العدد الرابع والسبعون من جريدة المسار – آذار ٢٠٢٣

  • الافتتاحية: مراجعة لأداء المعارضة السورية.
  • مساهمات المغتربين واللاجئين السوريين في الخارج – نادر عازر.
  • سياسة التوازن التركية الصعبة بين روسيا الاتحادية وبين الغرب الامريكي.
  • من أجل نظرة جديدة للسياسة – يوسف الطويل.
  • القانون الدولي والقانون المحلي – دراسة من إعداد هيئة التحرير.
  • البنية الاجتماعية والطبقية لسوريا “المحررة” الخاضعة لفصائل المعارضة المسلحة – مازن كم الماز.
  • من زوايا الذاكرة (٢٣) – الدكتور جون نسطة.
  • بعد 140 سنة من وفاة ماركس – الشيوعيون قادمون – روب سيويل.

الافتتاحية:

مراجعة لأداء المعارضة السورية

كانت المعارضة السورية التي تبلورت ضد السلطة منذ التدخل السوري العسكري في لبنان في حزيران 1976 حصيلة التقاء أحزاب مختلفة: الحزب الشيوعي (المكتب السياسي)، حزب الاتحاد الاشتراكي بزعامة الدكتور جمال الأتاسي، حركة الاشتراكيين العرب بزعامة أكرم الحوراني، حزب العمال الثوري العربي، حركة 23 شباط التي تابعت تجربة البعث بزعامة صلاح جديد بعد سقوط سلطتها يوم 16 تشرين ثاني 1970، حيث بدأ لقاء هذه الأحزاب والحركات الخمس منذ عام 1976 ثم تبلور في كانون أول 1979 عبر التوقيع على «ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي» قبل أن يصدر بيانه السياسي الأول يوم 18 آذار 1980. كان هذا اللقاء هو البلورة الكيانية والبرنامجية الأولى للمعارضة السورية لسلطة ما بعد 16 تشرين ثاني 1970. 

في شهر آب 1976 تشكلت «رابطة العمل الشيوعي في سورية» قبل أن تتحول في آب 1981 إلى «حزب العمل الشيوعي»، وقد مثلت تجربة متميزة عربياً، مثل تجربة «منظمة العمل الشيوعي» في لبنان و«الحزب الاشتراكي» اليمني، على تحول عروبيين باتجاه الماركسية أتوا من رحم «بعث 23 شباط» و«حركة القوميين العرب» و«حركة الاشتراكيين العرب». في صيف 1979 دخلت جماعة «الاخوان المسلمين» بفصائلها الثلاثة: «تنظيم الطليعة» الذي قام بمجزرة مدرسة المدفعية في حلب يوم 16 حزيران 1979، وهو متأثر بأفكار سيد قطب، و«التنظيم العام» الذي يتبع «مكتب الإرشاد العالمي» في القاهرة، و«تنظيم الطلائع الاسلامية» بزعامة عصام العطار، في صدام عسكري ــ سياسي مع السلطة، قبل أن تتوحد هذه الفصائل في كانون أول 1980 وتشكل «قيادة الوفاق”.

في مرحلة المعارضة السورية لفترة ما بعد أحداث حزيران 1976 ــ نهاية شباط 1982عند ما بدأ صيام المجتمع السوري عن السياسة لما قادت هزيمة «الاخوان المسلمين» العسكرية في حماة أمام السلطة إلى انتصار أمني للسلطة أتبعته (وسبقته بضربة خريف 1980 للحزب الشيوعي- المكتب السياسي) بضرب «حزب العمل الشيوعي» في آذار 1982 وصولاً إلى الضربة الكبرى لهذا الحزب في آب ــ أيلول 1987، وبضرب «حزب البعث الديمقراطي(الاسم الجديد لبعث 23شباط منذ مؤتمر أيلول1980» في أيار 1982 – يلاحظ أن رسم السياسات عند المعارضين كان ينطلق من برامج ومن استراتيجيات وتكتيكات وأن الحركة العملية السياسية كانت تبنى من خلال هذه الأقانيم الثلاث وعبر قياس التوازنات والممكنات، وقد كانت تلك الأقانيم الثلاث تمسك مسطرة التوازنات والممكنات لقياس ارتفاعها أو نزولها كما جرى منذ نيسان – حزيران 1980 لما رأى الدكتور جمال الأتاسي، وأيضاً الدكتور أحمد فايز الفواز من قيادة الحزب الشيوعي (المكتب السياسي)، بأن التوازنات قد بدأت تميل لمصلحة السلطة وأن من الضروري تخفيف النبرة المعارضة عند «التجمع» وتقديم تنازلات تكتيكية، مثل إدانة عنف «الاخوان» المسلح بدل تكتيك «السكوت عنه»، فيما كان رأي الأستاذ رياض الترك معاكساً لهما. 

في مرحلة ما بعد شباط 1982، مع الصيام السكوتي للمجتمع السوري عن السياسة مع انتصار السلطة الأمني على «الإخوان» وضربها لباقي فصائل المعارضة السورية، أصبحت المعارضة في وضعية «بقايا أحزاب» وقد أصبحت هي وقياداتها وكوادرها وأعضاؤها، سواء الملاحقون أمنياً أو السريون والمسجونون والمنفيون، في وضعية السمك خارج الماء. منذ كانون أول 1989 برزت أساليب جديدة عند المعارضين في «التجمع»، بتأثير الدكتور الأتاسي وقيادة ما بعد 5 أيلول 1987 للحزب الشيوعي (المكتب السياسي) مع طرح استراتيجية اصلاحية بدل الاستراتيجية التغييرية التي كانت مطروحة في ميثاق وبيان «التجمع». 

كان التكتيك هو من أجل الحفاظ على النفس وتفادي الضربات الأمنية ولو كان ذلك عبر تقديم بعض التنازلات، مثل تأييد «مؤتمر مدريد» في افتتاحية جريدة «الموقف الديمقراطي» ،الناطقة باسم “التجمع”للعدد 6 الصادر في أوائل تشرين ثاني 1991 ،ولو بصيغة متحفظة كان فيها انتقال أول عند المعارضة السورية من رفض «التسوية مع اسرائيل» إلى وضع آخر، حيث أن «النهج المعارض في هذه المرحلة والحساسة ينبغي أن يتقارب في جانبه السياسي ليتعامل أكثر مع معطيات الواقع… وأن لا يستند فقط إلى المبادئ والنظريات المجردة والمواقف السلبية الرافضة» (صفحة 6 من العدد المذكور). في المقابل بين شباط 1991 تاريخ أول عدد من «الموقف الديمقراطي» وحتى يوم وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10حزيران 2000 يلاحظ افتقاد الجريدة الناطقة للتجمع إلى سياسة المعارضة الجبهية للسلطة ومداراتها وابتعادها من المواقف الصدامية. كان رأي الدكتور الأتاسي، وفق رسالة بعثها في تموز 1993 لسجناء احزاب «التجمع» في القسم السياسي لسجن عدرة، أن يتم «تفادي الصدام. التركيز على فتح كوات في جدار القمع، والتخلي عن الاستراتيجية التغييرية لصالح استراتيجية اصلاحية”.

كانت مرحلة ما بعد 10 حزيران 2000 جديدة عند المعارضة: لم يعد هناك بناء لبرامج واستراتيجيات وتكتيكات وقياسها بالتوازنات والممكنات كما في مرحلتي 1976-1982 و1989-2000، بل بناء السياسات من خلال «دلالة الآخر» عبر المراهنة عليه: المراهنة على «التيار الاصلاحي» في العهد الجديد. بعد سقوط بغداد يوم 9 نيسان 2003 التحول عند المراهنين أنفسهم تقريباً على «اصلاحيي العهد الجديد» إلى المراهنة على «رياح غربية ستهب على دمشق» مثل التي هبت على بغداد، وقد تبلور هذا أكثر بعد صدام واشنطن ودمشق في بلاد الأرز في ربيع 2005، وقد كانت ولادة «اعلان دمشق» في 16 تشرين أول 2005 محاولة لترجمة سورية لما فعلته جماعة 14 آذار في بيروت قبل أشهر من ذلك وبأن ما جرى في بيروت آنذاك سيكون له ترجمات في دمشق. لم تكن واشنطن كما أوضحت تصريحات أميركية تريد أكثر من «تغيير سياسات السلطة السورية» وبالذات في العراق وليس «تغيير النظام»، لذلك اصطدم «اعلان دمشق» بالحائط، ولكنه لم يتعلم شيئاً، لهذا رأيناه يستمر في سياسة «بناء السياسات بدلالة الآخر» نفسها، ولكن بالانتقال من موقع التشدد المعارض إلى الاعتدال كما حصل في بيان 5 أيلول 2008 المراهن على أن انفتاح ساركوزي على دمشق يمكن أن يخفف من الضغط على المعارضين السوريين أو أن يؤدي إلى «انفتاح داخلي»، وهو ما رأيناه أيضاً تجاه أوباما في تصريح لوكالة «رويترز» يوم 31 أيار 2009 من قبل الأستاذ رياض الترك لما رأى بأن «جهود الولايات المتحدة لتحسين الروابط مع دمشق ربما تخدم الاصلاح الديموقراطي>”

وقد أظهرت مرحلة ما بعد 10 حزيران 2000 انخفاض مستوى نوعي عند المعارضة السورية: بعيداً عن بناء السياسة وفق منطق حرفة السياسة، حيث تبنى السياسات ببرنامجها واستراتيجيتها وتكتيكاتها من خلال التوازنات والممكنات وليس بأن ترسم السياسات من خلال ما «نقرأه عند الآخر» وأن تبنى رهانات تحدد الحركة والأهداف من خلال تلك القراءة التي غالباً ما تكون رغبوية وليست واقعية. أيضاً كان أحد علامات هذا الانخفاض في المستوى سرعة تحول يساريين ماركسيين وشيوعيين نحو «الليبرالية الجديدة» ليس عبر عملية فكرية يتم الانتقال عبرها من موقع فكري- سياسي إلى آخر وإنما من خلال خلع قميص واستبداله بآخر على عجل من خلال مراهنة على أن ما جرى في بغداد 9 نيسان 2003 ستكون له ترجمات في دمشق ليكون «الفكر» صدى للسياسة وليس العكس ومن دون أن يكون لهذا الفكر قوام نظري واضح المعالم والحدود.

يمكن تفسير انخفاض المستوى هذا ببعد المعارضة السورية من الماء الاجتماعي طوال ثمانية عشر عاماً منذ ما بعد شهر شباط 1982 وبالتالي عملياً من عدم وجودها الفعلي في ملعب السياسة ما جعلها مثل لاعب كرة القدم لما يفقد لياقته ومهاراته بحكم ابتعاده المديد من الملعب. كانت بعض علامات هذا الانخفاض قد ظهرت في التسعينيات ولكن لم يكن هذا مستفحلاً كما في العشرية الأولى من القرن الجديد. لوحظ أيضاً مع هذا الانخفاض، وبخاصة منذ عام 2004، ضعف الكثير من المعارضين أمام المال والعروض التي بدأ يقدمها الغرب الأوروبي- الأميركي، وقد كان هناك افساد غربي مقصود للمعارضين السوريين من أجل شراء «نخبة» تماماً كما جرى مع المعارضة العراقية في مرحلة ما بعد حرب 1991. وقد كان الكثير من المعارضين السوريين يبزون أشباههم العراقيين في القابلية للشراء وبأسعار أرخص.

عندما قام المجتمع السوري، معارضة وموالاة ومترددين، بكسر صيامه عن السياسة مع انفجار الأزمة السورية منذ درعا 18 آذار 2011 بعد صيام استغرق تسعاً وعشرين سنة، بان مقدار انخفاض مستوى المعارضة السورية، والتي كانت أسوأ معارضة من حيث مستوى الأداء والنتائج بالقياس إلى المعارضات في البلدان العربية الأربعة التي انفجرت بلدانها أيضاً في تلك الفترة: تونس ومصر واليمن وليبيا. كان هناك حراك عفوي حاول المعارضون ملاقاته. لم يضعوا له برنامج واستراتيجيات وتكتيكات وفق التوازنات والممكنات، بل قاموا بعزف معزوفة «الشعب يريد» وطبقوا مقولة «ما يطلبه الجمهور»، فيما كان الشعب السوري مقسوماً، وما زال  إلى ثلاثة أثلاث: موالاة ومعارضة ومترددون. لم يكن المعارضون القدماء في مقدمة الحراك بل فئة جديدة من الشباب بلا خبرة ولا معرفة بالسياسة، وقد فرضوا على المعارضين القدماء السير وراء شعاراتهم، وقد رأى الأخيرون أن لا مناص لهم من ذلك، واقتصر دورهم على قولبة هذه الشعارات وتحويلها إلى بيانات ولم تصل إلى مستوى البرنامج والاستراتيجيات والتكتيكات ومن ثم قياسها بالتوازنات والممكنات. 

