- الافتتاحية: النزعة الرغبوية في المعارضة السورية
- السويداء ليست الآن مثل درعا في عام 2011 – محمد سيد رصاص
- حول حراك محافظة السويداء – يوسف الطويل
- عندما اشتهت السفن”.. تجدد الآمال عبر النضال في رحلة من الجزيرة السورية إلى السويد – الجزيرة نت
- تحديات التنمية وضرورات التغيير
- عندما يقف السوريون وظهورهم إلى الحائط
- لقد طال انتظار إجراء مراجعة جادة لدور الأمم المتحدة في الوساطة في الصراع في سوريا – هاشميك إيجيان ومعين رباني
- هل أخفقت الماركسية في فضح مساوئ النيوليبرالية أيديولوجياً؟ – علي عطا
- عماؤنا اليساري – د. أحمد برقاوي
فيما عدا الافتتاحية، المقالات في العدد لا تعبر بالضرورة عن رأي الحزب.
الافتتاحية:
النزعة الرغبوية في المعارضة السورية
في يوم 31 تشرين الأول 2012 قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وفي تصريح بالعاصمة الكرواتية زغرب أن “المجلس الوطني السوري قد مات”. بعد ثمانية أيام من هذا التصريح بدأت محادثات في العاصمة القطرية من أجل تشكيل كيان سوري معارض جديد يخلف المجلس بمشاركة قطرية وتركية وأميركية مع معارضين سوريين. كان الأميركان يريدون تبني بيان جنيف 1 الذي صدر بتوافق بينهم وبين الروس في الصيف السابق، وهو ما عنى تخليهم عن ماقاله الرئيس الأميركي باراك أوباما في 18 آب 2011 عندما دعا إلى “رحيل الرئيس السوري” الذي انبنى عليه قيام المجلس بعد شهر ونصف من تصريح أوباما بتوافق أميركي- تركي- قطري، وعلى مايبدو أن من نتائج ومظاهر بداية تخلي الأميركان عن تحالفهم مع الإسلاميين، بعد مقتل السفير الأميركي بليبيا على يد اسلاميين بمدينة بنغازي يوم 11 أيلول 2012، كان سحب واشنطن اعترافها بالمجلس الذي كان يهيمن عليه الاسلاميون مع واجهة علمانية – ليبرالية أعطاها “اعلان دمشق” ورئيس المجلس الدكتور برهان غليون.
بالبداية وعلى مدى يومين لم تنجح محادثات تشكيل المولود الجديد، وعندما اصطدمت بالحائط بادر وزير الخارجية القطري للاتصال عبر السكايب بأحد زعماء المعارضة الذي كان يعيش حالة التخفي في دمشق من أجل حل هذا الاستعصاء.عندما رأى المعارض المذكور وعلم مدى الالحاح الأميركي على تسوية سورية بين المعارضة والسلطة لحل الأزمة القائمة قال معترضاً عبر استشهاد بعبارة قالها النبي محمد في احدى المعارك لما بدأ جيش المسلمين بالتراجع: “إنما النصر صبر ساعة”، قبل أن يوافق على تشكيل الجسم الجديد ولكن باشتراط أن تضاف عبارة “عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم”، والتي وضعت في البند الخامس من نص اتفاق الدوحة الذي أعلن عبره عن تأسيس “الائتلاف الوطني” في يوم 11 تشرين الثاني2012، هذا البند الذي لم يلتزم به الائتلاف عندما ذهب بالشهر الأول من عام 2014 إلى مفاوضات جنيف2.
صحيح أن المعارض المذكور عندما خرج من سوريا للخارج في عام 2018 قد اعترف بمقابلة مع جريدة “القدس العربي” (3أيلول2018) بأن “المعارضة قد هزمت”، ولكنه قام بارجاع أسباب الهزيمة إلى “خذلان الأميركان للمعارضة السورية” وإلى “أخطاء الاسلاميين”، من دون أن يقدم نقداً ذاتياً على أخطاء ارتكبها هو وغيره من المعارضين السوريين الذين بنوا على كلام أوباما بصيف 2011 رفضهم لتسوية انتقالية عرضتها هيئة التنسيق الوطنية منذ تأسيسها في حزيران 2011 للأزمة السورية عبر تشكيل هيئة حكم انتقالية ،ومن خلال رفضهم ذاك رفعوا شعارهم: “اسقاط النظام”، في بناء للسياسات وللخط السياسي على أساس نزعة رغبوية لا تعي توازنات القوى ولا ممكنات العامل الذاتي لصاحب الخط السياسي، وحتى لا يقرأ أولئك الرغبويون إن كان فعلاً ذلك الخارج الذين يستعينون فيه عبر دعوته إلى تدخل عسكري لاحداث تغيير داخلي، على غرار ما اشتهوه وتصوروه من تكرار أميركي في سوريا للتجربتين العراقية والليبية، يريد من خلال استخدامهم في حريق الأزمة السورية “تغيير سياسات النظام” أو “تغيير النظام”؟
كانت تلك الحالة في عام2012هي الفصل الثالث من نزعة رغبوية كانت تقوم بتحديد اليوم “الذي سيسقط فيه النظام”،وعندما يتواضعون يقولون الشهر أوالأسبوع ، كان فصلها الأول مع أزمة ما بعد اغتيال رفيق الحريري في عام 2005 وتشكل على أساسها وفي مناخها “اعلان دمشق”، ثم كان فصلها الثاني مع تصريح أوباما في 18 آب 2011 عندما دعا إلى ” رحيل الرئيس السوري”،وكيف كانت ترجمات تلك النزعة الرغبوية آنذاك في رفع شعارات “إسقاط النظام”و”الحماية الدولية” ومن ثم تشكيل “المجلس الوطني”في اسطنبول في 2 تشرين الأول 2011 في استنساخ سوري لتجربة “المجلس الوطني الليبي”الذي كان الستارة المحلية لإسقاط نظام القذافي بطرابلس عبر القوة العسكرية لحلف الأطلسي-الناتو والذي تم في يوم 23 آب 2011.
في تلك الفصول الثلاث للنزعة الرغبوية عند معارضين سوريين كثيرين كان الفعل الرغبوي يمارس من الداخل السوري في شكله الأعم أو من معارضين لهم امتدادات في الداخل السوري. أما في السنوات الأخيرة وخاصة منذ شهر آب 2023 مع تفجر مظاهرات محافظة السويداء فإن الملاحظ أن هناك تفجراً جديداً لهذه النزعة الرغبوية عند معارضين سوريين يعيشون في الخارج، يبنون من خلالها وصفات وروشيتات سياسية من خلال وضعية من المعارضة الفيسبوكية لإنسان يعيش في الخارج منذ سنوات وبعضهم منذ أكثر من عقدين من الزمن وتطرفه الرغبوي السياسي ليس فقط لا يبنى على عدم معرفة بواقع الداخل السوري على الأرض وإنما يتناقض مع سجلهم عندما كانوا في سوريا حيث الكثير منهم كانوا في مؤسسات السلطة القائمة أو في “أحزاب الجبهة” الحليفة للسلطة أو كانوا أعضاء نشيطين في “مملكة الصمت” قبل أن يكسر المجتمع السوري صيامه عن الصمت السياسي في عام 2011.
هؤلاء لم يتعلموا من تجارب أناس مثل لينين، لما كسر المجتمع الروسي صمته عن السياسة مع ثورة شباط 1917، عندما عاد إلى روسيا من منفاه القسري بعد غياب عشر سنوات عن روسيا، بينما الكثير من قادة المعارضة السورية اختاروا الخروج منذ صيف 2011 من سوريا، وبعضهم لم يكن مطلوباً أولا تتهدده أي أخطار، وحتى عندما خرجوا للخارج أصبح خطهم السياسي تصعيدياً ومختلفاً ومتناقضاً مع ما كانه عندما كانوا في الداخل في ربيع وصيف 2011.
السياسي يجب أن “يكون صادقاً مع أهله وناسه وبلده”… فأين هؤلاء من هذا؟
السويداء ليست الآن مثل درعا في عام 2011
محمد سيد رصاص
“وكالة نورث برس” 11\9\2023
في يوم الجمعة 18 آذار\مارس 2011 انطلقت مظاهرات في مدينة درعا، امتدت في الأيام التالية للكثير من بلدات منطقة حوران، وفي أسابيع تالية امتدت لمدن اللاذقية وحمص ولأرياف دمشق وادلب، وفي خلال أشهر كان هناك حراكاً اجتماعياً واسعاً تجسد أيضاً في مظاهرات ضخمة جرت في مدن حماة وديرالزور وفي أرياف حمص وحلب وحماة وديرالزور. كان هذا حراكاً اجتماعياً واسعاً تجسد في مظاهرات، ولكنه لم تكن له مطالب موحدة ولا قيادة واحدة، وهو انتقل من مظاهرات سلمية نحو حمل السلاح في فترة بدأت في خريف عام 2011 وهو ما ترافق مع المراهنة على التدخل العسكري الخارجي، بالتزامن مع تزعم الاسلاميين للمعارضة السورية .
