احتراق بطيء: روسيا تتفادى الانهيار الاقتصادي لكن الانحدار قد بدأ

كلير سيباستيان

CNN ٢٩ آب ٢٠٢٢

بعد ستة أشهر من غزو أوكرانيا، تعثرت روسيا في حرب استنزاف لم تكن تتوقعها، لكنها تحقق نجاحا على جبهة أخرى-إذ اقتصادها، الذي هو معتمد على النفط وفي حالة ركود عميق، قد أثبت مع ذلك أنه أكثر مرونة بكثير مما كان متوقعا.

يقول أندري نيتشيف، الذي كان وزيرا للاقتصاد الروسي في أوائل التسعينيات: “أنا أقود عبر موسكو وزحمة السير هي نفسها التي كانت موجودة من قبل”.

وقد ساعد استعداد الصين والهند لاقتناص النفط الروسي الرخيص على الحفاظ على دوران عجلة الاقتصاد الروسي، لكن نيتشييف ومحللين آخرين يقولون إن الاقتصاد الروسي بدأ في الانخفاض ومن المرجح أن يواجه فترة طويلة من الركود نتيجة للعقوبات الغربية.

سطحياً لم يتغير الكثير؛ مع عدد قليل من واجهات المحلات الفارغة التي كانت تضم العلامات التجارية الغربية التي فرت من البلاد بالمئات. ماكدونالدز يسمى الآن “فكوسنو أنا توشكا”، أو “لذيذ، وهذا كل شيء” أما مقاهي ستاربكس فهي في طور إعادة الفتح تدريجياً، تحت العلامة التجارية المقنعة بالكاد “ستاركوفيس”.

إن هجرة الشركات الغربية، وموجة تلو الأخرى من العقوبات الغربية التي تستهدف صادرات الطاقة الحيوية الروسية ونظامها المالي، تركت أثرها، ولكن ليس بالطريقة التي توقعها الكثيرون.

ويعزو نيتشيف، الذي ترأس بعضا من أكثر الأوقات الاقتصادية اضطرابا في روسيا وساعد في توجيه انتقالها إلى اقتصاد السوق الحر، بعضا من هذا إلى البنك المركزي.

وقد انهار الروبل إلى مستوى قياسي منخفض أمام الدولار الأمريكي في وقت سابق من هذا العام في أعقاب الغزو حيث جمد الغرب حوالي نصف احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية البالغة 600 مليار دولار. لكنه ارتد منذ ذلك الحين إلى أقوى مستوى له مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 2018. (تذكر تهديد الرئيس جو بايدن للحد منه إلى “الأنقاض”؟)

يأتي ما سبق إلى حد كبير كنتيجة لضوابط رأس المال الشديدة ورفع أسعار الفائدة مرة أخرى في الربيع، تلك الأسعار التي عادت وقلبت وغيرت اتجاهها الآن. أسعار الفائدة الآن أقل مما كانت عليه قبل الحرب، ويقول البنك المركزي إن التضخم، الذي بلغ ذروته عند 18 ٪ تقريبا في أبريل، يتباطأ وسيكون بين 12 ٪ و15 ٪ للعام بأكمله.

كما قام البنك المركزي بتعديل توقعاته للناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، ويتوقع الآن أن يتقلص بنسبة 4 ٪ إلى 6٪. في أبريل، كانت التوقعات لانكماش 8 ٪ إلى 10٪. كما يتوقع صندوق النقد الدولي الآن انكماشا بنسبة 6٪.

وساعد في حصول ذلك قيام الكرملين بثماني سنوات من أجل الاستعداد، مدفوعا بالعقوبات التي فرضها الغرب بعد أن ضمت موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014.

يقول نيتشيف:” خروج ماستركارد، فيزا، بالكاد كان له تأثير على المدفوعات المحلية لأن البنك المركزي كان لديه نظام مدفوعات بديل خاص به”.

أنشأت روسيا بطاقة ائتمان (مير)، ونظام معالجة المعاملات الخاص بها في عام 2017.

“هناك سبب وراء قدرة المعجبين الروس بماكدونالدز وستاربكس المتواصلة على الحصول على الوجبات السريعة “كما بقول كريس ويفر، الشريك المؤسس لشركة ماكرو الاستشارية المحدودة، وهي شركة استشارية تقديم المشورة للشركات متعددة الجنسيات في روسيا وأوراسيا.

منذ عام 2014، خضعت العديد من العلامات التجارية الغربية في روسيا لضغوط الحكومة وقد حددت بعض أو كل سلاسل التوريد الخاصة بها. لذلك عندما غادرت هذه الشركات، كان من السهل نسبيا على المشترين الروس شرائها والاستمرار في تشغيلها ببساطة عن طريق تغيير الغلاف والتعبئة والتغليف.

يقول ويفر:” نفس الأشخاص، نفس المنتجات، نفس العرض”.

إلا أنّ الاستراتيجية السابقة ليست مدروسة بشكل كامل وصافي.

أبلغت متاجر ماكدونالدز التي أعيد تصنيفها عن نقص في البطاطس المقلية في منتصف يوليو، عندما انخفض محصول البطاطس في روسيا، ولم يملأ الموردون الأجانب الفجوة بسبب العقوبات.

هل يمكن أن يستمر إنتاج الطاقة في روسيا؟

وفرة الوجبات السريعة شيء، بينما اعتماد استقرار روسيا على المدى الطويل على قطاع الطاقة شيء آخر، الذي لا يزال إلى حد بعيد أكبر مصدر للإيرادات الحكومية.

