- الافتتاحية: قراءة في يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023
- هل يتحرك حزب الله؟ إسرائيل تواجه احتمال القتال على جبهة ثانية – الإيكونوميست
- معضلة غزة المستحيلة – ذا نيويوركر – روث مارغاليت
- حرب المدن – نيويورك تايمز
- حرب كبيرة لن تكبر حتماً – فورين أفيرز – كينيث م. بولاك
- أمريكا هي السبب الجذري للحرب الأخيرة في إسرائيل وفلسطين – فورين بوليسي – ستيفن م. والت
- ثمانية عقود من الحروب الاسرائيلية – محمد سيد رصاص
- تذكروا
باستثناء الافتتاحية فإن النصوص والمقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الحزب.
الافتتاحية:
قراءة في يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023
اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية عديدة أن يوم 7 أكتوبر 2023، عندما ضربت حركة حماس ضربتها العسكرية على منطقة غلاف غزة وسيطرت على مناطق واسعة منها لأكثر من يوم، هو “اليوم الأكثر ايلاماً في تاريخ دولة إسرائيل منذ قيامها عام 1948”.
لم تأتي هذه النظرة فقط عند الاسرائيليين من عدد القتلى بذلك اليوم والذي بلغ 1300 وهو مايقارب نصف عدد القتلى الاسرائيليين في حرب 1973 الذي بلغ 2688،بل من الفشل الاستخباراتي في توقع الهجوم أوتلمسه قبل وقوعه وهو ما ذكرهم بفشل الاستخبارات الاسرائيلية في توقع الهجوم المصري- السوري في يوم 6 تشرين الأول\اكتوبر1973 والذي جعل رئيسة الوزراء الاسرائيلية غولدا مائير تقول:”لن أغفر لنفسي أبداً”،ومن الدلالات الرمزية الكبرى المتمثلة في أنه بيوم 7تشرين الأول\أكتوبر 2023 سيطرت ، لساعات وفي أماكن أخرى لأكثر من يوم ، قوة عسكرية عربية لأول مرة على رقعة أرض من الأراضي التي سيطرت عليها اسرائيل في حرب 1948 بينما في حرب 1973استعاد الجيشان المصري والسوري أراض من التي كانت محتلة في حرب1967. أيضاً هذا ” الألم الاسرائيلي ” يأتي من أن الجيش الذي أسمي ب”الجيش الذي لايقهر”بعد حرب 1967 يمثل له يوم (7أوكتوبر)رابع فشل بعد فشله في حرب 2006 بلبنان وحربيه بغزة في كانون أول 2008-كانون ثاني 2009 وفي صيف2014،وذلك بغض النظر عن ماستؤول إليه المجريات العسكرية في الحرب التي بدأت بيوم7أوكتوبر2023،وهذا الفشل المتكرر يقلق الاسرائيليين كثيراً في دولة تعتبر نفسها منذ قيامها في وضعية “القلعة المحاصرة من محيط معاد” ويقلقهم أكثر عندما يساهم هذا الفشل المتكرر في اهتزاز صورة اسرائيل ك”مخفر للمنطقة” التي مارستها اسرائيل كوظيفة عند البريطانيين والفرنسيين في حرب 1956 وعند الأميركان في حروب 1967 و 1973 و 1982 وحاولت أن تمارسها في حرب 2006 بلبنان وفشلت في تلك الحرب التي قالت عنها بأيامها الأولى وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أنها “آلام مخاض ضرورية لولادة الشرق الأوسط الجديد”، وعلى مايبدو أن القابلة الاسرائيلية لم تنجح في توليد ذلك الجنين الأميركي الذي بدأ الحبل به مع سقوط بغداد بيد المحتل الأميركي بيوم9نيسان2003،بل مات أثناء عملية التوليد التي استغرقتها الأيام ال33لتلك الحرب.
كل حرب تسبقها غيوم قبل بدء أمطارها،ففي حرب 1956كانت الأزمة البريطانية مع مصر عقب تأميم شركة قناة السويس سابقة بثلاثة أشهر للحرب وفي حرب 1967 كان الاصطفاف الأميركي- الاسرائيلي في مواجهة الاصطفاف السوفياتي- المصري سابقاً للحرب بثلاث سنوات وقد أرادت واشنطن من اعطاء الضوء الأخضر للاسرائيليين في شن الحرب تعديل ميزان القوى العالمي الذي اختل مع المأزق الميركي في حرب فييتنام عبر توجيه ضربة للاتحاد السوفياتي وحليفته مصر. فضربة (7أوكتوبر) ليست فقط هي ضربة عسكرية لها دلالاتها الكبرى،بل هي ضربة سياسية كبرى أرادت من خلالها حركة حماس،ومن ورائها ايران،قطع الطريق على قطار التطبيع السعودي – الاسرائيلي الذي ظهر وبان من خلال مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع قناة “فوكس نيوز”بأنه قد زادت سرعته كثيراً بعد التوقيع بيوم 10 أيلول على (مشروع الكوريدور الهندي- الشرق أوسطي- الأوروبي) أثناء قمة مجموعة العشرين بنيودلهي ،والذي يتضمن، كمشروع، جعل مرفأ حيفا نقطة الوصل البحرية بين القارتين الأوروبية والآسيوية بالاتجاهين في هذا الكوريدور الذي يبدأ من مرفأ مومباي بالهند حتى مرفأ الفجيرة بالإمارات على ساحل خليج عمان ومن هناك بالقطارات تنقل السلع عبر السعودية والأردن ومن ثم مرفأ إيلات إلى النقب حتى مرفأ عسقلان مروراً بالقرب من غلاف غزة ثم يتجه حتى حيفا ثم بالبحر نحو الساحلين اليوناني والايطالي، والعكس، وهذا الكوريدور سيكون به أنابيب نفط وغاز من الشرق الأوسط للقارة الأوروبية التي فطمت نفسها قبل سنتين مع الحرب الأوكرانية عن الغاز الروسي.
بالتأكيد حركة حماس لها مصلحة في ضرب التطبيع السعودي-الاسرائيلي الذي كان سيضع القضية الفلسطينية والفلسطينيين في مأزق وضعف شديدين مثلما جرى بعد التطبيع المصري- الاسرائيلي أواخر السبعينيات وهو التطبيع الذي أنشأ المناخ الملائم لاسرائيل لاجتياح لبنان عام 1978 بعد زيارة السادات للقدس بأربعة أشهر ومن ثم عام 1982، ولكن هناك اشتراك بالمصالح بينها وبين ايران في خربطة وتمويت هذا المشروع السعودي- الاسرائيلي للتطبيع، فيما قال مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان بأن (مشروع الكوريدور) قد بدأ التفكير فيه بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية واسرائيل في تموز2022، وبالتأكيد فإن الأميركان الذين لاتواصل جغرافي لهم مع هذا (الكوريدور) كان لافتاً أن يوقع بايدن أولاً على مشروع انشائه ثم رئيس الوزراء الهندي ثم ولي العهد السعودي، وهو المشروع الذي قال عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه “سيجعل اسرائيل في قلب المنطقة”، وبهذا الاطار لايمكن اعتبار (مشروع الكوريدور) مشروعاً اقتصادياً محضاً بل سيكون نواة لاصطفافات أمنية- عسكرية – سياسية تربط الشرق الأوسط والهند بحلف الأطلسي في وجه المحور الصيني- الروسي – الايراني الذي تبلورت بعض ملامحه خلال سنتي 2022 و 2023 من الحرب الأوكرانية،هذا غير أن (الكوريدور) هو مشروع يهدف من أحد جوانبه إلى ضرب مشروع طريق الحرير الصيني المسمى ب(الحزام والطريق) والذي بدأ تنفيذه عام 2013 ويهدف لوصل الصين بالقارة الأوروبية عبر (الطريق الأوراسي: كازاكستان – روسيا – أوكرانيا- بولندا) و (الطريق الشرق أوسطي)، وقد أبدت الصين وروسيا (ومعهما ايران) موقفاً سلبياً من (مشروع الكوريدور)، ولم يكن من دون دلالة غياب الرئيس الصيني عن قمة مجموعة العشرين التي جرت في الهند التي هي في حالة صدام وتوتر حدودي مع الصين منذ حرب 1962.
يمكن لهذه الحقائق الجغرا- سياسية، وبسببها، تخشى واشنطن من أن تقود الحرب الجارية في غزة الآن إلى حرب اقليمية واسعة، وقد قال مسؤولون أميركان بأن ارسال حاملات الطائرات الأميركية للشرق الأوسط ليس الهدف منها الاشتراك في حرب بالمنطقة بل لمحاولة منعها وردع إيران وحزب الله عن الاشتراك في حرب غزة وتوسيع نطاقها الجغرافي ،وواشنطن وتل أبيب تريدان انحصار تلك الحرب في النطاق الغزاوي ومنع امتدادها لمناطق أخرى مثل لبنان والضفة الغربية أوتحولها لحرب كبرى اسرائيلية – ايرانية، ويبدو أن كبح واشنطن لتل أبيب عن الاجتياح البري لغزة خلال مايقارب ثلاثة أسابيع مضت ناتجاً عن عدم تأكد واشنطن من أن كرة النار الغزاوية لن تتدحرج لتصل لعموم إقليم الشرق الأوسط من البحر المتوسط عند غزة حتى بحر قزوين شرقاً ومن الشمال عند الناقورة حتى جنوب البحر الأحمر باليمن.
هل يتحرك حزب الله؟ إسرائيل تواجه احتمال القتال على جبهة ثانية
الإيكونوميست – 13 أكتوبر 2023
وبينما تأمر إسرائيل بإخلاء غزة وتستعد لغزوها، هناك إشارات على حدودها الشمالية مع لبنان، حيث أن فتح جبهة ثانية من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد الموقف العسكري الإسرائيلي بشكل كبير وتصعيد الصراع. وفي حديثه من لبنان يوم 13 تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إن هناك “كل الاحتمالات” لفتح جبهة ثانية إذا استمر الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة”. إن مقاتلي حزب الله، الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران والمتمركزة في لبنان، متحمسون للغاية. يقول أحد القادة العائدين للتو من حدود لبنان مع إسرائيل: “تخيل ما يمكننا القيام به”. ويقول إن هناك خطط “لتغيير قواعد اللعبة” لعبور الحدود والاستيلاء على الجليل وشمال إسرائيل. الضربات الإسرائيلية على حزب الله سيتم الرد عليها بصواريخ حزب الله، مما يؤدي إلى تدمير تل أبيب “برجًا ببرج”. ويقول إن المفاعل النووي الإسرائيلي هدف أسهل بكثير من المنشآت النووية الإيرانية بالنسبة للغرب.