أنشأ هذا أزمة سورية داخلية، من حيث عدم استطاعة أي من طرفي النزاع الداخلي التغلب على الطرف الآخر، ومن حيث عدم قدرتهما على انتاج تسوية بينهما للنزاع ، ثم تحولت الأزمة الداخلية إلى اقليمية مع تدخل تركيا لصالح المعارضة منذ شهر آب 2011 وايران لصالح السلطة ثم تحولت إلى أزمة دولية في يوم 4 تشرين الأول\أكتوبر 2011 مع الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار مدعوم من الولايات المتحدة الأميركية التي بدأت آنذاك بالوقوف وراء أنقرة الداعمة الرئيسية للمعارضة الاسلامية المسلحة .عملياً كان مابدأ في درعا قد قاد كشرارة إلى اكبر أزمة دولية – اقليمية – داخلية شهدها المجتمع الدولي منذ الحرب العالمية الثانية ، من حيث عوامل تغذيتها الخارجية الدولية – الاقليمية وكمية حطبها الداخلي القابل للاشتعال وتأثيرها على المحيط الخارجي الاقليمي والدولي وكانت أكبر نبع لتدفق اللاجئين بالتاريخ الحديث – المعاصر وبيئة خصبة أكثر من أفغانستان والعراق للمنظمات الاسلامية العابرة للحدود .
منذ عام 2016 أصبحت الأزمة السورية صراعاً مجمداً ، يرى الخارج الدولي- الاقليمي تركه في الفريزر .
هنا، لم يكن هناك “ثورة سورية”وفق التعريف الذي قدمه تشارلز تيلي مؤسس علم النزاعات في علم الاجتماع المعاصر، من حيث أن الثورة مشروط تحققها بوجود ثلاثة أمور، هي:
1- ظهور منافسين للسلطة يقدمون مطالب حصرية تحوي بديلاً.
2- التزامات كاملة بهذه المطالب.
3- عجز الحكومة عن القمع.
تشارلز تيلي: “من التعبئة إلى الثورة”، منشورات جامعة ميتشيغان،1977، ص161، نسخة ب د ف)، بل انتفاضة أو حراك اجتماعي عريض واسع فشل في تحقيق مطالبه ، ولكنه ولًد أزمة سورية ما زالت مستمرة ، وقد أصبح الخارج الأميركي- الروسي- التركي- الايراني هو المتحكم بمساراتها وفق منحيين: 1- (صراع في سوريا) و2- (صراع على سوريا).
الآن،ومنذ ثلاثة أسابيع مع بدء مظاهرات في محافظة السويداء بدأت بطرح مطالب اقتصادية – اجتماعية ثم انتقلت نحو طابق أعلى هو مطالب سياسية مثل تطبيق القرار الدولي2254الذي يطالب بانتقال سياسي ، بدأ معارضون سوريون ،أغلبهم في الخارج وبعضهم بالداخل ، بالحديث عن “ثورة مستمرة”، وعن أن مابدأ في السويداء سينتقل إلى اماكن سورية متعددة جرى التركيز من قبلهم على أنها ستكون في حوران والساحل .
لم يتحقق شيء من هذه التوقعات خلال الأسابيع الماضية.
يجب فحص الأمور ومراجعتها.
أولاً، وفق التعريف العلمي لم يكن هناك من ثورة في سوريا في عام 2011 وما بعدها وفق التعريف الذي قدمه تشارلز تيلي ، وهو المعتمد خلال ما يقرب نصف قرن في علم الاجتماع السياسي لفحص الثورات والانتفاضات والانقلابات والتمردات والحراكات الاجتماعية ، بل انتفاضة وحراك لاقى قاعدة اجتماعية قوية في الريف السني العربي ، بعد تدهور وضع الزراعة السورية في فترة 2004-2011، وفي بعض المدن التي شعرت بالتهميش الاقتصادي مثل حمص بعد تحول الطرق البرية عن قلب مدينة حمص بعد إنشاء الأتوتسترادات الجديدة بين حلب ودمشق والساحل ودمشق وانشاء خط مباشر بين دمشق والمنطقة الشرقية عبر تدمر – الضمير، بينما في مدن كبرى مثل دمشق وحلب وقف التجار والصناعيون والفئات الوسطى مع السلطة ومازالوا.
أغلب من كان في المعارضة السورية بعامي 2011 و 2012 لم يكونوا واعين لهذا الأمر بينما شخص مثل اللواء قاسم سليماني، قائد (فيلق القدس) في ايران، كان مدركاً له منذ عام 2012، وهي أصعب سنة عاشتها السلطة السورية التي ساندتها ايران، حيث قال في محاضرة أمام (مؤتمر شباب الصحوة الاسلامية بطهران، 18 كانون الثاني 2012): “الحركة الجماهيرية في سوريا ليست في المدن بل في القرى، وستستمر كذلك، وبالتالي فإن المرض السوري لن يقود إلى موت الحكومة” (جوزيف هوليداي: “المعارضة السورية المسلحة”، معهد دراسة الحرب، واشنطن، آذار2012، نسخة ب د ف، ص 36). لهذا السبب كان اتجاه السلفية الجهادية منذ 2011هو الأقوى بين الاسلاميين الذين تزعموا المعارضة المسلحة السورية، حيث دائماً وفي الأغلب مرتكز هذا الاتجاه هو ريفي وهو ما نجده في مصر أيضاً، بينما الاخوان المسلمون مرتكزهم في المدن، وهو ما وجدناه في أحداث 1979-1982 عندما كان الاسلاميون المعارضون مرتكزهم الأساسي في مدينتي حماة وحلب مع استثناء ادلبي ملفت للنظر حيث كانوا أقوياء في محافظة إدلب بالريف والمدن والبلدات.
ثانياً، لا توجد “ثورات مستمرة” لأكثر من عقد من الزمن، وأكبر ثورة من حيث العمر كانت الثورة الانكليزية التي قام بها البرلمان ضد الملك بين عامي 1642 1649 وقادت لحرب أهلية انتهت بقطع رأس الملك تشارلز الأول. الثورة الفرنسية استغرقت خمس سنوات وانتهت بقطع رأس روبسبيير في تموز 1794 ثم قاد هذا لحكم المديرين (الديركتوار) ومن ثم نابليون بونابرت منذ انقلاب الثامن عشر من برومير عام 1799 حتى هزيمته في معركة واترلو عام 1815 عودة آل بوربون للحكم بقوة حراب الأجنبي (البريطانيون والروس والبروسيون والنمساويون) المنتصرون على نابليون.
ثالثاً، الثورات أو الانتفاضات عندما تهزم ينام جسمها الاجتماعي ويستكين لما يقرب من عقدين من الزمن وأحياناً أكثر. فشلت الثورة الانكليزية عام 1660 وعاد ابن الملك المعدوم للحكم بدعم فرنسي ثم حصلت ثورة ثانية ضد أخيه عام 1688 بسبب تبعيته للفرنسيين ولمحاولته إعادة الكاثوليكية وبسبب أسلوبه في الحكم المطلق . قامت ثورة 1830 الفرنسية وفشلت في إعادة الحكم الثوري وقبلت وسطياً بحكم آل أورليان بدلاً من آل بوربون ثم قامت ثورة 1848 وأتت بحكم جمهوري ولكنها انتهت بالفشل في يوم 2 كانون الأول 1851 مع انقلاب لوي بونابرت الذي اتجه إلى تنصيب نفسه امبراطوراً.
في عام 1871 حصلت كومونة باريس بعد أشهر من هزيمة الفرنسيين أمام الألمان في معركة سيدان وأسر الامبراطور نابليون الثالث، وفشلت أيضاً، ولم تستكن فرنسا وتتوقف عن الغليان الاجتماعي إلا بعد تسوية 1905 التي قضت بالعلمنة وهو ما حل مشكلة صراع قرن بين القوى المحافظة التي تريد العودة لما قبل ثورة 1789 والقوى الثورية .الاستثناء الوحيد كانت ثورة شباط 1917 الروسية التي أتت بعد أحد عشر عاماً من فشل ثورة 1905، والأرجح بسبب ظرف الحكم القيصري الذي ترنح في ساحات معارك الحرب العالمية الأولى ، والاستثناء الأقوى والفريد كانت ثورة أكتوبر 1917 التي كانت تركيباً بين “ثورة مستمرة”، أوفق تعبير تروتسكي :”ثورة دائمة”، من ثورة شباط، وبين ثورة عليها.
