التمرحل والتغيير

بعد مسار طويل استغرق عقداً من الزمن للمأساة السورية، تخللها أحداثا مفصلية وذات آثار طويلة المدى على المجتمع السوري، تفقد المعارضة الخارجية المرتهنة أية مصداقية سياسية، ويمكن القول أنها لم تستفد من فرص التغيير، مما دفع الشعب السوري أثمانا كان في غنى عنها، أما المعارضة الديمقراطية الممثلة بهيئة التنسيق وبعض القوى الأخرى التي تلتزم بمصالح المواطن السوري فإنها مهمشة إعلاميا،  ومحصورة بين مطرقة السلطة والتحشيد الإعلامي والشعبي ضدها، من قبل أطراف المعارضة، والإفادة فانها لم تلعب دورا محوريا في استراتيجية التغيير وكانت محصلة عملها للآن شبه صفرا، إذا استثنينا طرحها للتسوية السورية في بدايات الأزمة السورية كبديل مناسب لتدهور الوضع السوري ولآليات تدويله وأقلمته، وتجاوزا لبحر الدماء ولفقدان الرابطة الوطنية. 

تطرح على المعارضة السورية الديمقراطية مهمة المراجعة الدقيقة لمسار الأزمة السورية والمواقف الصادرة عنها في كل مرحلة، لنستطيع إرجاع علاقة الثقة بين الفئات التي لها مصلحة في التغيير والقوى السياسية الديمقراطية من جهة أولى، وصولا لوضع استراتيجية التغيير المتفق عليها في دراسة دقيقة للتحولات السياسية وعوامل القوة التي يمكن استثمارها ولتجاوز حالة الترهل والكساد والعجز السياسيين، وصولا لوضع تكتيكات قادرة على دفع العملية السياسية للأمام.

وبسبب التدهور الحاصل للمجتمع السوري، فإن قضية الثقة والمصداقية السياسية يكسبان أهمية كبيرة في برمجة العمل السياسي المعارض وفق أساليب نضالية مدنية سلمية، وبإلمام للوضع السياسي والاقتصادي الراهنين. 

ومنطق التاريخ هو طريق حلزوني وليس مستقيما،  والفشل هو اعظم مدرس لإنجاز هدف ما، ويجب على قوى المعارضة المرتهنة والديمقراطية أن تعترف بأخطائها وتشخص وضعها التنظيمي والنضالي وتقدم كشف حساب عن أعمالها وأهدافها ورؤيتها ومطالبها وعرضها أمام الشعب السوري، إذا أرادت المعارضتين تكوين قاعدة اجتماعية قادرة على إنجاز التغيير والتي تبنى من خلال ما أشرت أعلاه بالصدق السياسي مع الفئات التغييرية والشعب عموما واستقلالية القرار المعارض، اذا كانوا يريدون أن يشعروا بالآلام التي يعاني وعانى منها المواطن السوري في كل الاصطفافات. 

التغيير برنامج عمل تراكمي تنضجه عوامل موضوعية وذاتية، ولا يمكن أن نظل كشعب تحت حكم استبدادي، فمنطق التاريخ لا يعرف الجمود والركود، وأنظمة الإدارة تتطور باستمرار، والتشريعات تتغير وفق حاجات المجتمعات في كل مرحلة تمر بها، ولا يمكن إنجاز التغيير قبل انضاجه.

من العدد ٧٢ من جريدة المسار