر ايلاماً في تاريخ دولة اسرائيل” ليس فقط لأنه في هذا اليوم سقط أكبر عدد من القتلى الاسرائيليين بيوم واحد منذ عام1948، ولكن أيضاً لأنه مثل عام1973عبّر عن فشل استخباراتي اسرائيلي كبير بتوقع ماحدث ، إضافة إلى أنه ، من خلال مثال مستوطنات (غلاف غزة) ، يعطي صورة مسبقة لمستوطني الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان عن الهشاشة المحتملة لوضعهم من الناحيتين العسكرية والأمنية ، كماأن هجوم 7أوكتوبر يعطي صورة رمزية للعقل اليهودي المهجوس بالرموز عن أن هذا اليوم هو أول يوم منذ يوم14أيار\مايو1948عندما أعلن دافيد بن غوريون قيام دولة اسرائيل تستطيع قوة عسكرية عربية السيطرة ولولساعات على أرض ، تتجاوز مساحة قطاع غزة ، من الأراضي التي قامت عليها دولة اسرائيل في عام1948، فيماسيطر الجيشان المصري والسوري بحرب1973على أجزاء من الأراضي المحتلة في عام1967.
ولكن رغم كل ماسبق رأى الاسرائيليون في يوم 7أوكتوبر2023فرصة سانحة ، أولاً لاثبات أن هذا “المخفر اليهودي للمنطقة ” الذي أنشأه الغرب الأوروبي- الأميركي مازال قوياً بعد تراجع وظائفه بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي عام1991وبعد اهتزاز صورته في حرب2006بلبنان وفي حربي2008-2009و2014بغزة عندما لم يستطع تحقيق الأهداف المعلنة في تلك الحروب الثلاثة وهو وفق ماقاله وزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشيه أرينز عن حرب 2006″ يعتبرهزيمة عندما لايستطيع جيش نظامي تحقيق أهدافه أمام ميليشيا عسكرية ” ، وثانياً لتحقيق نصر عسكري اسرائيلي يمحو آثار أوبعض آثار يوم 7أوكتوبر لأن مستوى ضربة ذلك اليوم عسكرياً وسياسياً ورمزياً إن تركتها اسرائيل واكتفت بضربات موضعية لحماس كمافي حربي غزة السابقات سيقود إلى هزيمة اسرائيلية كبرى .
في اليوم الأول لحرب 2006أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت أن أحد أهداف الحرب ” هي القضاء على حزب الله” وفشل ، وفي اليوم الأول لهذه الحرب أعلن الاسرائيليون أن هدف حربهم هو “القضاء على حركة حماس”. مافعلوه منذ يوم27أوكتوبر عندما بدأوا هجومهم البري يوحي بأنهم يريدون الاحتلال العسكري للنصف الشمالي من القطاع بمافيه مدينة غزة واجبار الغزاويين هناك على النزوح للجنوب ، كماأن القصف المتعمد للمدنيين يدل على محاولة شق الحاضنة الاجتماعية عن حامل البندقية ، وبسبب طبيعة الأنفاق التي أقامتها حركة حماس بمئات الكيلومترات يمكن أن تكون معركة مدينة غزة المحاصرة ليست معركة كلاسيكية بين جيش نظامي وميليشيا بل حرب من نوع جديد .
ولكن هناك مؤشرات كثيرة على أن وضع حركة حماس الآن بهذه الحرب ليس فقط غير وضعية حزب الله في حرب2006بل حتى أن (حماس)ليست في وضعية الحربين السابقات في غزة ، فهناك موافقة وفق بيان صدر من البيت الأبيض على أن ” ليس لحماس دور في مستقبل قطاع غزة ” ، وهناك توحد أوروبي غربي مع واشنطن حيال هذا الهدف الاسرائيلي من هذه الحرب ، وعلى الأرجح أن عواصم عربية كثيرة لن تكون حزينة إن انتهت (حركة حماس)على الأقل في معقلها الغزاوي القوي ، وهو ماتشاطرهم هذا الشعور ، ولوبصمت ، السلطة الفلسطينية في رام الله . كماأن طرح مشروع “إدارة دولية انتقالية لقطاع غزة بعد الحرب” يوحي بأن هناك جو دولي- اقليمي لايمانع في أن تمهد القوة العسكرية الاسرائيلية الطريق نحو تحقيق هذا المشروع ، وخاصة بعد تصريحات أميركية وأوروبية وعربية وفلسطينية عن إعادة الربط المستقبلي بين قطاع غزة والضفة الغربية وفق “حل الدولتين :الفلسطينية والاسرائيلية”.
الملفت هنا ، في هذه الأسابيع الخمسة ، هو انكسار وانمحاء ” وحدة الساحات ” التي كان (محور المقاومة والممانعة) يضعها كشعار رئيسي له في السنوات السابقة ، وعملياً تركت (حركة حماس) لوحدها أمام اسرائيل ، ومايجري في جنوب لبنان وغيره لايستطيع تغطية الاتفاق الأميركي- الايراني المضمر على حصر الحرب في غزة وعدم توسيع الحرب هناك إلى حرب اقليمية ، وهو مايعني أن طهران ستفقد “امتدادها الفلسطيني الأقوى ” ، الذي كان منذ عام2007يجعلها جزءاً رئيسياً في معادلة الصراع الفلسطيني مع اسرائيل ، بعد أن تركته يواجه مصيره لوحده ، ولكن هذا يعني ، على المدى القريب- المتوسط البعيد ، ضربة معنوية – سياسية- عسكرية كبرى للمحور الاقليمي الذي قادته طهران ، ومن المحتمل أن يكون مايجري في غزة هو بداية الجزر للمد الاقليمي الايراني كماكانت غزة عام2007مع سيطرة حركة حماس على القطاع هي نقطة بداية المد الاقليمي الايراني.
أيضاً،مع ارسال حاملتي الطائرات الأميركيتين:(دوايت أيزنهاور)و(جيرارد فود)في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر ،مع حمولة مئات الطائرات الأكثر حداثة،ومع الغواصة النووية الأميركية في البحر المتوسط والتي تحمل أسلحة نووية تعادل (8هيروشيما)- يمكن القول بأن الولايات المتحدة الأميركية قد عادت بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط بعد اثني عشر عاماً من قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما ب”الانزياح والتركيز على الشرق الأقصى”.هذه القوة الأميركية قال المسؤولون في واشنطن أنها أتت “لمنع الحرب الاقليمية”،و”لارسال رسائل”بعواقبها،ويبدو أن طهران و(حزب الله)قد استوعبا وارتدعا من هذه “الرسالة الأميركية المسلحة”.من جانب آخر،لم يظهر الروس حضوراً ملموساً لاسياسياً ولاعسكرياً في هذه الأزمة الشرق الأوسطية الكبرى ،رغم أن المعسكر الروسي- الصيني قد أظهر تمايزاً سياسياً في مجلس الأمن الدولي عن الأميركان تجاه مايحصل في غزة.
هذه الحرب في غزة ستحدد الشرق الأوسط القادم،كمافعلت حرب 2006في لبنان عندما بدأ منذذاك المد الاقليمي الايراني،ويبدو أن حرب غزة هي بداية النهاية لهذا المد،وهذا، كماترجم آنذاك في عموم المنطقة ،سيتثنى ثانية ولكن في اتجاه معاكس،وهو ماسينعكس في الاقليم وفي دواخل بلدان عديدة وصل وأثًر فيها الامتداد الايراني.أيضاً،أظهرت الحرب الغزاوية أن الولايات المتحدة الأميركية قد عادت بقوة للمنطقة بعد انسحابية أميركية من الشرق الأوسط نحو الانزياح والتركيز الأميركي على الشرق الأقصى من أجل مجابهة النمو المتعاظم للقوة الصينية.
من اتفاقية أوسلو ووهم الدولة الفلسطينية إلى طوفان الاقصى
في ١٣ سبتمبر من عام ١٩٩٣ وقعت اتفاقية أوسلو والمعروفة باسم اعلان مبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، في واشنطن العاصمة الأمريكية بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بيل كلينتون وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وشمعون بيريز وزير خارجية الكيان الصهيوني أنذاك ، وقد جاءت اتفاقية اوسلو نتيجة مفاوضات سرية بين الطرفين استمرت لأكثر من عامين في مدينة اوسلو وبرعاية بعض المنظمات النرويجية وبعض المسؤولين النرويجيين، نتج عن تلك الاتفاقية اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل خلافا لبرنامجها السياسي واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني وأصبحت المنظمة شريك أساسي في مفاوضات الوضع النهائي للقضايا العالقة مثل الحدود والقدس والمستوطنات والتواجد العسكري في بقية المناطق الفلسطينية، وحق الفلسطينيين بالعودة على أن تكون تلك المسائل موضوع تفاوضي لاحقا ، وقد أفرزت اتفاقية اوسلو سلطة فلسطينية محدودة بالإدارة الذاتية لأجزاء من الضفة الغربية وغزة ، وسبق توقيع الاتفاق عدة رسائل بين ياسر عرفات وبعض من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وبين حكومة الكيان ورئيس وزرائها اسحاق رابين، مهدت لأعتراف الطرفين ببعضهما ، كما نتج عن هذه الاتفاقية عدة وثائق فلسطينية إسرائيلية مثل < اتفاق ابريل عام ١٩٩٤المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية بينهما> وسمي بروتوكول العلاقات الاقتصادية بين حكومة إسرائيل والإدارة الذاتية الفلسطينية ، وأيضا <اتفاق القاهرة بشأن غزة واريحا في ٤ مايو، أيار ١٩٩٤> الخاصة بالصلاحيات القانونية والولاية الجنائية والمدنية لكل طرف أمن أطرافها في أراضي الادارة الذاتية كما وضعت تصوراً لتأسيس حكومة انتقالية فلسطينية في الضفة الغربية مع إمكانية عقد مفاوضات حول التسوية النهائية حسب قراري مجلس الأمن الدولي رقم ٢٤٢ و٣٣٨ مع إمكانية انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وأريحا خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ توقيع الاتفاقية، وعلى أن تعيد إسرائيل انتشار قواتها في مناطق الاستيطان تكون محددة ومتفق عليها ، وأيضا <اتفاق نقل السلطة في القاهرة في ٧ أغسطس ، أب لعام ١٩٩٥> وأيضا <اتفاق أوسلو ٢ بخصوص الضفة الغربية وغزة في ٢٨ سبتمبر، أيلول من عام ١٩٩٥>و<اتفاق إعادة الانتشار في الخليل في ١٥ يناير 1997 >و<مذكرة شرم الشيخ في ٤ سبتمبر/ أيلول ١٩٩٩ واتفاق قمة طابا في ٢٨/ يناير ٢٠٠١ >.
رفضت كل من حماس والجهاد الإسلامي اتفاق أوسلو وكافة الاتفاقات الأخرى واعتبرتها تفريطاً بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على كامل التراب الفلسطيني لعام ١٩٤٨ ورفضتا إقامة أي سلام مع الكيان الصهيوني وعملت المنظمتان منذ توقيع اتفاقية اوسلو على مهاجمة اسرائيل لعرقلة تنفيذ بنودها الا أن منظمة حماس في أغسطس/اب ٢٠٠٤ تعهدت بوقف اطلاق النار مع إسرائيل بينما انتقدت الجهاد الإسلامي حماس لهذا التعهد ورفضت وقف إطلاق النار، كما أنه في عام ٢٠٠٨ عرضت حماس على حكومة الكيان الصهيوني هدنة طويلة الأجل اذا وافقت إسرائيل العودة إلى حدود عام ١٩٦٧ وعلى حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين ، كما أن في عام ٢٠١٠ أعلنت حماس عبر تصريح قائدها البارز اسماعيل هنية قبوله بمعاهدة سلام مع اسرائيل في حال موافقة الشعب الفلسطيني على ذلك عبر استفتاء شعبي كما وافق خالد مشعل المسؤول الأول في حماس آنذاك على دولة فلسطينية بحدود الأراضي عام ١٩٦٧ مع تحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين الا أنه رفض الاعتراف بإسرائيل كما تحفظ على مبادرة السلام العربية كونها تتضمن الاعتراف بإسرائيل.