رابعاً،في الثورات والانتفاضات والحراكات وحتى في الانقلابات العسكرية ينقسم المجتمع بين فئات ثلاثة: 1- مؤيد، 2- معارض، 3- متردد. في سوريا ما بعد درعا 18 آذار 2011 كانت هذه التقسيمات الثلاث متساوية في أثلاث ثلاثة. زادت فئة المؤيدين بين المترددين بعد وضوح الطابع الاسلامي لقيادة المعارضة السورية خريف 2011 ثم انتقل قسم كبير من المترددين نحو فئة المؤيدين في فترة ما بعد 2016 عندما وضحت هزيمة المعارضة المسلحة السورية، كما انتقل قسم كبير من المعارضين من الخط المتشدد الذي كان ينادي بخط: “اسقاط النظام” إلى خط تسووي معارض يقبل بالقرار 2254 الذي صدر بتوافق أميركي- روسي في 18كانون الأول\ديسمبر 2015، وبعض المعارضين أصبح أقرب للعدمية السياسية، أو لمعارض فيسبوكي يجلس بالخارج ولايعرف شيئاً عن الداخل ويمارس التهويم الرغبوي السياسي الذي لا يبنى على الوقائع على الأرض.
خامساً، وفق هذا التقسيم الثلاثي، كانت السويداء بغالبية جسمها الاجتماعي بفترة 2011-2023 ضمن فئة المترددين، ويبدو أنها انتقلت نحو المعارضة ليس بمعناها المطلبي الاقتصادي- الاجتماعي بل بمعناها السياسي في عام 2023، ولكنها خلال أسابيع ثلاثة من حراكها ستبقى وحيدة على مايبدو،لأن مواقع التأييد للسلطة وفق كل المؤشرات لن تغير موقعها نحو السقف السياسي بل ستبقى ضمن القضايا المطلبية الاقتصادية- الاجتماعية في ظل الأزمة الاقتصادية الكبرى الراهنة التي بدأت في خريف 2019 ولكن من خلال مناشدات للجهات الرسمية ومن دون أن يتجه ذلك نحو أي حراك ، بينما أثبتت حوران بأن المناطق التي تهزم وتفشل في حراكها الاجتماعي المعارض تفضل السكون.
بالمجمل، أثبت حراك السويداء وأعطى صورة عن جسم اجتماعي سوري مختلف عن درعا 2011 حيث هناك تلاشي لفئة المترددين وأن هناك جسماً موالياً هو الأقوى أو الأكثر من الناحية الاجتماعية في الأماكن التي هي جغرافياً تحت سيطرة السلطة السورية ، فيما الوضع مختلف عن ذلك في منطقتي الشمال الشرقي السوري والشمال الغربي السوري. أيضاً، أظهرت (السويداء) أن الكثير من المعارضين ،وخاصة الذين يعيشون في الخارج ولا تربطهم صلات بمنظمات معارضة بالداخل، هم على بعدد قصي من الواقع السوري. حتى الآن، لا يعرف ولايمكن التنبؤ إن كان حراك محافظة السويداء سيقود إلى تسوية مع السلطة السورية أم إلى أمر آخر.
حول حراك محافظة السويداء
يوسف الطويل
لم يكن الحراك الشعبي في محافظة السويداء مفاجئاً، بل النتيجة الطبيعية للسياسات المتبعة في إدارة الوضع الإقتصادي والسياسي ، وهو رد فعل أمام استمرار نهج الفساد والإستبداد ، ومحاولة إعادة إنتاج عهد الإستبداد ، واستكمالا للحراك الشعبي في عام 2011 ، مع التعلم من ثغراته وأخطائه.
حين يفقد الإنسان الماء ومستلزمات الحياة ، ويعيش مقهورا أمام الإستفزاز الطبقي لمافيات مدعومة سلطويا ، ومحاباة السلطة للتجار والمستوردين ووكلاء الاحتكارات، إضافة للبيروقراطيين والطفيليين وتجار الأزمات ، وعدم رفع الأجور لربطها بالأسعار ، وإطلاق يد السوق والإحتكام لها في رسم السياسات، ضمن سياسة ممنهجة من نتائجها : تعزيز الفوارق الطبقية التي تزداد كلما توسع الإفقار الشنيع وتدمير منجزات الشعب السوري ، وأمام استمرار نهجي الاستبداد والفساد ، من خلال استمرار نهج التعاطي السلطوي مع الاحتجاجات الشعبية ، وتأليب الرأي المحلي والشعبي ضده ، والتهميش السياسي لفئات واسعة عن المشاركة في صنع القرار او تقديم الإستشارة ، واستمرار تغول الأجهزة الأمنية بقرار سلطوي وحمايتها لعصابات الخطف والفدية والسرقة وتجار المخدرات ، وملاحقتها لأصحاب الرأي والضمير ، وحصار القوى المعارضة الوطنية والشعبية من خلال الملاحقة والإعتقال ، فمن الطبيعي أن ينزل السوري إلى الشارع ويطالب بحقوقه المسلوبة ، بعد إن قدم الغالي والنفيس في تفجر أزمة 2011 ، وحصل ذلك الإنقسام الوطني ، بين معارضة وموالاة وتردد.
إن تشجيع التجار الكبار ، والمضاربين بسعر صرف الليرة ، وتعزيز السياسات الإقتصادية اليمينية من قبل السلطة ، بحماية تامة من أي تفجر جديد للقوى الشعبية ، يضع السلطة في موقع معزول في النهاية من قبل الغالبية المفقرة ، وسيؤدي إلى تفجرات جديدة ، وفقدان الإستقرار السياسي والإجتماعي ، إن لم تؤدي – بسبب تطور الوعي الإجتماعي للفئات الشعبية وقواها السياسية والمهنية ، وما يلازمها من تطور في النضالات الشعبية ، وتوسع دائرة الكتلة الإجتماعية المعارضة ، وتوسع التحالفات السياسية لها ، إلى حدوث تغييرا ما ، وانفراجا سياسيا معينا.
يلفت النظر وجود برنامج وطني جامع للحراك الشعبي الذي انطلق من محافظة السويداء ، يحدد المطالب والرؤية السياسية الضرورية لهذه المرحلة ، مبنية على تنفيذ القرار الدولي 2254 في البداية ، كوسيلة للإنتقال الآمن للسلطة السياسية ، وعدم وجود مطالب فئوية .إضافة إلى عدم اقتصاره على القضايا المطلبية الاقتصادية- الاجتماعية ووصوله إلى سقف أن الحل يبدأ بالحل السياسي لكافة القضايا.
عندما اشتهت السفن”.. تجدد الآمال عبر النضال في رحلة من الجزيرة السورية إلى السويد
الجزيرة نت – خاص – 27/6/2023
رواية “عندما اشتهت السفن” تناقش مختلف أوجه المعاناة التي قاساها السوريون خلال الحرب داخل حدود وطنهم وخارجه (الجزيرة)
يخطو الكاتب السوري الشاب نادر عازر أولى خطوات مشواره الأدبي بروايته البكر “عندما اشتهت السفن” الصادرة حديثا عن دار موزاييك للدراسات والنشر، ويقدّم عازر في روايته -الممتدة على 315 صفحة من القطع المتوسط- حفرا سرديا مطولا في تاريخ النضال السياسي لعائلة مسيحية سورية عبر تتبع حياة الحفيدة “سما” في رحلة لجوئها من سوريا إلى السويد.
ومن نقطة متقدمة زمنيا في عمر الأزمة السورية (السنة الرابعة) تبدأ أحداث الرواية في مدينة الحسكة التي يعاني أهلها من مختلف ضروب الألم والشقاء بسبب الحرب، ووابل الأحداث المأساوية المتعاقبة عليهم كلعنة لا تعرف لأثرها نهاية.
ومع اتخاذ “سما” قرارا بالمضي قدما في رحلة لجوء مليئة بالمخاطر، نجد السرد وقد انفتح على شخوص وأمكنة جديدة مكّنتْ الروائي من حمل القارئ إلى مساحات بِكْر مليئة بالإضاءات الحاذقة لقضايا سياسية واجتماعية معاصرة، وأخرى تاريخية متصلة بسوريا وحياة العائلة المسيحية.
الحسكة التي شبعت من الموت والهجرة
تفرش الحرب ظلالها على الفضاء الروائي منذ السطور الأولى؛ حيث لم يعد سماع صوت “إطلاق الرصاص” أو سماع خبر عن “خطف الناس” في مدينة الحسكة سوى “أمور روتينية تشبه هبوب موجات الغبار”.
وفي صباح كابوسي من صباحات الحروب تستيقظ سما على صوت مدوّ لرصاصة أطلقت من مسافة قريبة، تقفز الفتاة العشرينية إلى الشباك وإذا بوالد صديقتها “نور” يصرخ ناعيا ابنته التي انتحرت.
ومع هذا الانتحار المفاجئ لنور تكون سما قد خسرت آخر المقربين إليها في البلاد، بعد خسارتها والدتها أنطوانيت الكاتبة الصحفية والمناضلة اليسارية التي انتهت بها الحال إلى الاعتقال ثم أصابها مرض أودى بحياتها. وجدتها، التي كانت تكره السياسة وتنقم على تاريخ العائلة السياسي وتمنع سما من الاطلاع على مدوّنات والدتها وجدها، ماتت هي أيضا متأثرة بجراح خلفتها شظايا من انفجار، وأخيرا جدها الذي توفي تاركا لها شتلات من الزهور، وعددا من الكتب، ورسالة ستغيّر حياتها.