إذا قلنا أنّ أسعار الطاقة المرتفعة قد عزلت روسيا حتى الآن، فذلك سيكون بخساً.

وتقول وكالة الطاقة الدولية إن إيرادات روسيا من بيع النفط والغاز إلى أوروبا تضاعفت بين مارس / آذار ويوليو / تموز من هذا العام، مقارنة بمتوسط السنوات الأخيرة. هذا على الرغم من انخفاض الأحجام. تظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية أن شحنات الغاز إلى أوروبا انخفضت بنحو 75٪ خلال الأشهر أل 12 الماضية.

النفط مسألة مختلفة. لم تتحقق توقعات وكالة الطاقة الدولية في مارس / آذار بأن 3 ملايين برميل يوميا من النفط الروسي ستخرج من السوق اعتبارا من أبريل / نيسان بسبب العقوبات الدولية أو التهديد بها. صمدت الصادرات، على الرغم من أن محللي (ريستاد) للطاقة لاحظوا انخفاضا طفيفا خلال الصيف.

كان العامل الرئيسي هو قدرة روسيا على إيجاد أسواق جديدة في آسيا.

وفقا لحميون فالكشالي من شركة كبلر الاستشارية للسلع، فإن معظم صادرات النفط الروسية المنقولة بحراً ذهبت إلى آسيا منذ بداية الحرب. في يوليو، كانت الحصة 56 ٪، مقارنة بـ 37 ٪ فقط في يوليو 2021.

بين يناير ويوليو من هذا العام، زادت الصين وارداتها النفطية المنقولة بحراً من خام الأورال الروسي المخفض بشدة بنسبة 40 ٪، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقا لبيانات كبلر. هذا على الرغم من جهود الصين الأولية لتجنب ظهور الانحياز في الحرب الروسية على أوكرانيا. ارتفعت واردات الهند المنقولة بحراً من روسيا بأكثر من 1700 ٪ خلال نفس الفترة، وفقا لكبلر. كما زادت روسيا صادرات الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب سيبيريا.

ما يحدث عندما يدخل الحظر الأوروبي على 90 ٪ من النفط الروسي حيز التنفيذ في ديسمبر، سيكون حاسما. ما يقدر بنحو 2 مليون برميل يوميا من النفط الروسي سيكون في طي النسيان، وعلى الرغم من أنه من المحتمل أن يذهب بعض من ذلك إلى آسيا، يشك الخبراء فيما إذا كان الطلب سيكون مرتفعا بما يكفي لاستيعاب كل شيء.

يقول فالكشالي إن الصين لا تستطيع شراء النفط الروسي أكثر بكثير مما هي عليه بالفعل، بسبب التباطؤ المحلي في الطلب، ولأنها ببساطة لا تحتاج إلى المزيد من ذلك النوع المحدد المتوافر من صادرات النفط الروسية.

سوف يلعب السعر دورا حاسما أيضا، فيما إذا كانت روسيا قادرة على الاستمرار في الخصم لتأمين أسواق جديدة.

يشير نيتشيف إلى أن” الخصم بنسبة 30 ٪ من 120 دولارا للبرميل شيء، أما الخصم من 70 دولارا فهو شيء آخر”

“حرق أبطأ”

في حين أن التضخم العالمي يساعد قطاع الطاقة في روسيا، فإنه يضر بشعبها. مثل بقية أوروبا، يعاني الروس بالفعل من أزمة تكلفة المعيشة، والتي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا.

نيتشيف، الذي ساعد في توجيه روسيا من خلال انهيار اقتصادي أكثر دراماتيكية في التسعينيات، يشعر بالقلق.

يقول:” فيما يتعلق بمستوى المعيشة، إذا قمت بقياسه من خلال الدخل الحقيقي، فقد عدنا إلى الوراء بنحو 10 سنوات”.

الحكومة الروسية تنفق في محاولة لمكافحة هذا. في مايو، أعلنت أنها سترفع المعاشات والحد الأدنى للأجور بنسبة 10٪.

أقامت الدولة نظاماً يمكن فيه لموظفي الشركات التي “علقت أنشطتها” الانتقال مؤقتا إلى صاحب عمل آخر دون كسر عقد العمل الخاص بهم. كما وتنفق 17 مليار روبل (280 مليون دولار) لشراء سندات شركات الطيران الروسية، التي شلت بسبب حظر المجال الجوي والعقوبات التي تمنع صيانة وتوريد قطع الغيار من قبل الشركات المصنعة الأجنبية.

إن العقوبات التكنولوجية، مثل تلك التي تؤثر على صناعة الطيران، قد يكون لها التأثير الأكثر عمقاً على الآفاق الاقتصادية لروسيا على المدى الطويل. في يونيو، قالت وزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو إن صادرات أشباه الموصلات العالمية إلى روسيا انهارت بنسبة 90 ٪ منذ بدء الحرب. وهذا يعوق إنتاج كل شيء من السيارات إلى أجهزة الكمبيوتر، وسوف، كما يقول الخبراء، يضعها بمرتبة متأخرة في سباق التكنولوجيا العالمي.

يقول ويفر:” تأثير العقوبات مماثلاً لاحتراق بطيء، وليس ضربة سريعة. روسيا الآن أمام ما قد يكون فترة طويلة من الركود.”

ويقول نيتشيف الأكثر تحديداً: “بدأ التدهور الاقتصادي للتو”.

من العدد ٦٨ من جريدة المسار

الصورة من رويترز