نصت اتفاقية اوسلو على إقامة مجلس تشريعي منتخب من الشعب الفلسطيني في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية وعلى انشاء قوة شرطة للحفاظ على الأمن الداخلي للسلطة الفلسطينية في أراضي السلطة دون انشاء جيش لها على أن تبقى إسرائيل هي المسؤولة عن حفظ أمن الحكم الذاتي من أي اعتداء خارجي ، كما اشترطت الاتفاقية على أن تنبذ منظمة التحرير الفلسطينية أي مقاومة مسلحة أو عمل مسلح ضد الكيان الصهيوني لاسترداد الحقوق الفلسطينية المغتصبة ،وقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية إسرائيل بموجب اتفاق أوسلو على ٧٨% من الاراضي الفلسطينية التاريخية وما تبقى من أراضي فلسطينية تقام عليها ادارة ذاتية وفق الشروط المحددة في الإتفاقية ، وقد انتقد العديد من المفكرين والسياسيين والأدباء والشعراء الفلسطينيين اتفاقية أوسلو ومنهم الشاعر محمود درويش والكاتب والمفكر ادوارد سعيد وقال الأخير بعد توقيع الاتفاقية: (أن الذين وقعوا اتفاقية اوسلو يستحقون المحاكمة من الشعب الفلسطيني) .
لعبت حكومة النروج دوراً رئيسياً في نجاح اتفاق أوسلو وإبرام اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني عبر مفاوضات سرية بين مسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية وبموافقة ياسر عرفات مع مسؤولين إسرائيليين ، وعبر تلك المفاوضات بدأ يتبلور عند عرفات نهج جديد يتمحور حول الحصول على دولة فلسطينية على أي شبر من الارض الفلسطينية ، وقد كان لخروج عرفات المهين من بيروت مع منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس في ١٩٨٢، وكذلك ماحصل بعد غزو العراق للكويت في آب ١٩٩٠ وتدهور علاقات منظمة التحرير الفلسطينية مع العديد من الدول العربية وخاصة السعودية ودول الخليج العربي بسبب موقفه المؤيد للرئيس العراقي صدام حسين، كان له تأثير مباشر في تكون تلك السياسة الجديدة لدى منظمة التحرير الفلسطينية .
شكل طوفان الاقصى في ٧/أكتوبر / تشرين الأول في غزة حدثاً نوعياً عسكرياً وسياسيا في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان الإسرائيلي ، فقد استطاع بعض مئات من المقاومين من كتائب عز الدين القسام و سريا القدس، مفاجئة قوات الحدود الإسرائيلي في عبور السياج الحدودي لغزة المجهز بأحدث أجهزة الانذار العالمية والدخول إلى عدد من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وإلى عمق الأراضي الفلسطينية وقتل المئات من الجنود الإسرائيليين وتدمير العديد من الأليات العسكرية الإسرائيلية وأسر أكثر من مئتين من الجنود الإسرائيليين و المتطوعين المدنيين في الجيش الإسرائيلي ، ولقد خلف هذا الحدث الكبير جرحا نازفاً في جيش الكيان الاسرائيلي الذي لا يقهر وعند قادته العنصريين ، كما شكل علامة فارقة على فشل قادة و ادارة أجهزة أمنه الاستخباراتية المتطورة ذات السمعة العالمية الكبيرة.
لن نبالغ في القول من أن عملية طوفان الاقصى ستولد انعطافاً جديداً ليس فقط في مسار الصراع العربي الفلسطيني – الاسرائيلي وإنما أيضا سيكون لها تداعياتها العربية والاقليمية والدولية، فهي ،وقبل انتهاء العدوان البربري على شعب غزة وحرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ، نرى أن مسار التطبيع العربي الإسرائيلي الهادف إلى إنهاء حقوق الشعب الفلسطيني بتحرير أرضه المحتلة قد توقف وأن القضية الفلسطينية أصبحت ضمن أولويات رؤساء العالم وأمام المجتمع الدولي ، دولاً وشعوباً ومنظمات بعد سنوات من التجاهل ، مطالبين بإطلاق عملية سياسية تضمن للفلسطينيين تأمين حقوقهم المغتصبة و المشروعة ومن جهة اخرى نجد أن عملية طوفان الاقصى في ٧/تشرين الأول قد استهدفت مشاريع اقتصادية عالمية مثل مشروع الطريق الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي الذي تقرر في قمة العشرين لعام ٢٠٢٣ للدول الصناعية بحيث تكون فيها دولة الكيان محورية في المنطقة لعبور وتصدير البترول والغاز والنقل البحري إلى أوروبا .
ومع تداعيات هذا الحدث عربياً ودوليا يبقى السؤال مطروحاً .هل تنهي عملية طوفان الاقصى وما ارتبط بها من حرب مدمرة قام بها جيش الكيان الإسرائيلي على البشر والحجر في غزة ، على حلم الدولة الفلسطينية ، وفق ما حلم المرحوم ياسر عرفات .. وهل تكون اتفاقية اوسلو فقط حبراً على الورق وتصبح من الماضي في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ؟
هكذا تعاطت بعض الحكومات الأوروبية مع حرب غزة
اختلف تعاطي الحكومات الأوروبية والأحزاب السياسية والمجتمع المدني مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣. ووسط الذهول الواضح على الجميع شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، كانت الأصوات الرسمية الأوروبية في معظمها مؤيدة لدولة الاحتلال ومع وقف المساعدات للفلسطينيين، لكن كان هناك من يغرد خارج السرب.
وظهر الاختلاف الأوروبي في تباين وجهات النظر بين دول أبدت حماسة كبيرة في دعم إسرائيل مثل ألمانيا وفرنسا، وأخرى وجّهت انتقادات لاذعة للاحتلال وحكومة بنيامين نتنياهو، مثل إسبانيا.
وكان هناك أيضاً تباين واضح بين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الداعمة وبقوة لإسرائيل، وبين الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، المعروف بنبرته المنتقدة للاحتلال قبل الأحداث الأخيرة، لدرجة أن صحيفة “بوليتيكو” وصفته بأنه “شخص غير مرغوب فيه” في تل أبيب.
أما الحكومة الفرنسية أعربت عن دعمها غير المشروط لإسرائيل، ودافعت عن حقها في الدفاع عن النفس ضد حركة حماس.
وقال الرئيس الفرنسي ماكرون أثناء زيارته الأخيرة إلى إسرائيل إنه جاء لكي يذكّر الجميع بـ”حقها في الدفاع عن نفسها” في وجه ما وصفه بالدمار. وأضاف في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقدس المحتلة “أولويتنا وأولوية كل الديمقراطيات وفرنسا هي الانتصار على المجموعات الإرهابية”، مقترحاً بناء تحالف إقليمي ودولي لمواجهة المجموعات التي تهدد الجميع.
وأشار إلى مقتل 30 شخصا يحملون الجنسية الفرنسية في هجوم حركة حماس. داعياً إسرائيل إلى “رد قوي وعادل”، وحث الفرنسيين على البقاء متحدين والامتناع عن أي تحركات قد تثير اضطرابات في فرنسا.
كما أعلنت الحكومة الفرنسية في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حظر المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني في جميع أنحاء البلاد، لكنها تراجعت عن القرار بعد المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل عندما قصفت المستشفى المعمداني في غزة.
أما في بريطانيا فكان لحزبي المحافظين والعمال موقفان متقاربان، عدا الحزب الوطني الاسكتلندي الذي خرج عن القاعدة.
وقال رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ريشي سوناك إن على الناس أن يتذكروا أن إسرائيل عانت من “هجوم إرهابي ووحشي صادم. وأن حماس مسؤولة عن هذا الصراع ولإسرائيل الحق في حماية نفسها بما يتماشى مع القانون الدولي كما ينص ميثاق الأمم المتحدة”.
مشيراً أنه: “من الواضح أيضا أنه يجب علينا دعم الشعب الفلسطيني، فهو ضحية حماس أيضاً، وهي التي تستخدم الأبرياء دروعا بشرية”.
وأضاف: “إننا نحزن على فقد كل حياة بريئة، وأي شخص من أي دين، أو جنسية، ونعمل بأقصى ما في وسعنا لتوصيل أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى غزة في أسرع وقت ممكن عملياً”.
ومن جهتها أعلنت البارونة سعيدة وارسي، عضوة حزب المحافظين في مجلس اللوردات، عن إنشاء جمعية “أصدقاء فلسطين المحافظين”، التي طال انتظارها، بحسب ما قالته في الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية. وتعتبر وارسي أول مسلمة تعين وزيرة في الحزب في عام 2010، وهي نفسها كانت قد استقالت من حكومة ديفيد كاميرون في عام 2014، احتجاجا على موقف الحكومة من القصف الإسرائيلي على غزة وقتها، الذي أدى إلى قتل أكثر من ألفي فلسطيني.
ومقابل ذلك كان قد تأسس في حزب المحافظين قبل نحو 50 عاماً جمعية “أصدقاء إسرائيل المحافظين”. وتضم الجمعية نحو ثلثي أعضاء الحزب في مجلسي العموم واللوردات، بينما لم ينضم إلى جمعية أصدقاء فلسطين الجديدة سوى 35 عضواً حتى الآن.
ويواجه حزب المحافظين انتقادات، ليس بسبب الحرب في غزة فقط، بل بسبب مسودة قانون يتعلق بالفلسطينيين وإسرائيل، وهو مشروع قانون يمنع الهيئات العامة في بريطانيا من مقاطعة إسرائيل أو شن حملات مقاطعة أو سحب بعض الاستثمارات أو فرض عقوبات مباشرة أو غير مباشرة على دول أخرى.
وأثار المشروع قلق عدد من أعضاء الحزب في البرلمان، لأنهم رأوا فيه “انتهاكاً لحرية التعبير”، و”قسوة” في الصياغة.
أما زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر وصف هجوم حماس بالوحشي، وأن السابع من تشرين الأول هو أحلك يوم في التاريخ اليهودي منذ المحرقة. قائلاً إن “حماس تريد فوضى الحرب، تريد أن يعاني اليهود، تريد أن يشارك الشعب الفلسطيني الألم كذلك، لأن الشعب الفلسطيني ليس قضيتها، والسلام ليس هدفها”.
مضيفاً “إننا نقف مع إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها في مواجهة إرهابيي حماس. نحن نؤيد القانون الدولي، وحماية أرواح الأبرياء، والدعم الإنساني للفلسطينيين. ونحن نفعل ذلك، لأننا نؤيد المسار السياسي لحل الدولتين”.
أدى موقف زعيم حزب العمال من الحرب في غزة إلى حدوث انشقاقات داخل الحزب، بسبب معارضة عدد من أعضائه لسياسات ستارمر. واستقال نحو 19 عضواً في مجلس حزب العمال من الحزب بسبب هذا الأمر.
وحاول ستارمر تهدئة الأزمة حتى لا تتفاقم أكثر، والتقى بحوالي عشرة من نواب حزب العمال المسلمين للاستماع إلى مخاوفهم.
من جانبه دعا زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي والوزير الأول في اسكتلندا، حمزة يوسف، إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وإنشاء ممرات إنسانية لغزة، وهو بذلك كان أول زعيم غربي يصرح بذلك.