اللبنانيون يستعدون للحرب. ويسد الجنوبيون الطرق المتجهة شمالا وفي بيروت يصطف الناس للحصول على البنزين. في الليل، تصبح المدينة المشهورة بالحفلات مدينة أشباح. يقول أحد السائقين مقتبساً قول النبي محمد: “الموت هو الكأس الذي نشرب منه جميعاً”. وقد تبادل حزب الله بالفعل الصواريخ مع إسرائيل، وقُتل عدد قليل من جنوده من الجانبين. كلا الجانبين يعززان موقفهما: إسرائيل على أمل أن تتمكن من ردع أي هجوم. إن خطر سوء التقدير آخذ في التزايد، كما يقول أحد مراقبي الأمم المتحدة في جنوب لبنان، الذي كان يركض مراراً وتكراراً إلى مخبأه كل يوم لمدة أسبوع. ومن الممكن أن تنتظر الميليشيا الشيعية الغزو الإسرائيلي لغزة، تماماً كما فعلت في عام 2006، عندما شنت هجوماً بعد أسبوعين من بدء العمليات البرية الإسرائيلية في غزة. و حماس إلى الانتفاضة ضد السلطة الفلسطينية، التي تقوم بمهام الإدارة في الضفة الغربية، والتي يعتبرها كلا المجموعتين أداة فاسدة في أيدي الإسرائيليين. يقول القائد: “لن يبقى شيء من السلطة الفلسطينية”.
في حربه مع حزب الله في عام 2006، صدم الجيش الإسرائيلي من احترافية الجماعة وأسلحتها عالية الجودة. لقد تحول مقاتلو التسعينيات إلى ما يشبه الجيش التقليدي، القادر على شن هجمات معقدة و”حشود” ضد قوات الدبابات الإسرائيلية سيئة التدريب. ومنذ ذلك الحين حققت قدرات حزب الله قفزة أخرى. وفي عام 2006، أطلقت حوالي 4000 صاروخ على إسرائيل خلال شهر واحد. والآن زاد مخزون التنظيم من الصواريخ والقذائف عشرة أضعاف ليصل إلى 150 ألف صاروخ أو نحو ذلك. ويختبئ الكثير منها بين مزارع الموز التي حلت محل بساتين البرتقال في جنوب لبنان. ويقول فابيان هينز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث، إن لديهم “القدرة على التغلب على الكثير من الدفاعات الإسرائيلية”.
علاوة على ذلك، في عام 2006، كانت ترسانة حزب الله تتألف إلى حد كبير من صواريخ غير دقيقة. وعلى مدى العقد الماضي، حصلت الجماعة على صواريخ موجهة بدقة، بمساعدة إيران، وبعضها قادر على الهبوط على مسافة عشرة أمتار من هدفه، وفقا لحزب الله. ويقول السيد هينز إن هذه الهجمات يمكن أن تضرب القواعد الإسرائيلية والبنية التحتية الحيوية بطرق لم يتمكن حزب الله من القيام بها في الحرب الأخيرة. كما أن لديها صواريخ طويلة المدى مضادة للسفن – وهي صواريخ مستوحاة من الصين وعدّلتها إيران – يمكنها استهداف السفن الإسرائيلية. وقاتل حزب الله في اليمن وسوريا والعراق. يقول القائد: “نحن متشددون في القتال”. “على عكس الجبناء الإسرائيليين. إنهم لا يقاتلون على الأرض.
هل سيتحرك حزب الله؟ ويبدو أن الحزب يدرس عدة عوامل، ولعلها السبب الذي دفع زعيمه حسن نصر الله إلى تأجيل خطاب كان من المتوقع على نطاق واسع أن يلقيه في 10 تشرين الأول/أكتوبر. الأول هو دولة لبنان الهشة، التي تعاني من انهيار اقتصادي ومالي أدى إلى خسارة عملتها 98% من قيمتها. وحزب الله محصن من هذا بالمعنى الضيق: فمن أجل التهرب من العقوبات الأمريكية، يدير نظاما ماليا موازيا ويدفع لمقاتليه بالدولار، في الوقت المحدد. لكن العديد من اللبنانيين يخشون أن يجرهم الشيعة، الذين كانوا ذات يوم المستضعفين في البلاد، إلى حرب أخرى. وعلى حزب الله أن يفكر في مكانه في البلاد.
ومن بين الاعتبارات الرئيسية هنا رغبة إيران، راعية حزب الله، في خوض صراع إقليمي. وقال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان إن هجمات حماس كانت “عفوية وفلسطينية بالكامل”. وتقول الحكومات الغربية إنها لا تملك أي دليل على أن إيران هي التي وجهت هجوم حماس. ومع ذلك، وفقاً لقائد حزب الله، فإن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني يقدم الدعم اللوجستي في لبنان. لقد أصبحت عملية صنع القرار في إيران أكثر تشددا. منذ أن تولى الرئيس إبراهيم رئيسي السلطة من حسن روحاني في عام 2021، ملأ حكومته بجنرالات سابقين. وقد حدث اتجاه مماثل في أماكن أخرى حيث تسيطر إيران. وتهيمن الميليشيات الموالية لإيران على الحكومة العراقية. قام قائد عسكري مؤخراً هو يحيى سنوار بالحلول محل مدني كرئيس لإدارة حماس في غزة، كما أدى تعديل السلطة بين المتمردين الحوثيين في اليمن إلى ظهور المسلحين إلى الواجهة. ومن خلال السماح لحزب الله بفتح جبهة ثانية مع إسرائيل، تأمل إيران في القضاء على اتفاقات أبراهام بين إسرائيل وبعض الدول العربية وإشعال شرارة موجة معادية للغرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وفي مقابل ذلك، يعتقد كثيرون أن إيران تريد الحفاظ على ترسانة حزب الله الصاروخية من أجل ردع أي هجوم على البرنامج النووي الإيراني. والقوى الخارجية تشكل مصدراً لضبط النفس بالنسبة لإيران، وبالتالي لحزب الله. ومن غير المرجح على الإطلاق أن تدعم الصين، الشريك التجاري الأكبر لإيران، حرباً إقليمية من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، التي ترتفع بالفعل نحو 90 دولاراً للبرميل. كما أدى وصول مجموعة حاملة طائرات أميركية قبالة الساحل اللبناني إلى دفع حزب الله للتفكير بالثمن. وكان بايدن يتحدث إلى حزب الله وإيران عندما قال: “إلى أي دولة، وأي منظمة، وأي شخص يفكر في الاستفادة من هذا الوضع، لدي كلمة واحدة: لا تفعل ذلك. لا.” هل هم يستمعون؟ “جزء من استراتيجية الميليشيا هو إبقاء إسرائيل في حالة تأهب دائم.
“أراكم في كريات شمونة” هي الكلمات الوداعية لقائد حزب الله، في إشارة إلى مدينة إسرائيلية تقع على الحدود.
معضلة غزة المستحيلة
ذا نيويوركر – روث مارغاليت
13 أكتوبر 2023
استدعى الجيش الإسرائيلي ما يقرب من ثلاثمائة وستين ألف جندي احتياط، وتطوع عدد أكبر بكثير للخدمة – واضعين جانبًا، في الوقت الحالي، الانقسامات العميقة التي عصفت بالبلاد منذ يناير، عندما قدمت حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة خطوات مثيرة للجدل للحد من الرقابة القضائية على الحكومة.
مع قيام إسرائيل بضرب غزة من الجو بكامل قوتها – وقطع كل الغذاء والماء والكهرباء عن القطاع الساحلي – ومع بقاء مصير ما يقدر بنحو مائة وخمسين رهينة مجهولاً، تزايدت الدعوات في إسرائيل لـ “سحق” حماس، كما قال أحد المحللين الأمنيين. إن الآثار المترتبة على مثل هذه التصريحات ليست مفهومة. ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت اليوم الأربعاء أن إسرائيل تقوم بالتعبئة استعدادا لغزو بري محتمل، تحت قيادة قائد سابق لفرقة غزة. ووقع ستة عشر عضوا في ائتلاف نتنياهو رسالة هذا الأسبوع تدعو إلى “السيطرة الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة”.
وفي عام 2005، بعد سنوات من الهجمات المتكررة وأعمال العنف، سحبت إسرائيل جيشها من غزة واقتلعت المستوطنات اليهودية هناك. إن إعادة الاحتلال العسكري الآن لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر البشرية في وقت لا تزال فيه إسرائيل تحصي قتلاها. كما أنه سيصب في مصلحة العدو اللدود لإسرائيل – إيران – من خلال التسبب في خسائر لا يمكن تصورها في حياة الفلسطينيين. وقد يجبر ذلك وكيل إيران في لبنان، حزب الله، على الدخول في الصراع، مما قد يجر المنطقة الأوسع إلى الحرب.
وتواجه إسرائيل معضلة مستحيلة: كيفية استعادة قدر من الأمن والردع مع ضمان العودة الآمنة للرهائن. ولكنها تخاطر بالوقوع ضحية لمشاهد الحرب من خلال إرسال قوات لإعادة غزو غزة، وبالتالي خلق وهم النصر. وكما قال نفتالي بينيت – وهو ليس شخصية حمائمية – يوم الثلاثاء: “لا ينبغي لنا أن نرقص على أنغام حماس وإيران. لا ينبغي لنا أن نفعل ما هو واضح العواقب.”.
والمشكلة هي أن إسرائيل، والمقصود نتنياهو، لديها زعيم وضع مرارا وتكرارا بقاءه السياسي فوق مصلحة بلاده. وبينما شنت حماس هجومها المدمر يوم السبت، قيل إنه استغرق أقل من ساعة لإحباط عرض من المعارضة لتشكيل حكومة وحدة طارئة. ولم يقم رئيس الوزراء بزيارة مواقع الهجوم. ولا يبدو أنه ذهب إلى المستشفيات لتهدئة العائلات المكلومة، ولم يتحمل مسؤولية دوره في الفشل الاستخباري الهائل. ولم يذكر أنه في الأيام التي سبقت الهجوم، تم تحويل ثلاث كتائب عسكرية بعيدًا عن الأماكن الجنوبية إلى الضفة الغربية المحتلة، لحراسة المستوطنين اليهود هناك.
بحلول اليوم الخامس، تم إخلاء بعض الأماكن الجنوبية بالكامل، حيث قال السكان الناجون إنهم غير متأكدين من أنهم سيعودون أبدًا. من الصعب أن نتخيل عودة الهدوء إلى المنطقة على الإطلاق. لكن الرغبة في الانتقام لا ينبغي أن تفيض.
