السويد وفنلندا: من سياسة الحياد إلى حلف الناتو

نادر عازر

شكّل قرار السويد وفنلندا بإرسال طلب انضمام للناتو تغييراً كبيراً وسريعاً في سياسة الدولتين، بعد سنوات طويلة من تجنب الحروب والنزاعات عبر انتهاج مبدأ عدم الانحياز العسكري الذي اتخذته السويد منذ مائتي عام وفنلندا منذ أكثر من ٧٥ عاماً.

ورغم سياسة الحياد المعروفة إلا أنه فعلياً يمكن القول إن البلدان بدءا قطيعة تدريجية مع هذه السياسة منذ تسعينيات القرن الماضي مع انتهاء الحرب الباردة، عبر إبرامهما اتفاقات شراكة مع الناتو والاتحاد الأوروبي، مما عزز تقاربهما مع الكتلتين الغربيتين.

في ١٥ أيار/مايو ٢٠٢٢، أعلن الرئيس الفنلندي أن فنلندا، التي تشترك مع روسيا بحدود تبلغ ١٣٤٠ كم، ستقدم طلباً لعضوية الناتو بعد استشارة البرلمان. ورأت الحكومة الفنلندية أن محيطها السياسي والأمني تغير بشكل جذري بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير ٢٠٢٢، وأن الاتفاقيات الدولية والمبادئ المشتركة لأمن أوروبا لم تمنع اندلاع الحرب.

وأكدّت فنلندا أيضاً أن الانضمام إلى حلف الناتو سيعزز أمنها، وسيزيد من قدرتها على الردع الدفاعي، ويمنحها فرصة المشاركة والبت في قضايا السياسة الأمنية التي تعتبر مركزية لها.

فيما قالت الحكومة السويدية إن عضوية السويد في الناتو هي أفضل طريقة لحماية أمنها في ضوء السياسة الأمنية المتغيرة جذرياً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

ومعروف أن روسيا كانت ترسل دوماً طائرات لتخترق المجال الجوي السويدي وخاصة فوق جزيرة غوتلاند، وآخرها كانت بعد تلميح السويد لإمكانية انضمامها للناتو. 

وما شجع السويد على طلبها كانت الضمانات الأمنية التي قدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا خلال فترة انتظار الموافقة على طلب الانضمام للناتو. وخاصة بعد زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى ستوكهولم. وشملت الضمانات حضور عسكري ومناورات مشتركة ودعم سياسي قوي من دول الناتو.

واختارت السويد وفنلندا عضويتهما وفق النموذج النرويجي والدنماركي، بحيث لا تلزمهما العضوية بقبول وضع أسلحة نووية أو قواعد دائمة للناتو أو قوات على أراضيها في وقت السلم. وخاصة وأن الولايات المتحدة نشرت ما يقارب مائة رأس نووي موزعة على بلجيكا وهولندا وإيطاليا وألمانيا وتركيا.

ووفق استطلاعات الرأي في السويد فإن الموافقين على طلب الانضمام للناتو أصبحوا خمسة وأربعين في المائة بعد أن كانوا ثلاثين في المائة عام ٢٠١٤، والرافضين أصبحوا خمسة وثلاثين في المائة بأن أن كانوا أكثر من أربعين في المائة.

كما أن أكثر من ٦٣٪ من السويديين قالوا إنهم مع الانضمام للناتو في حال انضمت فنلندا أيضاً.

وفي فنلندا ارتفعت بشدة نسبة المؤيدين للانضمام إلى الناتو بعد الغزو الروسي إلى ٦٢٪ بعد أن كانت ١٩٪ عام ٢٠١٧، فيما تقلصت نسبة المعارضين إلى ١٦ بالمائة.

من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن “توسيع الناتو ليشمل فنلندا والسويد لا يشكّل تهديداً مباشراً لنا، لكن توسيع البنى التحتية العسكرية في أراضي هذه الدول سيدفعنا بالتأكيد إلى الرد”، محذراً مما وصفه بـ “التغيير السلبي” في السياسة الخارجية لهلسنكي على العلاقات الروسية الفنلندية التي بُنيت لسنوات بروح حسن الجوار والتعاون والشراكة.

وفي وقت سابق اعتبر الكرملين أنه سيكون من الخطأ أن تنضم هلسنكي إلى الناتو وتتخلى عن السياسة التقليدية للحياد العسكري، وإن ذلك سيضر بالعلاقات الثنائية بين البلدين وسيكون خطأً حيث لا توجد تهديدات لأمنها.

من جهته، قال الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو إنه أبلغ بوتين أن حرب موسكو على أوكرانيا غيرت البيئة الأمنية لفنلندا، وإن انضمام هلسنكي إلى الناتو يعزز أمنها.

وفي تصريحات أخرى قال نينيستو إن الحرب الأوكرانية أوضحت بأن روسيا لا تحترم سيادة جيرانها.

وردّت روسيا بعد رفض فنلندا دفع ثمن الغاز بالروبل بقطعه عنها اعتباراً من ٢١ أيار/مايو ٢٠٢٢، لكن الغاز يشكل ٥٪ فقط من الطاقة المستهلكة في فنلندا التي تستورد ٩٠٪ من هذه النسبة من روسيا. ولن يتأذى من هذا الانقطاع سوى قطاع الصناعات الكيميائية الذي سيتم تعويضه باستيراد الغاز عبر أنبوب من إستونيا.

أما السويد، فهي تعتمد على الغاز الطبيعي بنسبة ٢,٧٪ فقط من إجمالي حاجتها للطاقة. ومعظمه يأتي من ألمانيا عبر أنبوب من الدنمارك، فيما لا تعرف النسبة الحقيقية القادمة من روسيا. أما النفط الروسي يشكل ٨٪ مما تستورده السويد.

ومن ناحيته، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفضه انضمام كل من فنلندا والسويد إلى الناتو بدعوى تحول هذين البلدين إلى “فندق لإرهابيي حزب العمال الكردستاني” الذي تعتبره أنقرة ومعها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقالت أنقرة إن السويد وفنلندا تأويان أعضاء من حزب العمال الكردستاني، مبدية أيضاً انزعاجها من فرض البلدين وقفاً لتصدير الأسلحة إلى تركيا في عام ٢٠١٩ في أعقاب الهجوم العسكري التركي على شمال سوريا الذي استهدف وحدات حماية الشعب.

ورغم أن كمية السلاح المصدرة لتركيا صغيرة وتشمل معدات إلكترونية وبرامج حاسوبية ودروع وقطع دبابات، لكن لها دلالة سياسية تشير بشكل ما إلى أن تركيا دولة معتدية. ووسط هذه التعقيدات أعربت السويد أن المحادثات مع تركيا قد تصل إلى عام كامل.

فيما أشارت تقارير صحفية إلى أن هذه الورقة التركية منحتها موافقة روسية للهجوم على مناطق جديدة في سوريا.

لكن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلوا أكد بعد محادثات مع نظيريه السويدي والفنلندي دعم بلاده لسياسة الباب المفتوح لعضوية الناتو. كما أعرب الرئيس الفنلندي عن استعداده للقاء نظيره التركي من أجل بحث مسألة انضمام بلاده للناتو.

جدير بالذكر أن حلف الناتو يتألف من ثلاثين دولة من أوروبا وأمريكا الشمالية، وتأسس عام ١٩٤٩ في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومع صعود الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى آنذاك.


من العدد ٦٥ من جريدة المسار