وعبّر يوسف في الوقت ذاته عن “تفهمه تماماً لرغبة إسرائيل في حماية نفسها من الإرهاب”، لكنه أضاف أنه “لا يمكن تبرير العقاب الجماعي للرجال والنساء والأطفال.. فالأغلبية الساحقة ليس لها علاقة بالإرهاب”.
ودعا المملكة المتحدة إلى استقبال اللاجئين الفلسطينيين، مقترحاً أن تكون اسكتلندا أول من يتطوع بذلك.
وجاءت تصريحات يوسف في وقت لا يزال فيه والد زوجته الفلسطينية الأصل ووالدتها محاصرين في غزة.
وقد يكون دافع يوسف الأكبر وراء الموقف الذي اتخذه حزبه الذي يسعى إلى الانفصال عن المملكة المتحدة، هو مناصرتهم لحركات الاستقلال وتقرير المصير.
أما نقابات العمال والاشتراكيون والمنظمات الشعبية في بريطانيا كانوا من بين المتضامنين مع الفلسطينيين، إذ أن معظمهم يعدون تضامنهم مع الفلسطينيين نضالا ضد الإمبريالية.
وفي إسبانيا دار سجال بين السفارة الإسرائيلية في مدريد والحكومة الإسبانية على خلفية تصريحات وزراء من اليسار الراديكالي حول قصف إسرائيل قطاع غزة، وجاء في بيان للسفارة “ندعو رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، إلى أن يندد ويدين بشكل لا لبس فيه هذه التصريحات المخزية”، معتبرة أن التصريحات التي أدلى بها “أعضاء في الحكومة… ليست غير أخلاقية على الإطلاق فحسب، وإنما تعرض أيضا الجاليات اليهودية في إسبانيا للخطر”.
وبعدها بدقائق، ردت الحكومة الإسبانية بأنها ترفض “بشكل قاطع مجافاة الحقيقة في بيان السفارة الإسرائيلية فيما يتعلق ببعض من أعضائها ولا تقبل تلميحات إليهم لا أساس لها” وأنه “في ديموقراطية كاملة على غرار إسبانيا… يمكن لأي مسؤول سياسي أن يعبر بحرية عن مواقفه بصفته ممثلا لحزب سياسي”.
ووصف وزير حماية المستهلكين، ألبرتو غارزون، (اليسار المتّحد) القصف الإسرائيلي على غزة بأنه “همجية محضة”.
من ناحيتها أدانت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية إيوني بيلارا ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة من أفعال قالت إنه يمكن اعتبارها “جريمة حرب وإبادة جماعية مبرمجة”، مؤكدة أن إسرائيل تركت مئات الآلاف من الأشخاص من دون كهرباء ولا طعام ولا ماء، وتقوم بعمليات قصف للمدنيين، مما يعد عقابا جماعيا ينتهك بشكل خطير القانون الدولي الإنساني ويمكن اعتباره جريمة حرب.
كما قالت بيلارا في تصريحات أخرى أنه “إزاء محاولة الإبادة الجماعية التي تشنّها دولة إسرائيل في غزة… أطالب الحكومة الإسبانية بملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
واتهمت بيلارا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بتشجيع إسرائيل على ممارسة سياسة التفرقة والعنصرية والعدوان، قائلة إنها تنتهك حقوق الإنسان بصورة خطيرة.
وخرجت في مدريد مظاهرة دعت إليها منظمات مدنية إسبانية وعربية للتنديد بالجرائم الإسرائيلية في غزة. وشارك في المظاهرة ممثلون من التحالف الحكومي الحاكم. كما شهدت المدن الإسبانية العديد من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات التي تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل وتشجب مواقف الاتحاد الأوروبي.
من ناحية أخرى قالت الحكومة السويدية: إن مواقفها ترتكز على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وإطلاق الصواريخ العشوائي المستمر. وأنه مع ذلك، فإن هذا الحق ليس مطلقاً، وإنما يجب أن يتم وفقا للقانون الدولي.
وشددت الحكومة على حماية المدنيين، وعدم استخدامهم والبنية التحتية المدنية كأهداف. وأنه “على حماس والجماعات الإرهابية الأخرى في غزة يجب ألا تختبئ وراء الأبرياء وتستخدمهم كدروع بشرية”.
وأكدت حكومة السويد على أهمية وصول المساعدات الإنسانية. وحمّلت المسؤولية الكبرى للكارثة الإنسانية في غزة على حركة حماس، التي تسيطر على غزة منذ عام 2007. وقالت إن السكان المدنيين الفلسطينيين يعانون بشدة وإن الصور الواردة من غزة مروعة. مضيفة أنه رغم أن حماس تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن الوضع الإنساني في غزة، فإن إسرائيل تتحمل المسؤولية أيضاً.
وأعربت الحكومة عن قلقها البالغ إزاء العواقب الإنسانية للحصار الإسرائيلي. وعن أهمية ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل ودون عوائق والسماح بمرور المياه والإمدادات والوقود والأدوية والكهرباء.
وأكدت على وجوب تجنب التصعيد الإقليمي. لأن مخاطرها كبيرة وستكون لها عواقب أكثر تدميراً. وإن السلام المستدام يرتكز على حل الدولتين لتتمكن إسرائيل وفلسطين أن تتعايشا جنباً إلى جنب. وأن السويد تؤيد بشكل كامل الاستنتاجات التي اعتمدها جميع زعماء الاتحاد الأوروبي في المجلس الأوروبي في 27 تشرين الأول/أكتوبر.
أما على مستوى الأحزاب السياسية السويدية فكانت جميع أحزاب اليمين والوسط مدافعة بشراسة عن إسرائيل، واقترح بعضها إرسال السلاح لإسرائيل وقطع المساعدات نهائياً عن الفلسطينيين، فيما كانت أحزاب البيئة واليسار والاشتراكي الديمقراطي أكثر توازناً رغم إدانتهم التامة لهجوم حماس.
مكاسب الحلف الروسي الصيني الإيراني من حرب غزة
07-11-2023 / “النهار” جهاد الزين
في مقال ذي أهمية استثنائية مضى وقت طويل لم تنشر الصحافة اللبنانية، وتحديدا “النهار”، بأهمية بعده الدولي، كتب السفير الروسي في بيروت مقالاً الأسبوع المنصرم (3-11- 2023) يكشف فيه بوضوح أن الحرب في غزة هي جزء من الصراع الروسي ضد واشنطن مثل الحرب في أوكرانيا.
قال السفير ألكسندر روداكوف : “في تصرفاته (الغرب) في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، من المستحيل عدم رؤية أوجه التشابه مع “القضية” الأوكرانية.”
ويضيف في كلمات جيوبوليتيكية أوضح من وجهة النظر الروسية:
“في هذا السياق، إن حقيقة إرسال الأسطول العسكري الأميركي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط تتطلب اهتمامًا خاصًا. وهذا ليس أكثر من عامل إضافي لزعزعة الاستقرار، وعنصر آخر يغذي الفوضى والعنف. وبطريقة مماثلة، دفع البيت الأبيض حلف شمال الأطلسي إلى الاقتراب أكثر فأكثر من الحدود الروسية وخلق تهديدات على طول حدودنا. لقد قام بتزويد الأسلحة وما زال يزوّدها، مما أدى إلى استبعاد إمكان التوصل إلى تسوية ديبلوماسية. لقد انقسم المجتمع الدولي مرة أخرى، كما حدث مع بداية الأزمة الأوكرانية. ولكن بوسعنا أن نقول بالفعل: إن الجنوب والشرق العالميّيْن،حيث تشترك روسيا في توجههما الأساسي في التعامل مع التسوية في الشرق الأوسط، يشكلان الغالبية، وبالمقابل يمثل الغرب الأقلية. بمعنى آخر، ان “الخطوط الفاصلة” في ما يتعلق بأوكرانيا وفي ما يتعلق بفلسطين في العلاقات الدولية قريبة جدًا، وهي متطابقة عمليًا.”
هذا النوع من المقالات لا يأتي لا بالصدفة ولا بقرار السفير الشخصي، بل عادة ما يكون بقرار مركزي من العاصمة التي ينطق باسمها وهي في حالتنا هنا موسكو. لذلك يمكن القول أنه لا شك جزء من بدايات حملة روسية ضد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
بعد أقل من 24 ساعة ولربما مع فارق التوقيت في اليوم نفسه، تشاء المصادفات أن يصدر في صحيفة “النيويورك تايمز” تقرير بارز تحت هذا العنوان حرفيا: “حرب كلمات على نطاق عالمي: روسيا الصين وإيران تدعم “حماس”. ويعرض كاتبا التقرير مقتطفات عديدة من الاستخدامات الروسية والصينية والإيرانية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام حول حرب غزة المنتقدة لإسرائيل والمؤيدة ل”حماس”.
إذا كانت العلاقات بين روسيا والصين وإيران باتت توصف بالحلف الثلاثي فإن بؤرة الحرب الباردة الجديدة مع واشنطن، ومن ضمنها الحرب بالوكالة كما كان يحصل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي كانت البؤرة الأوكرانية ثم بعد حرب غزة أصبحت بؤرتين: أوكرانيا- غزة.
الحرب الباردة الجديدة أعادت ولادة التوصيفات المستخدمة في الحرب الباردة السابقة إذ وصف مقال “النيويورك تايمز” المشار إليه أعلاه التحالف الروسي الصيني الإيراني بأنه تحالف “الأنظمة الاستبدادية والشمولية”.
في ما يتعلق بنا في الشرق الأوسط فإن العامل الإيجابي في تعدد مراكز القرار في هذا التحالف أنه يحد إن لم يمنع إيران من الانفراد أو التقريرالوحيد الجانب،عبر أذرعها في المنطقة، في أي قرار تصعيدي عسكري ضد الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم توافق روسيا على ذلك. وهذا التعدد يلائمنا تماما في لبنان حيث يوجد الذراع العسكري الأقوى في المنطقة والذي يطرح نفسه كمعنيٍّ رئيسي بعد “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في حرب غزة.
حشد الأساطيل يمكن أن يكون خطرا ويمكن أن يكون ردعيا. العنصر الردعي أقوى حتى الآن. وحرب غزة طويلة وضخمة التداعيات.
لنراجع سريعاً المكاسب التي جناها حتى الآن الحلف الثلاثي الإيراني الروسي الصيني بعد 7 أكتوبر:
1- نسفت إيران كل الجو السلمي مع إسرائيل الذي كان صاعدا في الكثير من الدول العربية وإسرائيل. وإذا كان المتضرر الأول هو مشروع التوافق الأميركي السعودي على المضي في تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، فقد أظهر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بُعد نظر استراتيجيا في اشتراطه تقدما نوعيا في مشروع التسوية الفلسطينية الإسرائيلية تحت شعار حل الدولتين وقبل 7 أكتوبر، الأمر الذي جعل إحياء هذا الشعار على المستوى الدولي سيصب لصالح السياسة السعودية على هذا الصعيد بعد نهاية حرب غزة أيا تكن النتائج العسكرية فيها.
2- حققت روسيا مكسبا نوعيا في إشغال الولايات المتحدة في بؤرة توتر عالية في الشرق الأوسط مقابل الفخ الذي أوقعت فيه واشنطن موسكو في أوكرانيا. وهذا يجعل من الطبيعي القول أن موسكو لم تعد وحدها المحشورة كالسابق وهذا سيعطيها هامشاً بل متناً تفاوضيا واسعاً.
3- التركيز الأميركي على الضغط على الصين عبر جزيرة تايوان سيخف حتماً بل سيعرقل كل مشروع إعادة تموضع واشنطن في الشرق الأوسط لصالح التركيز على شرق آسيا أي الصين. ستخفف حرب غزة بما فرضته من تحشيد عسكري على الولايات المتحدة الأميركية من اعادة التموضع إلى الشرق الأقصى وستؤجله مؤقتا على الأقل.
