في كل مرحلة هناك تناقض رئيسي للقضايا يحدد طبيعة المرحلة التي يمر بها البلد المعني، وعلى هذا السياق اعتبر “البيان الشيوعي” أن التناقض الرئيسي في بريطانيا هو التناقض بين الطبقة العاملة والبورجوازية بمجتمع من الرأسمالية المتقدمة، وبالتالي فإن المهمات ذات طابع اشتراكي، فيما في ألمانية المتأخرة فإن “البيان الشيوعي” قال بأن على الشيوعيين أن يتحالفوا مع البورجوازية من أجل إنهاء الحكم المطلق والعلاقات الاقطاعية الماقبل رأسمالية، وبالتالي فإن المهمات ذات طابع ديمقراطي.
في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية- الكومنترن عام 1935 دعا المؤتمر إلى تشكيل (جبهة وطنية متحدة) تضم الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين للوقوف بوجه النازية والفاشية،فيمافي المؤتمر السادس عام 1928 كان الشعار هو (طبقة ضد طبقة).
في سوريا ومنذ عام 2011 نعيش أزمة وطنية عامة، بعد انفجار انتفاضة اجتماعية واسعة ضد النظام السياسي القائم، وقد انقسم السوريون على إثرها بين كتل متساوية الحجم في ثالوث معارضة- موالاة- متردد. لم تستطع المعارضة الانتصار كما حصل في تونس ومصر عام 2011 ولم يستطع النظام السوري تكرار انتصاره العسكري- الأمني في أحداث1979-1982، وأيضاً لم تستطع المعارضة والسلطة إيجاد تسوية تنهي المجابهة التي امتشق فيها السلاح من قبل السلطة ومن قوى معارضة عديدة بعد ستة أشهر من بداية الانتفاضة الاجتماعية التي بدأت بمدينة درعا في آذار 2011 ثم عمًت في أرجاء واسعة من الأرض السورية.
أنتج هذا أزمة سورية داخلية نتيجة هذا الاستعصاء بين الطرفين المتجابهين ثم تحولت الأزمة السورية إلى أزمة إقليمية ودولية مع استعانة السلطة السورية بقوى إقليمية ودولية وهو ما سارت على منوالها قوى معارضة سورية، وأيضا هذا حوًل سوريا إلى أرض للصراع الإقليمي والدولي وأيضاً كان غير محسوم بل استعصت توازناته، ولم تجري محاولات حقيقية من الأطراف الإقليمية والدولية لحل الأزمة السورية بل اشتغل الجميع على استغلال هذه الأزمة عبر إدارتها بشكل تخدم مصالح المتدخلين والداخلين عبر جيوشهم والمليشيات التابعة لهم،ثم منذ عام 2016 هناك ثلاثة أقسام سورية تعيش انفصالاً جغرافياً،في غرب الفرات وفي شرق الفرات وفي المنطقة التي تخضع للنفوذ التركي الممتدة من بلدة بداما في جنوب غرب محافظة إدلب وحتى مدينة جرابلس على الفرات زائد جيب تل أبيض- رأس العين.،وهناك حالة من الاستنقاع للأزمة السورية شبيهة بما جرى ويجري في قبرص بين شمال وجنوب يعيشان انفصالاً بحكم الأمر الواقع منذ عام 1974.
نحن في الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) نرى أن التناقض الرئيسي في المرحلة السورية الراهنة هو تناقض وطني يتمثل في ضرورة إنهاء الحريق السوري عبر تسوية سياسية تجمع السلطة والمعارضة تحت المظلة الدولية وفق بيان جنيف1 والقرار 2254 تنهي الانقسام الجغرافي الحاصل وتعيد الوحدة الجغرافية للبلد وعلى أن يتم هذا عبر حكومة انتقالية تقود البلد إلى وضع ديمقراطي ينهي التفرد القائم منذ 8 آذار 1963 وخاصة بعد فترة ما بعد 16 تشرين الثاني 1970 يكون فيه حرية للأحزاب والصحافة والجمعيات من أجل الوصول إلى صياغة دستور تجري على أساسه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية ،وضع انتقالي يتم فيه معالجة الجراح السورية الكثيرة من سجناء ومفقودين ولاجئين خارج البلد ونازحين داخل البلد بعودتهم لديارهم من دون مساءلة وإعادة الإعمار ورد المظالم لأهلها من سجناء سابقين وأصحاب أملاك صودرت لأسباب سياسية.
في هذا التناقض الوطني تأتي الديمقراطية قرينة للوطني بوصفها الطريق والحامل لإعادة إيقاف البلد على قدميه ونقله من نظام سياسي قائم كان سبباً للأزمة السورية العامة التي انفجرت في عام2011إلى نظام جديد تسود فيه الديمقراطية والحريات السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية. من هنا قولنا بأن التغيير يجب أن يكون تغييراً وطنياً ديمقراطياً وهو ما نشتغل عليه في حزبنا منذ المؤتمر الخامس للحزب عام 1978 ومن ثم عبر تحالفاتنا سواء عبر (التجمع الوطني الديمقراطي) عام 1979 أو (هيئة التنسيق الوطنية) منذ عام 2011.
يمكن بعد مرحلتي (التغيير) و (الانتقال) أن يتغير التناقض الرئيسي لكي يصبح طبقياً، أو أن يصبح تحديثياً بالترادف مع التناقض الطبقي رغم أن الفوارق الطبقية قد أصبحت فاقعة حيث يعيش الآن تسعون بالمئة من السوريين تحت خط الفقر فيما الأغنياء الجدد قد أتوا من السلطة أو ولدتهم السلطة التي استغلت الأزمة والحصار الخارجي من أجل أن تصنع السلطة الثروة أو تنزعها، ولكن لا يمكن تسبيق أو خلط (الطبقي) و (التحديثي) مع مهمات المرحلة القائمة، وخاصة في وضع مثل الذي تعيشه سوريا الآن حيث نصف السكان خارج بيوتهم التي كانوا بها في آذار 2011 وحيث ثلث السكان هم لاجئين خارج الحدود ،وحيث الانتظام الاجتماعي مخلخلاً نتيجة النزوح واللجوء ودمار البنية التحتية الاقتصادية.