رأينا القفزات خلال ستة أشهر وراء «الحراك» من مطالب «اصلاحية» إلى «تغييرية» ثم إلى شعار «اسقاط النظام». وعندما بان العجز عن ذلك كان أغلب المعارضين محبذين لـ «خيار العنف المعارض» ثم «طلب التدخل العسكري الخارجي». لم يستغرق المرور بهذه القفزات الخمس أكثر من تسعة أشهر فاصلة بين درعا ونهاية عام 2011. وقد كان «المجلس الوطني السوري»، المعلن تشكيله يوم 2 تشرين أول 2011 بمكوناته من «الاخوان المسلمون» و»اعلان دمشق» و »شباب الحراك»، تجسيداً لهذه القفزات الخمس قبل ولادته وبعدها. كانت «هيئة التنسيق»، المؤسسة منذ 25 حزيران 2011 والتي طرحت «التسوية” منذ عام 2011استثناءاً وقد هوجمت من قبل السلطة ومن قبل المعارضين الآخرين ،ولم ترتفع أسهم هيئة التنسيق الوطنية سوى منذ عام 2014 لما فشل خيار المعارضين الأخرين في اسقاط النظام السوري عبر العنف المعارض وعبر سياسة استجرار التدخل العسكري الخارجي ، أي لما ارتطم المعارضون الآخرون بحائط الفشل وكانت حصيلتهم صفرية وكارثية.

يجب الاعتراف الآن، وبعد مرور اثناعشر عاماً ،بأن المعارضة السورية قد فشلت و تم هزيمتها،وأن كل حديث “عن الثورة المستمرة”هو تغطية للفشل والهزيمة، كما أنه ينم عن جهل القائلين بتلك المقولة ،وبعضهم أكاديميون، لأنه لايوجد ثورة في التاريخ استمرت لأكثر من سبع سنوات كما حصل مع الثورة التي قادها البرلمان الانكليزي عام1642ضد سلطة الملك تشارلز الأول المطلقة وتحولت إلى حرب أهلية بين مركزين للسلطة،مركز  للبرلمان في لندن ووآخر للملك في أوكسفورد حتى انتهت بهزيمة الملكيين واعدام الملك عام 1649،كما أن برأينا أن الأزمة السورية ليست ناتجة عن ثورة بل عن حراك اجتماعي أخذ شكل (انتفاضة) لم تستطع تحقيق أهدافها ،ولم يكن هناك ثورة  من حيث شروطها التي هي: 1-  توفر ووجود  أغلبية اجتماعية ثائرة و2- قيادة واحدة و3- برنامج واحد متصل زمنياً لايتم الحيدان عنه.

من دون الاعتراف بالفشل والهزيمة لا يمكن إعادة بناء المعارضة السورية، ولا وضع برنامج جديد لها يبنى على الوقائع الجديدة على الأرض التي نتجت عن الهزيمة والفشل  من أجل تجاوزهما ومن أجل تحقيق البرنامج المعارض الذي لا يمكن أن يتجاوز ما طرحته هيئة التنسيق الوطنية عام 2011، أي تغيير وطني ديمقراطي يبنى على تسوية توافقية بين السلطة والمعارضة من أجل انتقال ديمقراطي نحو نظام سياسي جديد، هذا الانتقال الذي أتى بيان جنيف عام 2012 والقرار الدولي 2254عام2015 ليحددوا خريطة الطريق له. كثير من الثورات فشلت،مثل الثورة الانكليزية 1642-1649 عندما عادت الملكية عام1660ثم جرت ثورة ناجحة عام 1688-1689 وكذلك فشلت ثورة 1905 الروسية ثم نجحت ثورتي شباط وأكتوبر 1917.

الآن كل ثورات أو انتفاضات “الربيع العربي”عام 2011، التونسية والمصرية والليبية واليمنية والسورية، كلها قد فشلت، والحقيقة لا ينطبق مصطلح الثورة سوى على تونس ومصر.هذا عادي في مسارات الشعوب، وليس غريباً، والفشل يبنى عليه لتجاوزه، أما الكذب والتضليل فهو الحديث عن “ثورة دائمة” ما زالت مستمرة ولم تنهزم، هذا إذاكان أولاً ينطبق عليها مصطلح (الثورة).


مساهمات المغتربين واللاجئين السوريين في الخارج

نادر عازر

تعتبر موجة النزوح واللجوء السورية بعد العام ٢٠١١ الأسوأ والأضخم في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، حيث اضطر أكثر من ثلاثة عشر مليون شخص إما للفرار خارج البلاد أو النزوح داخل حدودها.

لكن رغم تبعات ذلك كان للمهاجرين أثراً كبيراً في حياة عائلاتهم الموجودة في سوريا سواء من خلال التحويلات المالية والتبرعات وخاصة في فترات الأعياد أو بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا. إضافة إلى محاولات عديدة لإنشاء تجمعات وتنظيمات سياسية تحاول التأثير في محيطها، آخرها مبادرة لتشكيل لوبي سوري معارض في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبحسب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن عدد النازحين السوريين في الداخل بلغ نحو ٦,٩ مليون شخص، مقابل ٥,٥ مليون لجأوا إلى دول الجوار أو أوروبا.

ويتوزع عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية على:

تركيا: ٣,٥ مليون.

لبنان: ٨١٤ ألف.

الأردن: ٦٦١ ألف.

العراق: ٢٥٩ ألف.

مصر: ١٤٥ ألف.

دول شمال أفريقيا الأخرى: ٤١ ألف.

ويعيش في السودان حوالي ٩٣ ألف سوري.

أما عدد اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية  فقد بلغ:

ألمانيا: ٦٦٤ ألف.

السويد: ١١٣ ألف.

النمسا: ٦٧ ألف.

هولندا: ٥٣ ألف.

اليونان: ٤١ ألف.

فرنسا: ٣٩ ألف.

بلغاريا: ٢٢ ألف.

بلجيكا: ٢٠ ألف.

الدنمارك: ١٩ ألف.

النرويج: ١٦ ألف.

اسبانيا: ١٥ ألف.

بريطانيا: ١٢ ألف.

قبرص: ١٠ آلاف.

الولايات المتحدة: ٨٨٠٠.

سويسرا: ٨٠٠٠.

أرمينيا: ٤٨٠٠.

البرازيل: ٣٩٠٠.

جدير بالذكر أن عدد المهاجرين السوريين يختلف عن عدد اللاجئين، فهناك الكثير ممن انضموا إلى اللاجئين في دول المغترب عبر لم الشمل أو عقود عمل أو للدراسة، وبالتالي فإن العدد الحقيقي للسوريين يزيد عن ذلك بكثير.

ووفقاً لمركز جسور للدراسات، فإن جزء كبير من السوريين الموجودين داخل البلاد يعتمدون على مساعدات أقربائهم ومعارفهم في الخارج، حيث يجري تحويل مبالغ شهرية أو شبه شهرية تتراوح بين ١٢٥ و ١٥٠ دولاراً بالمتوسط، ويقدّر عدد المستفيدين من هذه التحويلات بأكثر من خمسة ملايين نسمة، يتوزعون على مختلف المناطق.

وسبق أن أكد الباحث الاقتصادي عمار يوسف في حوار مع وكالة “سبوتنيك الروسية” أن السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام الذين يعتمدون في معيشتهم على الحوالات الخارجية، بلغت نسبتهم ٧٠ في المئة.

وكشفت صحيفة “الوطن” المقربة من السلطة الحاكمة عن نسبة “تقديرية” للسوريين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، الذين يعتمدون في معيشتهم على الحوالات الخارجية.

وقالت إن نحو نصف السوريين يعتمدون على الحوالات، “وبفرض أن متوسط حوالات السوريين بمختلف أنواعها تصل إلى ٣٠٠ مليون دولار شهرياً، بمتوسط ١٠٠ دولار للحوالة الواحدة، فإن نحو ٣ ملايين حوالة يتسلمها أرباب الأسر”.

وأضافت: “بمقارنة هذا الرقم مع العدد الكلي للسوريين في الداخل حسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء الأخيرة، تكون نسبة المستفيدين من السوريين في معيشتهم من الحوالات هي نحو نصف عدد السكان”.

في حين اعتبر خبراء اقتصاديون آخرون أن من الصعب تقدير حجم حوالات السوريين من الخارج رغم أن التقديرات شبه الرسمية كانت دوماً تشير إلى أن المتوسط اليومي للحوالات ما بين ٥ إلى ٧ ملايين دولار، لكن اتساع عدد وتوزع السوريين في الخارج وإرسال كثير من الحوالات خارج القنوات الرسمية يجعل من الصعب وضع تقديرات حول إجمالي الحوالات.

وعادة ما ترتفع قيمة الحوالات مع الأعياد والمناسبات الأخرى مثل بداية العام الدراسي ومواسم المؤونة وغيرها.

وبحسب “المجموعة الإحصائية” فإن إجمالي الحوالات الخارجية بالقطع الأجنبي (حوالات أشخاص ومنظمات وغيرها بعيداً عن عائدات التجارة الخارجية) بلغ نحو ٢ مليار دولار في العام ٢٠١٦، وفي العام ٢٠١٧ وصل إلى أكثر من ٣.٨ مليارات دولار، وفي العام ٢٠١٨ تجاوز ٤ مليارات دولار، ثم عادت لتنخفض إلى نحو ثلاث مليارات دولار في العام ٢٠١٨، وفق صحيفة “الوطن”.

ومن العوائد الأخرى التي يجلبها السوريون الموجودون في الخارج، هي الأموال التي يصرفونها لدى زيارة البلد، والهدايا للعائلة والأصدقاء، إلى جانب دفع بدل الخدمة الإلزامية واستخراج جوازات السفر، والتي في النهاية تصل إلى مئات ملايين الدولارات.

من ناحية أخرى، وعلى إثر الزلزال المدمر في تركيا وسوريا في ٦ شباط ٢٠٢٢، أقام العديد من السوريين حول العالم حملات لجمع التبرعات والمساعدات للمتضررين، وتمكنوا من جمع مبالغ ضخمة أرسلت لسوريا أو لعائلاتهم وأقاربهم المتضررين سواء عبر المنظمات أو التحويل المباشر، إضافة إلى إرسال مواد غذائية وطبية وملابس وحاجيات أخرى.

أما من ناحية النشاط السياسي في الخارج، جرت محاولات عديدة لإنشاء تجمعات وتكتلات سياسية وأقيمت مؤتمرات وندوات مختلفة سواء في أوروبا أو أمريكا، لكنها لم تسفر عن إنشاء أي جسم سياسي له وزن أو تأثير، وذلك بسبب التوازنات الدولية وجمود الوضع العسكري والعملية السياسية في سوريا دون أي تقدم يذكر.

وفي الولايات المتحدة، أنشأت عدة مبادرات لتشكيل لوبي سوري معارض، آخرها في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٢، عبر لقاء تشاوري دعي إليه سوريين حاصلين على الجنسية الأمريكية حصراً، في محاولة لتقريب وجهات النظر بينهم أولاً، والبحث عن قواسم مشتركة تساهم في رسم خارطة طريق يمكن العمل عليها مستقبلاً مع الإدارة الأمريكية، ودفع الرئيس بايدن على اتخاذ موقف واضح بخصوص الأزمة السورية المستمرة منذ ١١ عاماً.

لكن اللقاء شابه بعض الخلافات والانسحابات. فيما بقي موضوع التأثير على المشرعين الأمريكيين وصناع القرار بيد جمعيات ومنظمات أصغر يعمل كل منها على حدى أو بشكل مشترك.

ومع استمرار الأزمة السورية وانتشار السوريين في أصقاع الأرض المختلفة، سواء كأفراد أو تنظيمات، فهم باتوا يشكلون طوق نجاة لعائلاتهم عبر المساعدات المالية والمساهمات الأخرى وخاصة في فترات الأعياد والأزمات. فيما يحاول آخرون تنظيم أنفسهم اجتماعياً في بلاد المغترب أو سياسياً بطرق مختلفة استعداداً لأي تغيير في الوضع السوري.


سياسة التوازن التركية الصعبة بين روسيا الاتحادية وبين الغرب الامريكي

تعتبر تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بروسيا الجديدة بعد  انهيار الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١.

