كانت دولة إسرائيل عند إنشائها في 14 أيار 1948 دولة مستوطنين أتوا وهاجروا عن طريق الهجرة من بلدان الأرض المختلفة إلى أرض فلسطين، وهم من خلال الاستغلال لوعد بلفور وما تبعه من انتداب بريطاني على فلسطين استطاعوا إقامة منظمات سياسية وعسكرية قامت بتهجير الفلسطينيين من أرضهم وإقامة تلك الدولة.
في البداية كانت دولة إسرائيل دولة استيطانية مارست العنصرية والتمييز القومي وحققت أهدافها بالقوة وهي من أكثر الدول تمرداً على القانون الدولي وأكثر دولة تلقت إدانات من منظمات هيئة الأمم المتحدة. حاول حزب العمل الذي حكم إسرائيل حتى عام 1977، أن يوحي بأن إسرائيل دولة علمانية وليست دينية وأن كونها “وطناً قومياً لليهود”، وفق منطوق وعد بلفور، لايعني أنها دولة دينية بل “اليهودية “هي “قومية” وفق تعريف تيودور هرتزل واليسار الصهيوني العمالي واليهود هم “شعب” له “أرضه التاريخية في فلسطين”، وحتى بن غوريون تراجع في الخمسينيات عن وصفه لإسرائيل بأنها “دولة اليهود”، بل اعتبر أنها “دولة لكل مواطنيها”، وهو كان يفكر بضرورة ألا يقود هذا التعريف إلى اضطهاد اليهود في بلدانهم خارج دولة إسرائيل أو إحراجهم.
وفي عام 2018 عندما تبنى الكنيست الإسرائيلي أن إسرائيل هي دولة “يهودية “كان ينقل التعريف الصهيوني من “العلمانية “إلى “الدولة اليهودية “، وبالتالي يضرب مفهوم “المساواة بين مواطني دولة اسرائيل” الذي كان يقول به أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل دافيد بن غوريون ومن خلفه، ولو أن التمييز ضد المواطنين العرب في دولة إسرائيل، وهم خمس السكان، كان صارخاً في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ عام 1948.
تعريف 2018 نقل إسرائيل من “دولة قومية للشعب اليهودي “إلى “دولة دينية تقوم على أتباع ديانة محددة “وتمارس التمييز ضد باقي المواطنين خارج هذا الدين، وبالتالي تحولت إلى دولة دينية تمييزية تمارس التمييز الديني إضافة إلى التمييز العنصري القومي ضد غير اليهود من المواطنين العرب بل يمكن القول بأنها قد أصبحت وربما أسفرت عن وجهها في عام 2018 الذي كان منذ تأسيسها قبل سبعين عاماً من قانون الكنيست المذكور، هذا الوجه الديني-القومي العنصري.
عندما فازت أحزاب الصهيونية الدينية في انتخابات 1\11\2022 بأربعة عشر مقعداً من أصل 120مقعداً هي مقاعد الكنيست الإسرائيلي كان هذا يمثل ظاهرة سياسية غير مسبوقة في دولة إسرائيل ، ولكن قانون 2018 يتيح فهم المجال الدستوري الذي يُشرِع الصعود السياسي لهذا التيار الذي يستند إلى كتلة اجتماعية كبرى في إسرائيل ترى اندماجاً عقائدياً بين الصهيونية والدين اليهودي بخلاف رأي مؤسس الصهيونية هرتزل الذي كان ملحداً أوبن غوريون الذي لم يكن متدينا وعندما نجد أن زعيمي الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش،وهو من مواليد 1980 في مستوطنة بالجولان وأبوه حاخام أوكراني الأصل، وايتامار بن غفير وهو من أصول عراقية قد أصبحا وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة التي تشكلت في الأسبوع الأخير من العام الماضي يمكن أن نتلمس أن التركيبة الحالية للحكومة الإسرائيلية الجديدة، أي يمين قومي صهيوني مع حزب الليكود وله اثنين وثلاثين مقعدا وحزبي اليهود المتدينين (الحريديم): شاس وديكل هاتوراة ولهما ثمانية عشر مقعدا زائد الصهيونية الدينية، توحي – أي هذه التركيبة الحكومية- بأن إسرائيل قد تحولت إلى دولة فاشية تريد من خلال الاضطهاد الديني- القومي العنصري وعبر القوة تحقيق الأهداف الموضوعة في بناء أيديولوجي معلن، كما حصل مع نظامي هتلر وموسوليني، ولو أنهما لم يكونا أصحاب أيديولوجية دينية- قومية عنصرية بل اقتصرا على الأيديولوجية القومية العنصرية ولكنهما أقاما دولتين كانتا مثل إسرائيل تمارسان القوة والتوسع الجغرافي مصحوباً بالتهجير والقتل على أساس الهوية والاستيطان.