ينقلنا الراوي ببراعة بين الأحداث اليومية لسما التي تحضّر نفسها للتوجه إلى دمشق رغم الواقع الميداني المعقد في البلاد، وبين فضاء مدينة الحسكة التي تحول السرد عندها إلى كاميرا تلتقط جميع التفاصيل المميزة للمدينة بأبنيتها الحديثة وأحواشها التقليدية، وبأسطحها المليئة بصواني البندورة المجففة والحبوب بأصنافها، والسجاد المنشور على الجدران مشكلا لوحات من الرقع الهندسية.
ورغم ذلك الجمال الأصيل للمدينة فإنها تبدو في عيون الراوي “مريضة ويائسة، تنتظر من ينقذها أو يدفنها”، أما الناس فقد تأقلموا مع الحرب “كما كانوا متأقلمين في الماضي مع واقع الهجرة المستمرة لأبناء المدينة إلى دول الخليج”، طلبا للرزق والحياة الكريمة.
ومع تقدم السرد تغدو الحسكة وسما وجهين لألم واحد ولمعاناة واحدة، فالمدينة خسرت مكانتها كبيت كبير وآمن لأهلها، وخسرت سكانها موتا وهجرة وتحولا في نفوسهم جعلهم يفقدون رغبتهم في الحياة، بينما لم يبقَ لسما أحد من أهلها وأصدقائها، وكالحسكة خسرتْ الفتاة بريقها وجمالها الأخاذ بفعل الحرب وويلاتها.
متابعة الطريق
ورغم المخاطر المحدقة بها تابعت سما رحلتها من دمشق إلى السويد، وفي الأثناء اتخذت قرارا بمتابعة رحلة أخرى ولكن من نوع مختلف.
كان جد سما مفكرا يساريا وصاحب تاريخ نضالي كلّفه سنوات من عمره أمضاها في السجون السورية، كتبَ الجد مجموعة من الكتب في الفكر السياسي والاجتماعي التي دوّن أسماءها إلى جانب عدد من الكتب الأخرى في رسالته (وصيته) إلى سما، مشيرا إليها بقراءتها لتختار ما إذا كانت ستكمل طريق النضال العائلي.
وبعد وصولها إلى السويد، وقراءتها للكتب المشار إليها، قررت سما أن تحذو حذو جدها ووالدتها في مقارعة الاستبداد والدفاع عن حقوق الناس، فدرست الصحافة وبدأت نشاطها السياسي مع أحد الأحزاب اليسارية في السويد إلى جانب دعمها لقضايا بلدها الأم سوريا عبر المنظمات الإنسانية الفاعلة.
ومن خلال ما تواجهه سما في رحلتيها (رحلة النجاة الفردية، ورحلة العمل السياسي) نتعرّف إلى تاريخ عائلتها النضالي، وهي عائلة مسيحية يسارية لم تكف منذ منتصف القرن الماضي عن تقديم التضحيات من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية في بلد ينهشه الفساد والاستبداد.
وعن إثارته لقضية معارضة الأقليات للنظام الحاكم في سوريا، يقول نادر عازر للجزيرة نت “إن موضوع الأقليات إشكالي وخاصة في دولنا العربية الخالية من الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، والتي كانت وما تزال مؤسساتها وكرا للفساد منذ عشرات السنين”.
ويضيف عازر “ولطالما كان هذا الموضوع مُحرّما، وكأنه فتنة لعن الله من أيقظها، وهذا يدل على أن الاختلافات وصراع المصالح والحقوق الاجتماعية في بلداننا لم يتم حلّها ضمن إطار الديمقراطية والقانون واحترام الإنسان، وإنما تم وضعها في صندوق أقفل عليه ومنع فتحه. وهذا الكبت بشكل عام كان أحد الأسباب لانفجار الأوضاع في بلداننا، إلى جانب أسباب كثيرة أخرى بالطبع يطول الحديث عنها”.
واختتم الكاتب إجابته قائلا “إن إثارة موضوع معارضة الأقليات في روايتي هو للتأكيد على أن مختلف المكونات في بلداننا ليست متجانسة ولا متساوية تماما كأسنان المشط، وإنما كل له مصالحه وآراؤه وأفكاره، وهذا أمر طبيعي وحق للجميع. وأردت تسليط الضوء أيضا على ما ترغب الأنظمة الشمولية بالتعتيم عليه وترسيخه من أفكار مشوهة، مثلما فعل النازيون بمفاهيمهم حول صفاء الأعراق وتسيّدها”.
اليسار المفلس و”الخط الثالث”
ومع انخراط سما في العمل السياسي في صفوف أحد الأحزاب اليسارية الثورية في السويد، ومواظبتها على حضور الاجتماعات، اكتشفت الفتاة المتحمسة، المشحونة بأفكار جدها ووالدتها، أن قيادات الحزب لا تفكّر إلا بالمسائل التكتيكية التي تؤمّن للحزب انتصارات متواضعة في هذه المقاطعة أو تلك دون اتباع خطط إستراتيجية تحقق اختراقا حقيقيا للنظم المستغلّة.
ووجدت سما أن اليسار في أوروبا بات يقتصر نشاطه على قضايا كالدفاع عن حقوق مجتمع المثليين، والحفاظ على البيئة، والانحياز لصالح النباتيين ومعاداة آكلي اللحوم، ولم يعد نشاطا ثوريا يسعى إلى الإطاحة بالنظام الرأسمالي وإحلال نظام آخر أكثر “عدالة وشيوعية”.
وفي هذه الحلقة من السرد تغدو شخصية سما، بأقوالها وأفعالها، إدانة للحركات والأحزاب اليسارية الأوروبية التي لم تتمكن من إعادة إنتاج نفسها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإنما دخلت “مرحلة ضياع وجمود فكري أقرب إلى الموت السريري”، على حد وصف عازر في حديثه للجزيرة نت.
لذلك قررت سما أن تمضي بمشروعها السياسي الخاص، والذي حمل عنوان “الخط الثالث”، راجية أن يكون تتمة لمشروع جدها ووالدتها، وأن يعكس رؤيتها لإعادة الدور “الفعلي” لليسار في الدفاع عن حقوق المستضعفين والمستغَلين.
التوثيق سردا
وإلى جانب الوظيفتين الجمالية والدلالية، يضطلع السرد في رواية “عندما اشتهت السفن” بوظيفة توثيقية تسعى للإحاطة بمختلف أوجه المعاناة التي قاساها السوريون خلال الحرب داخل حدود وطنهم وخارجه.
فعمد الكاتب إلى جعل كل شخصية فاعلة في السرد بمثابة مَطل على فصل من فصول الحرب السورية، وما أفرزته من آلام إنسانية مُركبة ملأت صحف وشاشات العالم بأسره.
فنقرأ عن الغرقى من اللاجئين في “رحلات الموت”، وعن الخطف الذي طالهم في الصحاري الأفريقية مقابل الفدية، وتنامي خطاب العنصرية ضدهم في أوروبا مع صعود اليمين في عدد من بلدان اللجوء، وعن معاناتهم اليومية في التأقلم مع المجتمعات الجديدة بعد اقتلاعهم من جذورهم، وغيرها من أوجه معاناتهم التي ما تزال مستمرة منذ 12 عاما.
وعن علاقة السرد بالتوثيق يقول عازر “إن الأعمال الأدبية جزء مهم من تأريخ المراحل والغوص فيها بطريقة سردية سلسة يتقبلها القارئ في كل زمان ومكان، وهي مُكمّلة لكتب التاريخ والتوثيق الحديث بكافة أشكاله. فعلى الكاتب أن يكون كالنسر الذي يرى المشهد بأكمله من علو، وأيضا كدودة الأرض التي تلامس أدق التفاصيل”.
ويضيف “حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن الرومانسية وتمجيد الأشياء، مقابل التقرّب من الموضوعية، فلا شخصية كاملة ولا مجتمع كامل ولا بلد كامل لا في الغرب ولا الشرق. كلٌّ له إيجابياته وسلبياته. ويبقى التفسير والحكم على هذه الأعمال الأدبية للأجيال المعاصرة والمقبلة”.
وبالرغم من إيمان الكاتب بأن “ما تحميه الأنظمة الاستبدادية هو نفسها ومصالحها فقط، ولا يهمها أي شيء آخر، لا أقلية ولا أكثرية، ولا حتى وطن”، فإنه اختار لروايته نهاية ملؤها الإرادة والتصميم على إحداث التغيير رغم ما طال شخوصه من انكسارات مع انغلاق آخر حلقات السرد.