حرب المدن
نيويورك تايمز 13/10/2023
لسنوات، كان المسؤولون الإسرائيليون قلقين بشأن التهديد الذي تشكله حماس في قطاع غزة. ومع ذلك، فقد اعتبروا أن الغزو البري الكامل لغزة أمر خطير ومكلف للغاية بحيث لا يمكن تجربته. سيموت العديد من الجنود الإسرائيليين. إن قتل المدنيين الفلسطينيين على نطاق واسع من شأنه أن يضر بسمعة إسرائيل العالمية. وقد يفشل الغزو في تفكيك حماس.
والهجمات التي نفذتها حماس في نهاية الأسبوع الماضي ـ والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1300 إسرائيلي ـ غيرت هذه الحسابات. ويبدو أن قادة إسرائيل والعديد من مواطنيها قرروا أنه لم يعد أمامهم خيار سوى الغزو، كما أصدر الجيش أوامره لإخلاء شمال غزة لأكثر من مليون شخص. وتتلخص أهداف إسرائيل في منع حماس من القدرة على شن المزيد من الهجمات واستعادة المصداقية العسكرية للبلاد.
لكن نفس التحديات التي منعت إسرائيل من غزو غزة من قبل لم تختف. ونتيجة لذلك، فإن الحرب لديها القدرة على أن تصبح دراسة حالة أخرى في الصعوبات الاستراتيجية لحرب المدن، كما شهدتها الولايات المتحدة في الفلوجة بالعراق منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وكما فعلت إسرائيل في لبنان خلال الثمانينيات، وكما فعلت روسيا في أوكرانيا.
قال لنا أليكس بليتساس من المجلس الأطلسي: “إنها واحدة من أكثر سيناريوهات القتال تعقيدًا التي يمكن أن تواجهها”. “إنه يؤدي إلى صراع دموي مروع.”
ما الذي تحاول إسرائيل تحقيقه؟ وما هي استراتيجية حماس الآن؟
أهداف إسرائيل
تعهد بنيامين نتنياهو بـ”سحق وتدمير” حماس. لكن العديد من المحللين يتوقعون أن تستمر المجموعة في الوجود في المستقبل المنظور. إذن، ما الذي يعتبر نجاحاً لإسرائيل؟
وسوف تشمل الأهداف حماس بجعلها ضعيفة للغاية لدرجة أنها لاتعود قادرة على حكم غزة، ولاتعود قادرة على إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ولا على شن هجمات تشبه ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي. ولتحقيق ذلك، تخطط إسرائيل لغزو أكبر وأطول من حملاتها السابقة على غزة منذ أنهت إسرائيل احتلالها هناك في عام 2005.
وحشدت إسرائيل 360 ألف جندي – أكثر من 3% من سكانها – وقطعت الكهرباء والوقود والمياه عن غزة. وقد أدى هذا النقص في الموارد إلى خلق مشاكل خطيرة لسكان غزة – كما أنه سيجعل من الصعب على حماس العمل. وفي هذه الأثناء، ستحاول إسرائيل قتل أو اعتقال مقاتلي حماس، وتدمير إمداداتها من الأسلحة الرئيسية مثل الصواريخ وإغلاق الأنفاق التي تختبئ فيها الجماعة.
لكن شوارع غزة المكتظة بالسكان ستجعل المهمة صعبة للغاية. وسيكون بمقدور مقاتلي حماس الاختباء في الأزقة والمباني وسيكون من الصعب تمييزهم عن المدنيين. وفي المقابل، قد يؤدي مقتل المدنيين إلى الإضرار بالدعم الدولي لإسرائيل. إن قادة حماس، كما أخبرتنا تهاني مصطفى، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، “كانوا بالتأكيد يحاولون جر إسرائيل إلى الصراع”.
ويوضح توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة التايمز، الأمر بهذه الطريقة:
“إن ما يريده ألد أعداء إسرائيل ـ حماس وإيران ـ هو أن تغزو إسرائيل غزة وتتورط في تجاوز استراتيجي هناك من شأنه أن يجعل التورط الأميركي في الفلوجة يبدو أشبه بحفلة عيد ميلاد للأطفال. إننا نتحدث هنا عن قتال من منزل إلى منزل من شأنه أن يقوض أي تعاطف تكتسبه إسرائيل على الساحة العالمية، ويصرف انتباه العالم عن النظام في طهران، ويجبر إسرائيل على نشر قواتها لاحتلال غزة والضفة الغربية بشكل دائم”.
ومع ذلك، يتمتع الإسرائيليون بمزايا. وأشار ديفيد إغناتيوس من صحيفة واشنطن بوست إلى أنه “يمكنهم استخدام الروبوتات والطائرات بدون طيار لاستكشاف المباني والعثور على المدافعين عن حماس وقتلهم”. “تم تسجيل العديد من الذين اختطفوا رهائن إسرائيليين بالفيديو – ومن المؤكد أن كل واحد منهم سيكون هدفا للانتقام الإسرائيلي”.
دفاع حماس
ويكاد يكون من المؤكد أن حماس أدركت أن هذه الهجمات من شأنها أن تثير رد فعل إسرائيلياً واسع النطاق، واستعدت له.
وفي الماضي، ساعدت حرب المدن الجماعات المتمردة على هزيمة الجيوش الأقوى. وفي معركة الفلوجة الأولى عام 2004، تمكن المسلحون العراقيون من السيطرة على المدينة من خلال القتال عبر متاهة من المباني.
ومن المرجح أن يستخدم مقاتلو حماس نهجاً مماثلاً في غزة. وسوف يختبئون في المنازل والأنفاق المفخخة، مستعدين لإلقاء القنابل اليدوية على القوات الإسرائيلية. ومن المرجح أيضًا أن يرتديوا ملابس مدنية، كما فعلوا في الماضي.
وقال زميلنا ستيفن إيرلانجر، الذي غطى شؤون الشرق الأوسط لسنوات، لصحيفة “ديلي” هذا الأسبوع: “من شبه المحتم أن تؤدي الضربات الإسرائيلية على أهداف حماس إلى إصابة أو إصابة المدنيين”. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن حماس تعيش عمدا بينهم وتخفي ذخائرها بينهم وفي المساجد والمستشفيات. لقد رأيت هذه الأشياء بنفسي. ولا أتوقع أن يكونوا مختلفين هذه المرة.”
وأخيراً، تتمتع حماس بالميزة التكتيكية القاتمة المتمثلة في احتجاز ما لا يقل عن 150 رهينة. ويتعين على المسؤولين الإسرائيليين أن يقلقوا بشأن مقتل هؤلاء الرهائن في كل هجوم. كما هددت حماس بإعدام رهينة في كل مرة تقصف فيها غارة جوية إسرائيلية سكان غزة في منازلهم.
ومن بين التوقعات القليلة الواثقة التي يقدمها الخبراء أن الغزو القادم سيكون وحشيًا، وسيتضمن مفاجآت كبيرة.
تشرح صحيفة التايمز، في عرض تمهيدي للغزو البري المحتمل، أن “وقوع عملية كبيرة أمر لا شك فيه”. “لكن هناك حجج تكتيكية حول كيفية بدء أي عملية، وما إذا كانت ستبدأ على نطاق واسع أو مع أطراف مهاجمة، وأفضل السبل لتنسيق قوة إسرائيل الساحقة في البر والبحر وخاصة القوة الجوية”.
حرب كبيرة لن تكبر حتماً
فورين أفيرز – كينيث م. بولاك
12 أكتوبر 2023
وفي حين هددت إسرائيل في الماضي بشن ضربات عقابية ضد قادة الجماعة وبنيتها التحتية، فقد أعرب العديد من المسؤولين الآن عن هدف أكثر تشدداً: هزيمة حماس وتدميرها بشكل كامل. وتتعرض غزة بالفعل لقصف لا هوادة فيه، ويبدو أن الهجوم البري الإسرائيلي على القطاع المكتظ بالسكان وشيك.
وهذه التطورات قاتمة. وقد يؤدي القتال إلى خسائر فادحة في الأرواح ويدفع بالتوصل إلى تسوية سلمية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ 75 عاما بعيدا عن المنال. لكن الأحداث قد تتجه نحو الأسوأ. إن الحرب الجديدة الناجمة عن هجوم حماس على إسرائيل يمكن أن تتصاعد لتشمل دولا وأطرافا فاعلة أخرى. حتى أن بعض المحللين تكهنوا بأن القتال الحالي قد يؤدي إلى حرب على مستوى المنطقة.
لقد حاولت لسنوات عديدة أن أدق ناقوس الخطر بأن الشرق الأوسط يتجه نحو فترة من الصراع الأعظم، وليس عصر تراجع التوترات والسلام. ومن المؤكد أن الحرب الجديدة تتناسب مع هذه الحسابات، كما أنها تزيد من احتمالات التصعيد.
ومن الممكن أن يؤدي أي هجوم إسرائيلي دموي إلى تدخلات من جانب إيران وجماعة حزب الله اللبنانية المتحالفة معها. ومن الممكن أن يقود ذلك إسرائيل إلى رفع مستوى الرهان وملاحقة خصومها بشكل استباقي. ففي 12 تشرين الأول/أكتوبر، ضربت إسرائيل المطارات في مدينتي دمشق وحلب السوريتين، جزئياً لإرسال رسالة إلى إيران، حليفة سوريا.
ولكن في الوقت الحالي على الأقل، فإن مخاطر التصعيد في الحرب بين إسرائيل وحماس محدودة بالفعل. وتشعر إسرائيل وإيران وحزب الله بالقلق من القيام بمثل هذه المقامرات الكبيرة. ويتعين على إسرائيل أن تركز على حماس، وهو ما سوف يشكل مهمة صعبة بالقدر الكافي في حد ذاتها، وإيران وحزب الله يدركان أن حتى إسرائيل الجريحة قد تلحق بهما الأذى. من الممكن نشوب حرب أوسع نطاقاً، لكن في هذه المرحلة هذا لا يزال يبدو غير مرجح.
منطق ضبط النفس
يمكن للمرء أن يفترض جميع أنواع السيناريوهات التي يجذب فيها القتال الحالي جهات فاعلة إقليمية أخرى، لكن المرشحين الوحيدين اللذين يمكنهما توسيع نطاق الحرب بشكل معقول هما إيران وحزب الله. وقد أشار كلاهما بالفعل إلى أنهما لا يبحثان عن قتال مع إسرائيل. ولو شعر أي منهما حقاً أن دفاعاته كانت هائلة بالقدر الكافي لصد الرد الإسرائيلي الحتمي على تدخله، لكان قد انضم إلى هجوم حماس الأولي.