تاريخيا كانت العلاقة بين البلدين أكثر صدامية  ، حيث بلغت الحروب بينهما خمسة عشر حرباً على مدار أكثر من  ثلاث قرون كان الجيشان خلالها يتقاتلان على أراضي البلقان الخاضعة للامبراطورية العثمانية فخلفت الحرب مئات الآلاف من القتلى من الطرفين وشردت شعوب وقبائل تركت أحقاد تحتاج الى عقود من السلم لنسيانها كما تم فيها  تدمير العديد من المدن  بما فيها مدينة موسكو في حرب ١٥٧١ ، ١٥٧٤ التي سميت بحرب حريق موسكو ،  وكان أول الحروب بين الطرفين حرب استراهان عام ١٥٦٨ ، ١٥٧٠ وهي مدينة في القرم وفيها تم ترسيم الحدود بين روسيا والقرم بعد أن كانت منطقة القرم تابعة للدولة العثمانية . 

 تعتبر  الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ ، ١٩١٨ آخر الحروب بين روسيا والدولة العثمانية وسميت بالحروب القوقازية وفيها وصلت القوات الروسية إلى شرق الأناضول ولم تتوقف الا بعد انتصار الثورة  

 البلشفية في روسيا ١٩١٧ .  دخلت العلاقات الروسية التركية مرحلة جديدة بعد توقيع معاهدة الصداقة والحياد عام ١٩٢٥ فألغيت بموجبها معاهدة لوزان ا ١٩٢٣ التي فرضها الحلفاء على الدولة التركية الا أنه بعد ٢٠ عاماً من الهدوء  بين الطرفين  ألغت الدولة السوفيتية المعاهدة مشترطة على الدولة التركية عقد معاهدة جديدة طالبت فيها  امتيازات في مضيقي الفوسفور والدردنيل وقواعد عسكرية فيهما مع تعديل اتفاقية مونترو المتعلقة بنظام العبور في المضايق المذكورة مع المطالبة بضم ولايتي قارص وأردهان التركيتان للدولة السوفيتية الأمر الذي سرع بانضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي عام ١٩٥٢ وإلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية تركيا ومنع تحقيق مطالب السلطة السوفيتية واستمرار الحال على ما هو  حتى انهيار الدولة السوفيتية.  

  كان لضعف الدولة العثمانية ، وتعاظم الدور  الروسي في المنطقة في القرن التاسع عشر وما بعد ،قد أدى الى طموح روسيا  للسيطرة على منطقة القرم و على البحر الأسود ومضيقي البوسفور والدردنيل ولتحقيق هذا الطموح  ازداد الدعم الروسي لدول البلقان التي كانت تسعى للاستقلال عن الدولة العثمانية وبالتالي لم تتوقف تلك الحروب خلال تلك السنوات .

مع قيام روسيا الجديدة بعد انهيار الدولة السوفيتية استطاع  الرئيس التركي سليمان ديمريل فتح صفحة جديدة من التفاهمات بين الدولتين تقوم على  احترام السيادة والمساواة والندية مع روسيا يلتسين 1991-2000الا أن العلاقات فيما بينهما وخاصة في السياسة الخارجية بقيت يساورها الشك  وعدم الثقة رغم توثيق معاهدة احترام السيادة   والمساواة  والندية وتحسن العلاقات التجارية بينهما  ذلك بسبب عدة قضايا لاتزال أغلبها شائكة بين الدولتين حيث لكل منهما موقف يختلف عن الاخر وفي مقدمة هذه القضايا – الموضوع الشيشاني  وموضوع الإبادة الجماعية الأرمنية والمسألة  والكردية وايضاً النزاع حول مرتفعات قره باغ  والحرب بين أذربيجان وأرمينيا والتدخل الروسي في البوسنة   وفرض قيود على حركة السفن الروسية في منطقتي البوسفور والدردنيل –  و أيضا دعم  روسيا لقبرص اليونانية  لذلك تعتبر  معظم تلك القضايا العالقة  من أهم محفزات التوتر بين البلدين والتي  قد تنشأ بين الطرفين من وقت لأخر، رغم حساسية تلك الخلافات الا أن العلاقات بين البلدين لم تصل إلى حد القطيعة بينهما ،  فمع وصول بوتين إلى رأس  الحكم في روسيا عام ٢٠٠٠ بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين كما كان  لنجاح حزب العدالة في تشكيل حكومة في تركيا بمفرده عام2002ووضع مبادئ للعلاقات الخارجية للحكومة التركية ومن أهمها ، مبدأ التوازن السليم بين الحرية والأمن ومبدأ السياسة الخارجية المتعددة الأبعاد وتضيق المشاكل مع الدول الخارجية وقيام أردوغان في زيارة موسكو في عامي ٢٠٠4 وأيضاً و٢٠٠٥  مصطحباً معه  ٦٠٠ رجل أعمال تم خلالها توقيع عشرات العقود التجارية ، فأصبحت تركيا من أهم شركاء روسيا في الاقتصاد قياسا الى حجم التبادل التجاري بينهما وهي  تشكل المرتبة الخامسة بين الشركاء التجاريين وتعتبر موارد الطاقة والحديد والمواد والصناعات الكيماوية من أهم الموارد الروسية  كما تم توقيع عشرات العقود والاتفاقيات بينهما في مجال الطاقة والمحطات الكهربائية كما يعلق الطرفان أهمية كبيرة على مشروع النقل الأمن للنفط عبر تمديد أنبوب نفط سامسون الذي بدأ تنفيذه عام ٢٠١٠ في البحر الأسود يمر من مضيقي الفوسفور والدردنيل لنقل النفط الروسي إلى أوروبا ، أما  الصادرات التركية إلى روسيا فتشمل النسيج ومنتجاته والماكينات ووسائل النقل وبعض المواد الغذائية ، لذلك تري روسيا في تركيا فيما يتعلق بالعلاقات التجارية شريكاً موثوقاً، كما تم بينهما تفاهمات سياسية وأمنية وكان أهمها أنهاء النشاط الشيشاني في تركيا وبالمقابل وقف روسيا دعم حزب العمال الكردستاني كما دعمت روسيا دخول تركيا للاتحاد الأوربي ودعم تركيا روسيا للانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي كدولة مراقبة ولكن بقيت بعض المسائل الشائكة عالقة بينهما دون التوصل إلى تفاهمات بينهما وفي مقدمتها المسألة السورية حيث كانت روسيا تتهم أنقرة بدعم  المعارضة المسلحة  السورية لقلب نظام الحكم في سورية والتنسيق مع قوى إرهابية متطرفة وتسهيل عبورهما نحو سوريا الا أن موسكو استطاعت في عامي ٢٠١٦ و٢٠١٨ أن توجد صيغ لتفاهمات مع تركيا لحل الأزمة السورية عبر لقاءات أستانا وسوتشي خارج المظلة الأممية في جنيف . 

لا يتجاهل الساسة الاتراك أن  تركيا عضواً أساسي في حلف شمال الأطلسي وأن جيشها يعد ثاني أكبر قوة عسكرية من حيث العدد والعودة بعد الولايات المتحدة الأمريكية في الحلف  كما يحاول ساستهم قدر المستطاع أن يجعلوا من موقعها الجغرافي بين القارات الثلاث الأوربية والأسيوية والأفريقية    وقربها  من الحدود الروسية عاملاً مهماً في تدعيم سياسة التوازن بين الغرب والشرق ،  فهي تعتبر بوابة لروسيا إلى البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والممر الرئيسي لقواعدها وتواجدها في سورية وفي تمددها في الشرق وفي الخليج العربي وفي أفريقيا وهي أيضا بوابة للغرب الأمريكي إلى البحر الأسود وعبر هذا العامل يمكن لها  ترسيخ حضورها لدى الغرب الأمريكي وفي حلف شمال الأطلسي وفي الصراع مع روسيا الاتحادية أو مع الصين الشعبية وعبره أيضاً  تعمل  على توظيفه  في  تدعيم سياسة التوازن التي تتخذها تركيا  بين الغرب والشرق وبالتالي تستطيع تحقيق انجاح مصالحها عند الطرفين عبر استمرار علاقاتها مع كل منهما  دون أن تتعرض لخطر المواجهة مع أي منهما. 

أن تركيا تدرك ان تحقيق معادلة التوازن بين الشرق والغرب هي معادلة  صعبة وخطيرة  لذلك هي  تعمل على جعل  العلاقة مع روسيا  أن تبقى في حدود الشريك الموثوق تجارياً لا أكثر وأن لا تتطور تلك الشراكة  إلى تحالف استراتيجي أو سياسي وأنه على الغرب أن يدرك هذه المعادلة كما أن تركيا تدرك جيداً أن روسيا لا يمكن لها أن تقدم لتركيا أكثر من ذلك  بسبب المشاكل  الاقتصادية والمالية التي تواجهها  مع الغرب بفعل  العقوبات غير المسبوقة  المفروضة عليها من الغرب  بعد غزوها لأوكرانيا .   أما روسيا فأنها تجد في توتر علاقات تركيا مع الغرب الأمريكي  فرصة لإبعاد أنقرة عن هذا المحور لذلك نجدها تضامنت مع تركيا  بعد محاولة الانقلاب الفاشل في ١٥ تموز عام ٢٠١٦ كما اعطت تركيا الموافقة لعمليتين عسكريتين في شمال سورية وفي عقد هدنة ووقف القتال في ادلب كما تحاول ان تراعي مصالح تركيا في تفاهمات أستانا وسوتشي المعنية بحل الأزمة السورية ثم عقدت مع تركيا صفقة منظومة صواريخ أس 400 الدفاعية المتطورة التي أزعجت أمريكا كثيراً وهي  مؤخراً تبذل  جهوداً لتحقيق مصالحة أنقرة ودمشق  بعد قطيعة  دامت بينهما أكثر من عشرة سنوات بسبب الانفجار الشعبي في سورية ٢٠١١ وهي بذلك تقدم لأردغان ورقة رابحة ضد خصومه داخل تركيا في الانتخابات  الرئاسية والبرلمانية القادمة بعد  أقل من شهرين اضافة الى أبرامها تفاهمات مع روسيا لإدارة نفوذها في شمال سورية وفي جنوب القوقاز . .هذا التفاهم والتقارب  في العلاقات السياسية مع  روسيا أثار إستياء وانزعاج واشنطن مما ادى الى فرض أمريكا عقوبات عسكرية ومالية على تركيا ومع ذلك فأن تركيا ومن خلال سياسة التوازن التي تعتمدها فأنها تعمل دون الوصول إلى  الى قطيعة مع الولايات المتحدة الامريكية لأنه يهمها أن تبقى  ضمن الحلف الأمريكي والاستعانة به  لمواجهة الشريك الروسي الطامع في أراضيها  عند الضرورة .. كما أن طموحها في الحصول على منظومة صواريخ باتريوت وطائرات اف ٣٦ المتطورة /الشبح / الأمريكية وفي رفع العقوبات الأمريكية عن   الصناعات العسكرية الجوية   تظل قائمة وهي على استعداد لتقديم تنازلات لأمريكا في حال الحصول عليهما لذلك نرى  أردوغان يصرح في أكثر من مناسبة أن تركيا هي حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية . 

بعد غزو روسيا لأوكرانيا انتقد الرئيس التركي أردوغان حلف شمال الأطلسي والغرب الأمريكي حيث قال ( أن حلف شمال الأطلسي  والاتحاد الأوربي لم يتخذا موقفاً حازما لردع الهجوم الروسي)  . يبدو غريباً أن يحصل هذا النقد للغرب الأمريكي في السياسة التركية  كما يبدو متناقضا  مع سياسة التوازن التي تعتمدها تركيا  في سياستها الخارجية ، حيث أنه لا يمكن تفسير مثل هكذا تصريح الا من خلال الخلافات المتراكمة مع الغرب الأمريكي هذا اضافة الى ما سيلحق تركيا من مواقف صعبة  بسبب هذا الغزو للحفاظ  على  سياسة التوازن التي تنتهجها بين روسيا والغرب الامريكي وكذلك  بسبب موقعها الجغرافي بين روسيا وأوكرانيا فتركيا لها  علاقات عديدة  تجارية وزراعية  وتعاون عسكري  بشكل قوي مع أوكرانيا وهي تزودها بطائرات مسيرة دون طيار  مما يجعلها منخرطة في هذه الحرب كما أن العقوبات المفروضة من  الغرب الامريكي على روسيا  أربكتها إلى حد بعيد  اتجاه شريكها التجاري الروسي فقررت رفض المشاركة في فرض العقوبات عليها ، كما انها رفضت  تزويد أوكرانيا بصواريخ اس ٣٠٠ أو ٤٠٠ الدفاعية التي اشترتها من روسيا ، كما انخرطت في جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا  .

لاتزال تركيا تعتبر نفسها جزءً من الغرب وهي تسعى جاهدة التمسك بخيط رفيع في علاقاتها مع الأوربيين رغم الخلافات الكبيرة بينهما وفي مقدمتها الخلافات المستمرة مع اليونان وحول المسألة القبرصية  وذلك على أمل انضمامها إلى الأتحاد الأوربي رغم توقفها منذ زمن وبسبب روابطها الاقتصادية الكبيرة معهم اضافة الى وجودها معهم في حلف شمال الأطلسي .