لا شك أن الصين ستكون معنيّةً في درس الأكلاف الاقتصادية التي تتكبدها واشنطن في دعمها غير المحدود لإسرائيل، باعتبارها المستهدفة بالحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة على الصين منذ عهد دونالد ترامب.
هل يعقل أن تكون إيران قادرة على توريط روسيا والصين وأميركا دفعة واحدة؟ وهي مجرد القوة الإقليمية مهما بلغت قدرتها “التوريطية”!؟
الجواب الأسهل والأعقد معاً هو أن حرب غزة هدية من السماء لموسكو وربما هدية الأقدار للصين. وهي توظيف جيوبوليتيكي تاريخي لطهران في إحدى ذروات الدهاء الإيراني.لكنها فوق كل شىء انفجار للمأساة الفلسطينية التي لم يستمع الإسرائيليون، وخصوصا اليمين العنصري الإسرائيلي، إلى دويِّها الآتي منذ ثلاثة عقود والتي حذرهم منها المعتدلون العرب طويلاً بل حتى حلفاء إسرائيل الخلّص في الغرب… واستمروا في مشروع إقامة نظام التمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني.
غيوم هذه الحرب
محمد سيد رصاص
“المركز الكردي للدراسات”- 7\11\2023
كما تُوًلِد الغيوم متساقطات مثل المطر والثلج والبَرَد، فإن الحروب بمتساقطاتها النارية لها غيومها. كما أن تصادم الغيوم مع بعضها يولد الرعد (أو البرق) الذي غالباً مايعقبه فوراً تساقط الأمطار أو أحياناً لا يحصل هذا.
هنا، في كل الحروب لم تأت النيران أو الرعود من سماء صافية، بل كانت هناك غيوم اختلفت مدة تشكلها. ففي الحرب العالمية الثانية، كان الفاصل بين الغيمة الهتلرية وبدء الحرب ستة أعوام بينما كان الفاصل هو ثلاث وأربعون عاماً بين بدء الحرب العالمية الأولى وغيمتها الكبرى المتمثلة في ولادة عملاق أوروبي جديد هو ألمانيا الموحدة عام 1871. وكان رأي المستشار الألماني بسمارك (أقيل من منصبه عام 1890) بأن «أوروبا تحوي عملاقان: بحري هو بريطانيا وبري هو ألمانيا، ويجب أن يتساكنا»، وهو ما لم تلتزم به برلين بعده خاصة مع زيارة القيصر الألماني للدولة العثمانية عام 1898 وبدء مشروع خط حديد برلين–بغداد، وهو أمر قررت بعده لندن مواجهة الألمان متدرّعة بتقارب مع فرنسا وروسيا واتبعته بقرار قتل الرجل المريض العثماني الذي حمته بريطانيا طوال مئة عام مضت ضد نابليون بونابرت ومحمد علي باشا وأمام تمددات الروس الجنوبية العديدة.
هذه الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يجب البحث في عملية تشكل غيومها. في هذا الإطار، يمكن خوض مغامرة فكرية بالافتراض أو المقاربة البحثية نحو اتجاه تلمس بدء تشكل غيوم هذه الحرب في يوم 9 أبريل/نيسان 2003 بسقوط بغداد بيد المحتل الأميركي وما تبعه هذا السقوط من بدء صعود القوة الإيرانية في الإقليم بحكم أن فراغ اليوم التالي لسقوط بغداد ملأته طهران بواسطة قوى عراقية محلية مواليه لها أضحت الحاكمة في العراق. هذه البوابة البغدادية جعلت إيران، بحكم قوتها الجديد، تتجه نحو استئناف تخصيب اليورانيوم في 2005 وما عناه ذلك من فك للشراكة مع واشنطن في العراق المحتل. وبالتالي، بدأ مواجهة شرق أوسطية أول فصولها حرب 2006 في لبنان عبر حزب الله. كان فشل إسرائيل إنهاء حزب الله في 2006 طريقاً لتمدد إيراني إقليمي في عموم المنطقة بداية من سيطرة حركة حماس على غزة في 2007 وتحول حزب الله إلى حاكم في لبنان من وراء الستار بعد عملية 7 مايو/أيار 2008 مروراً بمنع أياد علاوي من تسلم السلطة بعد انتخابات 2010 البرلمانية وفرض نوري المالكي رئيساً للوزراء من جديد، ونهاية بسيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014.
عملياً، كان الاتفاق النووي الايراني عام2015 تكريساً أميركياً لتمددات طهران في الاقليم واعترافاً بهذا الواقع الإقليمي الجديد مقابل تفكيك برنامجها النووي الذي استأنفته عام 2005. هنا، في بعض الاضطرابات الداخلية التي جرت في الإقليم، مثل ما حصل في سوريا منذ عام 2011، صبّت قوى دولية وإقليمية، الزيت على النار لتحجيم إيران عبر قطع طريق طهران- بغداد- دمشق- بيروت- غزة من خلال إما محاولة إجبار السلطة في دمشق على فك التحالف مع طهران أو محاولة إسقاطها. كما أن حرباً، مثل الحرب في اليمن عام 2015، كانت موجهة ضد إيران التي سيطر حلفاؤها الحوثيون قبل ستة أشهر على صنعاء.
من جانب آخر، فكرت الإدارة الأميركية الجديدة مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض عام 2017 في تسوية الصراع العربي- الإسرائيلي عبر صفقة القرن، وارتبط هذا التفكير بسحب توقيع واشنطن على الاتفاق النووي مع إيران والتقارب مع معارضي هذا الاتفاق، واتباع سياسة جديدة تميل نحو مواجهة واشنطن للإيرانيين. عملياً، أُريد من حركة التطبيع العربية مع إسرائيل عام 2020 تقوية حظوظ ترامب في انتخابات الرئاسة أمام جو بايدن، نائب الرئيس إبان عهد باراك أوباما، خاصةً أن بايدن أعلن لدى بدء ترشحه في ربيع 2020 عزمه العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني. ولو فاز ترامب، لكان طريق التطبيع السعودي- الإسرائيلي سالكاً نحو مسبين أولهما تسوية الصراع العربي- الإسرائيلي والثاني تشكيل تحالف أميركي- إسرائيلي مع العرب المعادين لطهران.
جاء فوز بايدن على ترامب قلباً للطاولة على مشروع التطبيع، بينما كان المرحبون بفوزه، ولو بصمت، الزعيم الإيراني علي خامنئي وحزب الله وصولاً إلى الحوثيين. ولوحظ كم تسارع التقارب السعودي مع الصين وروسيا في الأعوام الثلاثة الأخيرة. كما أن مقاربات سعودية جديدة لملفات المنطقة، مثل الأزمة السورية، ظهرت في هذه الفترة، يضاف إليها بدء محادثات في بغداد منذ ربيع 2021 بين الرياض وطهران على المستوى الاستخباراتي لتطبيع العلاقات بالتزامن مع بدء استئناف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا بين واشنطن وطهران وصولاً إلى اتفاق مارس/آذار 2023 السعودي- الإيراني الموقع عليه في بكين، وكأن الرياض أرادت القول لواشنطن: إن كنتم تريدون الاتفاق مع الإيرانيين فنحن لنا اتفاقنا الخاص الموازي معهم أيضاً. كما أن اتفاق بكين أفزع واشنطن بسبب مكان التوقيع عليه في ظل تشكّل حلف صيني- روسي في الحرب الأوكرانية، إذ لم ترد واشنطن من الرياض أن تكون بوابة لبكين نحو الشرق الأوسط كما فعلت القاهرة تجاه موسكو في 1955. وبعد شهرين من اتفاق بكين، طار مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان إلى الرياض مسكوناً بالهاجس الصيني. وبعد تلك الزيارة، فتحت صفحة جديدة بين الرياض وواشنطن خطوطها العريضة عبر مفاعل نووي سعودي وفتح طريق صفقات السلاح الأميركي لها والممر الهندي- الشرق أوسطي- الأوروبي، والتطبيع السعودي- الإسرائيلي، ولوحظ بعد الزيارة، كيف تحول اتفاق بكين والمبادرة العربية تجاه الأزمة السورية إلى حبر على ورق، فيما وقع اتفاق الممر في 10 سبتمبر/أيلول الماضي بما يعنيه من تحويل مرفأ حيفا إلى مرفأ رئيسي في المنطقة، قبل أن يصرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد التوقيع بعشرة أيام في مقابلة مع محطة «فوكس نيوز»: «نقترب كل يوم أكثر فأكثر من التطبيع مع إسرائيل».
يمكن ليومي 10 سبتمبر/أيلول و20 سبتمبر/أيلول أن يفسرا مباشرةً ما حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول أو أنهما الكيلومتر الأخير أو ما قبل الأخير له، إذ أن ما قامت به حركة حماس في ذلك اليوم قطعٌ لطريق التطبيع السعودي- الإسرائيلي، وبالتالي قطع طريق الممر الذي كان سيمر بمنطقة غلاف غزة بوصفه الطريق البري الواصل بين إيلات وعسقلان نحو حيفا التي ستكون نهاية برية لسكك حديد واتوسترادات تمتد من مرفأ الفجيرة في الإمارات ثم السعودية والأردن، قبل الوصول إلى إسرائيل عبر إيلات والنقب.
هنا، يمكن أن تكون لحركة حماس مصلحة في ضرب التطبيع السعودي- الإسرائيلي الذي كان سيجعلها في وضعية شبيهة بوضعية ياسر عرفات بعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس عام 1977وما أعقب ذلك من حرية حركة لإسرائيل قادت لاجتياح جنوب لبنان الأول عام 1978 ثم الثاني عام 1982 الذي أخرج عرفات من بيروت. ولكن، بالتأكيد هناك مصلحة إيرانية في ما فعلته الحركة، إذ أن التطبيع السعودي- الإسرائيلي كان سيقود إلى حلف أميركي- إسرائيلي- سعودي- مصري – أردني- إماراتي، سيضع طهران في موقع دفاعي على مستوى عموم الإقليم، بعد أن كانت في موقع الصعود منذ عام 2003 ثم التمدد منذ عام 2007. وربما كان هذا سيجعل إمكانية ضرب إيران ممكناً، وسيكون ضرب حلفائها في غزة وبيروت وصنعاء ممكناً أكثر. من جانب دولي، فإن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول شكّل ضربة كبرى لمشروع الممر الذي يعتبر منافساً لمشروع الحزام والطريق الصيني، وصرفاً للأنظار الأميركية عن الحرب في أوكرانيا لصالح روسيا. وربما سيؤدي المشهد الشرق أوسطي ما بعد هذا التاريخ إلى إتاحة الفرصة لفلاديمير بوتين لحسم تلك الحرب إن تعثرت واشنطن وتل أبيب في حرب إسرائيل- غزة.