تحديات التنمية وضرورات التغيير
الثقافة السائدة في مجتمع تعبر عن اتجاهات سير المجتمع ، وهي تتشكل على اساس جمعي وفي مصلحة جمعية ، واذا اختلفت الثقافة في واقعنا ، بين البعض الذين مزجوا بين تطور الانتاج وقواه العاملة ، مما يعطي دافعية لتطور المجتمع ككل ، وترسيخ المؤسسات العامة والمدنية في المراقبة الشعبية ، وممارسة الديمقراطية ، وبين البعض الآخر الذي لا يربط بين مفهوم تطور قوى الانتاج والبناء الفوقي كله ، فيفصل ثقافة على مقاسه تؤدي دورها في التنمية من جهة وتضع حدودا لهذا التطور.
لم يكن النهج المتبع في بلادنا نهجا تقدميا بشكل متكامل ، بل كان بين وضع حد لتأثير تطور قوى الانتاج في البناء الفوقي ، بحيث لا تتجاوز حدود تثبيت النظام القائم ، وحماية البيروقراطية ورموزها في العملية الاقتصادية من اية مساءلة او رقابة ، وبين دفع التطور المجتمعي وفق حدود معينة.
في الوقت الراهن : يجب تفكيك العقلية الاقصائية والاحادية ، لما تمثله من قوة رجعية منغلقة وغير متفتحة ، وتعرقل نمو العلاقات الراسمالية الحديثة ، فهما لا يريدان تغييرا في شكل النظام السياسي ، ويمارسان جهودا كبيرة لعرقلة نمو المجتمع المدني ، ويريدان ديمقراطية على مقاس البيروقراطية والطفيلية الاحتكاريين في العمليتين الاقتصادية والسياسية.
ان دفع قوى الانتاج لآفاق ارحب ، هي مهمة وطنية وثقافية تنويرية ضرورية ، أمام مهام اعادة الاعمار ، وبناء مجتمع متكامل وموحد ،واعادة تشكيل الرابطة الوطنية وفق معايير وقواعد حديثة ، تحد من تأثير القوى ما قبل المدنية في تحديد اتجاهات التطور المقبل ، وفي ممارسة دورها الظلامي في السلطة وسياساتها.
حطم الدمار الهائل يستوجب اعادة النظر بعلاقات الانتاج القائمة ، وفك القيود عن قوى الانتاج ، ودعم مسيرة تحديث البنية الاجتماعية السورية ، وتطويرها بما يخدم اعادة المجتمع لذاته ، وتقليص حالات الاغتراب والعدمية ، والسماح لقوى اجتماعية وطنية بممارسة حقوقها الانسانية الاساسية ، في اعادة تشكيل السلطة والمشاركة في اللعبة الديمقراطية.
عندما يقف السوريون وظهورهم إلى الحائط
كلا، ليس لدى النظام ولا المعارضة ما يقدموه للسوريين، غير العجز و الفساد ، و تخوين المخالف و تجريم كل من ينتقدهم، حتى أنهم توقفوا عن إطلاق الوعود للسوريين بأية تحسينات في ظروف حياتهم ، بل إنهم قد توقفوا عن مخاطبة السوريين منذ وقت طويل و اكتفوا بمخاطبة أصحاب القوة و النفوذ في المنطقة و العالم مستخدمين السوريين و لقمة عيشهم كرهينة في صراعهم الفوقي على السلطة … شاهدنا بأم أعيننا كيف تم تجريد شعوب بأسرها من كل قوة و قدرة على الفعل ، كيف تم تقسيم الجماهير و استلاب إرادتها و تأليبها على بعضها ، كل ذلك في سبيل السلطة … لا شك أن الطريق شاق و طويل ، و أن الخلاص الفردي هو شعار المرحلة الذي دفعت به كل القوى المتحكمة بوعي و مصائر السوريين لتستبيح حياتهم و مصائرهم و مستقبلهم و تسلبهم أية قدرة على الفعل و الاحتجاج … و إذا كان دعم الاحتجاجات بالنسبة للبعض هو موقف سياسوي يومي تستدعيه المصالح الآنية و قصيرة الأمد ، هذه القوى التي لم توفر أي سلاح في جعبتها دون أن تقيم أي اعتبار لآلام السوريين و تضحياتهم و التي راهنت على تطييف الوضع و الصراع و قبلت و صفقت و صمتت عن هذا لا تملك اليوم ما تقوله للسوريين و لا حتى وعودًا فارغة ليست مهتمة أساسًا بأن تبذلها … ليست الاحتجاجات اليوم إلا درسًا صغيرًا ضروريًا في فهم السوريين لواقعهم و تغييره ، السوريون اليوم يقفون و ظهرهم إلى الحائط لكنهم ليسوا وحدهم فالجميع مأزوم اليوم و ينتظر الفرج على يد القوى التي يعول عليها … أما بالنسبة للسوريين فلا يوجد من يعولوا عليه اليوم كما في الماضي و في الغد ، سوى أنفسهم.
لقد طال انتظار إجراء مراجعة جادة لدور الأمم المتحدة في الوساطة في الصراع في سوريا
هاشميك إيجيان ومعين رباني
(كانا يعملان في الأمم المتحدة بمكتب المبعوث الدولي إلى سوريا)
8 أيلول 2023
تحاول الأمم المتحدة التوسط لإنهاء الحرب في سوريا من خلال مبعوثين خاصين مختلفين منذ عام 2012 دون جدوى. والآن، كما يقول المؤلفون، ينبغي أن تبدأ مناقشة منسقة حول دور الأمم المتحدة في البلاد. وقد يعني ذلك إسقاط منصب المبعوث الخاص لإجبار مجلس الأمن على “تحمل مسؤولياته” تجاه سوريا وشعبها بجدية أكبر. حلب، أعلاه، 2017. صوت أمريكا/المشاعات الإبداعية
في عام 2014، بدا أن الصراع السوري يخرج عن نطاق السيطرة. ومع وصولها إلى مستويات جديدة من الرعب والمعاناة التي تسببت في الموت والتشريد والدمار على نطاق واسع داخل سوريا، فقد تطورت أيضًا إلى حرب إقليمية كاملة بالوكالة. ومع إعلان تنظيم الدولة الإسلامية قيام خلافة تشمل مناطق واسعة في كل من سوريا والعراق، فإنه يشكل الآن بالإضافة إلى ذلك تهديدا لأمن واستقرار المنطقة بأكملها وخارجها.
في يوليو/تموز من ذلك العام، نظم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان جلسة عصف ذهني في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك. وقد تمت دعوة العلماء والدبلوماسيين والمتخصصين المجتمعين من الشرق الأوسط ومناطق أخرى لمناقشة جهود الأمم المتحدة في سوريا بعد استقالة مبعوثها الأخضر الإبراهيمي في شهر مايو من ذلك العام.
ورداً على الاستفسارات المتعلقة بهوية خليفة الإبراهيمي، لاحظ فيلتمان أن السؤال الأكثر أهمية يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في سوريا. وخلص أحد المشاركين إلى أنه في ظل الظروف السائدة، لا يمكن للمنظمة العالمية إلا أن تلعب “كرة صغيرة”، مع التركيز إلى حد كبير على جهود الإغاثة الإنسانية. ولم يتم الطعن في التقييم من قبل الحاضرين الآخرين. وبعد عدة أيام، عين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ستافان دي ميستورا مبعوثاً خاصاً جديداً له إلى سوريا.
بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على قيام الأمم المتحدة بآخر جهودها الجوهرية للتوسط في حل للصراع السوري، لا تزال المنظمة العالمية على الهامش، بل إنها في أفضل الأحوال منخرطة في مبادرات الآخرين. ولذلك، فقد طال انتظار إعادة تقييم جوهرية لدورها في الوساطة في الصراع السوري.
وفي حين أن خيارات الأمين العام مقيدة بشكل لا يمكن إنكاره بسبب الحاجة إلى موافقة أعضاء مجلس الأمن، وخاصة الأعضاء الخمسة الدائمين (الأعضاء الخمسة الدائمين)، لاختيار المبعوث، فإن الأمم المتحدة تفشل في استخدام السلطات التي تمتلكها: صياغة واضحة أهداف محددة وقابلة للتحقيق؛ وتسمية مبعوثين مناسبين حقاً لهذا الدور بدلاً من أولئك الذين يمثلون القاسم المشترك الأدنى بين أعضاء المجلس القياديين لأنهم لن يتحدىوا الأجندات المتضاربة؛ واستدعاء أو إنهاء مهمة المبعوثين الذين يركزون على العمليات المفتوحة بدلاً من النتائج. وهذا من شأنه أيضاً أن يولد الضغوط اللازمة على مجلس الأمن لتقديم دعم أكبر لجهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة.