وجدت تركيا في سياسة الردع التي اتبعها الغرب الأمريكي ضد موسكو  فرص كبيرة لها لا تعوض فمن خلالها تحاول أن تحقق عبر  ادارة علاقاتها بين الشرق والغرب شروطها بشكل أفضل فهي تجد في  ازدياد  حدة الردع ضد موسكو وكلما توطدت وحدة الغرب ومساعدة اوكرانيا في حربها مع موسكو كلما ضعفت  سياسة مخاطر التوسع الروسية عن المناطق الغربية عن حدودها وفي منطقة البحر الأسود وهي ايضاً ضمن هذا السياق تستطيع أن تبني سياسات أكثر انسجاما واتساعاً مع الغرب الأمريكي وأن تبدد العديد من الخلافات معهم ، كما ترى في لعب دور الوساطة والتهدئة  بين روسيا وأوكرانيا والمساعي التي تبذلها لوقف الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية قد يمنع انتشار نيرانها وعدم الإنخراط فيها .

وكما نوهنا سابقا تبقى سياسة المناورة والموازنة التي تتبعها أنقرة مع كل من الغرب  والشرق وتحديداً في حرب روسيا على أوكرانيا لا تخلو من المخاطر، فهي  تحقق مكاسب لتركيا في حال تم تسوية الصراع الروس – الغربي في أوكرانيا الا أنه ومن المؤكد يضيق هامش المناورة أمامها في حال طال أمد هذا الصراع وتصاعدت حدة المواجهة بين روسيا والغرب الأمريكي وهذا هو الأحتمال الأكبر والأقوى وأغلب المؤشرات تفيد أن إجراء تسوية في هذا الصراع لا يزال ضعيفاً جداً وعندها ستجد أنقرة نفسها في حالة صعبة ومعقدة لا تحسد عليها.


من أجل نظرة جديدة للسياسة

يوسف الطويل

تغلغلت النظريات الفلسفية السياسية الغربية ونشأت نظريات عربية في عالمنا العربي نتيجة مخاض طويل ومازال الى الآن ، حيث أخذت في القرن العشرين والى الآن طابعا شموليا تحتكر الحقيقة، من الماركسية اللينينية الى القومية التقليدية والى الليبرالية وخاصة النيوليبرالية الجديدة وصولا للتيار الاسلامي ،كل منهم يدعي امتلاكه للحقيقة ويعطي الاجوبة المختلفة ويرفض الآخر نتيجة التخشب الطبقي من جهة ونتيجة محدودية هذا الوعي قياسا لبعض تيارات الفكر الإنساني العصرية .

من المفيد القول: ان بنية الحقيقة في عالمنا العربي ذو طبيعة جمعية، كل تيار يطرح الاجوبة بشكل رفضوي للآخر وتخويني، وبما ان الحقيقة جمعية فان كل تيارات الفكر العربي تتشارك مع بعضها في توضيح الحقيقة، حيث تصبح الحقيقة نتيجة جهاد جمعي معرفي، كل تيار يطرح حسب رؤيته الوجودية للحقيقة.

لا بد لتيارات الفكر العربي التحديثية ان تلاقي هذه الحقيقة ذو الطابع الجمعي ، وينتقلوا من إطار الأجوبة المسبقة والمتخشبة إلى فضاء الحوار الديمقراطي والتحالفي للوصول لحلول ناجعة ، وللعمل بشكل جمعي لإنتاج حقيقة تناسب الحاجات الملحة لشعوب أمتنا العربية ، ولإعادة تكوين عناصرها للإنتقال من سياق حقق إلى سياق معرفي وإنساني جديد ، وهذا يتطلب البدء في قراءة الواقع من غير تحيزات مسبقة وبشكل علمي موضوعي ، لإنتاج حقيقة نظرية يتم من خلال الحوار المسؤول وضعها على المحك العملي بعد تفتح تيارات الفكر العربي على بعضها البعض ، والإعتراف الندي بأحقية وجود الآخر ورؤيته السياسية.

على القوى العروبية الإبتعاد عن الأحادية والإلغائية والتخوينية والشعاراتية في الممارسة السياسية ، نحو رؤية السياسة من خلال الرؤى والبرامج للقوى السياسية والمدنية ومدى مطابقتها للأهداف ضرورية التحقق.

إن المرونة السياسية مطلوبة في العمل السياسي ، حيث تقارب الرؤى المطروحة ،وتوضح زوايا من الحقيقة لم تكن واضحة ، إضافة لتكوين أعراف جديدة في العمل السياسي ، تناسب السياسة العصرية ، مما يحيل لتشكيل وعي سياسي رائد ونقدي ، كون الوعي السياسي الرائد يطابق بين النظرية والممارسة ، بحيث يوجه الفكر الممارسة ، وتصحح الممارسة النظرية والنظر ، وهذا أمر مطلوب وضروري لكي نصل لنتائج جيدة ونوعية .


القانون الدولي والقانون المحلي

(دراسة من إعداد هيئة التحرير)

من حيث المبدأ ، يعمل القانون الدولي فقط على المستوى الدولي وليس ضمن الأنظمة القانونية المحلية –  عبر منظور يتوافق مع الوضعية القانونية، التي تعترف بالقانون الدولي والقانون المحلي كنظامين متميزين ومستقلين. على العكس من ذلك ، يؤكد دعاة القانون الطبيعي أن القانون المحلي والقانون الدولي يشكلان نظامًا قانونيًا واحدًا ، وهو نهج يشار إليه أحيانًا باسم الوحدانية. قد ينشأ مثل هذا النظام ، وفقًا للوضعيين ، إما من نهج أخلاقي موحد يؤكد على حقوق الإنسان العالمية أو من نهج شكلي هرمي يفترض وجود معيار أساسي واحد يقوم عليه القانون الدولي والقانون المحلي.

مبدأ معترف به في كل من السوابق القضائية الدولية (على سبيل المثال قضية ولاية  ألاباما  بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في أعقاب الحرب الأهلية الأمريكية1861-1865) وفي المعاهدات (على سبيل المثال ، المادة 27 من اتفاقية فيينا لعام 1969 بشأن قانون المعاهدات) أنه لا يمكن الاعتماد على أي قاعدة أو قانون محلي كمبرر للانتهاك للقانون الدولي. إن مكانة القانون الدولي في القانون المحلي أكثر تعقيدًا وتعتمد على التشريعات المحلية للبلد. على وجه الخصوص ، يجب التمييز بين المعاهدات والقانون الدولي العرفي. المعاهدات هي اتفاقيات مكتوبة يتم التوقيع عليها والمصادقة عليها من قبل الأطراف وملزمة لهم. يتألف القانون الدولي العرفي من تلك القواعد التي نشأت نتيجة للممارسات التي تمارسها الدول.

ينص دستور الولايات المتحدة (المادة السادسة ، القسم 2) على أن المعاهدات “هي القانون الأعلى للولاية”. يتم التفاوض على المعاهدات من قبل الرئيس ولكن لا يمكن التصديق عليها إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ (المادة الثانية) – باستثناء حالة الاتفاقات التنفيذية التي يبرمها الرئيس بسلطته الخاصة. علاوة على ذلك ، قد تكون المعاهدة إما التنفيذ الذاتي أو غير ذاتية التنفيذ ، اعتمادًا على ما إذا كان يجب سن التشريع المحلي حتى تدخل المعاهدة حيز التنفيذ. في الولايات المتحدة ، تطبق المعاهدات ذاتية التنفيذ بشكل مباشر كجزء من القانون الأعلى للأرض دون الحاجة إلى مزيد من الإجراءات. يعتمد ما إذا كانت المعاهدة ذاتية التنفيذ على نية الموقعين وتفسير المحاكم. في Fujii_v._California) 1952)1، على سبيل المثال ، رأت المحكمة العليا في كاليفورنيا أن ميثاق الأمم المتحدة لم يكن ذاتي التنفيذ لأن مبادئه ذات الصلة بحقوق الإنسان تفتقر إلى الجودة واليقين الإلزاميين المطلوبين لإنشاء حقوق قابلة للتقاضي للأشخاص العاديين. منذ ذلك الحين تم تطبيق الحكم باستمرار من قبل محاكم أخرى في الولايات المتحدة. في المقابل ، تم تفسير القانون الدولي العرفي كجزء من القانون الفيدرالي في قضية Paquette Habana (1900) ، التي قضت فيها المحكمة العليا الأمريكية بأن القانون الدولي يحظر على البحرية الأمريكية بيع سفن الصيد الكوبية التي استولت عليها كجوائز حرب في الحرب الأميركية- الاسبانية عام1898. التشريع المحلي هو الأسمى في لاحتمال، في الولايات المتحدة حتى لو انتهكت القانون الدولي ، على الرغم من أن الحكومة قد تكون مسؤولة عن مثل هذا الانتهاك على المستوى الدولي. من أجل التخفيف من مثل هذا الاحتمال ، هناك افتراض بأن لن يشرع الكونجرس الأمريكي بما يتعارض مع الالتزامات الدولية للبلاد.

تتخذ المملكة المتحدة وجهة نظر مؤسسية ، حيث ترى أن القانون الدولي العرفي يشكل جزءًا من القانون العام . ومع ذلك ، ينظر القانون البريطاني إلى المعاهدات على أنها أعمال تنفيذية بحتة وليست تشريعية. وبالتالي، تصبح المعاهدة جزءًا من القانون المحلي فقط إذا تم اعتماد التشريع ذي الصلة. ينطبق نفس المبدأ في البلدان الأخرى حيث تم قبول القانون العام الإنجليزي (على سبيل المثال ، غالبية دول الكومنولث وإسرائيل). على الرغم من أن وجهة نظر التأسيسية تعتبر القانون العرفي كجزء من قانون الأرض ويفترض أن القوانين المحلية لا ينبغي أن تتعارض مع القانون الدولي ، والقوانين المحلية لها الأسبقية على القانون الدولي في حالات النزاع.

بلدان القانون العام التي اعتمدت دستورًا مكتوبًا بشكل عام اتخذت مواقف مختلفة قليلاً بشأن دمج القانون الدولي في القانون المحلي. ينص دستور أيرلندا ، على سبيل المثال ، على أن الدولة لن تكون ملزمة بأي معاهدة تتعلق بالأموال العامة دون موافقة الهيئة التشريعية الوطنية ، وفي المعاهدات القبرصية المبرمة وفقًا لدستورها فإن الأخيرة تتمتع بوضع أعلى من القانون المحلي بشرط المعاملة بالمثل .

وتختلف العلاقة بين القانون المحلي والقانون الدولي، ويتحدد وضع المعاهدة الدولية في القانون المحلي من خلال الأحكام الدستورية للبلد. في الأنظمة الفيدرالية ، يكون تطبيق القانون الدولي معقدًا ، وتعتبر قواعد القانون الدولي عمومًا جزءًا من القانون الفيدرالي. على الرغم من أن المعاهدة لا تصبح مركزية ،بشكل عام، إلا عندما يتم التصديق عليها من قبل الهيئة التشريعية الوطنية ،فقد اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على أن اللوائح والقرارات الصادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي قابلة للتطبيق بشكل مباشر وقابلة للتنفيذ دون الحاجة إلى تشريعات تمكينية – باستثناء التشريع الذي يسمح بهذا الشكل من التشريع ، والذي يتم اعتماده عند دخول الدولة في الاتحاد (على سبيل المثال ، اعتماد بريطانيا لـ قانون المجتمعات الأوروبية لعام 1972.

مصادر القانون الدولي

في المادة 38  يحدد النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ثلاثة مصادر للقانون الدولي: المعاهدات، والعرف، والمبادئ العامة. لأن نظام القانون الدولي أفقي ولا مركزي ، وبالتالي فإن إنشاء القوانين الدولية هو حتما أكثر تعقيدا من إنشاء القوانين في الأنظمة المحلية.

المعاهدات

تُعرف المعاهدات بمجموعة متنوعة من المصطلحات: الاتفاقيات والمواثيق والأحكام العامة والمواثيق والعهود – وكلها تشير إلى صكوك مكتوبة يوافق فيها المشاركون (عادة ولكن ليس دائمًا الدول) على الالتزام بشروط التفاوض. تخضع بعض الاتفاقيات للقانون المحلي (على سبيل المثال ، الاتفاقات التجارية بين الدول والشركات الدولية) ، وفي هذه الحالة يكون القانون الدولي غير قابل للتطبيق. تُستثنى البيانات أو الإعلانات السياسية غير الرسمية وغير الملزمة من فئة المعاهدات.

