الحراك الإيراني: بصيص الأمل

رامز باكير

لم تخمد نار الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، والتي بدأت بطابع طلابي – نسوي عابر للاثنيات والطبقات، والتي كانت شرارتها مقتل الشابة «مهسة أميني» البالغة من العمر ٢٢ عاماً على أيدي من يسمون بالشرطة الأخلاقية. وتصاعدت الأحداث بشكلٍ متسارع وتزايدت المطالبة بالإلغاء الكامل لنظام الجمهورية الإسلامية و لتضم العديد من فئات المجتمع الطبقية و قطاعاته بجانب الطلبة والنساء لتشمل تجار البازارات وعمال وعاملات الشركات والنقابات، كان أهمها إضراب العمال في إحدى مصافي تكرير النفط الكبرى في البلاد. مما دفع السلطات الامنية الإيرانية لشن هجوماً عنيفاً على المتظاهرين رداً على ذلك، حيث أدى الهجوم إلى اصابة الآلاف ومقتل ما لا يقل عن 144 ضحية من بينهم ٢٤ من الأطفال حتى تاريخ كتابة هذا المقال. 

واجتاحت الفضاءات الاعلامية صور إضرام النار بصور المرشد و تمزيقها ورميها من أعالي الجسور، معظمها تمت على أيدي طالبات مدارس. مما انتهى بالسلطات الامنية الايرانية إلى شن حملات اعتقال واسعة ضد المتظاهرات والمتظاهرين أبرزها تلك التي حصلت بالجامعات يوم السبت ١ تشرين الأول/أكتوبر، حيث كان بتصور النظام انه سيخنق الحركة الناشئة في مهدها، لكن دون جدوى. 

سياق الأحداث:

شهد العام الماضي وضع المرشد الأعلى لإيران «آية الله علي خامنئي» أسس جديدة لإطلاق موجة أخرى من خطة «أسلمة القاعدة الشعبية» على حد تعبيره. 

كان هدف خامنئي هو إنشاء “مجتمعه الإسلامي المثالي“، وهي مرحلة ممنهجة من مراحل إقامة نظام الثورة الثورة الإسلامية، كتلك التي حدثت في الصين الماوية «الثورة الثقافية»ـ والتي لايزال النظام الإيراني هو ودائرته يعتبرونها غير مكتملة. تهدف هذه المرحلة بتصورهم إلى استئصال التأثيرات الغربية ”غير الإسلامية“ على المجتمع الإيراني عامةً، ولكن ضمنيّاً، كانت موجهة ضد النساء بشكلٍ خاص.

واتبع النظام الإيراني مؤخراً نهجاً جديداً لتسهيل صعود جماعي لمجموعة من التكنوقراط والأفراد ذوي التدين العقائدي الشديد، الذين يمكن التعويل عليهم لتنفيذ مشروع «المجتمع الإسلامي» لخامنئي. 

كان من أبرز هؤلاء نائبة الرئيس لشؤون المرأة والأسرة «أنيسة الخزعلي»، والتي نقل عنها سابقاً قولها:

”عندما كان أطفالي أصغر، قرر زوجي ألا يسمح لي بالخروج من المنزل إلّا لمدة 15 ساعة في الأسبوع. 

بالطبع لقد امتثلت لأوامره!“. 

تم تكليف الخزعلي وآخرين إدارة خطة سمية وقتها «خطة إعادة دور المرأة ”المناسب“ في المجتمع الإسلامي»، لدمجهنّ كمجرّد أمهات وزوجات، من بين هذه التشريعات تقييد ساعات عمل النساء، وخفض حصص الجامعات. وقال رئيسي في تصريح سابق له ”لا ينبغي التخطيط لساعات العمل بطريقة تتجاهل دور المرأة كأم وزوجة“، وأعلن في تصريح آخر ”من الضروري لجميع الشركات والإدارات وضع خطط عمل للنساء بطريقة لا تؤدي إلى تعطيل الحياة الأسرية“ في محاولة لزيادة معدل المواليد. 

ويبدو أيضاً أن خفض سن زواج الفتيات على جدول الأعمال أيضاً، نظراً لأن أكثر من ٣١ ألف فتاة تتراوح أعمارهنّ بين 10 و 14 عاماً تزوجن من رجال بالغين في ايران في عام ٢٠١٩ وحده.