أيضاً، توحي الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي في تركيبتها تعبر عن اتجاهات أكثرية المجتمع الإسرائيلي وخاصة من فئة الشباب، بأنه لم يعد من مجال لوهم عربي وفلسطيني عاش طويلا اسمه “حل الدولتين”، وأن لا مجال حتى لتطبيق اتفاقية أوسلو بنظر نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، بل هناك مشاريع إسرائيلية معلنة منذ الآن لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، اعترف إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي، عند توقيع اتفاقية أوسلو في 13\9\1993 مع ياسر عرفات، بأنها أراضي فلسطينية من أجل إقامة دولة فلسطينية عليها، هذا غير ما يمثله ومايعنيه وجود شخص في الوزارة الاسرائيلية الجديدة مثل ايتامار بن غفير الذي يكرر اقتحاماته قبل الوزارة وبعدها للمسجد الأقصى والذي يعتبره هذا الصهيوني الديني بأنه “الهيكل اليهودي” القديم الذي يجب أن يشيد من جديد على أنقاض المسجد الأقصى، وهو للعلم أحد الورثة الأيديولوجيين لرحبعام زئيفي الذي اغتالته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عام 2001، والذي نادى بالترانسفير- الترحيل للفلسطينيين من كل الأراضي التي بين البحر والنهر من أجل إقامة الدولة اليهودية هناك والدولة الفلسطينية في شرق الأردن وفق الاقتراح القديم لإرييل شارون، وكان مازال جنرالاً لم يتعاقد من الخدمة العسكرية ويدخل مضمار السياسة، في أيلول 1970 أثناء أحداث الأردن بين الملك حسين والمقاومة الفلسطينية.
لن تكون منطقة الشرق الأوسط هي نفسها بعد تحول إسرائيل إلى دولة فاشية مع تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة في 29\12\2022، ويبدو أن هذا سيؤكد من جديد مقولة أن الصراع العربي مع دولة إسرائيل هو صراع وجود وليس صراعاً على الحدود.
من جهة أخرى هذا سيقضي على أسطورة أن إسرائيل هي “واحة الديموقراطية في المنطقة “، وربما سيقود هذا الطابع الفاشي إلى تخفيف التأييد لإسرائيل في العالم الغربي الأوروبي-الأميركي أويضعه موضع تساؤل في أوساط اجتماعية واسعة وحتى من الممكن أن تقود سيطرة الصهيونية الدينية والأحزاب الدينية اليهودية إلى تناقضات وصراعات بين يهود أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، حيث يغلب الاتجاه اليهودي الإصلاحي على التدين ،وبين الفئات الحاكمة في دولة اسرائيل، وإلى تخفيف التأييد لها بينهم.
من جانب ثالث، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد من تحول إسرائيل إلى “إيران ثانية” مع سيطرة الصهيونية الدينية والأحزاب الدينية على حكومة نتنياهو الجديدة حيث يملكون نصف مقاعد الكتلة البرلمانية لها، وهو وضع مسبوق مع وزارات الليكود وحزب العمل السابقة حيث كان حزب رئيس الوزراء دائماً ما يملك الحصة الكبرى من الكتلة البرلمانية للحكومة في الكنيست وهذا ما سيجعل نتنياهو “أسيراً لها” وفق تعبير لابيد، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق في الوقت الذي يشير إلى أن هذا سيقود إلى صراعات بين المتدينين والعلمانيين في اسرائيل، فإنه يغفل أن اليمين القومي الصهيوني ممثلاً في حزب الليكود لم يعد علمانياً بل أصبح أيديولوجياً وليس فقط سياسياً في تقاطع مع الصهيونية الدينية ومع الأحزاب اليهودية الدينية وهذا ما سيزيد من قوة التيارات الإسلامية عند العرب والمسلمين وسيزيد من مخاطر تحول الصراع العربي-الإسرائيلي إلى صراع إسلامي- يهودي.