استقالة عنان بعد انهيار المبادرة الدبلوماسية
بدأت مشاركة الأمم المتحدة في الجهود المبذولة لحل النزاع السوري في عام 2012، عندما عينت مع جامعة الدول العربية الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبعوثًا خاصًا مشتركًا لسوريا. وسرعان ما تفاوض عنان على وقف إطلاق النار، وسعى إلى تعزيزه من خلال نشر بعثة مراقبة، وهي بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سوريا (UNSMIS)، ثم قام بتشكيل مجموعة عمل من أجل سوريا في جنيف، والتي ضمت وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية (بريطانيا). والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) وعدد من الدول الإقليمية بالإضافة إلى كبار ممثلي الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.
وقد أنتجت خطة سلام من ست نقاط عرفت باسم بيان جنيف. ووسط الانهيار السريع لوقف إطلاق النار وتعليق أنشطة بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سوريا، فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في المصادقة على البيان بسبب الخلاف الأمريكي الروسي حول “هيئة الحكم الانتقالي” للخطة، وتحديداً دور الرئيس السوري بشار الأسد. فى خلال ذلك. وبسبب الإحباط بسبب عدم وجود دعم دولي لجهوده، استقال عنان احتجاجا على ذلك بعد أقل من ستة أشهر من توليه منصبه.
الإبراهيمي يعقد مفاوضات بقيادة الأمم المتحدة
أما خليفته، المسؤول الكبير في الأمم المتحدة والدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي، فقد اتخذ نهجا مختلفا. وبفضل الإجماع الظاهري داخل مجلس الأمن، الذي تبنى في سبتمبر/أيلول 2013 القرار رقم 2118 ، الذي أقر بيان جنيف ودعوته إلى عملية سياسية بقيادة سورية، أعطى الأولوية للمفاوضات بين الأطراف السورية. وفي أواخر عام 2013، نجح الإبراهيمي في عقد أول مفاوضات بقيادة الأمم المتحدة بين الحكومة السورية والمعارضة في مونترو وجنيف. وهذا الإنجاز، على الرغم من جهوده، تعثر بسبب تعنت الأطراف السورية وحلفائها الأجانب، وفي أيار/مايو 2014، أطلق عليه اسم يومه. وسوف تمثل جهود الإبراهيمي أيضاً آخر محاولة جادة للأمم المتحدة للتوسط في حل شامل للأزمة السورية.
حيل فاشلة وألعاب دبلوماسية “بالكرة الصغيرة”.
لقد لعب خلفاء الإبراهيمي، دي ميستورا، ومنذ عام 2018، جير بيدرسن، “كرة صغيرة” بشكل مبالغ فيه. فبينما كانت سوريا تحترق، أهدر دي ميستورا أكثر من أربع سنوات، وهي كامل فترة ولايته، في الترويج لسلسلة من الحيل الفاشلة. وتضمنت هذه التدابير “تجميداً” مؤقتاً للأعمال العدائية في أحد أحياء مدينة واحدة، وهو ما لم يتحقق ولم يكن له أي تأثير على درجة حرارة النزاع؛ و”اختبار التحمل” في منتصف عام 2015 والذي يتألف من “216 مشاورة” لم يحقق هدفه المعلن المتمثل في تضييق الفجوة بين الأطراف السورية ولم ينتج رؤى جديدة حول كيفية حل الصراع؛ والمناقشات حول “أربع سلال” من القضايا – على الرغم من احتجاجات دي ميستورا على “أجندة واضحة” لتنفيذ توجيهات مجلس الأمن – كانت متسربة للغاية بحيث لم تتمكن من إنتاج مفاوضات ذات معنى حول أي جانب من جوانب الأزمة.
وبدلاً من قيادة الجهود الدولية، تحول دي ميستورا إلى مقايضة شرعية الأمم المتحدة مقابل الحصول على مقعد على طاولة مبادرات مثل المجموعة الدولية لدعم سوريا التي شكلتها واشنطن وموسكو ومؤتمرات الحوار الوطني السوري التي ترعاها روسيا في سوتشي وأستانا. .
من جانبه، كرّس بيدرسن السنوات الخمس الماضية لجهد عقيم لإنتاج دستور سوري جديد، أو بشكل أكثر دقة، لإقناع الأطراف السورية بحضور اجتماعات للاتفاق على أجندة للمفاوضات حول المسائل الدستورية. وإنصافًا لبيدرسن، كلف قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015 الأمم المتحدة بالعمل مع السوريين لوضع “جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد” في غضون ستة أشهر. ويمكنه على الأقل أن ينسب إليه الفضل في إطلاق عملية فشل دي ميستورا في إطلاقها خلال السنوات الثلاث الأخيرة من ولايته خلال عام واحد.
فوق وتحت بيدرسن، فإن مزيج من الجمود والتواضع والافتقار إلى الشجاعة يمنع التفكير الجديد وصياغة أفكار جديدة يمكن أن تعطي مهمته هدفًا متجددًا. على سبيل المثال، كان نهج “خطوة بخطوة” الذي تم الكشف عنه في عام 2022، والذي يتألف من تقديم حوافز غربية غير موجودة للحكومة السورية، مقابل تنازلات إنسانية من دمشق لن تتحقق، قد ولد ميتاً كما كان متوقعاً.
ومجلس الأمن المستقطب يعيق التوصل إلى حل للأزمة
وقد أثبت مجلس الأمن عدم فعاليته على نحو مماثل. وبسبب الانقسام والاستقطاب، لم يعد أعضاؤه، وخاصة الدول الخمس الدائمة العضوية، قادرين على التوصل إلى توافق في الآراء بشأن حل الأزمة السورية على النحو الذي يعزز السلام والأمن الدوليين. وبدلا من ذلك، أصبح المجلس منتدى للاستعراض العادل والاتهامات المتبادلة بشأن تدمير سوريا ومعاناة شعبها.
ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا لم ينشأ من قبل مجلس الأمن، وبما أن ولاية الإبراهيمي لم تعد مشروعاً مشتركاً بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. وهذا يمنح الأمين العام للأمم المتحدة السلطة المطلقة على المكتب. كما يتطلب منه ومن إدارته للشؤون السياسية وبناء السلام، التي تشرف بشكل مباشر على عمليات المكتب، أن يقدموا له التوجيه والتوجيه المناسبين. ومع ذلك، هناك القليل من الأدلة الثمينة على حدوث ذلك.
لقد مر ما يقرب من عقد من الزمان منذ استقالة الإبراهيمي وجمع فيلتمان مجموعة من المهنيين الجادين في مقر الأمم المتحدة لمناقشة ومناقشة دور الأمم المتحدة في سوريا. وبعد ما يقرب من 10 سنوات، أصبحت سوريا والشرق الأوسط، بل والعالم، في مكان مختلف تمامًا. ومن الواضح أن إجراء عملية تقييم مماثلة قد طال انتظاره. ولا أحد يستطيع أن يخمن السبب وراء عدم قيام خليفة فيلتمان بتنظيم مثل هذا الاجتماع لطرح ومناقشة الأسئلة الصعبة، وخاصة في ضوء هذه التحولات.
قيادة الأمم المتحدة الراضية وافتقارها إلى الشجاعة بشأن سوريا
على سبيل المثال، قد تتوصل أي مناقشة جادة لدور الأمم المتحدة في سوريا إلى أن إلغاء منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا من شأنه أن يزيل وهم مشاركة الأمم المتحدة رفيعة المستوى في الأزمة السورية، وبذلك يولد ضغطًا تشتد الحاجة إليه على الأمم المتحدة. ودعا مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته تجاه سوريا وشعبها بجدية أكبر. يمكن للأمين العام أن يبلغ أعضاءه بأنه لا يرى أي دور بناء للأمانة العامة للأمم المتحدة في سياق مجلس منقسم وغير راغب وغير قادر على تمكين عمل مبعوثه إلى سوريا، ولن يفكر في تعيين واحد إلا إذا تلقى أدلة ذات معنى على الدعم من مجلس موحد.
وبدلاً من ذلك، قد تُنصح الأمانة العامة للأمم المتحدة باستكشاف دور مختلف وأكثر فعالية لمبعوث أعاقته النزاعات الإقليمية والدولية حول مستقبل سوريا. والأمر الأقل إثارة للتأمل هو اليقين بأن القيادة الراضية التي تفتقر إلى الشجاعة والمبادرة بنفس القدر لا تقدم إجابات على مثل هذه الأسئلة الملحة على الإطلاق.
