سلسلة رؤساء وزراء سوريا: علي رضا الركابي

هو أول رئيس وزراء في كل من سوريا (9 آذار 1920-3 أيار 1920) والأردن (30 مارس 1922 حتى 1 فبراير 1923، و 3 مارس 1924 حتى 26 يونيو 1936).

كان الركابي من أبرز الضباط العرب في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى. انشق عن العثمانيين ليلتحق بالثورة العربية الكبرى عام 1916. عاد الى دمشق ليصبح حاكماً عسكرياً ثم رئيساً للوزراء مع اعلان قيام المملكة السورية وتنصيب الملك فيصل ملكاً في يوم 8 آذار 1920 من قبل (المؤتمر السوري العام).

عاصر الحكم العثماني، وكان ركناً بارزاً فيه. عندما رحل الأتراك، ونهض الحكم العربي الفيصلي، شكل أول وزارة في تاريخ سورية بين 9 آذار 1920 و 3 أيار 1920 عندما خلفه بالمنصب هاشم الأتاسي. وشكل وزارتين في الأردن، ووضع للأردن نظامه المالي والإداري. دعم الثورة السورية عام 1925 لدى قيامها، وهو رئيس للوزراء في الأردن. تقلب في عدد كبير من المناصب، وعهد إليه بعدد كبير آخر من المسؤوليات والمهام. كان إدارياً حازماً، ونزاهته تعتبر من الأساطير في هذه الأيام. 

أبصر علي رضا باشا الركابي النور بدمشق في عام 1868، وينتمي إلى أسرة دمشقية عريقة . تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة الرشدية العسكرية، وانتقل منها إلى المدرسة الإعدادية . ولأنه كان متفوقاً على جميع أقرانه، وتقديراً لعلامات النبوغ لديه ، فقد أرسل إلى المدرسة الحربية في الآستانة، حيث درس فيها الشؤون العسكرية. وتخرج منها حاملاً رتبة “رئيس أركان حرب”. بعد تخرجه من المدرسة الحربية عين قائدا للجيش التركي في القدس، ووكيلاً لمتصرفها. عندما أعلن الدستور العثماني عام 1908، عين رئيساً للشعبة الخاصة في الآستانة. ونقل منها إلى المدينة المنورة، حيث عين محافظاً فيها وقائداً لجيشها، وذلك بعد أن جرت ترقيته إلى رتبة أمير لواء. رحل إلى العراق، حيث تسلم قيادة الجيش في بغداد والبصرة.

عندما أعلنت الحرب العالمية الأولى عام 1914، استشارته الحكومة العثمانية، بين من استشارتهم من قواد جيوشها، بشأن دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب حليفتها الدولة الألمانية، أو عدمه. وكان رأي رضا باشا الركابي، أن تظل الدولة العثمانية على الحياد، لأنه كان مطلعاً على حقيقة وضع الجيش العثماني وأسلحته وعتاده، وضعف إمكانياته. ولأنه أشار بضرورة الحفاظ على الحياد في هذه الحرب الطاحنة، فقد اعتبر من الانهزاميين والجبناء، فصدر الأمر بتسريحه، وإحالته إلى التقاعد. وكان وراء تسريحه وتقاعده عدد من المسؤولين والضباط المندفعين والمتحمسين لخوض الحرب، إلى جانب الحليفة الدولة الألمانية.

عندما عاد الركابي إلى دمشق، بعد تسريحه، أراد جمال باشا الإفادة من علمه وخبرته، مع حرصه على وضعه تحت رقابته، لذا أمر بتعيينه رئيساً لبلدية دمشق، ورئاسة التحكيمات. وقد آثر الركابي قبول هذين المنصبين، كي يدفع عن نفسه الشبهات. فقد كان الرجل في حقيقته من مؤسسي “جمعية العربية الفتاة” و “جمعية العهد”. وهاتان الجمعيتان كانتا أول من زرع بذور القومية العربية في العهد العثماني.

تسلم الركابي زمام الأمور،  في عهد الملك فيصل عام 1920 وشكل الوزارة ، ولقب بالحاكم العسكري. بعد معركة ميسلون غير المتكافئة في 24 تموز 1920، ودخول القوات الفرنسية إلى دمشق، وانتهاء العهد الفيصلي، رحل رضا الركابي إلى مصر. وانتقل منها إلى الحجاز. وهناك كلفه الشريف حسين بالذهاب إلى الأردن، لمساعدة ولده الأمير عبد الله بتأسيس وإدارة دولة شرقي الأردن.

وفي أوائل عام 1924 دعي رضا الركابي إلى تشكيل الوزارة في الأردن. فاستجاب لهذه الدعوة، وشكل الوزارة. وظل في منصبه هذا إلى حزيران من عام 1936، حيث استقال، وانتقل للإقامة بين حيفا والقدس طوال سنتين ونصف السنة. وكان الركابي يوم شكل وزارته، قد أعلن في برنامجه الوزاري، العمل بالصدق والإخلاص في القول والعمل ، وتوزيع العدالة بين جميع أفراد الشعب، والمراعاة التامة لشؤون الاقتصاد، والاعتماد على الكفاءات في التوظيف، وقمع بذور الفساد، وكل ما يسيء إلى السمعة. ودعا إلى التعاضد والتكاتف في جميع أمور الإصلاح، وصيانة المنطقة من الأحوال المخلة بالأمن. وكان الركابي وهو رئيس للوزراء في الأردن، يدعم الثورة السورية بكل إمكاناته سراً، ويذكي روح المقاومة بين صفوف الثوار. 

ومن أجل هذا، لم يستطع عقب استقالته من رئاسة الوزارة العودة إلى أرض الوطن، بل أثر الإقامة في فلسطين، إلى أن انتهت الثورة، وصدر العفو العام على كل من شارك بالثورة. وكان خلال إقامته في الأرض الفلسطينية ، يعيش عيش الكفاف، بسبب فقره وضيق ذات يده. بعد عودته إلى دمشق، ووفاة الملك الهاشمي فيصل الأول، اعتزل الركابي العمل السياسي ولزم بيته، وانقطع عن الناس.

توفي  رضا الركابي، في يوم الاثنين الخامس والعشرين من أيار عام 1942، بعد أن عانى من المرض طويلا، وأصيب بالشلل.

يوصف رضا الركابي بأنه إنسان مثالي في حياته، يعشق النظام، ولا يسامح أو يتسامح مع من يخل به أو يتجاوزه، مهما كان هذا الإخلال صغيراً. كان يحاسب مرؤوسيه على أي خطا أو تجاوز حساباً لا هوادة فيه ولا لين. كان الموظفون الذين يعملون تحت إمرته، يتصورونه شبحاً مرعباً. فهو قد يطل فجأة على هذه الدائرة أو تلك، ليتفقد سير العمل، ويطمئن إلى حسن سير الأمور، وأنه لا يوجد أي موظف لا يقوم بواجبه على الوجه الأكمل. 

من مآثر رضا الركابي التي لا تنسى، أنه أمر، عندما كان رئيساً للوزارة السورية الأولى، بتأسيس المجمع العلمي العربي أسوة بالدول الكبرى في العالم. وبذلك سبقت سورية جميع الأقطار العربية إلى تأسيس مثل هذا المجمع.