وكالة أسوشيتد برس 5\1\2023
وصل الاقتصاد السوري إلى أدنى مستوياته منذ اندلاع الثورة ثم الحرب التي تلتها قبل نحو 12 عاما، مع تصاعد التضخم وتهاوي قيمة الليرة السورية والنقص الحاد في الوقود في كل من المناطق سواء التي يسيطر عليها النظام أو التي يسيطر عليها المعارضة.
وقد وصلت الحياة في دمشق إلى طريق مسدود. فالشوارع خالية تقريبا من السيارات، وبالكاد يصل التيار الكهربائي لبضع ساعات ومتقطعة يوميا في أحسن الأحوال، كما ارتفعت أسعار الطعام والضروريات الأخرى بشكل كبير.
أدت الأوجاع الاقتصادية المتزايدة إلى احتجاجات في المناطق التي تسيطر عليها قوات بشار الأسد، والتي قوبلت أحيانا برد فعل عنيف.
في هذا التقرير نلقي نظرة على سبب تفاقم الوضع الاقتصادي وتأثيراته المحتملة.
ما مدى سوء الأزمة؟
سجلت الليرة السورية أدنى مستوى لها على الإطلاق عند سبعة آلاف ليرة للدولار الأمريكي في السوق السوداء الأسبوع الماضي قبل أن تتحسن إلى نحو ستة آلاف ليرة. وهو ما لا يزال يمثل هبوطا كبيرا، نظرا لأن المعدل كان حوالي 3600 قبل عام واحد. ورفع البنك المركزي سعر الصرف الرسمي من 3015 إلى 4522 يوم الاثنين، في محاولة على ما يبدو لإغراء المواطنين لاستخدام السعر الرسمي بدلا من السوق السوداء.
مع نقص الوقود، رفع النظام أسعار البنزين والديزل. بالسعر الرسمي، يصل ثمن الـ 20 لترا (5 غالونات) من البنزين الآن إلى ما يقرب من راتب شهر كامل لموظف حكومي متوسط، وهو حوالي 150 ألف ليرة سورية، أي 25 دولارا بسعر السوق السوداء. وتوقف بعض الموظفين عن الحضور إلى العمل لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف النقل.
قال جوزيف ضاهر، الباحث السوري-السويسري والأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، إن الأجور لا تقترب من تغطية تكاليف المعيشة، وعليه فإن معظم الناس “يعيشون على التحويلات، ويعيشون على وظيفتين أو ثلاث وظائف وعلى المساعدات الإنسانية”.
وذكر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، لمجلس الأمن الدولي في 21 ديسمبر/ كانون أول أن تلبية “احتياجات الشعب السوري وصلت إلى أسوأ المستويات منذ بدء الصراع”.
اندلعت الاحتجاجات في بعض المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، لا سيما في السويداء ودرعا في الجنوب. وفي السويداء الشهر الماضي قتل متظاهر وضابط شرطة بعد أن تحولت مظاهرة إلى أعمال عنف.
ما أسباب التدهور؟
بصرف النظر عن سنوات الحرب والفساد المستشري، شهد الاقتصاد السوري سلسلة من الصدمات منذ عام 2019، بدءا من انهيار النظام المالي اللبناني في ذلك العام.
قال ناصر السعيدي، وزير الاقتصاد اللبناني السابق إنه “بالنظر إلى الحدود المفتوحة بين سوريا ولبنان وكلاهما اقتصاد قائم على النقد بشكل متزايد”، فإن أسواقهما مرتبطة بشكل وثيق. وتابع أن انهيار العملة ورفع الدعم في لبنان أدى إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار في سوريا.
تضررت سوريا أيضا من الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية في أوكرانيا، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الوقود وغيره من السلع عالميا.