هل أخفقت الماركسية في فضح مساوئ النيوليبرالية أيديولوجياً؟
علي عطا
إندبندنت – عربية – ٥ أيلول ٢٠٢٣
ينطلق الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني يان ريمان Jan Rehmann في كتابه “نظريات الأيديولوجيا: قوى الاغتراب والإخضاع” Theories of Ideology The Powers of Alienation and Subjection من المعالجات الماركسية للأيديولوجيا باعتبارها مفهوماً وظاهرة، ابتداءً من ماركس وإنغلز، وعبر الماركسيين اللاحقين. ويركز على تطورات المفهوم لدى الاتحاد الدولي الاشتراكي الثاني، ولدى الماركسيين الروس بمختلف توجهاتهم، والماركسية الغربية التي تبدأ بجورج لوكاتش ومدرسة فرانكفورت، وما تلاها من اتجاهات نقدية لدى غرامشي وألتوسير ومدرسته. ثم يتتبع المفهوم ذاته لدى الاتجاهات التي لا تصنف عادة على أنها ماركسية ولكن تقاطعت دراساتها مع دلالات المفهوم، مثل اتجاهات فوكو وبورديو، وتيار ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة. والكتاب دراسة تاريخية ونظرية في الوقت نفسه. فهو يتتبع تاريخ مفهوم الأيديولوجيا والتحولات التي جرت على استخداماته عبر قرن ونيف من الزمان، وهو كذلك دراسة نقدية مقارنة لفهم التيارات السابقة للأيديولوجيا؛ إذ يحلل هذا الفهم بدقة نظرية وضبط تصوري بارع، بحسب مترجم الكتاب إلى العربية أستاذ الفلسفة في كلية الآداب، جامعة الإسكندرية أشرف حسن منصور. والنسخة الإنجليزية من الكتاب صدرت عام 2013، بينما صدرت الترجمة العربية حديثاً عن المركز القومي المصري للترجمة.
يعدّ يان ريمان (1953)، من مجددي الفكر الماركسي المعاصرين؛ فهو عمل على إحيائه وتوظيفه في دراسة الأوضاع الحالية، مثل صعود الليبرالية الجديدة وما صاحبها من حركات اجتماعية معارضة في الغرب، عموماً والولايات المتحدة الأميركية بخاصة. وينتمي ريمان لمدرسة فكرية ألمانية ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، أطلقت على نفسها اسم “مشروع نظرية الأيديولوجيا”، وهي تخرج عن معالجة الظاهرة الأيديولوجية باعتبارها مجرد ظاهرة فكرية في الوعي، وتدرسها باعتبارها ممارسات وسلوكاً وأفعالاً ومؤسسات. وهو ما قدمته المدرسة نفسها على أنه عودة إلى معالجة ماركس وإنغلز الأصلية للأيديولوجيا.
ريمان هو واحد من مجموعة الباحثين الذين يعملون في “المعجم التاريخي النقدي للماركسية”. وهو مهتم كذلك بالجانب التطبيقي لمفهوم الأيديولوجيا؛ إذ يقدم تحليلاً نقدياً لفكر أحد أبرز آباء الليبرالية الجديدة وهو فريدريك هايك، مستعيناً بفهمه الخاص للأيديولوجيا في تحليل فكر هايك باعتباره أيديولوجياً بالدرجة الأولى وبطريقة لا تظهر مباشرة من الاطلاع السريع على كتاباته.
يحلل ريمان – بحسب ما ورد في مقدمة المترجم – ظاهرة الليبرالية الجديدة باعتبارها ظاهرة أيديولوجية، ليست فكرية وحسب بل مادية كذلك، ولا تكرس للوعي الزائف وحده، بل تعتمد في عملها على النظم والمؤسسات التي أنشأتها الرأسمالية في مرحلتها المتأخرة، وعلى نمط الإنتاج الرأسمالي الجديد العالي التقنية والمرن للغاية، والمعتمد على إخضاع الذوات الفاعلة بطريقة توهم باستقلالها وتسييرها الذاتي، في وقت خضوعها الطوعي للنسق الرأسمالي في مجالاته كافة.
السلطة والمجتمع
يتناول الكتاب ظاهرة الأيديولوجيا في كل جوانبها وعبر كل مجالات ظهورها ومستويات حضورها، سواء أكان هذا الحضور في الوعي أو في الفكر أو الواقع العيني على حد سواء. والإطار العام الذي يضم هذه الظاهرة هو علاقة السلطة بالمجتمع، سواء كانت سلطة الدولة أو الطبقة الاجتماعية أو التراث الديني. فلا تستطيع أي سلطة العمل على مَن يخضعون لها إلا داخل إطار يبرر لها شرعيتها، في أعين الخاضعين وفي أعين من يمارسون السلطة معاً. وبذلك فإن الأيديولوجيا هي الوسط الذي تعمل فيه السلطة. ولا تستطيع أي سلطة العمل إلا في ظل بعض القبول لشرعيتها وبعض الاعتراف بما تدعو إليه من مبادئ ومعايير. ولأن الاتجاه الماركسي في الأساس اتجاه بيْني، يضم في رؤيته مجمل الواقع الاجتماعي وشامل في منهجه، فقد دُرست فيه الظاهرة الأيديولوجية بتوسع وعمق لا نجدهما في أي اتجاه آخر. صاغ ماركس وإنجلز مصطلح الأيديولوجيا كما نعرفه الآن، وألحقا به كافة المعاني والدلالات التي بحثتها كل الاتجاهات الماركسية التالية.
غرامشي وألتوسير
من هنا فإنه يمكن التعاطي مع كتاب ريمان على أنه “تنظير لنظريات”، أي أنه يحاول إقامة نظرية في تاريخ وتطور المعالجات النظرية للأيديولوجيا، وهذا ما أدى إلى تركيزه الشديد وزيادة تعقيده، بحسب المترجم. كما أنه يتدرج من الصعوبة إلى السهولة، فالفصول الأولى أصعب، والتالية تزداد سهولة. أما الفصل السادس عن ألتوسير فهو معقد – يقول منصور – لكنه ليس عسيراً على الفهم، وهو عبارة عن “مبارزة فكرية”. والمؤلف متحيز لنظرية غرامشي في الهيمنة، وفي إطارها ينظر إلى الظاهرة الأيديولوجية على أنها تتأسس في الهيمنة وبمقياسها يحكم على نظريات الأيديولوجيا التي تناولها وقد تبناها ووظّفها في أعماله الأخرى، مثل دراسته عن العلاقات المعقدة والمتشابكة بين النازية والكنيسة ودراسته عن سوسيولوجيا ماكس فيبر وعن حركة “احتلوا وول ستريت”. إن النخب الرأسمالية والمالية وممثليهم السياسيين والأيديولوجيين ليسوا قادرين وحسب على الدفع بـ “إصلاحاتهم” الليبرالية الجديدة وتقديمها على أنها ضرورة موضوعية ونافعة بل وتقديم أنفسهم على أنهم حركة معارضة، حتى ولو كانت هذه المعارضة ضد تبعات سياساتهم نفسها. وقد خُطِط لهذه المعارضة بطريقة تدعم نمط الأيديولوجيا السائد. وعن طريق هذه الاستراتيجية فإن تلك النخب تنجح في تحقيق سيطرتها الطبقية باعتبارها هيمنة كاملة على المجتمع. كان مصطلح الهيمنة من المصطلحات الأساسية في نظرية غرامشي، وهو يعني أن الطبقة الحاكمة لا “تحكم” وحسب بل “تقود” أي إنها تخلق في الخاضعين لها نوعاً من الإجماع على شرعية حكمها، سواء كان هذا الإجماع سلبياً أو إيجابياً.
وترتبط مع الطبقة الحاكمة – بحسب ريمان – طائفة كبيرة من السياسيين والقانونيين والوعاظ الدينيين والفلاسفة والفنانين ومثقفين آخرين، يعملون على ترجمة الأيديولوجيا المهيمنة إلى لغة مقنعة للناس. وفي حين يتم التعتيم على طريقة عمل وأسس الحكم الطبقي بطريقة نسقية، يتم توجيه الغضب الشعبي على أشخاص النخبة الليبرالية الذين يأكلون أفخم الوجبات ويركبون أغلى السيارات! وعلى البيروقراطية والقيادات العمالية والمثقفين المنعزلين عن الشعب، وضد الفقراء الذين يوصمون عرقياً على أنهم في الأغلب سود ومن غوغاء المدن فاقدي الأخلاق. وينبغي هنا ذكر أن صياغة مصطلح نظرية الأيديولوجيا تمت في السبعينيات، للإشارة إلى إعادة بناء البحث الماركسي في الأيديولوجيا تحت تأثير لويس ألتوسير. ولاحظ ريمان ان الحاجة إلى تجديدٍ في نظرية الأيديولوجيا نتجت من عدم قدرة أي من هذه النظريات على تفسير استقرار المجتمع البرجوازي ودولته، أو على تطوير استراتيجية في التحول الديموقراطي – الاشتراكي القادر على تحقيق إجماع عام بين الناس. فالمداخل التي تبنتها نظرية الأيديولوجيا حاولت تلبية هذه الحاجة عن طريق البحث في التكوين الاجتماعي للأيديولوجيا والأنماط اللاواعية التي تعمل بها وتؤثر. وبذلك ركزت على الطابع المادي للأيديولوجيا، أي وجودها باعتبارها حزمة من الآليات والمثقفين والطقوس وأشكال الممارسة.