حول مفهوم الحرب العادلة
مايكل فالزر وكريس براون
في ضمن محرر مفكري الحرب العادلة. دانيال برونستيتر وسيان أودريسكول (لندن روتليدج، 2017) الصفحات من 205 إلى 215. وقسم العلاقات الدولية، مدرسة لندن للاقتصاد
إن استيعاب مكانة مايكل والتزر كمفكر حربي عادل يمثل صعوبات حقيقية. فهو، في نظر معظم الناس، المفكر الوحيد الأكثر تأثيرًا في الحرب العادلة خلال المائة عام الماضية؛ قد ينظر اللاهوتيون إلى بول رامزي، ومؤرخو التقليد إلى جيمس تورنر جونسون، ولكن بالنسبة للمنظرين السياسيين والفلاسفة وعلماء العلاقات الدولية والمعلمين العسكريين والقارئ العام، فإن كتاب والتزر “الحروب العادلة وغير العادلة” هو العمل الحديث الأكثر أهمية في العالم. المجال (جونسون، 1975 و 1981: رمزي، 1968: والزر، 1977/2015، ناردين وآخرون، 1997). تم نشره لأول مرة في أعقاب حرب فيتنام مباشرة في عام 1977، ولم ينفد من الطبعات أبدًا، ولم يتطلب الأمر مراجعة – تحتوي الطبعات الخمس للكتاب على مقدمات أو كلمات لاحقة مختلفة تتناول قضايا اليوم، لكن النص نفسه يظل كما هو. لم يتغير، ولا يزال ذا صلة، وهو كلاسيكي حقيقي بالمعنى الكامل للكلمة. فأين هي المشكلة؟ يكمن الأمر في حقيقة أنه، في سياق التقليد، ليس، بأي معنى مدروس للكلمة، مفكرًا للحرب العادلة على الإطلاق. من وجهة نظر تاريخية، فإن تقليد الحرب العادلة هو مسيحي، كاثوليكي على وجه التحديد، في حين أن فالزر يهودي علماني، وفيلسوف سياسي ليس لمعتقداته الاشتراكية الديمقراطية سوى نقاط اتصال قليلة مع أوغسطين والأكويني وخلفائهم، ونتيجة لذلك، فإنهم إن تفسير الحرب العادلة يتجاهل، أو يرفض في بعض الأحيان، العديد من سمات التقليد. إن منهجه في التعامل مع التقليد هو انتقائي – فهو يأخذ منه ما يحتاج إليه، وما هو منطقي بالنسبة له، ويترك الباقي. ومن هنا الصعوبة المذكورة. في القرن الحادي والعشرين، يمكن تقسيم مفكري الحرب العادلة عمومًا إلى «تقليديين» تتبع أعمالهم أعمال الأكويني وأوغسطينوس وآخرين، أو «مراجعين» تتوافق حججهم مع معايير الفلسفة التحليلية؛ ولا ينتمي والزر إلى أي من المعسكرين، فهو فريد من نوعه، وهو قانون في حد ذاته، ومع ذلك فهو أكثر تأثيراً من جميع مفكري الحرب العادلين الآخرين مجتمعين. لاستكشاف هذه المفارقة، نحتاج إلى وضع الحرب العادلة وغير العادلة في سياق عصرها وحياة فالزر. النصوص والسياقات ولد فالزر عام 1935 في مدينة نيويورك، وتلقى تعليمه في جامعة برانديز، كامبريدج، المملكة المتحدة، وجامعة هارفارد، حيث حصل على درجة الدكتوراه عام 1961 عن أطروحة نُشرت لاحقًا باسم ثورة القديسين: دراسة في أصول السياسة الثورية (1965). كان هذا فحصًا لفكر البيوريتانية في إنجلترا في القرن السابع عشر؛ وسلط الضوء على الاهتمام بموضوع الدين والسياسة الذي لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا، كما يشهد على ذلك عمله حول التقاليد السياسية اليهودية (2000، 2003)، وفي كتابه الأخير، مفارقة التحرير: الثورات العلمانية والثورات الدينية. الثورات المضادة (2015).
ولكن بالإضافة إلى الكتابة والتفكير كفيلسوف سياسي، كان فالزر في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وهو الآن ناشط سياسي، ومشارك في سياسات اليسار الديمقراطي في الولايات المتحدة، ومساهم في، وعلى مدى ثلاثين عامًا. منذ سنوات حتى وقت قريب، كان محررًا مشاركًا في مجلة Dissent الاشتراكية الديمقراطية. إن المشاركة في السياسة الأمريكية في الستينيات كانت تتطلب بالضرورة تبني موقف بشأن حرب فيتنام؛ كان والزر، الذي كان في ذلك الوقت مدرسًا في جامعة برينستون ثم جامعة هارفارد، كما هو متوقع، عضوًا نشطًا في الحركة المناهضة للحرب، وتحول تركيزه الأكاديمي نتيجة لهذا الارتباط.
كان المنتج الأول لهذا التحول هو مجموعته من المقالات، “الالتزامات: مقالات عن العصيان والحرب والمواطنة” (1970)، ولكن العمل الأكثر جوهرية الذي حفزته هذه المشاركة الجديدة كان “الحروب العادلة وغير العادلة” المذكورة أعلاه والتي ظهرت في عام 1977 بعد النهاية. من الحرب، ولم يستخلص من هذا الصراع سوى عدد قليل من الأمثلة العملية العديدة للمعضلاتالأخلاقية في الحرب التي تجعلها قراءة جذابة، ولكن من الواضح أنها لا تزال غارقة في سياسات العصر. يركز الجزء الأول من كتاب الحروب العادلة وغير العادلة على الواقع الأخلاقي للحرب، ويعارض الواقعية. من الطبيعي أن تؤدي معارضة فالزر لحرب فيتنام إلى استبعاد تبني الفهم السياسي الواقعي لكلاوزفيتز للحرب باعتبارها مجرد عمل سياسي، مع عدم وجود أي عبء أخلاقي محدد مرتبط باختيار العنف. بالنسبة إلى فالزر، الإعداد الافتراضي هو أن شن الحرب يعني ارتكاب جريمة. ومع ذلك، على عكس العديد من أعضاء الحركة المناهضة للحرب، لم يتبنى موقفًا سلميًا، حيث عارض جميع الحروب، ولم يتبنى الموقف الراديكالي المتطرف المتمثل في دعم حروب التحرير الوطني فقط. يشير إهداء الكتاب، المستمد من عمود البطولة في نصب ياد فاشيم التذكاري في القدس، إلى إيمانه بشرعية قضية الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؛ وعلى نحو مماثل، أيد تصرفات إسرائيل في حرب الأيام السبعة عام 1967، والتي فهمها باعتبارها حرباً للدفاع عن النفس، وإن كانت حرباً بدأت بضربة استباقية مبررة في نظره.
لقد استبعدت هذه الالتزامات الموقف السلمي والمتطرف، وتشير إلى وجود ظروف لا يعتبر فيها شن الحرب جريمة. هدفه هو إيجاد طريقة يمكن الدفاع عنها فلسفيا للتمييز بين تلك الظروف التي قد يكون فيها العنف بين الدول مشروعا وتلك التي قد لا يكون كذلك؛ في إطار الفلسفة الغربية للفلسفة السياسية، فإن تقليد الحرب العادلة هو الذي يحاول إجراء هذا التمييز، وهنا وجد جزءًا – وإن كان جزءًا فقط – من الإلهام للحروب العادلة وغير العادلة.
من العدل أن نقول إنه قبل كتاب فالزر، كان تقليد الحرب العادلة يُفهم إلى حد كبير بالمصطلحات المسيحية، وبشكل أكثر تحديدًا الروم الكاثوليك، وكان القديس أوغسطين وتلميذ العصور الوسطى القديس توما الأكويني، المفكرين الذين تم فحص أعمالهم، قبل كتاب فالزر. في العمق في مكان آخر من هذا المجلد. قام الأكويني، على وجه الخصوص، بتنظيم العقيدة، مجادلًا بأن الله أراد لنا أن نعيش معًا في سلام مع عدالة وبدون عنف، لكن العنف قد يكون ضروريًا في بعض الأحيان لتصحيح الخطأ وبالتالي استعادة السلام الذي كسره الظلم (فينيس، 1996).
لكي تكون الحرب عادلة (في الواقع، ليس المصطلح الصحيح حقًا هنا، فكلمة “مبرر” تناسب الموقف بشكل أفضل) يجب استيفاء عدد من المعايير – يجب أن يكون هناك سبب عادل، وخطأ يجب تصحيحه، يجب على أولئك الذين يشنون الحرب أن يفعلوا ذلك بنية سليمة، ويجب أن تعلن الحرب فقط من قبل سلطة عامة مناسبة، كملاذ أخير، ويجب أن يكون العنف المستخدم متناسبًا مع الجريمة، ويجب حماية الأبرياء، ويجب أن يكون هناك احتمال معقول. وأن العنف من شأنه أن يجعل الأمور أفضل وليس أسوأ. تجدر الإشارة إلى أن هذه المعايير الأربعة الأخيرة (الملاذ الأخير، التناسب، حماية الأبرياء، احتمال النصر) استمدها الأكويني من “القاعدة الذهبية” (“افعل بالآخرين كما تفعل”) التي تحكم الأخلاق. السلوك بشكل عام، وليس من أي سمات من التفكير الأخلاقي الخاص بالحرب – بالمعنى الدقيق للكلمة، فإن المعايير الثلاثة الأولى (السبب العادل، والنية الصحيحة، والسلطة الصحيحة) هي التي تتناول ما هو مميز في الحرب.
في التقليد العميق للفلسفة الأخلاقية في العصور الوسطى، كان ينبغي فهم هذه المعايير على أنها حزمة لا يمكن فصلها؛ يجب أن يكون الجميع راضين حتى تعتبر الحرب “عادلة”، على الرغم من أن هذا لم يكن تمرينًا “محددًا”، بل بالأحرى تمرينًا دعا إلى ممارسة أنواع مختلفة من الحكم – ولم يكن الأكويني أرسطويًا عبثًا. مسيحي، وكان حكم أرسطو، الحكم العملي، محوريًا في تفكيره. ومع ذلك، في إطار التقليد اللاحق، ومع ظهور الدولة الحديثة، تم فصل المعايير القانونية تدريجيًا إلى فئتين، تم وصفهما مؤخرًا بـ ius ad bellam و ius in bello، اللتين تناولتا على التوالي عدالة اللجوء إلى الحرب، ومع السلوك الصحيح في الحرب وقد وفر هذا التمييز الأخير الإطار لكتاب فالزر – على حسابه ius ad bellam تصبح نظرية العدوان مستمدة من “النموذج القانوني” الموصوف في الجزء الثاني، ويصبح ius in bello “اتفاقية الحرب” المنصوص عليها في الجزء الثالث. أكمل القصة، يستكشف الجزء 4 “معضلات الحرب” مع التركيز في جملة أمور على “حالة الطوارئ العليا” (التي انظر أدناه) والردع النووي، في حين أن الجزء 5 يمتد بين كل من ius ad bellam و ius في اعتبارات الحرب من خلال استكشاف مسألة المسؤولية، كما ينطبق على كل من القادة السياسيين والقادة والجنود العاديين. يتم تقديم الخيام والخلافات Ius ad bellam من حيث نظرية العدوان.
يحكم هنا “النموذج القانوني” – فهو يعتمد على افتراض وجود مجتمع من الدول يتمتع أعضاؤه بالسيادة السياسية والسلامة الإقليمية؛ فالهجمات على هذه الأخيرة هي أعمال عدوانية يحق للضحية أن تقاومها، وأن تطلب مساعدة الآخرين في القيام بذلك، ثم تعاقب المعتدي فيما بعد. مع استثناء واحد أو اثنين محدودين للغاية، فإن “القضية العادلة” الوحيدة التي يمكن الاعتراف بها في ظل الظروف الحديثة هي الدفاع عن النفس، ويمكن لجميع أعضاء مجتمع الدول الدفاع عن أنفسهم من الاعتداء الخارجي على استقلالهم الذاتي وأراضيهم. تتعلق الاستثناءات المذكورة أعلاه بالحرب الاستباقية (يجب تمييزها بعناية عن الحرب الوقائية) ومبدأ تقييدي للغاية للتدخل الإنساني الذي من شأنه أن يمنح الأطراف الخارجية الحق (ولكن ليس الواجب) في التدخل في حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان – الإبادة الجماعية والانتهاكات الجماعية. وقد ورد ذكر الاستعباد في هذا السياق. تتعلق “اتفاقية الحرب” بحقوق المقاتلين وغير المقاتلين، فيما يتعلق بالحرب.
