المعارضة الوطنية ودورها ومهامها

نادر عازر

تمثل مرحلة الركود السياسي إحدى أكبر التحديات التي تواجه الأحزاب والناشطين السياسيين. فهي تضعهم أمام اختبار كبير في الصبر والتحمل والتركيز على الخيار الأصح للبقاء، والاستعداد لما هو قادم. ويبرز هنا دور المعارضة الوطنية في إثبات أهمية الحفاظ على الذات، والاستقلالية، والعمل وفق متطلبات كل مرحلة.

في بلد مثل سوريا، تحمّل فيه الشعب والأحزاب والسياسيين الكثير عبر عشرات السنين، وخاصة منذ انقلاب البعث وحكم الاستبداد والسجون المرعبة وانتشار الفساد الذي نخر البلد خلال خمسين عاماً، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من دمار وقتل وتشريد وانقسام وجمود في العملية السياسية.

وأدى عدم تحقيق أي تقدم أو تحول ديمقراطي في البلد إلى عزوف العديد من الشباب وحتى المخضرمين عن أحزابهم ونشاطهم السياسي، ولو كان بحده الأدنى، في ظل الاستبداد وعدم وجود ديمقراطية أو انتخابات أو حياة سياسية أو حرية رأي وصحافة.

وتأثر الكثيرون بهذه الظروف التي أشعرتهم باليأس وعدم القدرة على التأثير في محيطهم، وأن جهودهم لا تؤدي للوصول إلى أهدافهم التي يطمحون إليها، وخاصة فئة الشباب المليئة بالطاقة والرغبة بالتغييرات السريعة.

إن أكثر الجهات تعرضاً للضغوط في مرحلة الركود السياسي هي المعارضة الوطنية والأحزاب التي لا تقبل الدعم المادي من أي طرف خارجي أو مشبوه، من أجل الحفاظ على استقلاليتها ومنع أي أحد من التدخل في سياستها أو الضغط عليها بأي شكل.

وذلك ينطبق على معظم بلدان العالم. فالأحزاب المنضوية تحت السلطة الحاكمة تتلقى دعماً مادياً وإعلامياً وتستطيع العمل والتحرك بحرية، أما أحزاب المعارضة التي تتلقى دعماً خارجياً تتوفر لها أيضاً الأموال ووسائل الإعلام وقدرة كبيرة على التحرك سواء في الداخل أو الخارج.

فيصبح صوت هذين الطرفين هو المهيمن والأكثر سماعاً بالنسبة للناس، ما يؤثر على معنويات العديد من أعضاء الأحزاب الوطنية والمستقلة، حتى يبدؤون بجلد الذات ولوم النفس، ناسين مهامهم الطبيعية والسياسية في المراحل الصعبة، وخاصة في سوريا.

فينتقدون عدم تأثير أحزابهم على الواقع، متجاهلين أن لا حزب له تأثير كبير على الواقع، حتى الحزب الحاكم، كون السلطة استبدادية مركزية مطلقة ولا تسمح بوجود حياة سياسية ولا انتخابات حقيقية، وكل شيء يأتي من “فوق”.

المثير للاستغراب أن هناك جهات في المعارضة الوطنية والداخلية السورية ما تزال تظن أن الحل داخلي، وأنه يكفي عبر لقاءات وطنية والتقاط الصور وإلقاء شعارات حماسية وصياغة بيانات، لتنتهي الأزمة.

نفس الفئة من السياسيين فاتتهم قراءة السياسة وفق أبعادها الدولية والإقليمية والداخلية، ولم يعرفوا توازن القوى والمصالح جيداً، لا بين القوى الكبرى ولا الإقليمية ولا الداخلية في البلد.

وبما أن الأزمة السورية أصبحت دولية منذ أولى سنوات الصراع، وإصدار مجلس الأمن عدة قرارات تخص الوضع في سوريا، فعلى الكثيرين قبول الواقع بأن الحل دولي، وأنه يتطلب توافق جهات عديدة لكي يصبح حقيقياً ومستداماً.

ففي سوريا لا يمتلك أي طرف مفتاح الحل لوحده وبشكل منفرد، لا الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا، ولا الاتحاد الأوروبي والصين، ولا الأطراف الإقليمية كتركيا وإيران والسعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ولا الأطراف الداخلية كالسلطة الحاكمة والأحزاب الموالية أو المعارضة الوطنية أو الخارجية. لا يمكن لأي منها الوصول إلى حل بشكل فردي وارتجالي.

فالواقع يؤكد أن سوريا لن تصل إلى حل إلا بتوافق دولي بالدرجة الأولى، بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وبالدرجة الثانية الدول الإقليمية مثل تركيا وإيران وبدرجات أقل كالدول العربية الأخرى والاحتلال الإسرائيلي والاتحاد الأوروبي والصين.

وبالتالي هناك مهام كبيرة على أحزاب المعارضة الوطنية في سوريا، وخاصة اليسارية والماركسية. ومنها مواصلة العمل على زيادة تحالفاتها والتقارب من القوى الأخرى الوطنية سواء كانت أحزاب أو منظمات.

وأيضاً تثقيف الأعضاء الذين يتوجب عليهم رفع مستواهم الفكري والسياسي والثقافي بشكل دائم وقراءة التاريخ ومتابعة الأحداث السياسة والاستعداد لما هو جديد.

إن العمل السياسي في مراحل الركود يتطلب صبراً كبيراً وعملاً بعيد المدى.

فالمعارضة الوطنية تكمن قوتها في ثباتها وصبرها وحفاظها على ذاتها واستقلاليتها وعدم تبعيتها لأحد. فهي لا تمتلك السلاح ولا تتلقى المال من الخارج. فحتى لو بدت للناس حلقة ضعيفة في الوقت الحالي، لكنها وجودها وحده هو ما يزعج قوى الاستبداد والأحزاب التابعة للخارج. ولو عملت المعارضة الوطنية بتكتيك صحيح لأصبحت حلقة قوية في المراحل القادمة.                

من العدد ٧١ من جريدة المسار