لم يكن للأحزاب الشيوعية مهمات واحدة في العالم، بل تنوعت المهمات وفقاً للوضع الملموس في كل بلد.
ففي فيتنام قام الشيوعيون بتشكيل الطليعة القيادية للمقاومة ضد المحتل الياباني حتى هزيمته عام 1945 ثم خاضوا النضال ضد المحتل الفرنسي حتى هزموه عام 1954 في معركة (ديان بيان فو)، وهو ما قاد لانسحاب الفرنسيين الذي ترافق مع تقسيم فيتنام إلى دولتين شمالية وجنوبية وقد كان الشيوعيون في فيتنام الجنوبية هم نواة (الفييتكونغ) التي قادت كمنظمة وطنية النضال ضد النظام الحاكم في الجنوب وبعد دخول القوات الأميركية لدعمه عام 1964 كان الشيوعيون في الشمال مع (الفييتكونغ) هم الذين هزموا الأمريكان في عام 1975 والنظام التابع لواشنطن في سايغون،وهو ما قاد لتوحيد قومي لشطري فييتنام،ومنذ عام 1975 يقود الشيوعيون فيتنام في طريق التحديث ولو عبر طريق رأسمالي. في الصين هناك حالة قريبة من فيتنام حيث كان للشيوعيين دور رئيسي في هزيمة المحتل الياباني ثم في عام 1949 هزموا حكم حزب الكيومنتانغ (الحزب القومي) الموالي لواشنطن، وهم قد أدخلوا الصين في نادي الدول المتقدمة حتى أصبحت الرقم الثاني بالاقتصاد العالمي منذ عام 2010. في فرنسا المحتلة من قبل الألمان بين عامي 1940 1944 كان الشيوعيون في طليعة قوى المقاومة للمحتل.
في دول أخرى كان الشيوعيون في طليعة القوى المناهضة للديكتاتوريات، مثل إيطاليا 1922-1945 والبرتغال 1928-1974 واسبانيا 1939-1975 وتشيلي 1973-1989 والسودان بفترتي النميري 1971-1985 والبشير 1989-2019.
في حالة ثالثة، قاد الشيوعيون السوفيات الاتحاد السوفياتي من “المحراث الروماني إلى القنبلة الهيدروجينية”وفق تعبير اسحق دويتشر عن فترة حكم ستالين بين عامي 1924 و 1953. صحيح أن التجربة السوفياتية قد فشلت في “تحقيق الاشتراكية” إلا أنها نقلت روسيا وباقي الجمهوريات السوفياتية من مرحلة ما قبل رأسمالية إلى مرحلة صناعية وعلمية وتكنولوجية متقدمة.
في حالة رابعة نجد أن الأحزاب الشيوعية في إيطاليا وفرنسا وتشيلي كانت طليعة سياسية وتنظيمية للدفاع عن مطالب الطبقة العاملة وكافة الفقراء في المجتمع، كماأن الحزب الشيوعي في تشيلي الآن هو في صفوف متقدمة من تحالف يساري وصل للسلطة مؤخراً يتم السعي من خلاله إلى إنشاء دستور عصري للبلد يتجاوز الدستور الذي وضعته الديكتاتورية العسكرية بالتحالف مع الكنيسة الكاثوليكية في عام 1980.
في سوريا،كان الحزب الشيوعي منذ تأسيسه عام 1924 حزباً يسعى إلى تحقيق مهمات وطنية ،فهو كان له دور في ثورة 1925 ضد الفرنسيين المحتلين لبلدنا حيث بالتعاون مع الشيوعيين الفرنسيين قام بفضح قمع الانتداب الفرنسي للسوريين،ولعب دوراً كبيراً في اقناع الحكومة الفرنسية التي تضم اشتراكيين وشيوعيين بتسهيل إبرام معاهدة عام 1960 التي اعترفت فيها فرنسا لأول مرة باستقلال سوريا وتوحيدها مستغلاً الصلات بين الشيوعيين السوريين والفرنسيين، كما أن الحزب قد لعب دوراً طبقياً في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وفي حمل مطالبها، وكان له دور رئيسي في النضال ضد ديكتاتورية الشيشكلي بالخمسينيات. بعد انشقاق الحزب عام 1972 كان للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) دور رئيسي في النضال ضد الديكتاتورية منذ عام 1976، وهو كان أول حزب سوري يضع هدف الديموقراطية على جدول عمله السياسي عام 1978 بالمؤتمر الخامس للحزب ،وهو ما تبعته على ذلك كافة قوى المعارضة السورية لاحقاً،وكان له دور رئيسي في تأسيس (التجمع الوطني الديمقراطي) عام 1979 كتجمع للقوى التغييرية التي تناضل من أجل الوصول بسوريا إلى نظام ديمقراطي، كما أن الحزب كان له دور رئيسي في تأسيس (هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي) في عام 2011.
الآن يضع الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) المهمات التالية أمامه:
- مهمة وطنية تتمثل في إطفاء الحريق السوري عبر تسوية بين السلطة والمعارضة وفق القرار الدولي 2254 تقود إلى انتقال نحو نظام ديمقراطي جديد. مهمة وطنية ثانية يضعها الحزب أمامه بعد إنجاز التسوية للأزمة السورية تتمثل في إخراج كافة القوات المحتلة من الأراضي السورية، وإنهاء كل حالة هيمنة خارجية على السوريين.يرى الحزب أن هاتين المهمتين بهذه المرحلة لا يمكن تحقيقهما من دون تحالف وطني واسع لقوى سياسية سورية.
- مهمة ديمقراطية تتمثل في تحقيق البناء لنظام ديمقراطي.
- مهمات طبقية في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وكافة الفئات والشرائح الفقيرة والكادحة في المجتمع السوري.
- مهمات دستورية- قانونية تحديثية: تتمثل في إنشاء دستور عصري للبلاد يقوم على مبدأ العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة وحيادية الدولة تجاه الأديان والطوائف والقوميات والاتجاهات السياسية والوصول إلى قوانين وتشريعات حديثة خاصة بالأحوال الشخصية.
الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) يرى الآن أن التناقض الرئيسي في الوضع الحالي هو الموضوع الوطني المتمثل في إطفاء الحريق وإنجاز التسوية السورية للحفاظ على سوريا موحدة وإرجاعها للوضع الطبيعي وتجاوز نهر الدماء الذي بدأ بالجريان منذ أحد عشر عاماً، وهذا لا يتم برأينا من دون تسوية يتشارك بها من هم في السلطة والمعارضة والقوى التي يفرزها المجتمع لقيادة البلد من الأوضاع القائمة حالياً باتجاه مرحلة ديمقراطية عبر سلطة انتقالية وفق ما حدده القرار الدولي 2254. بعد تحقيق هذا الهدف يمكن برأينا الوصول إلى تحقيق الأهداف اللاحقة التالية لهذا الهدف.