وعلى حسابه، فإن عدالة الحرب لا تؤثر على من يمكن أن يُقتل أو لا يُقتل، أو في كيفية قتله. لا ينبغي أن يُفهم الجنود على أنهم مجرد أفراد – فهم ممثلون لمجتمع سياسي، ولكن مع ذلك، لديهم حقوق تحكم الظروف التي قد يقتلون فيها، أو يُقتلون، والطرق التي يقتلون بها أو يُقتلون بها. وتعني “المساواة الأخلاقية بين المقاتلين” أن جميع المقاتلين هم أهداف مشروعة، سواء كانوا يقاتلون من أجل قضية عادلة أم لا، ويخضعون لنفس القيود على الأسلحة التي يمكن استخدامها. لا ينبغي أن يكون غير المقاتلين أهدافًا تحت أي ظرف من الظروف – على الرغم من أنه يسمح، على نحو مثير للجدل، في الجزء الرابع بأن “حالة الطوارئ القصوى” قد تبرر التنازل عن هذه القاعدة إذا كان من الممكن تجنب كارثة أخلاقية أكبر. وبالتالي، على سبيل المثال، ربما كانت حملة القصف ضد المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية مبررة لو كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع كارثة النصر النازي – على الرغم من أنه يزعم أن الأمر لم يكن كذلك، وبالتالي كانت الحملة غير شرعية. العنوان الفرعي لكتاب الحروب العادلة وغير العادلة هو “حجة أخلاقية مع الرسوم التوضيحية التاريخية” وفي الأجزاء 3 و 4 و 5 يقدم والتزر مجموعة واسعة من هذه الرسوم التوضيحية التاريخية، التي تغطي مسائل مثل حصانة غير المقاتلين والضرورة العسكرية والحصار ، حرب العصابات والإرهاب والأعمال الانتقامية وجرائم الحرب. إحدى السمات الجذابة للكتاب هي الطريقة التي يصمم بها فالزر في كل مرحلة على ترسيخ حججه الأخلاقية في مواقف العالم الحقيقي، سواء المستمدة من حصار القدس عام 72 م، أو حرب الغواصات في الحرب العالمية الأولى أو القواعد.
بشأن مشاركة القوات الأمريكية في فيتنام. وقد أعرب والتزر في مكان آخر عن نفاد صبره وعدم رضاه عن نوع النظرية السياسية التي تتضمن “الامتداد المرح للحالات الافتراضية، والابتعاد أكثر فأكثر عن العالم الذي نعيش فيه جميعًا” والطريقة التي يطور بها حجج “عادل وغير عادل”. تجسد الحروب تصميمه على الاستمرار في التركيز في جميع الأوقات على الأشخاص الحقيقيين والقضايا الحقيقية (Walzer، 2003). ربما يكون من المضلل وصف الحالات العديدة التي يدرسها على أنها “رسوم توضيحية”، فالأمثلة التاريخية التي يستخدمها لا توضح حججه فحسب، بل هي في الواقع الطريقة التي يجادل بها. على أي حال، يمكن للمؤلف الحالي أن يشهد أن دراسات الحالة المصغرة التي يقدمها والتزر تجعل الكتاب جذابًا للغاية للطلاب على جميع المستويات، وليس من غير المعقول القول بأن جزءًا من طول عمر الكتاب يعتمد على سهولة قراءته وفائدته المطلقة. كنص تعليمي وكذلك على عمق حجته. إن المواقف التي يتبناها فالزر بشأن العدوان وحكم الحرب تتوافق إلى حد كبير مع النظام القانوني المعاصر الذي يحكم استخدام القوة في العلاقات الدولية.
ويعترف ميثاق الأمم المتحدة بأن الدفاع عن النفس هو الاستخدام المشروع الوحيد للقوة (على الرغم من أنه يجب أن يتم ذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لضمان السلام والأمن الدوليين، المادة 51). إن استعداد فالزر للسماح بالتدخل في حالة الاستعباد الجماعي والإبادة الجماعية يتوافق مع مختلف اتفاقيات مكافحة العبودية، واتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948. وفيما يتعلق باتفاقية الحرب، فإن قانون النزاع المسلح (المعروف أيضًا باسم القانون الإنساني الدولي) )، أي معاهدتي جنيف ولاهاي والبروتوكولات المصاحبة لها، من الواضح أن نفس قواعد الحرب تنطبق على جميع المقاتلين،ونفس الحماية على جميع غير المقاتلين .أحد المجالات التي يخرج فيها فالزر عن النظام القانوني الحديث هو ما يتعلق بـ “حالة الطوارئ العليا”، التي لا يعترف بها المحامون كأساس مشروع لتعليق قواعد الحرب. في الواقع، ليس المحامون وحدهم من يجدون فكرة مزعجة مفادها أن حالة الطوارئ العليا يمكن أن توفر بطاقة “الخروج من السجن”.
وتكمن المشكلة في صعوبة تحديد أي حالات الطوارئ هي الأعلى وأيها طبيعية – ربما يتفق معظم الناس على أن النصر المحتمل للنازية يمكن اعتباره حالة طوارئ قصوى، ولكن قد يجادل البعض بأن أي هزيمة في الحرب يمكن أن تكون بمثابة هزيمة. يتم رؤيتها بنفس الشروط، مما يؤدي إلى أن المؤهلات التي يرغب Walzer في إرفاقها بالمصطلح تمر عبر اللوحة. ومع ذلك، يشك المرء في أن أغلب صناع القرار الفعليين يتصورون في أذهانهم أن مثل هذا الشرط قد يكون ضروريا في الحالات القصوى. إن تفكير والتزر حول هذا الموضوع يشبه الموقف الموضح في مقالته حول “العمل السياسي: مشكلة الأيدي القذرة” (1973، والتي تم تجميعها في كتاب التفكير السياسي، 2007) حيث يجادل بأن هناك أوقاتًا، مع أخذ كل الأمور في الاعتبار، من الممكن أن يكون الشخص على حق في القيام بشيء خاطئ من الناحية الأخلاقية ــ وهو الموقف الذي ينطبق على مجموعة واسعة من المواقف، من حالات الطوارئ القصوى التي نوقشت في الحروب العادلة وغير العادلة إلى التكتيكات المريبة المستخدمة في ما يسمى الحرب على الإرهاب. في مقابلة أجريت عام 2003، في سياق المناقشات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر حول التعذيب، علق والتزر على مسألة الأيدي القذرة: “[لكن] الحالات المتطرفة تجعل القانون سيئًا”.
نعم، سأفعل كل ما هو ضروري لانتزاع المعلومات في قضية القنبلة الموقوتة، أي أنني سأقدم نفس الحجة بعد أحداث 11 سبتمبر التي قدمتها قبل 30 عامًا. لكني لا أريد التعميم في مثل هذه الحالات؛ لا أريد إعادة كتابة القاعدة ضد التعذيب لتشمل هذا الاستثناء. القواعد هي القواعد، والاستثناءات هي الاستثناءات. أريد من القادة السياسيين أن يتقبلوا القاعدة، وأن يفهموا أسبابها، بل وأن يستوعبوها داخليا. أريدهم أيضًا أن يكونوا أذكياء بما يكفي ليعرفوا متى يكسرونها. وأخيرًا، لأنهم يؤمنون بالقاعدة، أريدهم أن يشعروا بالذنب تجاه انتهاكها – وهو الضمان الوحيد الذي يمكنهم تقديمه لنا بأنهم لن يخرقوا هذه القاعدة كثيرًا.’ (والزر، 2003) كما هو الحال مع حالة الطوارئ العليا، ربما يتوافق تفكيره حول هذا الموضوع مع حدس معظم القادة السياسيين، وإن كانوا نادراً ما يعترفون بالشرط الأساسي المتمثل في أن أولئك الذين يوسخون أيديهم بهذه الطريقة يجب أن يعترفوا بأنهم فعلوا ذلك ويتحملون الذنب المصاحب لأفعالهم. وبالعودة إلى النقطة الأكثر عمومية، يمكن النظر إلى موقف والتزر باعتباره دفاعًا عن الإطار القانوني الحالي الذي يحكم استخدام القوة – لكنه يخرج جذريًا عما كان يُفهم سابقًا على أنه تقليد الحرب العادلة.
في التقاليد، تُفهم “القضية العادلة” بعبارات عامة على أنها تصحيح الخطأ، وهي بالتأكيد لا تقتصر على الدفاع عن النفس. إن حق الدفاع عن النفس هو سمة مهمة من سمات “القاعدة الذهبية” المذكورة أعلاه، والتقليد ليس معاديًا لهذه الفكرة، ولكن في حين أن الدفاع عن النفس قد يكون قضية عادلة، فإنه لا يُفهم عمومًا على أنه القضية العادلة الوحيدة. مرة أخرى، “النية الصحيحة”، أي الفكرة القائلة بأن المهم ليس فقط القيام بالشيء الصحيح، ولكن القيام به للسبب الصحيح، أمر بالغ الأهمية في التقليد ولكنه لا يلعب أي دور في وجهة نظر فالزر – بالنسبة إلى فالزر، الحرب العادلة هي ردًا على جريمة ما، ولا تكون الحالة العقلية للمدعى عليه ذات صلة إلا بقدر ما إذا كانت غير مناسبة فقد تؤدي إلى الإضرار بأفعاله أو تشويهها. إن اهتمام القرون الوسطى بحالة روح الفرد، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأكويني، لا يلعب أي دور في تفكير فالزر، وهو أمر مفهوم بما فيه الكفاية، نظرا لنهجه العلماني الذي لا هوادة فيه في التعامل مع الحرب العادلة. ويطرح معيار “السلطة الصحيحة” العديد من الأسئلة المثيرة للاهتمام في العصر الحديث – على سبيل المثال، هل يمتلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وحده سلطة استخدام القوة الشرعية؟ أم يمكننا ببساطة قبول الدولة باعتبارها السلطة المناسبة؟ – ولكن بالكاد تطرق إليها والزر؛ كما هو الحال مع النية الصحيحة، فإن ناموسيته تبعده عن التقليد ونحو فحص السلطة من حيث مسؤولية القيادة.
وأخيرًا، فيما يتعلق باتفاقية الحرب، فإن المساواة الأخلاقية بين المقاتلين محورية في رواية فالزر، وهي مبدأ لن يعترف به التقليد؛ لا يتمتع مرتكبو الأخطاء، ولا يمكنهم، أن يتمتعوا بنفس الموقف الأخلاقي الذي يتمتع به أولئك الذين يريدون عكس الخطأ – على الرغم من أن مفكري العصور الوسطى رأوا أن تحديد الصواب والخطأ أمر يعود في النهاية إلى الله، على عكس الفلاسفة التحليليين المعاصرين الذين هم واثقون من أنهم يستطيعون فعل ذلك. الوظيفة <مكماهان،2009>بعد قول كل هذا، ربما تجدر الإشارة أيضًا إلى أن معارضة فالزر لفكرة الردع النووي، على النحو المبين في الفصل 17 من كتاب الحروب العادلة وغير العادلة، تستند إلى منطق أقرب بكثير إلى التقليد من الدفاع عن الردع الذي توفره الأسلحة النووية. اللاهوتي بول رمزي (الذي انظر الفصل “x” من هذا المجلد). يرى والزر أن الردع قد يكون استراتيجية ضرورية – راجع. “حالة طوارئ قصوى” – لكنها غير مقبولة أخلاقيا وينبغي البحث عن بدائل؛ وفي جانب توضيحي يشير إلى أن “الطوارئ القصوى ليست أبدًا وضعًا مستقرًا” (ص 282).
