مقدمة
يهدف هذا الكتاب إلى محاولة تبيان أن هناك تطابقاً بين الرؤية للكون (= العالم المابعد الطبيعي) والطبيعة وبين الرؤية للمجتمع والفرد، وهذا ما يؤدي إلى أن الرؤى التوحيدية، التي لا تفصل بين المادة والروح أو بين الجسد والنفس، تكون ذات طابع غير تعددي في رؤيتها للسياسة، والعكس صحيح، من حيث أن الرؤى الثنائية أو التعددية للكون، والتي هي تقسيمية للإنسان، تتيح مجالاً أكبر، كفضاء وكإمكانية وليس بالضرورة، كتعاليم أو كإرادة، لإقامة مجتمع تعددي سياسياً.
ينطبق هذا الشيء كإطار عام على كافة الميثولوجيات والرؤى الدينية، إلا أن الإشكالية التي يبينها البحث هي أن الإيديولوجيات الدينية التوحيدية والتي تملك فلسفة للممارسة (بحكم كونها ممتدة، كرؤية، إلى مجالات الجسد والمجتمع والسياسة ولا تقتصر على البناء الجواني الروحي للإنسان) قد كانت مترافقة مع صعود الحضارة في الشرق الأوسط، فيما أن سيادة الفلسفة التأملية، التي تفصل الإنسان إلى قسمين متضادين بين الجسد والنفس كانعكاس للثنائية الكونية بين الجسد والمادة، قد كانت بالتلازم مع تدهور الحضارة في هذه المنطقة.