قد تكون المعاهدات ثنائية أو متعدد الأطراف . من المرجح أن يكون للمعاهدات متعددة الأطراف أهمية دولية أكبر، على الرغم من أن العديد من المعاهدات الأكثر أهمية (مثل تلك المنبثقة عن محادثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية ) كانت ثنائية. عدد من المعاهدات المعاصرة ، مثل اتفاقيات جنيف (1949) ومعاهدة قانون البحار (1982 ؛ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار رسميًا) ، لديها أكثر من 150 طرفًا فيها ، مما يعكس أهميتها و تطور المعاهدة كطريقة للتشريع العام في القانون الدولي. تشمل المعاهدات الهامة الأخرى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948) ، واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) ، واتفاقية معاهدة أنتاركتيكا (1959) ونظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية (1998). في حين أن بعض المعاهدات تنشئ منظمات دولية وتقدم دساتيرها (على سبيل المثال ، ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945) ، فإن البعض الآخر يتعامل مع المزيد من القضايا العادية (مثل لوائح التأشيرات وترتيبات السفر والمساعدة الاقتصادية الثنائية(.

البلدان التي لا توقع ولا تصدق على معاهدة لا تلتزم بأحكامها. ومع ذلك ، قد تشكل أحكام المعاهدة أساسًا لعرف دولي في ظروف معينة ، شريطة أن يكون الحكم المعني قادرًا على هذا التعميم أو “ذو طابع أساسي يبتكر القواعد” ، كما وصفت محكمة العدل الدولية العملية في قضايا الجرف القاري لبحر الشمال  (1969). المعاهدة مبنية على موافقة الأطراف فيها ، وهي ملزمة ، ويجب تنفيذها بحسن النية ويمكن القول إن العقد شريعة المتعاقدين (“يجب الحفاظ على الاتفاقات”) هو أقدم مبدأ في القانون الدولي. بدون مثل هذه القاعدة، لن يكون أي اتفاق دولي ملزمًا أو واجب النفاذ. يشار مباشرة إلى “العقد شريعة المتعاقدين” في العديد من الاتفاقيات الدولية التي تحكم المعاهدات ، بما في ذلك اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969) ، والتي تتعلق بالمعاهدات بين الدول ، واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية أو بين المنظمات الدولية (1986(.

لا يوجد شكل أو إجراء محدد لعقد المعاهدات أو إبرامها. يمكن صياغتها بين رؤساء الدول أو بين الدوائر الحكومية. العنصر الأكثر أهمية في إبرام المعاهدة هو الإشارة إلى موافقة الدولة ، والتي يمكن أن تتم بالتوقيع أو تبادل الصكوك أو التصديق أو الانضمام. المصادقة هي الطريقة المعتادة لإعلان الموافقة – ما لم تكن الاتفاقية منخفضة المستوى، وفي هذه الحالة يكون التوقيع كافيًا في العادة. تختلف إجراءات التصديق حسب الهيكل الدستوري للدولة.

قد تسمح المعاهدات للأطراف الموقعة بالانسحاب من بند معين ، وهو تكتيك يمكّن البلدان التي تقبل المبادئ الأساسية للمعاهدة من أن تصبح طرفًا فيها على الرغم من أنها قد تكون لديها مخاوف بشأن قضايا هامشية . يشار إلى هذه المخاوف باسم “التحفظات” التي تختلف عن الإعلانات التفسيرية التي ليس لها أثر ملزم. يجوز للدول إبداء تحفظات على معاهدة ما إذا كانت المعاهدة لا تمنع القيام بذلك وبشرط ألا يتعارض هذا التحفظ مع هدف المعاهدة وغرضها. قد تقبل الدول الأخرى هذه التحفظات أو تعترض عليها. في الحالة الأولى ، تدخل المعاهدة المعدلة بشروط التحفظات حيز التنفيذ بين الدول المعنية. في الحالة الأخيرة ، تدخل المعاهدة حيز التنفيذ بين الدول المعنية باستثناء الأحكام المتعلقة بالتحفظات وفي حدود التحفظات. من العيوب الواضحة في هذا النظام أن كل حكومة تحدد ما إذ كانت التحفظات مسموحًا بها، ويمكن أن يكون هناك خلاف بشأن النتائج القانونية إذا اعتبر التحفظ غير مسموح به.

تطورت مجموعة من القواعد لتفسير المعاهدات. يُتوقع تفسير المعاهدة بحسن نية ووفقًا للمعاني العادية لشروطها ، بالنظر إلى سياق المعاهدة وموضوعها والغرض منها. يمكن استخدام وسائل التفسير التكميلية، بما في ذلك استخدام الأعمال التحضيرية، ومراعاة الظروف المحيطة بإبرام المعاهدة، عندما يكون نص المعاهدة غامضًا. في بعض الحالات ، هناك طريقة أكثر مرونة لتفسير المعاهدات ، تستند إلى مبدأ الفعالية (أي تفسير لا يسمح بأن يصبح الحكم المعني عديم الفائدة) .إلى جانب ذلك تم اعتماد نهج أوسع نطاقًا (أي مراعاة الأغراض الأساسية للمعاهدة في تفسير حكم معين). حيث تكون المعاهدة أيضًا الوثيقة الدستورية لمنظمة دولية ، وتكون أكثر برنامجية أويتم استخدام النهج الموجه نحو الغرض من أجل مساعدة المنظمة في التعامل مع التغيير. كما تم اعتبار النهج الموجه نحو الغرض مناسبًا لما تم وصفه بـ “الأدوات الحية “، مثل معاهدات حقوق الإنسان التي تنشئ نظامًا للتنفيذ.

يجوز إنهاء المعاهدة أو تعليقها وفقًا لأحد أحكامها (إن وجدت) أو بموافقة الأطراف. إذا لم يكن الأمر كذلك ، فقد تصبح الأحكام الأخرى ذات صلة.  في حالة حدوث خرق مادي لمعاهدة ثنائية، يجوز للطرف البريء التذرع بهذا الانتهاك كأساس لإنهاء المعاهدة أو تعليق نفاذها. إنهاء المعاهدات المتعددة الأطراف أكثر تعقيدا. بالاتفاق بالإجماع ، يجوز لجميع الأطراف إنهاء أو تعليق المعاهدة كليًا أو جزئيًا ، ويجوز للطرف المتأثر بشكل خاص بالخرق تعليق الاتفاقية بينه وبين الدولة المتعثرة. يجوز تعليق الاتفاقية بأكملها أو جزء منها في الحالات التي تكون فيها المعاهدة من شأنها أن يؤدي الخرق المادي إلى تغيير جذري في موقف كل طرف فيما يتعلق بالتزاماته بموجب المعاهدة. على سبيل المثال ، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا في عام 1971 اعتبر إنهاء تفويض الجمعية العامة لولاية جمهورية جنوب افريقيا على منطقة  جنوب غرب إفريقيا(نامبيا) أمرًا مشروعًاً . يعتبر خرق المعاهدة عمومًا ماديًا إذا كان هناك تنصل غير مسموح به من المعاهدة أو إذا كان هناك انتهاك لحكم أساسي لموضوع المعاهدة أو غرضها.

“الأمور قائمة على هذا النحو” تنص على أنه في حالة حدوث تغيير جوهري في الظروف، يجوز للطرف الانسحاب من المعاهدة المعنية أو إنهاؤها. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك المثال الذي أصبحت فيه جزيرة ذات صلة مغمورة بالمياه. ومع ذلك ، فإن التغيير الأساسي في الظروف لا يكفي للإنهاء أو الانسحاب ما لم يكن وجود الظروف الأصلية أساسًا أساسيًا لموافقة الأطراف على الالتزام بالمعاهدة ويغير التغيير جذريًا نطاق الالتزامات التي لا يزال يتعين تعديلها. لا ينطبق هذا الاستثناء إذا كانت المعاهدة ترسي حدودًا أو إذا كان التغيير الأساسي ناتجًا عن خرق من قبل الطرف المحتج من التزام بموجب المعاهدة أو أي التزام دولي آخر مستحق لأي طرف آخر في المعاهدة.

مخصص

يشير قانون محكمة العدل الدولية إلى “العرف الدولي كدليل على ممارسة عامة مقبولة كقانون “، كمصدر ثانٍ للقانون الدولي. يتضمن العرف ، الذي تعكس أهميته الطبيعة اللامركزية للنظام الدولي ، عنصرين أساسيين: الممارسة الفعلية للدول وقبول الدول لتلك الممارسة كقانون. تغطي الممارسة الفعلية للدول (يطلق عليها “الحقيقة المادية”) وتتألف من عناصر مختلفة: بما في ذلك المدة والاتساق والتكرار وعموم نوع معين من السلوك من قبل الدول. كل هذه العناصر مهمة في تحديد ما إذا كانت الممارسة يمكن أن تشكل أساسًا لعرف دولي ملزم. طلبت محكمة العدل الدولية أن ترقى الممارسات إلى “استخدام ثابت وموحد” أو أن تكون “واسعة النطاق وموحدة فعليًا” ليتم اعتبارها ملزمة. على الرغم من أن جميع الدول قد تساهم في تطوير عادة جديدة أو معدلة ، إلا أنها ليست متساوية في هذه العملية. تمتلك الدول الكبرى عمومًا أهمية أكبر في إنشاء العادات. على سبيل المثال ، خلال الستينيات من القرن الماضي ، لعبت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي دورًا أكثر أهمية بكثير في تطوير الجمارك المتعلقة بقانون الفضاء مقارنةً بالدول التي لديها القليل من الممارسات في هذا المجال. بعد إنشاء ممارسة “ما” يحول عنصر ثانٍ مجرد الاستخدام إلى عادة ملزمة – يجب قبول هذه الممارسة باعتبارها رأي قانوني ضروري (“الرأي القائل بأن الفعل ضروري بموجب حكم القانون”).

في قضايا الجرف القاري لبحر الشمال ، ذكرت محكمة العدل الدولية أن الممارسة المعنية يجب أن تكون “حدثت بطريقة تظهر اعترافًا عامًا بأن هناك حكمًا أو التزامًا قانونيًا”..

بمجرد أن تصبح ممارسة “ما “عادة ، تلتزم بها جميع الدول في المجتمع الدولي سواء وافقت الدول الفردية صراحة أم لا – باستثناء الحالات التي تعترض فيها دولة “ما” منذ بداية العرف ، وهو اختبار صارم لإثباته. قد تقتصر ممارسة معينة على مجموعة محددة من الدول (على سبيل المثال ، دول أمريكا اللاتينية) أو حتى على دولتين ، وفي هذه الحالات يكون معيار القبول كعرف مرتفع بشكل عام. يمكن أن تتطور الجمارك من بند معاهدة قابل للتعميم ، وقد توجد قاعدة عرفية ملزمة وحكم معاهدة متعددة الأطراف حول نفس الموضوع (على سبيل المثال ، الحق في الدفاع عن النفس) في نفس الوقت.

المبادئ العامة للقانون

المصدر الثالث للقانون الدولي الذي حدده النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية هو “المبادئ العامة للقانون التي تعترف بها الدول المتحضرة”. توفر هذه المبادئ بشكل أساسي آلية لمعالجة القضايا الدولية التي لا تخضع بالفعل لأحكام المعاهدة أو القواعد العرفية الملزمة. قد تنشأ مثل هذه المبادئ العامة إما من خلال القانون المحلي أو من خلال القانون الدولي ، والعديد منها في الواقع مبادئ إجرائية أو أدلة أو تلك التي تتعامل مع آلية العملية القضائية – على سبيل المثال ، المبدأ ، الذي تم وضعه في مصنع Chorzow 1927-1928) )5 ، أن الإخلال بالتزام ينطوي على التزام بجبر الضرر. وفقًا لذلك ، في مصنع Chorzow في هذه القضية ، اضطرت بولندا إلى دفع تعويضات لألمانيا عن المصادرة غير القانونية للمصنع.

ربما يكون أهم مبدأ في القانون الدولي هو حسن النية . إنه يحكم إنشاء الالتزامات القانونية وأدائها وهو أساس قانون المعاهدات. مبدأ عام آخر مهم هو مبدأ الإنصاف، الذي يسمح للقانون الدولي أن يتمتع بدرجة من المرونة في تطبيقه وإنفاذه. دعت معاهدة قانون البحار ، على سبيل المثال ، إلى ترسيم الحدود على أساس المساواة في المناطق الاقتصادية الخالصة والجرف القاري بين الدول ذات السواحل المتعارضة أو المتاخمة .

مصادر أخرى

كما تعترف المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بالقرارات القضائية والكتابات العلمية كوسائل فرعية لتحديد القانون. يمكن للقرارات القضائية المحلية والدولية أن تعمل على إرساء مبادئ وقواعد جديدة. في القضايا المحلية، يمكن أن تصبح القواعد القانونية الدولية واضحة من خلال تطبيقها المتسق من قبل محاكم عدد من الدول. ومع ذلك ، يتم تشكيل طريقة أوضح لتحديد القانون من خلال القرارات القضائية الدولية لهيئات مثل محكمة العدل الدولية في لاهاي ، والمحكمة الدولية لقانون البحار في هامبورغ (ألمانيا) ، وهيئات التحكيم الدولية.