الموروثات والأهمية الدائمة
إذا جمعنا كل هذا معًا، فمن السهل أن نرى لماذا يعتبر إرث فالزر كمفكر حرب عادل معقدًا للغاية. على الرغم من أنه يستخدم مصطلح “الحرب العادلة” لوصف ما يفعله، إلا أن النسخة العلمانية والقانونية للحرب العادلة التي يقدمها ليس لها علاقة تذكر بالطريقة التي فهم بها التقليد هذا المصطلح. إن القوة الدافعة لتحليله تكمن في الواقع في مكان آخر، في تفسيره لحقوق الفرد والمجتمع السياسي. ينبع تركيزه على الدفاع عن النفس من الاعتقاد بأنه في دفاعه عن حق المجتمعات السياسية في مقاومة العدوان، فهو في الواقع يدافع عن حقوق الأفراد الذين يشكلون هذه المجتمعات – فالمجتمعات السياسية تستحق الدفاع عنها بسبب التفاهمات المشتركة والحياة المشتركة التي تروج لها. والأهم من ذلك أن هذا قد يكون صحيحاً حتى لو كانت مؤسسات الحكم في هذه البلدان غير ديمقراطية. ولابد من تقدير الحكم الذاتي وفقاً لشروطه الخاصة، وليس فقط إذا كان يؤدي إلى حكم ذاتي ديمقراطي.
وكما يقول فالزر، فإن المكانة الأخلاقية لأي دولة معينة تعتمد على واقع الحياة المشتركة التي تحميها ومدى قبول التضحيات التي تتطلبها تلك الحماية عن طيب خاطر وجدارة التفكير فيها. إذا لم تكن هناك حياة مشتركة، أو إذا لم تدافع الدولة عن الحياة المشتركة الموجودة، فقد لا يكون لدفاعها أي مبرر أخلاقي. (والزر، 1977/2015؛ 54). ولهذا السبب فإن تفكيره يؤدي إلى عقيدة محدودة للغاية للتدخل الإنساني، على النقيض من استعداد العديد من منظري الحرب العادلة لتبني أفكار أكثر تطرفًا (جونسون، 2005). وباعتباره ديمقراطياً اشتراكياً، يأمل فالزر بطبيعة الحال أن تختار المجتمعات الديمقراطية، ولكن الغرباء يضطرون إلى الافتراض أن أي شكل من أشكال الحكومة القائمة يعكس رغبات الناس المعنيين؛ وحتى لو تم قمع الحركات المؤيدة للديمقراطية، فطالما لم ينهار المجتمع في حرب أهلية وتمرد، يجب افتراض وجود “توافق” بين الحكومة والشعب. وفي غياب مثل هذا الانهيار، فإن الظروف الحقيقية الوحيدة التي يحق فيها للأجانب التدخل (على الرغم من عدم إلزامهم) ستكون في حالة الإبادة الجماعية أو الاستعباد الجماعي – في مثل هذه الظروف يكون التوافق بين المحكومين والحكام قد انهار بشكل واضح، ولكن خلاف ذلك إن افتراض الشرعية الدولية يجب أن يصمد، مهما كنا نفكر في السياسة الداخلية للبلد المعني. من الواضح جدًا أن هذا الموقف يتعارض مع تقاليد الحرب العادلة الأوسع نطاقًا، وبالطبع مع العالمية التي حددها تشارلز بيتز وديفيد لوبان المنصوص عليها في المجموعة المؤثرة الأخلاق الدولية (بيتز وآخرون، 1985).
لأسباب عملية، قد يتوصل التقليديون والعالميون إلى نفس النتيجة حول الحاجة إلى تبني سياسات مناهضة للتدخل مثل فالزر، على الرغم من أنهم يصلون إلى هذه النتيجة من نقاط بداية مختلفة للغاية. هل سيشعر فالزر بالقلق عندما يُقال له إن عمله ابتعد بشكل جذري عن تقاليد الحرب العادلة؟ ويكاد يكون من المؤكد أنه لن يفعل ذلك. في السنوات الأخيرة، تعرض نهجه للهجوم من قبل ما يسمى بمنظري الحرب العادلة “الرجعيين” – راجع الفصل في هذا المجلد عن جيف مكماهان – وقد استجاب لبعض القوة، وعلى الأخص في الخاتمة لطبعة 2015 من كتاب “فقط”. والحروب الظالمة. وعلى عكس إصرار ماكماهان على أن الجنود الذين يقاتلون في قضية غير عادلة يفقدون الحقوق التي قد نمنحها للمقاتلين العادلين، يدافع والتزر عن الفصل بين ius ad bellam وius in bello، مجادلًا بأن عدالة الحرب لا ينبغي أن تحدد حقوق المقاتلين؛ موقفه من التحريفيين هو أن نظرياتهم منفصلة عن الممارسة الفعلية للحرب، وهو الموقف الذي تم التقاطه بشكل جيد في مقابلة عبر الإنترنت عام 2012 مع نانسي روزنبلوم حيث حدد الأساس لاختلافاته معهم – وأشار إلى أنه بالنسبة للتحريفيين “إن موضوع نظرية الحرب العادلة هو مجرد نظرية الحرب [بينما] أعتقد أن موضوع نظرية الحرب العادلة هو الحرب” (روزنبلوم، 2012). أعتقد أن هذا هو الجواب الذي سيقدمه بنفس القوة للمنتقدين الذين يؤيدون الرواية التقليدية للحرب العادلة.
في الواقع، كإجابة، فهي في الواقع أكثر فعالية عندما تُعطى للتقليديين بدلاً من التحريفيين. ومع تركيزه على الحرب بدلاً من النظرية، فإن الطريقة التي يطرح بها الحجة تعتمد بشكل كبير على نظرية الحقوق، مما يجعله عرضة لهؤلاء، مثل التحريفيين، الذين يبدأون أيضًا بالحقوق، لكنهم يقدمون منظورًا مختلفًا. نسخة من العلاقة النظرية بين الفرد والمجتمع. ومن المثير للاهتمام أن هذه النقطة تم التقاطها في إحدى المراجعات الأولى لكتاب الحروب العادلة وغير العادلة، التي كتبها ريتشارد فاسرستروم في مجلة هارفارد للقانون (واسرستروم، 1978). يقترح فاسرستروم، بقسوة إلى حد ما، أن نظرية فالزر تقدم «نظرية مقيدة وغير ملهمة للحقوق الفردية» (ص 542)، وأن تفسيرًا أكثر اكتمالًا لحقوق الأفراد من شأنه أن يقوض موقفه القائل بأن الدول، بغض النظر عن القمع الشديد، يحق لهم الدفاع عن سيادتهم السياسية حتى عندما تكون غير ديمقراطية.
وسواء كان هذا الانتقاد مبررًا أم لا، فهذا أمر سيشكله قراء كتاب والتزر الأفراد آراءهم الخاصة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن موقفه يلزمه بخوض حرب على جبهتين – من ناحية، مع أولئك الذين يؤيدون ذلك. إنهم غير راضين عن فكرة تأسيس مفهوم الحرب العادلة على مفهوم الحقوق الفردية، ومن ناحية أخرى، أولئك الذين يسعدون باتخاذ هذه الخطوة ولكنهم يقدمون مفهومًا مختلفًا للحقوق. فالزر هو فيلسوف سياسي كتب منذ إنتاج الحروب العادلة وغير العادلة عن عدد كبير من المواضيع، مثل طبيعة العدالة (والزر، 1983)، وطبيعة الجدل الأخلاقي والنقد الاجتماعي (والزر، 1987، 1995أ)، وما هي العدالة؟ إنه يعني أن تكون أمريكيًا (Walzer, 1992, 2003) والتقليد السياسي اليهودي (Walzer et al, 2000, 2003)، ولكن في حين أنه لم يتخلى أبدًا عن اهتمامه بالحرب، فإنه لم يشعر أيضًا أنه من الضروري معالجة الموضوع بأي شيء مثل الطول الذي فعله في الحروب العادلة وغير العادلة. لقد عاد في الغالب كمعلق على الشؤون العامة – وهو ما يراه متسقًا تمامًا مع مهنة الفلسفة السياسية – إلى قضية الحرب من خلال المساهمات في المعارضة وغيرها من المجلات الراديكالية والليبرالية، وأهمها مختارات. في مجموعتين: الجدال حول الحرب (2004) والتفكير السياسي (2007). وفي هذه العملية قام بتعديل بعض المواقف التي اعتمدها في كتاباته السابقة.
في مقالة معارضة عام 1995 بعنوان “سياسة الإنقاذ” (مختارة في الجدال حول الحرب)، والتي كُتبت ردًا على أحداث حقبة ما بعد الحرب الباردة مباشرة، وسع نطاق المواقف التي قد يكون فيها التدخل مبررًا، و يتوقع انخراطًا أطول مع سياسات ما بعد التدخل مما كان متصورًا في عمله السابق. وكان موقفه السابق يتضمن إعادة السيطرة إلى السكان المحليين في أقرب وقت ممكن بعد التدخل، لكنه يدرك الآن أن مثل هذه السياسة قد تؤدي ببساطة إلى تكرار الظروف التي أدت إلى التدخل في المقام الأول. ومع ذلك، يظل موقفه الأساسي مناهضًا للتدخل، وقد حافظ على هذا الموقف حتى في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، على الرغم من دعمه للتدخل الأمريكي في أفغانستان عام 2001 كمثال للدفاع عن النفس، وانضم إلى منظري الحرب العادلة جان بيثكي. الشتين وجيمس تورنر جونسون في التوقيع على بيان “ما نقاتل من أجله” (الشتين، 2003).
كان هذا الأخير موجهًا ضد تلك العناصر اليسارية في الولايات المتحدة التي كانت تميل إلى إلقاء اللوم على السياسة الخارجية الأمريكية في الهجمات على نيويورك وواشنطن، وكرر والزر مقاومته لهذه الحجة في مقابلة أجريت معه في عام 2003، وعرّف عن نفسه بأنه معارضة إدارة بوش، ولكن منتقدة “حماقة العديد من زملائي المعارضين: العداء غير المحسوب لأمريكا، والدوغمائية اليسارية القديمة، ورفض أي زمالة أكبر من طائفة الصحيحين سياسيًا و”النقيين أخلاقيا”. (والزر، 2003) ومع ذلك، فقد انفصل عن إلشتين وجونسون بشأن حرب العراق، وبشكل عام، في معارضته لتغيير النظام كدافع للتدخل. ولأسباب مماثلة، عارض التدخل الذي قاده الناتو في ليبيا في عام 2011، مما يؤكد أنه لا يزال يتبع فهمًا مقيدًا تمامًا بشأن متى يكون “الإنقاذ” مناسبًا – على الرغم من أنه ينبغي القول إن العديد من الأشخاص الذين فوجئوا بمعارضته في ذلك الوقت ، بما في ذلك المؤلف الحالي، يشعرون الآن أن الأحداث اللاحقة أثبتت حذره (Walzer, 2011).
وفي الآونة الأخيرة، كان رفضه رؤية العمل ضد ما يسمى بالدولة الإسلامية في سوريا مبررًا وفقًا لمعايير الحرب العادلة أمرًا ملفتًا للنظر، خاصة وأن جيف مكماهان، أبرز منتقدي الحرب العادلة، قد أعلن تأييده للعمل (Walzer, 2015; مكماهان، 2015). وحجة والتزر هنا هي أنه لا يوجد احتمال معقول للنجاح، وبالتالي لا يمكن تبرير العمل العسكري. يأتي هذا الموقف بعد سلسلة من المقالات التي كتبها والزر في مجلة Dissent على مدى السنوات الخمس الماضية، والتي تحول فيها موقفه من التدخل، من موقف أولي ضد “التدخل غير المقنع” (Walzer, 2012))، عبر دفاعاً عن “تردد أوباما بشأن سوريا (Walzer, 2013a)، وصولاً إلى الاعتراف بأن التدخل الأمريكي في وقت سابق من الصراع لم يكن من الممكن، في الواقع، أن يجعل الأمور أسوأ وربما جعل الأمور أفضل (Walzer, 2013b).