كان هجوم حماس في جنوب إسرائيل كبيراً، ولكن حال البلاد كان ليصبح أسوأ كثيرا لو واجهت هجوما متزامنا في الشمال، كما حدث أثناء حرب يوم الغفران في عام 1973، عندما شنت مصر وسوريا هجمات مفاجئة منسقة. وكان من الممكن أن تكون الخسائر الإسرائيلية أكبر بعدة مرات، وكان رد إسرائيل أضعف بكثير لأن الجيش الإسرائيلي كان سيضطر إلى القتال عبر جبهات متعددة.
إن مجرد حقيقة أن إيران وحزب الله لم يشاركا في هجوم حماس الأولي – عندما كانت إسرائيل أكثر عرضة للخطر والأقل قدرة على الدفاع عن نفسها – ليس فقط أقوى دليل على أن أياً منهما لا يتطلع إلى محاربة إسرائيل. وهو دليل لا يقبل الجدل. ولم تكتف الجمهورية الإسلامية إلا بإصدار تهديدات غامضة، وقام حزب الله بإطلاق حفنة من الصواريخ على شمال إسرائيل. وربما يأمل كلا الكيانين في التخفيف من حدة الهجوم الإسرائيلي المضاد ضد حماس، لكن ضرباتهما حتى الآن ليست سوى هجمات بسيطة تهدف إلى تعقيد العمليات الإسرائيلية من خلال إثارة شبح جبهة شمالية دون فتح جبهة فعلية.
علاوة على ذلك، فإن سلوك إيران وحزب الله حتى الآن في هذه الحرب يتوافق مع سلوكهما في الماضي. التصعيد يقطع الطريق ضد مصالحهم. إن النظام الديني الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في إيران يشرف على اقتصاد محتضر وكوارث بيئية. لقد كانت ايران دائمًا حذرة من القوة العسكرية الإسرائيلية ولم تظهر أي رغبة في إخماد غضب الجيش الإسرائيلي على طهران. لقد نفّذ الموساد سلسلة من الاغتيالات وعمليات التخريب في قلب إيران، مما يثير بلا شك المخاوف الإيرانية من الانتقام الإسرائيلي. ومن جانبها، فإن سوريا، وهي عدو إسرائيل منذ فترة طويلة، ليس لديها القدرة الكافية على ضرب إسرائيل لأن لديها قوة جوية ضعيفة وأعداد محدودة من الصواريخ والطائرات بدون طيار والقذائف.
حزب الله مشغول بإدارة حالته الخاصة في بلد مثل لبنان. ولم ينس قادته حرب لبنان الثانية في عام 2006، عندما أخطأ كمين وأدى إلى انطلاق عملية عسكرية إسرائيلية ضخمة. لقد كانت الحرب بمثابة إخفاق مهين للجيش الإسرائيلي، لكنها ألحقت أيضاً أضراراً جسيمة بلبنان. وقد شاهد حزب الله كيف تعلمت إسرائيل دروس العام 2006، وأصلحت قواتها، ووضعت تلك الدروس موضع التنفيذ في عمليات سريعة وفعالة ضد غزة في 2008-2009، و2014 – وكل ذلك في حين لم تفعل إيران وحزب الله مرة أخرى سوى القليل. التهديد والمضايقة تماما كما يفعلون الآن.
لا شيء من هذا يعني أن إيران وحزب الله لن يخالفا مصالحهما أبدا وينضما إلى حرب ضد إسرائيل. ولكنهم اختاروا عدم المشاركة في هجوم حماس المفاجئ، عندما كانت إسرائيل أقل قدرة على الدفاع عن نفسها، وهو القرار الذي يشير إلى أن اعتبارات أخرى، على الأقل في الوقت الحالي، لا تزال تحكم الاختيارات التي اتخذها قادة إيران وحزب الله.
شبح التصعيد
وبطبيعة الحال، فإن التصعيد ليس أمراً مستبعداً. عدة تطورات يمكن أن تؤدي إلى حرب أكبر. أولاً، إذا ألحقت إسرائيل أضراراً جسيمة بحماس خلال الهجوم المضاد في غزة، فقد يميل حزب الله وإيران أو كلاهما إلى التدخل لمحاولة منع إسرائيل من القضاء على حليفهما المسلح. ونظرًا لعدم قدرة القوات الجوية أو البرية على مهاجمة الجيش الإسرائيلي المعبأ بشكل فعال داخل إسرائيل، فإن مثل هذا التدخل سيأتي إلى حد كبير على شكل طائرات بدون طيار وصواريخ وقذائف.
ولكن هذا أيضا غير مرجح. إن كل من إيران وحزب الله يدركان تمام الإدراك أن إسرائيل قادرة على ضربهما بينما تخنق حماس. علاوة على ذلك، يعلم كلاهما أنه حتى لو تعرضت حماس لهجوم وحشي من قبل الجيش الإسرائيلي وتم طردها من غزة بالكامل، فلا يزال بإمكان الجماعة إعادة تشكيل نفسها في الخارج. وهذا بالضبط ما فعلته منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن سحقتها إسرائيل وطردتها من غزة في عام 1967، ثم طردتها القوات الأردنية من الأردن في الفترة 1970-1971، وطردتها إسرائيل من لبنان في عام 1982. وتحكم منظمة التحرير الفلسطينية الآن الضفة الغربية باعتبارها الدولة الفلسطينية. سلطة. ولم تكن الهزيمة بالضرورة قاتلة للجماعات الفلسطينية المسلحة.
وعلى النقيض من ذلك، إذا سار الهجوم الإسرائيلي المضاد بشكل سيئ، فقد يرى حزب الله وإيران أن خصمهما ضعيف ويختاران الانضمام إلى الحرب، وربما يأملان في تدمير إسرائيل بالكامل. لكن هذا الاحتمال بعيد أيضا. فحتى إسرائيل المنهكة ستظل تتمتع بالقدرة على ضرب حزب الله وإيران، وربما تكون في خضم معاناتها على استعداد لاستخدام أدوات أكثر فتكاً لتحقيق هذه الغاية. ويدرك المسؤولون الإيرانيون وقادة حزب الله جيدًا القوة العسكرية الإسرائيلية، وقد مارسوا عمومًا قدرًا كبيرًا من الحذر قبل استفزاز اسرائيل عمدًا. ومن المرجح أن يتباهوا بمصائب إسرائيل ويشجعوا الجماعات الأخرى على الهجوم أكثر من قيامهم بذلك بأنفسهم.
إن نجاح أو فشل الهجوم الإسرائيلي المضاد يمكن أن يؤدي أيضاً إلى سيناريوهات يختار فيها الإسرائيليون التصعيد. لنفترض أن العمليات الإسرائيلية تسير على ما يرام، وأن الجيش الإسرائيلي يسحق قوات حماس، ويقتل ويأسر قادتها، وينقذ الرهائن الإسرائيليين بينما يتمكن من القيام بكل هذا بتكلفة منخفضة بالنسبة للإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين على حد سواء. وقد تختار إسرائيل، المحفزة والرياح تدعمها، توسيع الحرب لمحاولة القضاء على التهديدات التي يشكلها حزب الله وحتى إيران.
وهنا فإن القياس المناسب ليس حرب عام 1973، بل حرب الأيام الستة عام 1967. ثم، بعد أن هزمت إسرائيل القوات المصرية والأردنية، قررت إخراج سوريا أيضًا. شنت سوريا عدداً من الهجمات الصغيرة على إسرائيل بعد اندلاع الحرب، لكنها ظلت في الغالب على الهامش وحاولت تجنب التعرض لنفس المصير الذي تعرض له المصريون والأردنيون بمجرد بدء الهجوم الإسرائيلي. لكن إسرائيل انقلبت على سوريا، وهزمت جيشها، واجتاحت مرتفعات الجولان.
ولكن في هذه الحالة، بدلاً من حرب الأيام الستة، فإن مثل هذا التصعيد الإسرائيلي سيكون أشبه بالغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، حيث قامت الولايات المتحدة – بتشجيع من انتصارها السريع على طالبان في أفغانستان في عام 2001 – بما حدث. ثبت أنه قرار كارثي. ويرجع ذلك جزئياً إلى النموذج الأمريكي، ومن المحتمل أن تتصرف إسرائيل بقدر أكبر من ضبط النفس. ويكاد يكون من المؤكد أن سحق حماس سيكون كافياً لانتصار إسرائيل في الوقت الراهن. إن القيام بذلك سيعيد قوة الردع الإسرائيلي. وإذا لم يتدخل حزب الله أو إيران، فمن المرجح أن يرى الإسرائيليون أن مثل هذه النتيجة قد حسنت وضعهم إلى حد كبير مقارنة بالوضع الذي كان سائداً قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. سوف يرغب الإسرائيليون في إنهاء القتال، وإطلاق سراح جنود الاحتياط، ولملمة شتات حياتهم.
بطاقة نتنياهو الجامحة
ولكن إذا كان أداء الجيش الإسرائيلي سيئاً في غزة، وتعرض للدماء والتورط، فهناك احتمال أن يختار نتنياهو التصعيد على أمل تحقيق النصر في مكان آخر. وهنا يدخل إلى المعادلة دافع محتمل آخر للتصعيد: المستقبل السياسي والقانوني لنتنياهو نفسه. ورغم أن رئيس الوزراء يشعر بلا شك بالغضب مثل أي إسرائيلي آخر إزاء الهجوم الذي شنته حماس، إلا أنه حيوان سياسي للغاية. وهذه هي حربه: لقد حدثت أثناء ولايته، وهي أهم شيء حدث خلال سنواته الطويلة كرئيس للوزراء. وسوف يحدد إرثه ويحدد مستقبله السياسي. كما سيحدد مستقبله القانوني. ولا يزال نتنياهو يواجه خطرا جديا بالذهاب إلى السجن بتهم الفساد التي أزعجته لسنوات. ويأمل في البقاء رئيسًا للوزراء لأطول فترة ممكنة لاستخدام السلطة والحصانة القانونية المحتملة التي يمنحها المنصب لتجنب الإدانة. وإذا خسر أمام حماس، فقد يقرر أن التصعيد إلى الخارج هو أفضل فرصه للحفاظ على سلطته.