يمكن أن ينشأ القانون الدولي بشكل غير مباشر من خلال آليات أخرى. من خلال اصدار الأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة  للقرارات ، على سبيل المثال ، ليست ملزمة – إلا فيما يتعلق ببعض الإجراءات التنظيمية – لكنها يمكن أن تكون مؤثرة للغاية. قد تساعد القرارات في إنشاء قواعد عرفية جديدة ، سواء من حيث ممارسات الدول أو في عملية إنشاء عرف من خلال إثبات قبول الدول للممارسة “كقانون” (الاعتقاد بالإلزام ) . ولكي يحدث ذلك ، يجب أن يتضمن القرار أحكامًا قابلة للتعميم وأن يجتذب دعمًا كبيرًا من البلدان المتنوعة ووجهات النظر الأيديولوجية والثقافية والسياسية. ومن أمثلة هذه القرارات إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (1960)، وإعلان المبادئ القانونية التي تحكم أنشطة الدول في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي (1963)، وإعلان المبادئ الدولية. وأيضاً قانون العلاقات الودية والتعاون بين الدول (1970).

قد تؤدي الإجراءات الأحادية الجانب التي تتخذها الدولة إلى التزامات قانونية عندما يكون من الواضح أن الدولة تنوي الالتزام بالالتزام وعندما يتم الإعلان عن نيتها علنًا. ومن الأمثلة على هذه الحالة قرار فرنسا وقف التجارب النووية في الغلاف الجوي أثناء التقاضي في محكمة العدل الدولية بينها وبين أستراليا ونيوزيلندا (1974) بشأن شرعية مثل هذه الاختبارات. قد تشكل التصريحات الأحادية الجانب أيضًا دليلاً على وجهات نظر دولة حول قضية معينة. حتى عندما لا ينطوي الصك أو الوثيقة على التزام قانوني، فقد يكون لهما تأثير داخل المجتمع الدولي. مثل اتفاقيات هلسنكي (1975)، التي حاولت تقليل التوترات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة ،فهي  لم تكن ملزمة صراحة ولكن كان لها آثار سياسية هائلة. في مجالات معينة ، مثل القانون البيئي والقانون الاقتصادي، قد تنتج مجموعة من التوصيات والإرشادات ومدونات الممارسات والمعايير ما يسمى “القانون غير الملزم “- أي أداة ليس لها قيمة قانونية صارمة ولكنها تشكل بيانًا مهمًا.

التسلسل الهرمي للمصادر والقواعد

المبادئ العامة مكملة لقانون المعاهدات والعرف. يتم قبول المصادر ذات المنشأ الأحدث بشكل عام على أنها أكثر موثوقية ، والقواعد المحددة لها الأسبقية على القواعد العامة.القواعد الآمرة (“قانون ملزم”) هي قواعد آمرة لا يمكن للدول أن تحيد عنها ؛ وتشمل القواعد في الفئة السابقة المحظورات ضد الإبادة الجماعية والعبودية والقرصنة وحظر العدوان . الأمثلة الأخرى للقواعد الآمرة أكثر إثارة للجدل. وتنص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (المادة 53) على أن المعاهدة ستكون باطلة إذا كانت ، وقت إبرامها ، تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي. علاوة على ذلك ، يتم استبعاد عدم مشروعية إجراء الدولة إذا كان الفعل مطلوبًا بموجب قاعدة قطعية من القانون الدولي العام. من أجل إنشاء قاعدة آمرة ، يجب أولاً إنشاء المبدأ كقاعدة من قواعد القانون الدولي ثم الاعتراف به من قبل المجتمع الدولي كقاعدة آمرة للقانون لا يسمح بأي انتقاص منها.

كما أنشأ القانون الدولي فئة من الالتزامات تجاه الجميع والتي تنطبق على جميع الدول. بينما في الالتزامات العادية تتحمل الدولة المتخلفة المسؤولية تجاه دول معينة معنية (على سبيل المثال ، أطراف أخرى في المعاهدة تم انتهاكها) ، في انتهاك للالتزامات تجاه الكل ، يكون لجميع الدول مصلحة وقد تتخذ الإجراءات المناسبة رداً على ذلك.

الدول في القانون الدولي

على الرغم من أن الدول ليست الكيانات الوحيدة التي تتمتع بمكانة قانونية دولية وليست الجهات الفاعلة الدولية الحصرية ، إلا أنها الموضوعات الأساسية للقانون الدولي وتمتلك أكبر مجموعة من الحقوق والالتزامات. على عكس الدول التي تمتلك حقوقًا والتزامات بشكل تلقائي ، فإن المنظمات الدولية والأفراد وغيرهم يستمدون حقوقهم وواجباتهم في القانون الدولي مباشرة من صكوك معينة. يمكن للأفراد ، على سبيل المثال ، تأكيد حقوقهم بموجب القانون الدولي وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، وكلاهما دخل حيز التنفيذ في عام 1976.

الدولة: إنشاء الدول

عملية إنشاء دول جديدة هي مزيج من الحقائق والقانون ، بما في ذلك إنشاء شروط واقعية معينة والامتثال للقواعد ذات الصلة. تم وضع المعايير المقبولة للدولة في اتفاقية مونتيفيديو (1933) ، التي تنص على أن الدولة يجب أن تمتلك عددًا دائمًا من السكان ، وإقليمًا محددًا ، وحكومة ، والقدرة على إدارة العلاقات الدولية .

إن الحاجة إلى سكان دائمين ومنطقة محددة أمر واضح ، على الرغم من أن النزاعات الحدودية – على سبيل المثال ، تلك المتعلقة بألبانيا بعد الحرب العالمية الأولى وإسرائيل في عام 1948 – لا تمنع قيام الدولة  يعترف بها المجتمع الدولي (بما في ذلك الأمم المتحدة) وبعض الدول نشأت  أثناء تورطها في حرب أهلية (على سبيل المثال ، الكونغو في 1960 وأنغولا في 1975) ، مما أدى إلى تآكل معيار الحكومة الفعالة ، وهناك مثال كرواتيا والبوسنة والهرسك كدول جديدة  تم الاعتراف بها من قبل الكثير من المجتمع الدولي في عام 1992 ، على الرغم من أنه في ذلك الوقت لم يكن أي منهما قادراً على ممارسة أي سيطرة فعالة على أجزاء كبيرة من أراضيها. على الرغم من أن الاستقلال مطلوب ، إلا أنه لا يلزم أن يكون أكثر من استقلال دستوري رسمي .

قد تنقرض الدول من خلال الاندماج (شمال وجنوب اليمن في عام 1990) ، والاستيعاب (انضمام   جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية في عام 1990) ، وحلها وإعادة تأسيسها كدول جديدة ومنفصلة ( إنشاء جمهوريات تشيكية وسلوفاكية  بوصفهما دولتان انبثقتا عن انفصال جمهورية  تشيكوسلوفاكيا في عام 1993) ، وتقسيم محدود مع دول أصغر إقليميًا يتم فيها تواصل هوية الدولة الأكبر إلى جانب ظهور دول جديدة من جزء من أراضي الأخيرة (روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي في عام 1991 ) ، أو ، تاريخياً ، الضم ( ضم ألمانيا النازية  للنمسا عام 1938).

الإعتراف:

الإعتراف هو عملية يتم من خلالها قبول حقائق معينة ومنحها وضعًا قانونيًا معينًا ، مثل الدولة أو السيادة على الأراضي المكتسبة حديثًا أو الآثار الدولية لمنح الجنسية. إن عملية الاعتراف كدولة بكيان جديد يتوافق مع معايير الدولة هي عملية سياسية ، حيث تقرر كل دولة بنفسها ما إذا كانت ستقدم مثل هذا الاعتراف. لا يتم تمديد الحصانات السيادية والدبلوماسية العادية بشكل عام إلا بعد أن تعترف السلطة التنفيذية للدولة رسميًا بدولة أخرى، والاعتراف الدولي هو دليل مهم على أن المعايير الواقعية للدولة قد تحققت بالفعل. قد يدعم عدد كبير من الاعترافات المطالبة بإقامة دولة حتى في الظروف التي تم فيها استيفاء شروط الدولة بشكل غير كامل (على سبيل المثال ، البوسنة والهرسك في عام 1992). بحسب  “نظرية الاعتراف التوضيحي “، التي تدعمها الممارسة الدولية ، لا يعني فعل الاعتراف أكثر من قبول موقف واقعي موجود بالفعل – أي التوافق مع معايير الدولة. على النقيض من ذلك ، تزعم النظرية التأسيسية أن فعل الاعتراف نفسه يخلق الدولة بالفعل. قبل منح الاعتراف ، قد تطلب الدول استيفاء شروط إضافية. على سبيل المثال ، أصدرت المجموعة الأوروبية (التي خلفها الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف) ، إعلانات في عام 1991 بشأن الدول الجديدة التي كانت تتشكل في ذلك الوقت في أوروبا الشرقية ، والاتحاد السوفيتي السابق ، ويوغوسلافيا ، والتي تتطلب ، من بين أمور أخرى ، احترام حقوق الأقليات ، وحرمة والتزامات بنزع السلاح وعدم انتشار الأسلحة النووية. إن توقيت أي اعتراف أمر بالغ الأهمية – لاسيما عندما تتشكل دولة جديدة جزئياً من دولة قائمة. قد يرتقى الاعتراف المبكر في حالة الانفصال إلى حد التدخل في الشؤون الداخلية للدولة ، وهو انتهاك لأحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي. ويختلف الاعتراف بتمييز الحكومات عن الاعتراف بالدولة. الاتجاه المعاصر في الواقع لم يعد يعترف بالحكومات رسميًا ولكن التركيز بدلاً من ذلك على استمرار (أو وقف) العلاقات الدبلوماسية. من خلال هذا التغيير ، تسعى الدول إلى تجنب الصعوبات السياسية التي ينطوي عليها تقرير ما إذا كان يجب “الاعتراف” بالأنظمة الجديدة التي تتولى السلطة بوسائل غير دستورية أم لا.

على الرغم من أن الدول ليست ملزمة بالاعتراف بالمطالبين الجدد بإقامة دولة ، إلا أن ظروفًا تنشأ أحيانًا تجعل من الواجب الإيجابي عدم الاعتراف بالدولة. خلال الثلاثينيات من القرن الماضي ، وزير خارجية الولايات المتحدة  هنري ستيمسون قدم عقيدة عدم الاعتراف بالأوضاع  التي نشأت نتيجة  العدوان ، وهو نهج تم تعزيزه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . في الستينيات ، “دعا” مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جميع الدول إلى عدم الاعتراف بـإعلان استقلال نظام الأقلية البيضاء الروديسية  في روديسيا (زيمبابوي منذ عام1980)وفرض عقوبات اقتصادية. تم اتخاذ إجراءات دولية مماثلة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ردًا على إنشاء جنوب إفريقيا للبانتوستانات ، أو الأوطان ، والتي كانت عبارة عن أقاليم حددتها حكومة الأقلية البيضاء على أنها “دول مستقلة” كجزء من سياستها المتمثلة في الفصل العنصري . كما أعلن مجلس الأمن أن الاستقلال المزعوم لشمال قبرص التي تحتلها تركيا “باطل قانونيًا” (1983) وأعلن ضم العراق للكويت “لاغياً وباطلاً” (1990). كما أعلنت الأمم المتحدة ذلك إن ضم إسرائيل المزعوم لمرتفعات الجولان ( التي تم احتلالها من سوريا عام 1967) غير شرعي  وقد حكم بالمثل فيما يتعلق بتوسيع إسرائيل لولايتها القضائية إلى القدس الشرقية التي كانت تسيطر عليها الأردن حتى حرب 1967.