ماركس وإنجلز
يفحص ريمان في الفصل الأول تاريخ مصطلح الأيديولوجيا السابق على ماركس؛ أي ابتداءً من ديستوت دي تريسي، الذي صاغه باعتباره اسماً لعِلمٍ دقيق للأفكار، إلى هجوم الإمبراطور نابليون الأول على ما أسماه “الأيديولوجيين”. يركز في الفصل الثاني على الاستخدامات المختلفة للمصطلح من قبل ماركس وإنغلز والتي شكلت نقاط البداية لمدارس عديدة في نظرية الأيديولوجيا بعد ذلك. وفي مقابل التفسير الماركسي – اللينيني يوضح ريمان أن ماركس وإنغلز لم يقدما مفهوماً “محايداً” للأيديولوجيا، بل بالأحرى مفهوماً نقدياً يتوقع أن تفقد الأيديولوجيا ضرورتها الوظيفية و”تذوي” (مثلها مثل الدولة) في المجتمع الخالي من الطبقات (الشيوعي). وفي مقابل سوء فهم منتشر، يبرهن ريمان كذلك على أن تحليلات ماركس وإنجلز لم تكن مقيدة بنقد للوعي الزائف، بل كانت مهتمة في الأساس بإعادة بناء ما يكمن تحت هذا الوعي الزائف من عمليات قلب الواقع داخل العلاقات الاجتماعية للمجتمع الطبقي.
ويتناول الفصل الثالث الظاهرة التاريخية الواضحة لدى كل من الماركسية الرسمية للدولية الثانية والماركسية اللينينية للدولة الثالثة، وهي تجاهل نقد ماركس وإنغلز للأيديولوجيا وإحلال مفهوم محايد للأيديولوجية مكانه. وإلى جانب أنطونيو لابريولا كان جورج لوكاتش هو الذي كسر تهميش مفهوم ماركس وإنغلز النقدي للأيديولوجيا، وكان ذلك كما يرى ريمان، إنجازاً تاريخياً أثّر بشدة في تطور مدرسة فرانكفورت.
لوكاتش وفوكو
يفحص الفصل الرابع كيفية دمج لوكاتش نقد ماركس لصنمية السلع مع مفهوم ماكس فيبر عن “العقلنة الصورية” بحيث وسّع من مفهومه عن “الوعي المشيأ” حتى اختفت من نظريته التناقضات والصراعات الطبقية. ويختم الفصل بتقييم لنقد فولفغانغ فريتز هاوغ لإستطيقا السلع، وهو مصطلح يشير إلى تغيير المجتمع الاستهلاكي لطرق الإدراك والتفكير والوعي عن طريق السلع. ويرى ريمان أن ذلك النقد يتجاوز “الخيار المفلس” بين إنكار كامل للعقل الحديث، وتخلٍ سلبي عن نقد الأيديولوجيا كله. ويعمل الفصل الخامس على تفسير أفكار غرامشي في الهيمنة والحس المشترك والأيديولوجيا باعتبارها بديلاً واعداً لكل من الماركسية اللينينية والنظرية النقدية. وتناول الفصل السادس أجهزة الدولة الأيديولوجية والإخضاع، وفق تصور لويس ألتوسير. وترتبط بداية الفصل التالي بتفكك مدرسة ألتوسير، ثم يتعقب تطوراً متناقضاً من الماركسية إلى ما بعد الحداثة، تم فيه إحلال كلمات كثيرة محل مصطلح الأيديولوجيا، مثل المعرفة، والخطاب، والسلطة. ويتناول الفصل الثامن إسهام بورديو في تطوير نموذج ألتوسير في السيطرة.
ويتناول الفصل التاسع مشروع نظرية الأيديولوجيا والذي أسسه هاوغ من الجامعة الحرة في برلين. وركز الفصل العاشر على سبل توظيف الأدوات المنهجية التي تم تطويرها حتى تلك اللحظة في دراسة التشكيل الأيديولوجي لليبرالية الجديدة وخاصة في دراسة أحد أهم منظريها؛ فريدريك هايك الذي صعّد نظام السوق اللاشخصي إلى نوع من “الإله الخفي”، الذي توجب له الطاعة، هذا النظام الذي يمثل سلطة لا يجب على البشر معرفتها أو تغييرها أو التدخل فيها. ويتناول الفصل الأخير الوعود غير المتحققة لفوكو في مرجلته الأخيرة ولدراسات الحوكمة التي سارت على خطى فوكو. ويرى ريمان أن التمييز الذي وعد به فوكو بين آليات الهيمنة والسلوك الذاتي التحرري، لم يتم تبنيه بانتظام، وكان هذا هو السبب في أن تحليلات فوكو لآليات الحكم الليبرالية والليبرالية الجديدة فقدت روحها النقدية.
عماؤنا اليساري
د. أحمد برقاوي
أستاذ سابق للفلسفة في جامعة دمشق – من صفحته على الفيسبوك
أعرّف اليسار بأنه موقف أخلاقي ضد الاضطهاد الطبقي،والتمييز العنصري، والحقد الطائفي، والهيمنة الإمبريالية على العالم، والدفاع عن حقوق الإنسان.
وقد جاء حين من الدهر تحولنا فيها، نحن اليساريين والقوميين إلى أيديولوجيين نعادي الديمقراطية باسم العداء للإمبريالية، ونؤيد الأصولية الشيعية باسم العداء لإسرائيل، وندافع عن أنظمة حكم الشيوعية السوفيتية وما شابهها في العالم الثالث.
حين قام الخميني باستلام السلطة صفقنا للخميني،فلم نكن نرى في شاه إيران إلا الحارس الأمريكي في الخليج، والاعتراف بإسرائيل. عداؤنا لأمريكا وإسرائيل أعمانا عن رؤية خطر الخمينية على إيران والمنطقة العربية.وحين رُفع العلم الفلسطيني في قلب طهران طرنا فرحاً. ولم نكترث بتصفية حزب تودة والليبراليين الإيرانيين، بل ولم نتخذ موقفاً أخلاقياً من الحرب الإيرانية العراقية، فجميع العراقيين الشيوعيين في دمشق وقفوا إلى جانب إيران.
وأذكر حادثة ذات أهمية تبرز عماءنا اليساري الأيديولوجي آنذاك. بعد اغتيال حسين مروة برصاص حزب الله بأيام اجتمعنا في بيت الدكتور طيب تيزيني على شرف حضور الفيلسوف والشاعر الماركسي المحبوب مهدي عامل. سئل مهدي عامل كيف ستكون العلاقة بينكم وبين حزب الله وأمل بعد اغتيال حسين مروة فأجاب: لا بد من التحالف معهم، نحن في معركة صعبة مع اسرائيل.فقلت له: من قتل حسين مروة سيقتل مهدي عامل، أخاف عليك. تبسم مهدي بسمته الطفلية وأجابني: لا تخف علي. لم يمض على اغتيال حسين مروة شهور حتى تم اغتيال مهدي عامل في ١٨/أيار /١٩٨٧. ولم تمض سنوات قليلة حتى صفى حزب الله المقاومة الوطنية اللبنانية.
لقد حرم العماء الأيديولوجي مهدي عامل من أن يرى خطر حركة ميليشياوية مسلحة تغتال أحد أهم عقول اليسار اللبناني آنذاك.
وظل وعينا بالكفاح ضد إسرائيل واحتلاها لجنوب لبنان عامل غض النظر عن أصولية حزب الله وطائفيته في مجتمع طائفي ودولة طائفية. الى أن استفقنا وانهار الأساس الأيديولوجي لعمائنا، عندما تحول هذا الحزب إلى أداة إجرام بحق الشعب السوري.هذا الحزب الذي أعتقد بأن الله ليس بحاجته وليس بحاجته إلى أي حزب باسمه.
كان العماء الأيديولوجي وراء مشاركة اليسار العربي في المؤتمر القومي-الإسلامي حيث كان الأصوليون الإسلاميون الشيعة والسنة، حماس والجهاد وحزب الله يتسيدون المؤتمر بخطاباتهم. لَمْ نكن نميز بين ضرورة العداء للعنصرية الصهيونية من جهة، وضرورة العداء للأصولية بكل أنواعها، كنا نعادي الإخوان المسلمين ونصفق لحماس ولحزب الله.
وما زال الحزب السوري القومي الذي من المفترض بأنه علماني يتحالف مع حزب الله وحزب الله هو الذي صفى مقاومته في الجنوب، ومازال الحزب الشيوعي اللبناني يمالئ حزب الله وحزب الله هو الذي قضى عليه عملياً في لبنان.
مازالت بعض بقايا اليسار الفلسطيني ترى في الأصولية الشيعية حبل خلاص ونجاة،وليس حبل مشنقة.
لا يمكن أن تكون يسارياً وأصولياً معاً، لا يمكن أن تكون شيوعياً وطائفياً معاً، لا يمكن أن تكون وطنياً وتابعاً لدولة ولاية الفقيه.
إذا كان لا بد من نقد ذاتي، فعلى جميع قوى اليسار جماعات وأفراد أن يعتذروا من التائقين إلى الحرية عن عمائهم الأيديولوجي.