تكشف منشورات المدونة القصيرة هذه في الواقع عن الطريقة التي يفكر بها والزر في الحرب والعدالة؛ تكمن بعض معايير الحرب العادلة الكلاسيكية على الأقل في خلفية حججه – الملاذ الأخير، والتناسب، واحتمال معقول للنجاح – ولكن المقدمة دائمًا هي نوع من البراغماتية المبدئية، والتعامل مع الحقائق، والرغبة في تغيير وجهة نظره. العقل عندما تتطلب الظروف ذلك. وفي مواجهة الدوغمائية التي يتبناها بعض المحاربين العادلين من ذوي النزعة التقليدية والرجعية، فربما ينشر والتزر الصيغة المنسوبة، وربما على نحو خاطئ، إلى جون ماينارد كينز: “عندما تتغير الحقائق، أغير رأيي”. ماذا تفعل يا سيدي؟’ لقد تمت الإشارة أعلاه إلى نفور والتزر من مقاربة النظرية السياسية التي تعتمد على مستويات عالية من التجريد والأمثلة الافتراضية الخيالية، وكثيرًا ما استجاب أتباع هذا النوع من النظرية بالمثل، كما شهد ذلك بعض من مقالات تم جمعها في التعددية والعدالة والمساواة (والزر وميلر، 1995). وفي سياق آخر، أشار أستاذ النظرية السياسية المجردة – جون إلستر – ذات مرة إلى فالزر باعتباره “عالمًا فينومينولوجيًا للحياة الأخلاقية” (Elster, 1992, 14). أعتقد أن هذا لم يكن مقصودًا أن يكون مجاملة، ولكن يبدو لي أنه يلخص بشكل مثالي مشروع فالزر على مدار الستين عامًا الماضية، ويوجهنا نحو فهم سبب استمرار الحروب العادلة وغير العادلة في كونها مصدر إلهام للباحثين والطلاب.
كان اهتمامه دائمًا منصبًا على كيفية عيش الحياة فعليًا، وفي هذه الحالة، كيف ولماذا يتم خوض الحروب فعليًا. إنه يبرز المعضلات الأخلاقية للحرب بوضوح لم يحققه إلا القليل من الكتاب المعاصرين الآخرين، ويشجعنا على استخدام ذكائنا للتفكير في تلك المعضلات؛ إنه يستخدم بعض المفاهيم التي أتاحها له تقليد الحرب العادلة، لكنه لا يخشى أبدًا تجاهل أجزاء من التقليد، أو تكييف أجزاء أخرى لجعلها أكثر قابلية للتكيف مع الظروف المعاصرة. وفي عالم حيث تكثر أشكال الحرب الجديدة ــ غير المتماثلة، والهجينة، والسيبرانية ــ فمن الواضح أن هذه المرونة مطلوبة، ولكن من الأهمية بمكان أن تكون مصحوبة ببوصلة أخلاقية تنبئنا بما إذا كنا نضل نحو أرض خطرة. ولأنه يمتلك مثل هذه البوصلة، يظل عمل والزر ذا أهمية، وتتمتع تعليقاته حول الشؤون الجارية، الدولية والمحلية، بهذه القوة. قد يكون أو لا يكون «مفكرًا للحرب العادلة» بالمعنى الكامل للمصطلح، لكنه بالتأكيد أكثر علماء الظواهر الأخلاقية للحرب إنجازًا في عصرنا.
ما أهمية الخروج من مأزق الفرقة؟
الحركة الشيوعية السورية تعيش حالة من عدم التكامل والتنسيق فيما بينها ، بل نادرا ما يكون لحزب منها دورا في حراك شعبي ، أو تنظيم هذا الحراك ، وبينها خلافات جدية نتيجة مسار التطور الراسمالي في البلاد ، والاختلالات في التنظيم المجتمعي ، إضافة للخلافات في القضايا الفكرية .
إذا كان هناك حاجة ،فإن هذه الحاجة يفرضها مسار الصراع الطبقي في سوريا بتغذية خارجية للأطراف الفاعلة والتي تدير هذا الصراع ، وقليلا أو نادرا ما نرى دورا مهما لفصيل شيوعي ،أو منظمة نقابية أو مهنية ،
هي : مهمة راهنة ، واساسية في هذه المرحلة من الصراع الطبقي ، وهذا يعود بالانعكاس على وضع الطبقة العاملة السورية . إضافة إن هذه الحاجة ، هي حاجة مجتمعية لإيقاف المأساة الوطنية والنزيف السوري ، وتفرض هذه الحاجة الملحة هندسة جديدة للبرامج السياسية للأحزاب الشيوعية السورية ، والتوافق على رؤية شيوعية مشتركة للوضع القائم وآفاق التطور المقبل ، من خلال تجاوز الاصطفافات السابقة، والخروج من حالة التبعية لطرف محدد ، وتبرير سياسات هذا الطرف .
إن هدف وحدة الحركة الشيوعية السورية هو مهمة وطنية و موضوعية ، وتحتاج لإنضاج مقدماتها ، كي لا نعيش في حالة فرقة وعدم تكاملية السياسات ، الذي سينعكس على الوضع العام في البلاد . فالطبقة العاملة بحاجة للحفاظ على وحدة البلاد ، كمقدمة لإنضاج نضال طبقي من أجل المكاسب الديمقراطية والمعيشية ، وإنجاز المهام التي تفرضها المصلحة الكلية للمجتمع السوري .
فمن غير الفهم الدقيق للمهام الوطنية والديمقراطية ، الناتجة عن المصالح الحيوية للمجتمع السوري ، وطبيعة الصراع الطبقي المتجدد والذي تفجر منذ 2011 ، والذي يحتد ويقوى ويسكن ، لتجاوز حالة الجمود السياسي ، وفتح آفاق التغيير الوطني الديمقراطي – أن لاتشكل الحركة الشيوعية السورية ثقلا موزونا في البلاد يؤسس لبديل مناسب وديمقراطي .
وحدة الحركة الشيوعية السورية ليست مهمة طوباوية ، إن كانت على مستوى تحالف جبهوي ، او تنظيم واحد ، كونها ضرورة ملحة يفرضها مسار الصراع في سوريا وعلى سوريا ، ومصلحة وحدة الدولة و المجتمع ككل .
إن العوامل الموضوعية للوحدة ناضجة ، إن تم تجاوز أوحصل التقارب السياسي بين الشيوعيين حول الوضع السياسي المرحلي،لكنها تحتاج للعامل الذاتي الناضج الذي يدرك طبيعة الأزمة الوطنية الشاملة وأبعادها المستقبلية.
فهل سيعي العامل الذاتي أهمية هذا التنسيق والتكامل ووحدة البرنامج والرؤية؟
عرض للتمييز والنفي في ضوء تجربتنا الشيوعية السابقة
كانت الثورة البلشفية الحديثة آنئذ بحاجة ماسة لأحزاب شيوعية في أوروبا وآسيا، وتأسست معظم أحزابنا الشيوعية العربية بناءا على هذا القرار ، ولم يعد خافيا تبعية قيادات تلك الأحزاب للسوفييت في مواقفهم السياسية والفكرية ، وأيضا في دور السوفييت في تحديد بعض القيادات في تلك الأحزاب . وفي سورية عانى الحزب الشيوعي السوري من هذه الحالة ، وسادت في الحزب النزعة التابعة لما كان يقوله البعض عن “الرفاق السوفييت الكبار” في القضايا الفكرية والسياسية والتنظيمية. وفي هذا المجال لا بد من التنويه إلى دفع الشيوعيبن السوريين لصدام مع السد الاجتماعي المتمثل بالإسلام ، حيث : بسبب المنظومة الفكرية التابعة وإدخال النظرة الفلسفية للكون ضمن المنهج الماركسي السياسي ، في قبول العضوية ،حيث لم يكن ناضجاً التمييز في الوعي الفردي المشترك بين الأعضاء ، بين تلك النظرة الفلسفية للكون وبين المنهج الماركسي السياسي المستقل آنئذ .وهو ما أنتج حالة غربة للشيوعيين السوريين على الرغم من قوتهم آنذاك – والتي كانت من المتوقع أن تتوسع القاعدة التنظيمية للحزب عندئذ إذا تم التمييز – عن الهوية الحضارية لمحيطهم الاجتماعي ، فأنتج إنعزالا عن قطاعات واسعة من أبناء شعبنا مازال يلعب دوره إلى الآن ، فأدخلنا في أخطاء سياسية عميقة الأثر بالوجدان الجمعي ، وتتحمل قيادات الحزب السابقة مسؤولية تاريخية تجاه هذه المواقف ، مما يستدعي عمليا فتح الأبواب لدراسة ونقد وبحث التجربة في ضوء قضايانا الحديثة .
هذا المسار الطويل – والذي مازال عند العديد من الشيوعيين – رغم تفكك الإتحاد السوفيتي ، وإنعدام وجود ” الرفاق الكبار” ، إلا أنهم ما زالوا متمسكين بالماركسية السوفيتية ، وما زالوا – بشكل متفاوت – يتبعون هذا النهج في الممارسة السياسية .إن هذا التمييز راهني وواقعي في الممارسة السياسية وصياغة البرامج والمواقف السياسيين ، لكي لا تنعزل الحركة الماركسية الحديثة عن الهوية الحضارية لمجتمعنا ، وبالتالي تنعزل عن دوائر واسعة جدا من أفراد المجتمع ، مما يخلق المقدمات للإمساك بمواقف هذه الفئات من قبل حركات وقوى ذات أجندة خارجية وماضوية .
فالماركسية في السياسة هي نفي النفي ، ويجب نفي التجربة السابقة بما تحمله ، والإنضمام للعصر وجراحات وقضايا وآلام وتطلعات وحركة الحوامل الاجتماعية العصرية للحزب الشيوعي.
عبد الله حنا.. وداعاً
توفي في ألمانيا في 6 تشرين الثاني\نوفمبر 2023 المؤرخ السوري الدكتور عبدالله حنا.
الدكتور عبدالله حنا من مواليد بلدة ديرعطية في القلمون عام1932.
تخرج من قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة دمشق أواسط الخمسينيات.
انتسب إلى الحزب الشيوعي السوري بفترة الجامعة وكان نشيطاُ في النضال السري ضد ديكتاتورية أديب الشيشكلي1951-1954.
تمت ملاحقته في فترة الوحدة السورية- المصرية بعد بدء الاعتقالات عام1959 ضد الشيوعيين ومن بعدها توارى في لبنان قبل السفر إلى ألمانية الشرقية حيث أكمل الدراسة ونال درجة الدكتوراة في التاريخ من جامعة لايبزغ عن أطروحته:”حركة التحرر العربي في مستهل القرن العشرين” في عام1965.
عاد إلى سوريا أوائل السبعينيات واشتغل بالتدريس بالثانويات في دمشق ومن ثم درعا بعد أن لم يسمح له بالتدريس بالجامعة، وقد تم ابعاده من التدريس مع مئات المعلمين والمدرسين الشيوعيين أواسط السبعينيات حيث تم ابعادهم لوزارات أخرى وكان أن تم نقله لملاك وزارة الزراعة.
من مؤلفاته :
- “الاتجاهات الفكرية في سورية ولبنان1920-1945 “
- “الحركة العمالية في سورية ولبنان1900-1945”
- “الحركة الشيوعية السورية :الصعود والهبوط”.
كان الدكتور عبدالله حنا من أوائل الشيوعيين،ومنذ أواسط الستينيات،الذين وقفوا ضد ظاهرة عبادة الفرد في الحزب الشيوعي السوري،وكان من أوائل الشيوعيين السوريين الذين وعوا لمسألة تبيئة الماركسية مع الواقع والثقافة في المجتمع السوري .
كان يجمع في شخصه الثقافة الموسوعية والذكاء مع التواضع والبساطة وحب الناس والقدرة على التواصل مع كل شرائح المجتمع.
ستبقى ذكراه عطرة ومؤلفاته حًيًةُ .
7\11\2023
الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)