                     (يتبع الجزء الثاني من الدراسة في العدد القادم)


         
البنية الاجتماعية والطبقية لسوريا “المحررة” الخاضعة لفصائل المعارضة المسلحة

مازن كم الماز

لم يتراجع الفرز و التفاوت الطبقي في سوريا بل أنه زاد و بلغ مستويات غير مسبوقة دون أن يعني ذلك تصاعد النضال الطبقي بالضرورة ممن هم أسفل السلم الاجتماعي ضد أصحاب الامتيازات و السطوة و تتساوى في ذلك سوريا الأسد مع سوريا المحررة أو الحرة مع سوريا الإدارة الذاتية … كل ما جرى ، إلى جانب الموت و الخراب العامين ، هو تغير في تركيبة الطبقة المهيمنة حتى في مناطق سيطرة النظام … ما جرى هو تعميم لسلطة العسكر بألوانهم و فصائلهم وميليشياتهم المختلفة إلى جانب المحاسيب المرتبطين بهم و ذلك على كامل الأرض السورية … وتتشكل سلطة العسكر هذه من أقسام أو فئات مما سماها ماركس بالبروليتاريا الرثة و التي قفزت بفعل الحرب و امتلاكها أو احتكارها السلاح إلى أعلى الهرم الاجتماعي … 

في الواقع لم يطرأ أي تغيير حقيقي على التركيبة الطبقية لما سنصطلح على تسميته بالمجتمع السوري ، و كما كان الوضع منذ الاستقلال أو الجلاء و حتى اليوم فإن المجتمع السوري كان و ما يزال عبارة عن هرم يتربع على قمته النخبة الحاكمة و زبانيتها من العسكر و التكنوقراط و التجار المرتبطين بها مباشرة ، و ترتبط بهذه النخبة “طبقة وسطى” تشكل من جهة قاعدة اجتماعية لتلك النخبة الحاكمة و من جهةٍ أخرى أداة لهيمنتها و أحيانًا تشكل أو يشكل جزءً منها تهديدا أو بديلًا عن تلك السلطة مع تصاعد طموح ذلك الجزء وسخطه من انسداد أفق الصعود الاجتماعي ، بينما يوجد في القاعدة جمهور غير متجانس من المهمشين، المغيبين ، المقموعين ، الذين سنناقش بعد قليل وضعهم بشيء من التحديد … 

خلافًا لما كان في ذهن القلة من “الناشطين” الذين لعبوا دورًا مهمًا في بداية الثورة السورية فإن ما تبع المظاهرات الأولى هو تكريس هيمنة العسكر على المجتمع و تأصيل علاقة الهيمنة – التبعية المطلقة بين قمة الهرم الاجتماعي و قاعدته ، علاقة تقوم على أساس النهب المباشر، الخوات، عوائد الخطف و السلب و من عائدات المعابر بين مناطق سوريا المختلفة وجوارها و من سلب ما يعرف بالمساعدات الإنسانية أو ما يرسله المغتربون السوريون إلى أهاليهم …

وهنا تبرز طبقة أخرى ، مهمشة أيضًا على الأرض لكنها تتمتع بامتيازات مهمة في بلاد اللجوء خاصة من خلال علاقاتها مع المنظمات غير الحكومية والحكومية الغربية وهي طبقة “الناشطين” ; هذه الطبقة التي طردت من كل سوريا و التي تضطلع اليوم بدور مزدوج: من جهة تفعل كل ما بوسعها لإبقاء حنفية المساعدات الدولية مفتوحة باتجاه سوريا الحرة أي الخاضعة لفصائل المعارضة المسلحة بقيادة أبو عمشة و أشباهه و مناطق سيطرة الجولاني و حتى معسكرات الأسرى من الدواعش ، بالمقابل يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين للإلحاح المستمر على القوى الدولية خاصة و الإقليمية ثانيًا لإسقاط نظام الأسد و “إعادة السياسة” إلى المجتمع السوري ، هذه هي فرصتهم الوحيدة ليلعبوا أي دور ما في الحياة السياسية لسوريا بعد أن وجدوا أنفسهم مطرودين ليس فقط من سوريا الأسد بل ايضا و بشكلٍ لا يقل حدة و عنفًا من سوريا الحرة أيضًا ، إن إسقاط النظام لن يعني بالضرورة منحهم وضعًا ما في البنية السياسية و الاجتماعية لسوريا المقبلة لكن إسقاط النظام على يد الغرب تحديدًا هو أملهم الوحيد في لعب أي دور في سوريا …

بالمقابل لا يملك هؤلاء أي مشروع سوى صناديق الانتخابات التي يزعمون و ربما يعتقدون بأنها ستحل مشاكل سوريا جميعها دفعة واحدة بينما هي بالنسبة لهم في الواقع المعبر الوحيد الممكن إلى السلطة و للعب دور ما في الحياة السياسية لسوريا … من المستبعد أن يحصل هؤلاء على مبتغاهم فالقوى اللاعبة اليوم في سوريا تعتمد العسكر و أمراء الحرب لتحقيق مصالحها و البروليتاريا الرثة الحاكمة تنتج شروط استمرارها ليس فقط عبر حشد أعوانها و خدمها في ادلب و ريف حلب بل أيضًا عبر إنتاج بروليتاريا رثة أكبر عددًا ، منعدمة التعليم تقريبًا و معتمدة بالكامل على المساعدات ، تعطي الأولوية لانتماءاتها المناطقية و العشائرية ، يسهل قيادها بخطاب ديني معلن و عبر شبكة علاقات زبائنية هرمية ناجعة حتى اليوم في أن تعيد إنتاج نفسها بفضل الناشطين في الخارج والتهديد بموجات نزوح و هجرة جديدة و بشبكة علاقات دولية و إقليمية معقدة و دائمة التغير

البنية الاجتماعية للمخيم ، المخيم كبنية هرمية

لن أنسى ذلك اليوم الذي توجهنا فيه كمجموعة أطباء إلى إحدى المخيمات في شمال غرب سوريا أو ما اصطلح على تسميتها بسوريا المحررة ، لفحص ساكنيه طبيًا و معالجتهم لنفاجئ بحاجز يقطع الطريق إلى المخيم ، حاجز مكون من مجموعة من شباب من المخيم مسلحين بالعصي ، أوقفونا و لم يسمحوا لنا بدخول المخيم مصرين على أن ندخل المخيم بواسطتهم و أن يكون كل ما نفعله و نقدمه تحت إشرافهم و من خلالهم … إكتشفت يومها أن المخيم ليس مجرد مجموعة من الخيم التي يسكنها بشر بحاجة للرعاية و الطعام و الشراب الخ بل أنه عبارة عن هرم يقف على رأسه الشبان الذكور من العصبية الأكبر عددًا و الأكثر قسوة و الذين يحتكرون عمليًا كل ما يدخل إلى داخل المخيم و يستولون عليه و يوزعونه حسب رغباتهم محتفظين لأنفسهم طبعًا بحصة الأسد من كل ذلك، أما الأطفال الذين تستخدم صورهم على أوسع نطاق لاستدرار العطف و المساعدات و أمهاتهم بما في ذلك أرامل الشهداء فإنهم يعيشون على أطراف المخيم، و يتوجب عليهم تقديم كل فروض الطاعة و الخدمات التي يطلبها سادة المخيم ليحصلوا على الفتات … يشكل المخيم بالفعل تمثيلًا صادقًا لسوريا اليوم و ربما سوريا الغد أيضاً.

من زوايا الذاكرة (٢٣)

الدكتور جون نسطة

كان رئيس القسم طبيب ذو امكانيات محدودة ومعلومات ضعيفة لا تأهل صاحبها لإشغال هذا المنصب. وكنت أرغب بالقدوم إلى ألمانيا من أجل تقوية معلوماتي وزيادة خبرتي في مجال طب العناية المشددة أو المركزة. كنا هو وأنا نقوم بالزيارات اليومية لقسم العناية المشددة، وبعد مرور شهر واحد، على ما أذكر، تكلم معي رئيس القسم وقال ظهر لي وتيقنت بأنك طبيب عناية مشددة من الطراز الأول، وقررت أن أكلفك بالاشراف الطبي الكامل على قسم العناية المشددة، وبالمقابل أتخلى لك عن كافة مداخيل المرضى الخاصين ،أصحاب الدخول العالية، وغير المشمولين بالتأمين الصحي التابع للدولة، وهذا يعني أنني سوف أضيف هذا الدخل إلى راتبي السنوي ليصل الى مبلغ 155 الف مارك بالسنة. وهذا يشكل دخل عالي جدا في ذلك الوقت. وفي الوقت ذاته تعرف الجراحون من كل الإختصاصات على تفوقي على رئيسي، وأصبح رئيس قسم الجراحة بسألني اذا كنت اليوم الفلاني موجود في العمل أو لا، بسبب نيته اجراء عملية معقدة لمريض مصاب بأمراض أخرى معقدة، لأنه لا يثق برئيسي.

ذاع صيتي كطبيب تخدير ممتاز في أجواء المشفى وبين أعضاء هيئة رئاسة المشفى من غير الاطباء.

وتشاء الصدف أن بعض العاملين في المشفى،شاهدوا بأم أعينهم ،كيف أدخل رئيسي الى مكتبه ،عاملة جميلة ،في المشفى ولم تخرج الا بعد مضي نصف ساعة منكوشة الشعر محمرة الوجه ،فأصبحوا يلغطون بإن هناك بين الاثنين علاقة جنسية مريبة.وصل الخبر لرئاسة هيئة الادارة ،وطلبت من رئيس قسم التخدير الحضور لمقابلة معه ،فقاموا بتعنيفه بشكل قاس وحاد ،فاجابهم بالكف عن ذلك ،والا سيقدم استقالته من الوظيفة ،فقالوا انت قلتها وطلبوا منه التوقيع على نص طلب الاستقالة فورا ،هذا النص كان مكتوب ومعد مسبقا ،فلم يستطيع التراجع ،وفي اليوم التالي جرى تكليفي برئاسة القسم.

وهذا التكليف يحتاج الى موافقة رئيس حكومة الإقليم ،جرت الموافقة على تكليفي مؤقتا و محددا بثلاثة أشهر ،ووضعت إدارة المشفى إعلان في المجلة المركزية لإطباء ألمانيا ،ولكي لا اطيل ،وقد أطلت ،مضت مدة

الثلاثة شهور وستة شهوربعدها قبل أن يتعاقد المشفى مع طبيب رئيس للقسم ،ومن سوء حظ المشفى كان عمر الرئيس الجديد اقل من عمري لذلك تقدمت بدوري باستقالتي على الفور ،فانا أرفض ان اعمل مع رئيس اصغر مني بالعمر.

كانت زوجتي لا ترغب بالانتقال لمدينة اخرى ،حرصا منها ،وخوفا من انتقال أولادنا إلى مدارس اخرى.

كانت هناك مدينة ،تبتعد عن مدينتنا مسافة 12 كم اسمها اولدي،oelde,وفيها مستشفى حديث جدا،تعاقد مع طبيب تخدير أخصائي،كرئيس للقسم الحديث الإنشاء،وهذا الطبيب قام بدوره بالبحث عن نائب له.اتصلت به فورا وعرضت استعدادي للعمل معه ،فكان سروره واضحا ،وطلب مني التقدم باوراقي الثبوتية،وخلال أسبوع واحد وقعت على عقد مع ادارة المشفى التي كانت تبحث عن طبيب مثلي.باشرت بالعمل يوم اثنين ،وقام رئيسي الألماني بالسفر باجازة سفر محجوزة من قبله الى جنوب المانيا.كان هذا الطبيب متعجرفا،متكبرا،غير متعاون مع جراحي المشفى.

عملت لمدة عشرة أيام فقط ظهرت خلالها طاقاتي المعرفية،مما دعى رئيس قسم الجراحة العامة،بالتوجه إلى ادارة المشفى،طالبا منهم التعاقد معي رئيسا لقسم التخدير والعناية المشددة،

وإقالة الرئيس الحالي ،التي ستنتهي مدة العقد التجريبي معه ،ومدتها ستة إشهر ،خلال هذه الفترة،حسب قوانين العمل في ألمانيا يحق لطرفي العقد ،أي المشفى والطبيب ،فسخ العقد دون مبرر،واذا تجاوز العقد التجريبي ،يصبح فك العقد أمرا صعبا جدا ،ويحتاج إلى محاكم عمل ودفع تعويضات عالية جدا من قبل المشفى.

قال رئيس قسم الجراحة للإدارة  بأن الدكتور جون أفضل مهنيا وسلوكيا من الرئيس الحالي.توجه المدير الاداري وقام  بارسال رسالة مسجلة بالبريد على عنوان الفندق الذي يسكن فيه الرئيس خلال إجازته يعلمه فيها عن فك عقد العمل معه.ولم يرجع هذأ الطبيب إلى مكان عمله مرة اخرى.

وقامت ادراة المشفى بالاعلان عن حاجتها لطبيب تخدير كرئيس للقسم ،والسبب في ذلك يرجع إلى قانون الماني اتحادي ،يمنع فيه تولي أجانب رئاسة أقسام في المشافي ،فقط حاملي الجنسية الألمانية يحق لهم ذلك.لذلك كان عقدي مع المشفى مؤقتا.

خلال عملي وفي بدايته ،جاءنا مريض مصاب بكسر عنق عظم الفخذ قادما بمروحية من اسبانيا ،حيث كان يقضي اجازته السنوية.هذا الرجل صاحب سمعة كبيرة وخطيب بارز  في المحافل ،ويشغل منصب رئيس تحرير جريدة واسعة الانتشار في ولاية مونستر..واصر على إجراء العملية الجراحية ،زرع مفصل اصطناعي في مدينته.