سوف ينكر نتنياهو أن خياراته في زمن الحرب هي مصلحته الذاتية، وسيظهر الغضب والسخط من مجرد الإيحاء بوجود دوافع خفية. ولكن من الحماقة ووالنزعة غير التاريخية أن نفترض أنه لم يحسب التأثير الذي ستخلفه الحرب على مستقبله السياسي والقانوني. وهو يعتقد بلا شك أن تحقيق نصر كبير يمكن أن يحميه من الملاحقة القضائية والسجن. فمن الذي سيسجن بطل حرب في نهاية المطاف؟ ولكنه ربما يخشى أن يكون العكس هو الصحيح أيضاً: فإذا كان هو مهندس أسوأ هزيمة لإسرائيل ـ وإذا كان أداء إسرائيل سيئاً في غزة بعد تحمل الهجوم المفاجئ المدمر الذي شنته حماس، فإن ذلك سيشكل هزيمة أسوأ بكثير من حرب لبنان في عام 2006. – ستنهار حكومته. ويمكن لجنرال سابق، مثل زعيم المعارضة بيني غانتس، أن يكتسح منصبه، وسيفقد نتنياهو القدرة على المطالبة بالحصانة التنفيذية. ولن يتمكن أحد من إنقاذه من السجن. وربما يرى العديد من الإسرائيليين أن سجنه مجرد مكافأة على إخفاقاته كقائد حرب، ناهيك عن خطورة اتهامات الفساد الفعلية.
ولكن حتى هنا، فإن احتمالات التصعيد ضئيلة. لا يبدو نتنياهو واهماً إلى حد الشروع في مثل هذه المناورة المحفوفة بالمخاطر. وسيعلم أن مهاجمة حزب الله أو إيران يمكن أن تجلب المزيد من الموت والدمار لشعبه. ومن المرجح أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أنه من الأفضل تقليص خسائره بدلاً من مضاعفة خسائره.
إن الجهات الفاعلة التي يمكنها بسهولة إشعال الحريق الحالي لديها أسباب قوية لتجنب التصعيد. إن الهجوم التي شنته حماس على إسرائيل، وارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين في غزة، تشكل تطورات قاتمة، ولا يزال المزيد من الفظائع يلوح في الأفق. ولكن على الرغم من فظاعة هذه الحرب الجديدة، يبدو من غير المرجح في هذه المرحلة أن تنفجر إلى حرب أوسع تجتاح المنطقة بأكملها.
أمريكا هي السبب الجذري للحرب الأخيرة في إسرائيل وفلسطين
فورين بوليسي – ستيفن م. والت
18 أكتوبر 2023
وبينما يحزن الإسرائيليون والفلسطينيون على القتلى وينتظرون بخوف أخباراً عن المفقودين الآن، فإن الميل للبحث عن شخص يمكن إلقاء اللوم عليه أمر مستحيل بالنسبة للكثيرين أن يقاوموه. ويريد الإسرائيليون ومؤيدوهم إلقاء اللوم كله على حماس. ويرى أولئك الأكثر تعاطفاً مع القضية الفلسطينية أن المأساة هي نتيجة حتمية لعقود من الاحتلال والمعاملة القاسية والمطولة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
ويصر آخرون على أن هناك قدرا كبيرا من اللوم، وأن أي شخص يرى أن أحد الطرفين بريء تماما والآخر مسؤولا بمفرده، فإنه فاقد لأي قدرة على الحكم العادل.
ومن المحتم أن يؤدي الجدال حول أي من الأطراف المباشرة الأكثر مسؤولية إلى حجب الأسباب المهمة الأخرى التي لا ترتبط إلا بشكل فضفاض بالصراع الطويل بين الإسرائيليين الصهاينة والعرب الفلسطينيين. ولكن لا ينبغي لنا أن نغفل هذه العوامل الأخرى حتى أثناء الأزمة الحالية، لأن آثارها قد يستمر صداها لفترة طويلة بعد توقف القتال الحالي.
إن المكان الذي يبدأ فيه المرء بتتبع الأسباب هو أمر تعسفي بطبيعته : (كتاب تيودور هرتزل عام 1896:” الدولة اليهودية” ؟ إعلان بلفور عام 1917؟ الثورة العربية عام 1936؟ خطة التقسيم التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 1947؟ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، أو حرب الأيام الستة عام 1967). ؟)، ولكنني سأبدأ عام 1991، عندما برزت الولايات المتحدة باعتبارها القوة الخارجية التي لا منازع لها في شؤون الشرق الأوسط، وبدأت تحاول بناء نظام إقليمي يخدم مصالحها.
وفي هذا السياق الأوسع، هناك ما لا يقل عن خمس حلقات أو عناصر رئيسية ساعدت في إيصالنا إلى الأحداث المأساوية التي وقعت في الأسبوعين الماضيين.
كانت اللحظة الأولى هي حرب الخليج عام 1991 وتداعياتها: مؤتمر مدريد للسلام. لقد كانت حرب الخليج عرضاً مذهلاً للقوة العسكرية الأميركية والبراعة الدبلوماسية التي أزالت التهديد الذي كان يشكله صدام حسين على توازن القوى الإقليمي. ومع اقتراب الاتحاد السوفييتي من الانهيار، أصبحت الولايات المتحدة الآن في مقعد السائق بقوة. انتهز جورج بوش الأب وجيمس بيكر وفريق من ذوي الخبرة في الشرق الأوسط هذه الفرصة لعقد مؤتمر سلام في أكتوبر 1991، ضم ممثلين عن إسرائيل وسوريا ولبنان ومصر والجماعة الاقتصادية الأوروبية ووفد أردني/فلسطيني مشترك. .
ورغم أن المؤتمر لم يسفر عن نتائج ملموسة ــ ناهيك عن التوصل إلى اتفاق سلام نهائي ــ فإنه وضع الأساس لجهد جاد لبناء نظام إقليمي سلمي. ومن المثير للاهتمام أن نتأمل ما كان من الممكن أن يتحقق لو أعيد انتخاب بوش في عام 1992 وأتيحت لفريقه الفرصة لمواصلة عملهم.
ومع ذلك، احتوت مدريد أيضاً على خلل مشؤوم، وهو الخلل الذي زرع بذور الكثير من المتاعب في المستقبل حيث لم تتم دعوة إيران للمشاركة في المؤتمر، وردت على استبعادها بتنظيم اجتماع لقوى “الرفض” والتواصل مع الجماعات الفلسطينية – بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي – التي تجاهلتها في السابق. وكما لاحظ تريتا بارسي في كتابه “التحالف الغادر”، فإن “إيران اعتبرت نفسها قوة إقليمية كبرى وتوقعت الحصول على مقعد على الطاولة”، لأن مؤتمر مدريد “لم يكن يُنظر إليه على أنه مجرد مؤتمر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل كلحظة حاسمة في تشكيل نظام الشرق الأوسط الجديد». كان رد طهران على مدريد استراتيجياً في المقام الأول وليس إيديولوجياً: فقد سعت إلى أن تثبت للولايات المتحدة وغيرها أنها يمكن أن تعرقل جهودهم لإنشاء نظام إقليمي جديد إذا لم تؤخذ مصالحها في الاعتبار.
وهذا هو ما حدث على وجه التحديد، حيث أدت التفجيرات الانتحارية وغيرها من أعمال العنف المتطرف إلى تعطيل عملية مفاوضات اتفاقيات أوسلو وتقويض الاتجاه الإسرائيلي للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. وبمرور الوقت، ومع بقاء السلام بعيد المنال وتدهور العلاقات بين إيران والغرب بشكل أكبر، أصبحت العلاقات بين حماس وإيران أقوى.
وكان الحدث الحاسم الثاني هو المزيج المشؤوم من هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية والغزو الأمريكي اللاحق للعراق في عام 2003. ولم يكن قرار غزو العراق مرتبطًا إلا بشكل عرضي بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على الرغم من أن نظام العراق البعثي كان قد دعم القضية الفلسطينية بعدة طرق. اعتقدت إدارة جورج دبليو بوش أن الإطاحة بصدام من شأنها القضاء على التهديد المفترض لأسلحة الدمار الشامل العراقية، وتذكير الخصوم بقوة الولايات المتحدة، وتوجيه ضربة ضد الإرهاب على نطاق أوسع، وتمهيد الطريق لتحول جذري في الشرق الأوسط بأكمله نحو خطوط ديمقراطية
لكن ما حصلوا عليه، للأسف، كان مستنقعاً مكلفاً في العراق، وتحسناً هائلاً في موقع إيران الاستراتيجي. أثار هذا التحول في ميزان القوى في الخليج قلق المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وبدأت تصورات التهديد المشترك من إيران في إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية بطرق مهمة، بما في ذلك عن طريق تغيير علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل. كما شجعت المخاوف من “تغيير النظام” بقيادة الولايات المتحدة إيران على السعي للحصول على قدرة كامنة في مجال الأسلحة النووية، مما أدى إلى زيادة مطردة في قدرتها على التخصيب وعقوبات أكثر صرامة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وبعد فوات الأوان، يتبين لنا أن الحدث الرئيسي الثالث كان تخلي دونالد ترامب المصيري عام2018عن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 مع إيران وتبنيه سياسة “الضغط الأقصى” بدلا من ذلك. كان لهذا القرار الأحمق العديد من الآثار المؤسفة: فقد سمح ترك خطة العمل الشاملة المشتركة لإيران بإعادة تشغيل برنامجها النووي والاقتراب أكثر من القدرة الفعلية على تصنيع الأسلحة، وأدت حملة الضغط الأقصى إلى قيام إيران بمهاجمة شحنات النفط والمنشآت في الخليج والمملكة العربية السعودية، مما أدى إلى تفاقم المشكلة وتظهر للولايات المتحدة أن محاولتها إرغام الايرانيين أو الإطاحة بهم لم تكن خالية من التكاليف والمخاطر.
وكما هو متوقع، زادت هذه التطورات من مخاوف السعوديين وزادت اهتمامهم بالحصول على بنية تحتية نووية خاصة بهم. وكما تتنبأ النظرية الواقعية، فإن تصورات التهديد المتزايد من إيران شجعت أشكالاً هادئة ولكن مهمة من التعاون الأمني بين إسرائيل والعديد من دول الخليج.
التطور الرابع كان ما يسمى باتفاقات إبراهام، وهو في بعض النواحي امتداد منطقي لقرار ترامب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة. كانت هذه الاتفاقيات، التي هي من بنات أفكار الخبير الاستراتيجي الهاوي (وصهر ترامب) جاريد كوشنر، عبارة عن سلسلة من الاتفاقيات الثنائية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب والبحرين والإمارات والسودان. وأشار النقاد إلى أن الاتفاقيات لم تفعل سوى القليل نسبيا لتعزيز قضية السلام لأن أيا من الحكومات العربية المشاركة لم تكن معادية لإسرائيل أو قادرة على إيذاءها. وحذر آخرون من أن السلام الإقليمي سيظل بعيد المنال ما دام مصير سبعة ملايين فلسطيني يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية دون حل.