لكن محللين قالوا إن العامل الأكثر أهمية هو التباطؤ الأخير في شحنات النفط من إيران، التي كانت المصدر الرئيسي للوقود لدمشق منذ السنوات الأولى للصراع. فقبل الحرب، كانت سوريا دولة مصدرة للنفط، والآن يسيطر تنظيم قوات سوريا الديمقراطية-قسد بدعم من الولايات المتحدة على أكبر حقولها النفطية في شرق البلاد، لذا يتعين على دمشق استيراد النفط.
وأشار جهاد يازجي، الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير “سيريا ريبورت”، إلى أن دمشق تشتري النفط من إيران بالدين، لكن “عندما يبيعون النفط في الأسواق… يبيعونه نقدا”، لذا فإن تراجع إمدادات النفط تقلل أيضا المورد النقدي للحكومة.
وألقى وزير النفط السوري بسام طعمة في حديث للتلفزيون الرسمي في نوفمبر/ تشرين ثان باللوم في نقص الوقود على العقوبات الغربية والتأخيرات الطويلة في إمدادات النفط، دون أن يوضح أسباب التأخير.
ولم يرد مسؤولون إيرانيون على طلب للتعليق.
ما الوضع في المناطق الخاضعة للمعارضة؟
يعاني سكان مخيمات النزوح المؤقتة في آخر معقل تسيطر عليه المعارضة بمحافظة إدلب شمال غربي البلاد في كل عام من العواصف والطقس المتجمد.
ويقول محللون إنهم عانوا من الأزمة الاقتصادية في تركيا المجاورة هذا الشتاء، فضلا عن ارتفاع الأسعار، وتقلص المساعدات بسبب الحرب في أوكرانيا.
وشهدت إدلب تشكل صفوفا طويلة من أجل الحصول على الوقود.
في غضون ذلك تدور معركة في الأمم المتحدة بين روسيا ولاعبين دوليين آخرين حول السماح للمساعدات بعبور الحدود من تركيا إلى شمال غربي سوريا.
ومن المقرر أن ينتهي تمديد الستة أشهر لـ “آلية المساعدة عبر الحدود” في العاشر من الشهر الحالي، مع تصويت مجلس الأمن على تجديدها قبلها بيوم.
تطالب روسيا بوصول المساعدات عبر دمشق بحجة أن المساعدات القادمة من تركيا تستغلها جماعات مسلحة، وتقول إن المجتمع الدولي لا يقدم مساعدات كافية لسكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
لكن منظمات إنسانية ترسم “صورة مفزعة” لعواقب قطع المساعدات عبر الحدود.
فتقول تانيا إيفانز، المديرة القطرية للجنة الإنقاذ الدولية في سوريا، إن أسعار الوقود والغذاء آخذة في الارتفاع بينما يتقلص تمويل المساعدات الإنسانية.
وأضافت أن هذا الأمر، إلى جانب الطقس وتفشي الكوليرا، “سيكون مزيجا مميتا في حال أغلق شريان الحياة الوحيد المتبقي لهذا الجزء من سوريا”.
هل يمكن اندلاع ثورة أخرى؟
يقول محللون إنه في حال استمرار الأزمة الحالية، من المرجح تنظيم المزيد من الاحتجاجات.
لكنهم استبعدوا إلى حد كبير إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة مناهضة للحكم على مستوى البلاد مثل تلك التي اندلعت عام 2011.
وأشار ضاهر إلى أن الاحتجاجات الأخيرة كانت “متشرذمة ومحلية”، مضيفا أن البلاد تعيش بالكاد في الوقت الحالي على المساعدات والتحويلات المالية من الخارج.
وذكر ضاهر أن السوريين، الذين شملهم الاستطلاع ضمن دراسة ستنشر قريبا، أفادوا بأنهم يتلقون ما بين 100 إلى 200 دولار شهريا في المتوسط من أقاربهم في الخارج.
وتابع قائلا “السكان منهكون للغاية، ويفكرون في البقاء على قيد الحياة قبل كل شيء. لا يوجد بديل سياسي لترجمة هذا الإحباط الاجتماعي والاقتصادي إلى سياسي”.