هل يعيد كير ستارمر بريطانيا إلى السوق الموحدة؟
رامز باكير
عندما صوتت المملكة المتحدة على البريكست 2016 اختلف السياسيون على كيفية وآلية الخروج، فالبلاد لم تعد في السوق الموحدة أو حتى الاتحاد الجمركي الأوربي، لا أصبحت تحكم علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الاوربي اتفاقية تجارة حرة عامة جداً و بحدودها الدنيا. ومع حلول أزمة كورونا التي عصفت بالاقتصادات العالمية ولم تسلم منها اقتصادات دول المركز، والحرب على أوكرانيا التي أربكت اسواق الطاقة و أدت إلى ارتفاع نسب التضخم، بدأت الآن تظهر الملامح الكارثية لبريكست على المملكة المتحدة.
وفي دافوس، المكان الوحيد الذي تجتمع فيه نخب رأس المال العالمي ونخبه السياسية والذي جاء في وصفه الدقيق بأنه “تجمع المليارديرات” على لسان زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين، كان كير ستيرمر في مهمة ضرورية لاعادة بناء الثقة مع الاتحاد الأوروبي وجهات التمويل العالمية، لانقاذ اقتصاد بات الأسوأ أداءاً بعد الاقتصاد الروسي في مجموعة الدول الثمانية، واعلان ستيرمر الصريح والعلني فشل صفقة ما بعد بريكست و الضرر الذي ألحقته باقتصاد المملكة.
وقال ستيرمر ومستشارة حكومة الضل ريتشيل ريفيز بتصريح لهما لصحيفة الفاينانشال تايمز “سنعيد بناء الاقتصاد على حجر سياسة مالية وضريبية ذات مسؤولية، ومن خلال علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوربي”.
كما وقابل ستيرمر و ريفيس مستشارين وكبار المدراء التنفيذيين من عمالقة القطاع المالي العالمي، غولدمان ساكس، مورغن ستانلي، جي بي مورغن و بلاك روك. وعبر الاثنين بشدة عن انتقادهما لامتناع رئيس الوزراء ريشي سوناك عن حضور المنتدى في الندوة العلنية. وانتقدا خصمهما رئيس الوزراء السابق من حزب المحافظين بوريس جونسون على اتفاقية ما بعد بريكست مع التحاد الاوربي والتي كلفت المملكة المتحدة خسارة ٤ بالمئة من ناتجها الإجمالي المحلي على المدى المتوسط.
وفي المقابل، اتهم رئيس الوزراء ريشي سوناك كير ستيرمر بالتراجع عن قراره بعقد استفتاء ثاني لبريكست.
ومن أهم ما توجه به زعيم حزب العمال كير ستارمر ومستشارة الظل ريتشل ريفز إلى المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) في دافوس بين توضيحات وإيماءات للطبقات الرأسمالية الحاكمة، بأن “حزب العمال عائد بقوة” و أن أيام الكوربينية “الجامحة” وخطرها لم تعد موجودة، وأن الكوربينية قد تم وأدها في مهدها، و بأن الحزب سيكون اليد الآمنة لإدارة الرأسمالية البريطانية، بدلاً من المحافظين الذين فقدوا مصداقيتهم على نحو متزايد، ولم يعودوا قادرين على الإلتفاف على مطالب الطبقة العاملة، في ظل أزمة اقتصادية وازمة معيشة، وموجة من الإضرابات لم تشهدها البلاد منذ حوالي النصف قرن.
لكن حملة ستارمر وتطميناته لجذب الطبقة الرأسمالية قد أتت ثمارها، حيث تجاوزت التبرعات الجديدة من الأفراد الأثرياء للحزب المليونين جنيه إسترليني، و شهد الحزب زيادة مماثلة في التبرعات من الشركات.
ومن المهم الإشارة إلى أن الكثير من هذه التبرعات جائت من جهات كانت قد تبرعت سابقاً للمحافظين وقامت بقلب ولائها مع تغير مجريات الأزمة.
ولحسم مسألة البريكسيت يقول زعيم حزب العمال “إن العودة إلى السوق الموحدة من شأنه أن يخلق مزيدًا من عدم اليقين ، نريد بدلاً من ذلك “بريكست أفضل”.
فبنظر ستارمر العودة إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي لن تعزز النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة ، بل ستخلق “سنوات من عدم اليقين” للشركات البريطانية ، والتي ستكون أسوأ من الروابط التجارية الوثيقة التي قد تأتي من خارج الاتحاد. فأمر الخروج قد تم حسمه، ولكن السؤال هو عن كيفية الخروج.
من الواضح أن ستارمر هو حاليّاً الممثل المختار وقد يكون الوحيد للطبقة الحاكمة البريطانية، ويُتوقع أن يتولى السلطة بعد الانتخابات القادمة، لذلك كان يُظهر التزامه بأنه رجل دولة عالمي. أما في أوروبا، أعتقد أنه لا يريد إعادة فتح ملف بريكست لأنه ليس له مصلحة فيه، ولهذا السبب يواصل القول إنه يوافق على نتيجة الاستفتاء؛ لكنه أيضاً يفهم جيداً مدى أهمية الوصول للسوق الموحدة من قبل الرأسمالية البريطانية، ويدعمه في ذلك القسم الأكبر من الطبقة الحاكمة.
وكما هو الحال دائمًا ، فهو يحاول إجراء عملية موازنة ستكشف لنا الأيام القادمة مدى صعوبتها وتعقيداتها.