واصلت إدارة بايدن السير على نفس المسار تقريبًا. ولم تتخذ أي خطوات ذات معنى لمنع حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة بشكل متزايد من دعم أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون المتطرفون، والتي أدت إلى ارتفاع عدد القتلى والتشريد بين الفلسطينيين على مدى العامين الماضيين. وبعد الفشل في الوفاء بوعد حملته الانتخابية بالانضمام مرة أخرى على الفور إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لاحياء اتفاق 2015النووي مع ايران ، ركز بايدن ورفاقه جهودهم الرئيسية على إقناع المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل نوع من الضمانات الأمنية الأمريكية وربما الوصول إلى التكنولوجيا النووية المتقدمة.
ومع ذلك، فإن الدافع وراء هذا الجهد لم يكن له علاقة تذكر بإسرائيل وفلسطين، وكان يهدف في الغالب إلى منع المملكة العربية السعودية من الاقتراب من الصين. وكان ربط الالتزام الأمني تجاه المملكة العربية السعودية بالتطبيع في المقام الأول وسيلة للتغلب على إحجام الكونجرس الأمريكي عن التوصل إلى صفقة جيدة مع الرياض.
ومثل بنيامين نتنياهو وحكومته، يبدو أن كبار المسؤولين الأمريكيين افترضوا أنه لا يوجد شيء يمكن لأي مجموعة فلسطينية القيام به لعرقلة هذه العملية أو إبطائها أو لفت الانتباه مرة أخرى إلى محنتهم.
ولسوء الحظ، فإن الصفقة التي ترددت شائعات حولها بين تل أبيب والرياض أعطت حماس حافزاً قوياً لإظهار مدى خطأ هذا الافتراض. إن الاعتراف بهذه الحقيقة لا يبرر بأي حال من الأحوال ما فعلته حماس؛ بل هو ببساطة الاعتراف بأن قرار حماس بالقيام بشيء ما – وخاصة توقيته – كان استجابة للتطورات الإقليمية التي كانت مدفوعة إلى حد كبير بمخاوف أخرى.
العامل الخامس ليس حدثاً واحداً، بل فشل الولايات المتحدة المستمر في إنجاز ما يسمى بعملية السلام. لقد احتكرت واشنطن إدارة عملية السلام منذ اتفاقيات أوسلو (التي جاءت، كما يوحي اسمها، بسبب الوساطة النرويجية)، ولم تؤدي جهودها المختلفة على مر السنين إلى أي نتيجة في نهاية المطاف. لقد أعلن بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما مراراً وتكراراً أن الولايات المتحدة ــ الدولة الأقوى في العالم في ذروة ما يسمى بلحظة القطب الواحد ــ ملتزمة بتحقيق حل الدولتين، ولكن هذه النتيجة أصبحت الآن غير مؤكدة. أبعد من أي وقت مضى، وربما مستحيلة.
تعتبر هذه العناصر الأساسية مهمة لأن طبيعة النظام العالمي المستقبلي متاحة للاستيلاء عليها، والعديد من الدول المؤثرة تتحدى “النظام القائم على القواعد” الليبرالي بشكل متقطع والذي يتم اتباعه بشكل غير متسق والذي دافعت عنه الولايات المتحدة لعقود من الزمن. وتدعو الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وإيران ودول أخرى علناً إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث يتم تقاسم السلطة بشكل أكثر توازناً. إنهم يريدون أن يروا عالماً حيث لم تعد الولايات المتحدة تتصرف باعتبارها القوة التي لا غنى عنها، عالماً يتوقع من الآخرين أن يتبعوا قواعده مع الاحتفاظ بالحق في تجاهلها كلما ثبت أنها غير ملائمة.
ومن المؤسف بالنسبة للولايات المتحدة أن الأحداث الخمسة التي وصفتها للتو وتأثيرها على المنطقة توفر ذخيرة قوية للموقف التعديلي (كما سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى الإشارة إليه في الأسبوع الماضي). ربما يقولون: “انظر فقط إلى الشرق الأوسط”. «الولايات المتحدة تدير المنطقة بنفسها منذ أكثر من ثلاثة عقود، فماذا أنتجت «قيادتها»؟ نرى حروبًا مدمرة في العراق وسوريا والسودان واليمن. لبنان على أجهزة الإنعاش، وهناك فوضى في ليبيا، ومصر تتجه نحو الانهيار. لقد تحولت الجماعات الإرهابية وتحورت وزرعت الخوف في عدة قارات، ولا تزال إيران تقترب من القنبلة النووية. لا يوجد أمن لإسرائيل ولا أمن ولا عدالة للفلسطينيين. هذا ما ستحصلون عليه عندما تتركون واشنطن تدير كل شيء يا أصدقائي. ومهما كانت نواياهم، فقد أظهر لنا قادة الولايات المتحدة مرارا وتكرارا أنهم يفتقرون إلى الحكمة والموضوعية لتحقيق نتائج إيجابية، ولا حتى لأنفسهم.
وبوسع المرء أن يتخيل بسهولة مسؤولاً صينياً يضيف: “هل لي أن أشير إلى أننا نتمتع بعلاقات جيدة مع الجميع في المنطقة، وأن مصلحتنا الحيوية الوحيدة هناك تتلخص في القدرة على الوصول إلى الطاقة بشكل موثوق. ولذلك، نحن ملتزمون بالحفاظ على المنطقة هادئة وسلمية، ولهذا السبب ساعدنا إيران والمملكة العربية السعودية على إعادة العلاقات بينهما . أليس من الواضح أن العالم سيستفيد إذا تراجع دور الولايات المتحدة هناك وتزايد دورنا؟».
إذا كنت لا تعتقد أن رسالة كهذه قد يتردد صداها خارج الحدود المريحة لمجتمع عبر الأطلسي، فأنت لم تنتبه لذلك. وإذا كنت أيضًا شخصًا يعتقد أن مواجهة التحدي المتمثل في الصين الصاعدة يمثل أولوية قصوى، فقد ترغب في التفكير في كيفية مساهمة تصرفات الولايات المتحدة السابقة في الأزمة الحالية – وكيف ستستمر ظلال الماضي في الظهور وفي تقويض مكانة الولايات المتحدة في العالم في المستقبل.
خلال الأسبوع الماضي، كان بايدن وفريقه للسياسة الخارجية يديرون أزمة من صنعهم. ولكن كما أشرت قبل أكثر من عام، فمن الأفضل أن يُنظَر إلى فريق السياسة الخارجية التابع للإدارة باعتباره ميكانيكياً ماهراً وليس مهندساً، وفي عصر حيث أصبحت البنية المؤسسية للسياسة العالمية تشكل قضية متزايدة الأهمية وأصبحت هناك حاجة إلى مخططات جديدة. فهم بارعون في استخدام أدوات القوة الأميركية وآلية الحكومة لمعالجة المشاكل القصيرة الأمد، لكنهم عالقون في رؤية عفا عليها الزمن لدور أميركا العالمي، بما في ذلك طريقة تعاملها مع مختلف وكلائها في الشرق الأوسط. ومن الواضح أنهم أخطأوا بشدة في قراءة الاتجاه الذي يتجه إليه الشرق الأوسط، وأن تطبيق الضمادات اليوم ــ حتى لو تم ذلك بالطاقة والمهارة ــ سوف يظل يترك الجروح الكامنة دون علاج.
إذا كانت النتيجة النهائية لزيارات بايدن وبلينكن الحالية هي مجرد العودة إلى ما قبل أكتوبر. وبعد الوضع الراهن، أخشى أن ينظر بقية العالم، فيهز رأسه في حالة من الفزع والاستنكار، ويستنتج أن الوقت قد حان لتبني نهج مختلف.
ثمانية عقود من الحروب الاسرائيلية
محمد سيد رصاص
المركز الكردي للدراسات – ألمانيا
25\10\2023
إسرائيل من أكثر الدول التي خاضت حروباً في التاريخ الحديث، بلغ عددها ثمانية، منها خمسة مع جيوش نظامية في أعوام 1948و1956و1967و1973و1982 حيث اشترك الجيش السوري في مواجهة إسرائيل بحرب اجتياح لبنان ضد القوات الاسرائيلية بالاشتراك مع قوات منظمة التحرير الفلسطينية، ومنها أربعة مع قوات غير نظامية في 1982 مع قوات منظمة التحرير الفلسطينية وفي حرب 2006 بلبنان مع قوات حزب الله وفي حربي 2008-2009 و2014 مع قوات حركة حماس ممثلة بتنظيمها العسكري: كتائب عزالدين القسام. كما أن اسرائيل قامت بغارات جوية على دول ليست مجاورة لها مثل عملية ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981والغارة التي قصف فيها مقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس عام 1985، وهي من أكثر الدول التي قامت في الخارج بقتل أو اغتيال قادة معادين عبر عمليات معترف بها من قبلها أو كانت هناك بصمات واضحة لها فيها مثل (عملية قتل القادة الفلسطينيين الثلاثة في بيروت عام 1973:كمال ناصر- كمال عدوان- أبو يوسف النجار، اغتيال أبوحسن سلامة في بيروت عام 1979، عملية قتل أبوجهاد في تونس 1988). هناك ستة حروب من الثمانية المذكورة كانت اسرائيل البادئة بها، ماعدا حربي 1948و1973.