قمت مساء حضوره بزيارته في غرفته في المشفى لاقوم بفحصه ولشرح أخطار عملية التخدير والأجابة على اسئلته.اثناء حديثي معه تبين أنه يخاف ويهلع من التخدير ويخاف أن ينام ولا يصحى.فقمت بتهدئته وقلت له بأنني ساجري له عملية تخدير قطني، نصفي ،ولا حاجة لتخدير عام ،وبأنني ساجلس بالقرب من رأسه ونتحدث سوية أو أعطيه جهاز تسجيل يسمع من خلاله الموسيقى التي يرغب بها.تحدثنا خلال كل فترة العملية دون أن يشعر بأي الم او ازعاج ،وقلت له بانني سأقوم مساءًا بزيارته ومعي زجاجة خمر احمر نشربها سوية ،وهذا ما حدث فعلا.

قمت باليوم التالي بزيارته وفحصه.سألني من أي بلد قدمت لنا إلى  ألمانيا فأجبته إني من سوريا ،فقال أنت مكسب لألمانيا ،هل استطيع أن أقدم لك أية خدمة.كنت أعلم بمدى نفوذه السياسي ،فأجبته بأنني بحاجة لتسريع عملية الحصول على الجنسية الألمانية ،حيث تقدمت بطلبها من رئاسة حكومة منستر منذ عدة اسابيع.فقال أبق هنا، واتصل هاتفيا على الفور برئيس الحكومة وبعد التحية والسلام ،قال له بأن كنز كبير ومكسب عظيم لألمانيا يقف الى جانبي في المشفى يدعى د.جون نسطة تقدم بطلب الحصول على الجنسية الألمانية فارجو الاسراع بالموافقة عليها ولم يمضي الا إسبوعين حتى جاءني الخبر اليقين بأنني حصلت على الجنسية الألمانية دون أن اتخلى عن جنسيتي العربية السورية التي أفتخر بها.

وبعد ذلك وقعت على عقد عمل دائم كرئيس أطباء في المشفى الذي أعمل فيه.

في هذه المرحلة كنت هلى صلة دائمة مع الرفيق سلطان أبازيد الذي يقيم في باريس وكان هذا التواصل  يتنوع بين زيارات الى فرنسا لرؤيته وبين اتصالات هاتفية وأيضا كنت على صلة برفاقنا بالحزب مثل الرفيق عبد الحميد الأتاسي والرفيق المرحوم شكر الله عبد المسيح الذي كان يزور باريس أيضا ويزور الرفاق المقيمين هناك . . لكنني كنت معارض لموقف الحزب  تجاه علاقاته وصلاته مع العراق و كنت معارض لرئيس فرع الحزب في باريس بقيادة  أحمد المحفل  بصلاته مع صدام  وكنت أقول ما الفرق بين حافظ الأسد وصدام حسين حيث يتمتعان بصفة الديكتاتور بنفس السوية .

في هذه الفترة كانت صلة أحمد المحفل مع العراق قوية ومتينة . بحيث كان يأخذ أموالا من العراق ويصرفها على حزبنا في فرنسا وغيرها . طبعا كان إنسانا شريفا ولم يستخدم الأموال لأغراض شخصية فقط كان يستخدمها لدعم الحزب والرفاق

لكن انتقادي لهم يقوم على مفهوم مبدأي لدي  فهذه العلاقة تضر بسمعة الحزب والرفاق . زرت احمد المحفل في البيت  وعبرت فيه عن رأيي  بواجب الابتعاد عن أي صلة مع العراق والجواب كان أن الحزب بحاجة الى تمويل لأستمراره ولا يوجد طريق آخر.


بعد 140 سنة من وفاة ماركس – الشيوعيون قادمون

روب سيويل

ترجمة رامز باكير

يصادف اليوم اعتقد الرأسماليون وممثلوهم أنهم دفنوه أخيرًا ومنذ زمن بعيد، إلاأن  شبحه لازال يستمر بالعودة ليطاردهم.

14 مارس / آذار الذكرى 140 لوفاة كارل ماركس ، أعظم مفكر وثوري عاش على الإطلاق.

 و لطالما لقد مر ما يقرب من 15 عامًا منذ اندلاع الركود في عام 2008.  كان هذا بداية لأعمق أزمة واجهتها الرأسمالية على الإطلاق ، والتي أوقعت العالم في حالة من الاضطراب.

 فجميع أولئك الذين يبلغون من العمر حوالي 35 عامًا أو أقل نشأوا في أعقاب هذه الأزمة ، ولا يعرفون سوى “عجائب” الرأسمالية، من الاضطرابات الاقتصادية، وعمليات الإنقاذ المالي للمصرفيين ، وطوابير بنوك الطعام ، وسياسات التقشف ، وكارثة المناخ ، والمزيد.

وفي الوقت الذي يزداد الفقراء فيه فقراً ، اكتنز الاغنياء ثرواتًا فاقت حتى أكثر احلامهم جموحاً، وأخذ الانقسام الطبقي بازدياد، فمنذ عام 1978 إلى عام 2020 ، نمت رواتب الرؤساء التنفيذيين بنسبة 1،322٪.  في غضون ذلك ، من المتوقع أن ترتفع أعداد الذين يعيشون في فقر في بريطانيا من 11 مليونًا إلى 14 مليونًا ، 30٪ منهم من الأطفال.

 شبح الشيوعية:

 لا عجب أن إيمان الناس بالرأسمالية قد تمزق.  وقد تم تأكيد ذلك بيانياً من خلال استطلاع حديث أجراه مركز أبحاث “برجوازي”  هو معهد فريزر ، الذي أجرى مقابلات مع عينة من الاشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عامًا في دول من بينها بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. صُدم الباحثون مما وجدوه.  اكتشفوا أن: “مستوى الذين يتفقون على أن الشيوعية كنظام اقتصادي هي نظام مثالي بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عامًا مرتفع بشكل مقلق في المملكة المتحدة (29 بالمائة) وبدرجة أقل في الولايات المتحدة (20 بالمائة) وأستراليا  (20 في المئة).” 

 وعلى وصفهم “مرتفع بشكل مزعج”. فليضطربوا!

 عندما أجرى منظمو الاستطلاع مقابلات مع أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 في بريطانيا ، ارتفع الرقم المؤيد للشيوعية إلى 32 في المائة.  بعبارة أخرى ، يعتبر واحد من كل ثلاثة شبان في المملكة المتحدة أنفسهم شيوعيين، مما يعني حوالي 4.5 مليون شخص.

لقد أصاب ماركس:

لا عجب أن الطبقة الحاكمة والمدافعين عنها يرتجفون.  كل هجماتهم على الماركسية والشيوعية لم تأتي الأثر الذي كانوا يأملون.  فعلى العكس من ذلك ، بالنسبة لملايين الناس العاديين ، فإن فكرة الثورة الاشتراكية ليست خيالية على الإطلاق ، كما يدعون.

وكما أوضح ماركس أنه عندما تسيطر فكرة ما على أذهان الجماهير ، فإنها تصبح قوة مادية، وهذا بالفعل ما بدأ يحدث.

 كان من المفترض أن تكون أفكار ماركس “قديمة” و “قديمة الطراز”.  ومع ذلك فهي تثبت أنها حديثة وراهنة، والرأسمالية هي التي أصبحت متداعية ، بل و تحتاج إلى التخلص من بؤسها، و أصبحت النظرية الماركسية للأزمة حقيقة واقعة الآن، فقط بمجرد ان نلقي نظرة حولنا ونرى الاشياء.

 وأوضح أن قوانين الرأسمالية ستؤدي إلى تراكم الثروات والثروة في أحد القطبين ، ولكن أيضًا تؤدي إلى زيادة البؤس والكدح والأعباء في القطب الآخر.

أليس هذا هو الحال اليوم – ليس فقط بالنسبة لأغنى 1٪ ، ولكن بالنسبة لبقيتنا الذين يعانون من التوتر وانعدام الأمن وانخفاض مستويات المعيشة؟

تثبت أزمة الرأسمالية ، واتساع الهوة بين الطبقات ، دون أدنى شك أن ماركس كان على حق.

 حفارو قبور الرأسمالية

 كان ماركس ثوريًا حقيقيًا ، جعل الاشتراكية علمًا.  لقد فهم أن الاشتراكية لم تكن مجرد “فكرة جميلة” ، كما كان يعتقد الاشتراكيون الطوباويون ، ولكنها كانت متجذرة في تطور المجتمع.فقد تجاوزت القوى الإنتاجية التي خلقتها الرأسمالية حدود الملكية الخاصة ، والتي أصبحت حاجزًا أمام المزيد من التقدم.  ولابد لتناقضات النظام الرأسمالي أن تستعد لسقوطها.

 يقول ماركس: “من أشكال تطور القوى المنتجة ، أن تتحول علاقات [الملكية الخاصة] هذه إلى قيودها”.  “ثم يبدأ عصر الثورة الاجتماعية.”

بعبارةٍ اخرى ما يخبرنا ماركس به  هو أن الرأسمالية ستنتج حفاري قبورها في شكل الطبقة العاملة.  ولكن على عكس الثورات السابقة في التاريخ ، فإن الإطاحة بالرأسمالية ستعني إلغاء الطبقات والتمييز الطبقي.

أزمة وثورة:

حتى بعض الاستراتيجيين البرجوازيين الجادين يعترفون على مضض أن ماركس كان محقًا في العديد من الجبهات. فعلى سبيل المثال ، كتب مارتن وولف ، كبير الاقتصاديين في Financial Times ، وهي مؤسسة الأعمال التجارية الكبرى ، مؤخرًا كتابًا بعنوان أزمة الرأسمالية الديمقراطية.  في هذا ، يقلق المؤلف من الأزمة المزدوجة للرأسمالية والديمقراطية البرجوازية.

 يقول وولف: “إن الرأسمالية بمفردها، كما قال ماركس نفسه بحق ، تميل نحو الاحتكار”.  يحب الرأسماليون تزوير الأسواق لصالحهم. بالطبع، إنهم يفعلون ذلك”.

 لكن ما لا يستطيع هو والآخرون الاعتراف به هو أن مأزق الرأسمالية يمهد الطريق للثورة، و بأن القضاء على المنافسة والميل نحو الاحتكار يمثلان البداية لتفكك المجتمع الرأسمالي.

 اليوم ، تم تقسيم السوق العالمية من قبل حفنة من الشركات متعددة الجنسيات ، التي تنهب العالم سعيًا وراء زيادة ارباحها.  وبذلك ، فإنهم يمهدون الطريق لأزمات مدمرة وحروب وثورات وثورات مضادة.

 عالم لتكسبه!

 من الواضح أن الاضطرابات الثورية وشيكة الحدوث.  ويمكن قراءة ذلك من خلال التغييرات الدراماتيكية التي تحدث في بريطانيا وعلى الصعيد الدولي.  هناك عدم استقرار في كل مكان. ومع هذا أتى نهوض الطبقة العاملة ، التي دخلت في طريق النضال ، بكل ما يترتب على ذلك من صعود وهبوط، وستصبح المزاجات الثورية التي تؤثر على الشباب عالمية.

إن رؤيتنا الشيوعية هي لمجتمع يقوم على تحرر الطبقة العاملة، و لايمكن أن يتحقق هذا إلّا بشرط واحد: أن نبني حزبًا ثوريًا ، على أساس الأفكار الماركسية ، تمامًا كما فعل البلاشفة قبل ثورة أكتوبر عام 1917، و هذا ما نقوم به في التيار الماركسي الأممي.

إن مهمتنا ليست ترقيع الرأسمالية ، كما يهدف الإصلاحيون إلى القيام به ، بل الإطاحة بها.  لا يوجد طريق وسط. نعم ، الشيوعيون قادمون بالفعل!  نردد بصدق ما قاله مؤسسو الاشتراكية العلمية عندما أعلنوا عن أهدافهم الثورية في البيان الشيوعي:

 “إن الشيوعيين يكرهون إخفاء آرائهم وأهدافهم.  يعلنون صراحة أنه لا يمكن تحقيق غاياتهم إلا من خلال الإطاحة بالقوة بجميع الظروف الاجتماعية القائمة.  دعوا الطبقات السائدة ترتجف من الثورة الشيوعية.  ليس لدى البروليتاريين ما يخسرونه سوى قيودهم.  و لديهم العالم للفوز به!”

*روب سيويل محرر النداء الاشتراكي، الصحيفة النصف شهرية لحركة النداء الاشتراكي التروتسكية في بريطانيا.

لقراءة أعداد جريدة المسار اضغط هنا