لمحة عن تاريخ الحراك النسوي المعاصر في ايران:

من أهم سمات الحراك الإيراني الحاص، أن التاريخ قليلاً أو حتى نادراً ما شهد حركة بهذا الحجم، كانت شرارتها و نواتها نسوية بامتياز. ففي العودة بالزمن، و تحديداً بعد أسبوعين من الثورة الإسلامية الإيرانية، خرجت 100 ألف امرأة إيرانية إلى الشوارع للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في 8 آذار/مارس 1979، للاعتراض على هجوم النظام الإسلامي الجديد على حقوقهنّ. 

واليوم و بعد 24 عاماً، و على الرغم من تدهور حقوق الإنسان في المنطقة عموماً بشكلٍ كبير، لم تخمد الروح الثورية للمرأة الإيراني وعاد شبحها للظهور. فقبل أربع سنوات ووسط احتجاجات ضخمة مناهضة للنظام في شارع الثورة في العاصمة طهران، أصبحن «فتيات شارع الثورة» أو بالفارسية «دختران خيابان انقلاب» رمزاً للمقاومة، حيث قامت البطلة الشابة «ويدا موحد» باعتلاء صندوق للكهرباء وخلعت حجابها ورفعته عالياً احتجاجاً على قانون الحجاب الساري منذ الثمانينات، أدي هذا العمل الجريء إلى إلهام النساء و انخراطهنّ بشكل أكبر في كل موجة احتجاجات، وأصبحن يتقدمن الخطوط الأمامية ضد النظام المتشدد في البلاد.

رغم كل ذلك، حدثت تلك المقاومة مع القليل من الاعتراف أو الدعم من الحركة النسوية والحركات التحررية واليسار في الغرب و في عالمنا العربي، ولكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً بكل تأكيد.

فالحركة هذه المرة نجحت بخلق شبكات تضامن أممي تجاوزت كل التوقعات، فهل ستجد هذه من يتلقفها سورياً و عربياً؟ 

إضراب القطاعات الأكثر حيوية: 

شهد يوم الاثنين 10 تشرين أول/أكتوبر تحولاً كبيراً في الحراك الحاصل في ايران، حيث قام حوالي 4000 عامل من شركة «بوشهر» و «دامافاند» و «هنغام»  للبتروكيماويات بالتظاهر والإضراب إلى أجل غير مسمى لدعم الحركة. علاوة على ذلك، تم إغلاق شركة «Sadara Petrochemical Company» بشكل استباقي من قبل الرؤساء تحسباً من إضراب مماثل. تعمل هذه الشركات التي ذكرتها في مجمع «العسلية» للبتروكيماويات، والذي يعد من أكبر المجمعات الصناعية للبتروكيماويات في العالم.

وأغلق العمال المضربون طريقًا سريعًا يؤدي إلى المجمع بالحجارة والبراميل والاطارات المشتعلة، بينما رددوا هتافات مثل «الموت لخامنئي» و «لا تسميها احتجاجًا، إنها ثورة!»

بل ومن أهم ما سُمع من هتافات أحد العمال الذين يصورون الضربة  “تحيا إيران! عاش اللورس والأتراك والأكراد والعرب والبختياريين!” مما يظهر بعداً عمالياً أممياً للاحتجاجات آخذاً بالتنامي، جنباً إلى جنب مع الحراك النسوي.

الأمل الذي طال انتظاره:

مع استمرار الاحتجاجات، صعدت السلطات الأمنية الإيرانية حملتها القمعية الهائلة، وتم اعتقال المئات من المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان و صحفيين/ات و طلبة و حقوقيين/ات و من كافة الشرائح. وفرضت الحكومة الايرانية انقطاعًا آخر للإنترنت لمنع وصول الناس إلى شبكات التواصل الاجتماعية وتطبيقات المراسلة، للحد من نشر صور الاحتجاجات وصور حملات وممارسات الأمن العنيفة والدموية، كتلك التي لطالما عانينا منها نحن على مدى عقود من الزمن، عدا عن القمع المزدوج للنساء، قمع السلطة الذكورية الأبوية المنتشر في مجتمعاتنا من جهة، وقمع سلطة الأمر الواقع من جهة أخرى.

فهل من شأن هذا الحراك إعادة إحياء الأمل بتحرك عربي، ولكن هذه المرة بنسخة أكثر تقدمية و بصيغة جامعة وعابرة للطوائف والقوميات بل وعابر للأمم؟

من العدد ٦٩ من جريدة المسار