كتب دافيد بن غوريون في «يوميات الحرب1947-1948» ما يلي: «14/5/1948يوم الجمعة في الرابعة بعد الظهر أعلن الاستقلال اليهودي وأقيمت الدولة. مصيرها في أيدي قوات الأمن»(1)، أي القوة العسكرية. وفعلاً في صباح اليوم التالي، دخلت جيوش مصر وسوريا والأردن والعراق الحرب مع الدولة الجديدة. كان الكثير من قادة التجمع اليهودي في فلسطين يشككون في القدرة على صمود الدولة الجديدة في ظل عدم تأييد بريطانيا لقرار تقسيم فلسطين عندما امتنعت عن التصويت بالجمعية العامة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 ومع تردد الولايات المتحدة التي عرضت في مارس/آذار مشروع قرار لفرض وصاية الأمم المتحدة على فلسطين بعد إعلان لندن موعد انتهاء الانتداب البريطاني في نهاية يوم 14مايو/أيار 1948، وهو ما كان يوحي بتراجع واشنطن عن تأييد قرار التقسيم. ولكن بن غوريون أصر على إعلان قيام الدولة، ولم يكن يؤمن بكلام وزير الخارجية الأميركي جورج مارشال مطلع الشهر ذاته أن «اليهود لو تبعوا متطرفيهم الذين يفضلون سياسة مجابهة مع العرب فإن أي دولة يهودية ستقام سيعتمد بقائها فقط على مساعدة دائمة من الخارج» (2). فهو كان يريد فرض وقائع عسكرية على الأرض آمن بقدرته على تحقيقها من خلال القوة اليهودية الذاتية في فلسطين ضد عرب فلسطين وضد الجيوش العربية التي أتت لفلسطين من أجل محاربة الدولة اليهودية الجديدة، معتبراً أنه من الممكن استغلال التناقضات الفرنسية- البريطانية، منذ أن اقتربت حكومة ديغول 1944-1946 ومن خلَفها من حكومات فرنسية من المنظمات الصهيونية في فلسطين إثر تباعد باريس والبريطانيين في سوريا في مايو/أيار 1945، واستغلال رغبة الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، التي بدأت واشنطن عام 1947 حربها الباردة معه، في استثمار تباعدات لندن مع واشنطن وباريس تجاه المسألة اليهودية في فلسطين. فبن غوريون كان يؤمن بأن حصان القوة هو الذي يجر عربة السياسة ثم تأتي رياح ملائمة من الخارج لتؤمن انطلاقة أقوى للعربة، وهو كان يرى في مصطفى كمال مثالاً مشجعاً على نظريته، حيث أشار أمام اللجنة المركزية لحزب الماباي في يناير 1948 إلى «الترتيبات التي قام بها الحلفاء الأقوياء، بعد انتصارهم في الحرب الأولى، لتقسيم المناطق التركية، وكيف جاء مصطفى كمال وقلب الموائد عليهم. إن قوة السلاح لا المقررات الرسمية هي التي تقرر مجرى الأمور»(3). فبن غوريون في إعلان قيام دولة إسرائيل الذي أعلنه بشخصه كان يستند ضمن استناداته إلى قرار التقسيم، ولكن بعد المكاسب العسكرية التي حققتها القوات الاسرائيلية كتب في يومياته: «16 يونيو/حزيران: قرارات 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 لفظت أنفاسها»(4). وفي 22 سبتمبر/أيلول، وبعد أن تجاوزت المكاسب الإسرائيلية العسكرية حدود الدولة اليهودية وفق قرار التقسيم، أصدر مجلس دولة إسرائيل المؤقت قراراً بضم الأراضي المستولى عليها لحدود الدولة منذ بدء الحرب، معتبراً أن جزء من أرض فلسطين يستولى عليه مستقبلاً سيكون جزءاً من أراضي دولة إسرائيل، علماً أن الحكومة الإسرائيلية لم تتشكل إلا بعد انتخابات مطلع 1949.
وفعلاً، فإن دعم السلاح، الذي أتى من تشيكوسلوفاكيا بتوجيه من ستالين بعد سيطرة الشيوعيين على السلطة في براغ في فبراير/شباط 1948، والسلاح الفرنسي والدعم السياسي الذي أظهره الرئيس هاري ترومان بالضد من رأي وزير خارجيته ومدراء شركة نفط أرامكو الذين أبدوا خشية من انهيار علاقة واشنطن مع العرب، جعل رأي بن غوريون السائد في الدولة الوليدة، إذ قرأ أن واشنطن ستتنافس وموسكو على خطب ود إسرائيل في أجواء الحرب الباردة وستحاول باريس تقوية موقعها في المنطقة بالتنافس مع لندن من خلال التقارب مع الدولة الجديدة.
هنا، يجب العودة قليلاً إلى الوراء. في دراسة اعتمدت على الأرشيف الفرنسي السري الدبلوماسي والاستخباراتي، نشر الباحث الإسرائيلي مئير زامير عام 2019 دراسة بعنوان «دور مصلحة الاستخبارات البريطانية في اتخاذ قرار مصر بالدخول في حرب 1948». من خلال الدراسة، هناك مشهد يظهر فيه مشروع بريطاني جديد لدى وزارة الحرب والاستخبارات نحو الحفاظ على الامبراطورية البريطانية التي رأوا أن الوزارة اليسارية لحزب العمال البريطاني بعد فوزه بانتخابات مجلس العموم عام 1945 تتجه نحو تصفيتها من خلال إعلانها في صيف 1947 عن الانسحاب من الهند وبعدها بشهور خطط الانسحاب من فلسطين. ووفق زامير، فإن خطط تجديد معاهدة 1936 مع مصر و1930 مع العراق يراد بها ربطها بإغراءت بريطانية للملك فاروق ونوري السعيد تظهر سياسة جديدة لدى لندن بمنع قيام دولة يهودية أو جعلها ضمن شريط ساحلي يمتد من عتلين جنوب حيفا حتى تل أبيب مع إعطاء النقب لمصر والجليل لسوريا ولبنان والباقي للأردن. كل ذلك مقابل دخول القاهرة وبغداد حلف دفاعي إقليمي بزعامة بريطانيا ضد السوفييت. وفي الدراسة، هناك إشارة إلى تأييد أمين عام جامعة الدول العربية عبدالرحمن عزام ورئيس الوزراء السوري جميل مردم ونظيره اللبناني رياض الصلح الخطة البريطانية. كان دافع الجنرال كلايتون، مسؤول الاستخبارات البريطانية في الشرق الأوسط، وضغوطه من أجل اشتراك مصر بالحرب من أجل فتح مجال لتنفيذ هذه الخطة، فيما رأى بن غوريون والفرنسيون والسوفييت، وبالتأكيد الأميركيين الذين أرادوا وراثة لندن في المنطقة أن النصر الاسرائيلي في حرب 1948سينهيها (5).
كان الرئيس جمال عبد الناصر مختلفاً عن الملك فاروق، على الرغم من اشتراكهما في العداء للبريطانيين الذين لم يثقوا بالملك المصري في فترة تقدم الألمان العسكري من ليبيا نحو مصر لدرجة أن دباباتهم اقتحمت قصر عابدين في 4 فبراير/شباط عام 1942 لإجباره على مرسوم تسمية حليف موثوق هو مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد كرئيس للحكومة. فعبدالناصر أكثر استقلالية وأكثر تحملاً للضغوط الخارجية والداخلية، وامتلك قراءة دقيقة للسياسة العالمية، إذ قرأ غروب شمس الامبراطورية البريطانية في إيران محمد مصدق 1951-1953وخلافة واشنطن للندن في طهران بعد إسقاط حكومة مصدق،وهو أراد كسب واشنطن لصفه، ولكن الأميركيين الذين كان همهم التناقض الرئيس مع السوفييت كانوا يرون في الشرق الأوسط ميداناً من ميادين الحرب الباردة مع موسكو. وعندما رأى أن واشنطن تقترب من لندن وأرادت الضغط عليه عبر سحب تمويل مشروع السد العالي،قام بقلب الطاولة على الجميع من خلال قرار تأميم شركة قناة السويس مستنداً إلى اقترابه من موسكو منذ خريف 1955ومستنداً إلى أن قرار خلافة واشنطن للندن بالمنطقة سيمنع أو سيجعل واشنطن في موقف وسط بين لندن والقاهرة.
في تل أبيب، كان بن غوريون يخاف من أن «تتجسد مخاوفه من الرئيس جمال عبدالناصر، لأنه كان دائم الخوف من ظهور قائد عربي في البلاد العربية كما ظهر أتاتورك في تركيا (وكان يرى في مصر أنها) العدو الأكبر»(6). عندما قررت لندن وباريس شن الحرب على مصر بعد تأميم شركة قناة السويس، أراد بن غوريون المشاركة، في قراءة منه بأن الحرب ستنهي عبدالناصر والقوة المصرية، ومعها موجة القومية العروبية الصاعدة، كما ستحقق لإسرائيل فرض حرية الملاحة في مضيق تيران وفي قناة السويس.
كانت حرب السويس بمحصلتها نصراً سياسياً لعبدالناصر وغروباً لشمسي لندن وباريس في المنطقة. وكان وقوف واشنطن وموسكو معاً في موقف واحد ضد الحرب صادماً لبن غوريون الذي لم تكن قراءاته عام 1956 للحرب بمستوى قراءاته عام 1948. فهو حقق نصراً عسكرياً على القوات المصرية في حرب 1956 واحتل قطاع غزة وأغلب سيناء. ولكن وقوف واشنطن وموسكو ضد شريكيه في الحرب، البريطاني والفرنسي، جعله في موقف لايستطيع فيه صرف انتصاره العسكري سياسياً، لجهة أن هدفه الرئيس كان إنهاء عبدالناصر عبر الحرب، وهو الذي خرج منها أقوى مصرياً وعربياً. أما بن غوريون، فأجبره الرئيس الأميركي أيزنهاور على الانسحاب العسكري من قطاع غزة ومن سيناء في ربيع 1957 مقابل ترضية أميركية بحرية الملاحة في مضيق تيران مع وجود قوات طوارىء دولية وضمانة أميركية مكتوبة بخط يد وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس. ولكن كان شعور بن غوريون بالمرارة نتيجة عدم توازي «الحصيلة السياسية مع المكاسب العسكرية» عام 1956بخلاف حرب 1948.
بالمحصلة العامة، أدت نتائج حرب 1956 إلى تصادم قوتين صاعدتين بسبب تلك الحرب في الشارع العربي: العروبيون والشيوعيون. وظهر هذا في بغداد ما بعد 14 يوليو/تموز 1958 عندما عارض الشيوعيون العراقيون الانضمام للوحدة السورية- المصرية، ثم ترجم في دمشق والقاهرة عبر اعتقالات رأس سنة 1959 للشيوعيين السوريين والمصريين، وهو ما قاد لصدام علني بين الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف وعبدالناصر في الأشهر اللاحقة. كانت النتائج الفورية لـ14يوليو/تموز العراقي متمثلة في تقارب عبدالناصر وأيزنهاور عندما هندسا انتخاب فؤاد شهاب رئيساً للبنان بعد أشهر من الحرب الأهلية ثم تلاقيا ضد حليف الشيوعيين عبدالكريم قاسم في بغداد، ثم تلاقت واشنطن والقاهرة ضد قاسم عام 1961 في مسألة الكويت.
مع اقتراب غيوم الحرب الفييتنامية في أوائل 1964، واشتداد صدام عبدالناصر مع السعوديين حلفاء واشنطن في اليمن، توترت العلاقات الأميركية- المصرية. ومع زيارة ليفي أشكول، الذي خلف بن غوريون، لواشنطن في فبراير/شباط 1964، تكرس حلف أميركي- إسرائيلي جديد لم يكن موجوداً في زمن بن غوريون الذي استقال في صيف 1963 من رئاسة الوزراء والذي كان أكثر ميلاً نحو القارة الأوروبية العجوز.
وبعد ثلاثة أشهر ومع زيارة خروتشوف لمصر، وصلت العلاقات المصرية– السوفيتية لمستوى تحالفي وهو ما لم يكن موجوداً بفترة 1955-1958.
يمكن لزيارتي أشكول وخروتشوف أن تفسرا حرب 1967 من حيث أن الحرب هي تصادم غير مباشر بين واشنطن وموسكو وليست مجرد حرب إقليمية، إذ أن واشنطن أرادت عبر انتصار الإسرائيليين في الحرب تعديل ميزان القوى العالمي الذي اهتز واختل بحكم ورطتهم الفييتنامية. وكان السوفييت «يعتبرون هزيمة مصر هزيمة لهم أيضاً وشجع عبدالناصر هذا الاتجاه لهم»(7). كانت التوترات حول تحويل مجرى نهر الأردن بفترة 1964-1966 بين العرب وإسرائيل ثم أزمة سحب قوات الطوارىء في مايو/أيار 1967 أعواد ثقاب لم يشتعل أولها بخلاف الثاني. وكان الحطب هو الجو الدولي الصدامي بين واشنطن وموسكو، الذي انضاف إلى قضية فلسطينية أشعلت العالم العربي منذ عام 1948ا والذي لم يكن قادراً على تقبل، فكرياً وسياسياً، مبدأ وجود دولة إسرائيل، فيما أرادت إسرائيل من الضوء الأخضر الأميركي الذي أخذه وزير خارجيتها أبا ايبان أثناء اجتماعه مع الرئيس الأميركي في واشنطن في مايو/أيار 1967 بعد أسبوع من سحب قوات الطوارىء وإغلاق مضيق تيران أمام السفن المتوجهة والخارجة من ميناء إيلات فرض واقع جديد على الأرض يجبر العرب على الاعتراف بها ضمن حدود جديدة غير حدود ما بعد حرب 1948.
لم تستطع إسرائيل ترجمة انتصارها العسكري بالسياسة بعد حرب 1967 رغم قبول مصر والأردن بالقرار 242. في المقابل، أرادت القاهرة ودمشق إنشاء وضع عسكري جديد يغير من وضع ما بعد حرب 1967. كانت إسرائيل تقدر بأن أجواء الوفاق الدولي بين واشنطن وموسكو، التي توجت بزيارة نيكسون لموسكو عام 1972 ثم زيارة بريجنيف لواشنطن عام 1973، ومارافقهما من اتفاقيات سالت للحد من الأسلحة الاستراتيجية، ستجعل العرب غير قادرين عى شن حرب. وهي تفاجأت بحرب 1973 من خلال هذا الاعتقاد الذهني الذي ملك أصحاب القرار الإسرائيلي، مضافاً له غرور الإسرائيليين بفترة ما بعد حرب 1967.
أظهرت حرب 1973 قدرة عربية عسكرية محت صورة العسكري العربي المهزوم في حرب 1967، وكانت مفاجأة الحرب كاسرة لصورة جهاز استخبارات إسرائيلي كان يظن نفسه ويظنه الآخرون متفوقاً في معلوماته ودقته الاستخباراتية. وكان تعامل الجهاز السياسي الإسرائيلي مع الجهاز العسكري متخبطاً في الأسبوع الأول من الحرب. ورغم التعادل العسكري الذي انتهت له حرب 1973، فإن قدرة إسرائيل على حصد نتائج سياسية من الحرب كانت أساساً بسبب تباعد مصر عن سوريا واتخاذها خطوات انفرادية في الحل السلمي عبر اتفاقية سيناء عام 1975 ثم اتفاقيات كامب دافيد عام 1978.
أيضاً، كانت حرب 1982 أكثر تخبطاً في العلاقة بين رئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير دفاعه أريئيل شارون ورئيس الأركان رافائيل ايتان، حيث تجاوز شارون ما هو متفق عليه بين بيغن والرئيس الأميركي رونالد ريغان من حيث أن لا تتجاوز إسرائيل خط الـ40 كم شمالاً لمنع وصول الكاتيوشا للجليل. وهو في الكتاب الأهم عن سيرته الذي ألفه آفي شيلون وترجم للانكليزية ونشر في الولايات المتحدة من منشورات جامعة يال عام 2012 يظهر وكأنه لا يعرف أين خريطة تمركز قواته المتقدمة في لبنان أو أنه يسير كالمنوم مغناطيسياً من وزير دفاعه. وحتى عندما مشى وراءه نحو حصار بيروت في نهاية يونيو/حزيران وطرح هدف إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من المدينة، فإنه لم يكن يعرف أن شارون يريد أيضاً تنصيب بشير الجميل رئيساً للبنان، وهو ما مشى وراءه بيغن في 23 أغسطس/آب، ونحو فرض اتفاقية إسرائيلية- لبنانية وقّعت في 17 مايو/أيار 1983. نجحت إسرائيل في إخراج ياسر عرفات، ثم اغتيل بشير الجميِل، وألغى خلَفه الاتفاقية عام 1984. وعندما بدأت في عام 1985بالانكفاء والتركيز نحو الجنوب بعد فشلها في تنصيب من تريد من رئيس في بيروت وتوقيع اتفاقية تجعل لبنان ثاني بلد عربي يقيم علاقات مع إسرائيل بعد مصر، فإن انسحابها عام 2000 من جنوب لبنان أظهر فشل تجربتها اللبنانية عسكرياً وسياسياً.
عملياً ومن حيث النتائج، كانت تجربة اسرائيل في لبنان فاشلة عسكرياً وسياسياً، بل يمكن القول بأن وجودها في لبنان كان الحافز والأرضية لنشوء حزب قاد المقاومة ضدها ثم ما بعد انسحابها من لبنان أصبح القوة العسكرية الأقوى في لبنان ثم أصبح القوة السياسية الأكبر منذ عام2008، وهي عندما دخلت في حرب 2006 مع حزب الله فإنها خرجت مهزومة وفق معادلة وزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشيه أرينز عندما قال عن نتائج حرب 2006 مايلي: «عندما يعجز جيش نظامي عن تحقيق أهدافه بوجه ميليشيا فإنه يكون في وضع الهزيمة». يمكن لمعادلة أرينز هذه أن تنطبق على حرب إسرائيل في 2008/2009 وحرب الخمسين يوماً في صيف 2014 لما شنتهما في قطاع غزة ضد حركة حماس وتطورتا لاجتياح بري، وكلاهما لم ينهيا صواريخ الحركة ولا وجودها العسكري ولا السياسي في قطاع غزة.
يمكن هنا لضربة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي قامت بها الحركة ضد إسرائيل في منطقة غلاف غزة أن تكون أنتجت «اليوم الأكثر إيلاماً في تاريخ دولة إسرائيل من حيث القتلى»، وفق تعبير تناقلته العديد من الصحف الاسرائيلية، هذا غير تكرار الفشل الاستخباراتي الشبيه بحرب أكتوبر، وإظهار هشاشة المستوطنات عسكرياً. ولكن الأهم ما يحتويه هذا الهجوم من دلالات سياسية أهمها محاولة سد طريق التطبيع الذي كان اقترابه مرئياً بين السعودية واسرائيل ومحاولة إظهار حركة حماس بوصفها الرقم واحد فلسطينياً، ومحاولة إظهار قوة الذراع الفلسطينية لمحور (طهران- بغداد- دمشق- حزب الله- حماس- الحوثيون) وأن هذا المحور هو الأقوى في المنطقة بالقياس.
السؤال الآن: هل يستطيع اجتياح اسرائيلي بري لقطاع غزة أو لجزء منه أن يلغي دلالات 7 أكتوبر/تشرين الأول أو يعدلها أو يقلل من مفاعيلها؟
هوامش
(1)- دافيد بن غوريون:”يوميات الحرب 1947-1948″،مؤسسة الدراسات الفلسطينية،بيروت1993،ص326
(2)- ايرين جندزيير:”لماذا اعترفت الولايات المتحدة باسرائيل؟”، صحيفة “لوموند ديبلوماتيك”،1تشرين الأول2011
(3)- فايز صايغ:”الدبلوماسية الصهيونية”،مركز الأبحاث الفلسطيني،بيروت1967،ص70
(4) – بن غوريون:”اليوميات”،ص412
(5) – مئير زامير:”دور (م16)في اتخاذ قرار مصر نحو الدخول في الحرب ضد اسرائيل عام1948″،28\5\2019
“the role of m16 in Egypt , decision to go to war against Israel in may1948″
(6) – تهاني هلسه: ”دافيد بن غوريون”، مركز الأبحاث الفلسطيني، بيروت 1968، ص 127-128
(7)محمد حسنين هيكل: ”الطريق إلى رمضان”، دار النهار، بيروت 1975، ص 50
(8)ميكائيل أورين: ”حرب الأيام الستة”، منشورات جامعة أوكسفورد، 2002، ص115
تذكروا
ما اسمهاش ايلات اسمها “ام الرشراش”
ما اسمهاش تل أبيب اسمها “قرية الشيخ مؤنس/يافا”
ما اسمهاش أورشليم اسمها “القدس”
ما اسمهاش بير شيفاع اسمها “بئر السبع “
ما اسمهاش نتانيا اسمها “أم خالد”
ما اسمهاش عكو اسمها “عكا”
ما اسمهاش كريات شمونة اسمها “الخالصة”
ما اسمهاش تسريفين اسمها “صرفند”
ما اسمهاش يزرعيل اسمها “زرعين”
ما اسمهاش تسيبوري اسمها “صفورية”
ما اسمهاش أحيهود اسمها “البروة”
ما اسمهاش مفترق شوكت اسمها “المسمية”
ما اسمهاش اشكلون اسمها “عسقلان”
ما اسمهاش “كريات جات” اسمها “قرية عراق المنشية/الخليل”
ما اسمعاش كيرم شالوم اسمها “كرم أبو سالم”
ما اسماش تل كفار كرنايم اسمها “قرية ابو فرج/بيسان”
ما اسمهاش اللود اسمها “اللد”
ما اسمهاش بيت شيمش اسمها “بيت الشمس/قضاء القدس”
ما اسمهاش بيت جيمل اسمها “دير الجمال”
ما اسمهاش زخاريا اسمها “قرية زكريا”
ما اسمهاش إسرائيل اسمها فِلسطين من البَحر حتى النَهر.. احفظوها وحفّظوها لصغاركم و وصلوها لكل العالم… كانت تُسمى فِلسطين وما زالت تُسمى فِلسطين.
علموا الأجيال تاريخها ومسمياتها الحقيقية.
