سوريا: مؤشرات اقتصادية

البنك الدولي 2022

تتدهور ظروف المعيشة الاجتماعية والاقتصادية بسرعة في سوريا، متأثرةً بمجموعة من الصدمات، منها الصراع المسلّح الطويل الأمد، العقوبات الاقتصادية، جائحة كوفيد ١٩، الجفاف الشديد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلدان المجاورة كلبنان وتركيا والعواقب الاقتصادية للغزو الروسي، الحرب والعقوبات المرتبطة بها. أدى الانخفاض المستمر في قيمة العملة المحلية إلى تفشي التضخم، وتفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي المرتفعة مسبقاً، ودفع المزيد من الناس إلى الفقر. وقد ساهمت النزاعات والتشرد وانهيار الأنشطة الاقتصادية والخدمات الاجتماعية كلها لتراجع الرعاية الاجتماعية للسكان سوريا.

الشروط والتحديات الرئيسية

الآن ومع وصوله إلى عامه الحادي عشر، يستمر الصراع في سوريا إلى إلحاق آثار مدمرة على السكان وقدرتهم الاقتصادية. لايزال أكثر من نصف سكان سوريا، أولئك القاطنين في سوريا ما قبل الصراع في البلاد، خارج بيوتهم، منهم 6.6 مليون من النازحين ضمن سوريا و5.6 مليون سوري آخر لاجئين في الدول المجاورة. على الرغم من تراجع الصراع المسلح واسع النطاق في الآونة الأخيرة، سجلت سوريا 7465 حالة وفاة مرتبطة بالنزاع المسلح في 2021، الرقم الأخير يُعَد تاسع أعلى المعدلات في العالم، وفقا لإحصائيات جُمِعَت من قبل (ACLED). الأثر الاجتماعي والاقتصادي للصراع كبير ومتزايد. بين عامي 2010 و2019، تقلص الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بأكثر من النصف. أدى الانخفاض في الدخل القومي الإجمالي للفرد في سوريا وفق مجموعة البنك الدولي لإعادة تصنيف سوريا كدولة ذات دخل منخفض في عام 2018، الأمر الذي يسلط الضوء على حجم الضرر على الاقتصاد السوري منذ عام 2011.

ساهمت النزاعات والتشرد وانهيار الأنشطة الاقتصادية والخدمات الاجتماعية كلها في تراجع الرعاية الاجتماعية.  قبل الحرب، كانت ظاهرة الفقر المدقع في سوريا ($ 1.90: معدل دولار و90سنت باليوم في عام2011) غير مرصودة تقريبا. اليوم تهيمن الظاهرة السابقة على أكثر من 50 في المائة من السكان. على الجبهة غير النقدية، فرص الحصول على المأوى وكسب الرزق والصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي قد ساءت جميعها بشكل كبير منذ بداية الصراع. مع نظام الرعاية الصحية المتدهور بشدة في أعقاب الحرب التي استمرت عقدًا من الزمان، أدّت جائحة كوفيد ١٩ إلى تزايد سوء الحالات الحرجة مسبقاً. استمرت حالات الوفاة الناجمة عن جائحة كوفيد ١٩ في الارتفاع في سوريا، ويرجع ذلك جزئيا إلى بطء وسائل توفير اللقاح. بحلول نهاية فبراير 2022، تلقّى 11٪ فقط من مجموع السكان جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، وكان 6 في المئة منهم ملقَّح كلياً.

التطورات الأخيرة

لا يزال الاقتصاد يعاني من آثار الأزمة الصحية المضاعَفة والأحوال الجوية السيئة، هشاشة على المستوى الإقليمي، وعدم استقرار اقتصادي على المستوى الكلي. منذ عام 2020، العلاقات الاقتصادية الخارجية السوري قد قيدت بشدة من جراء الأزمة المتفاقمة في لبنان وتركيا، فضلا عن فرض عقوبات أمريكية جديدة بموجب قانون قيصر، الأمر الذي تَسبّبَ بنقص السلع الأساسية وانخفاض حاد في قيمة العملة. كما تراجعَ سعر الصرف في السوق من الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 26 في المئة في العام على أساس سنوي في 2021، وذلك بعد انخفاض سنوي 224 في المئة في عام 2020. وبالنظر إلى الاعتماد الكبير على الواردات، أدى انخفاض العملة إلى ارتفاع الأسعار المحلية بسرعة، الأمر الذي أدّى إلى تضخم اقتصادي جامح.  بلغ معدل التضخم السنوي 114 في المئة في عام 2020، وهي أكبر زيادة منذ عقود. رداً على الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، وضعت الحكومة جولتين من الزيادات في الأجور للعاملين في القطاع العام في 2021، ولكن هذا لم يكن كافيا للتعويض عن تآكل الدخول الحقيقية.

معدّل التضخم الاقتصادي في سوريا، الواصل إلى خانة المئات، قد أثر على نحو غير متناسب على الفقراء والضعفاء. تضخم أسعار الغذاء – وفق مؤشر أسعار المواد الغذائية على سعر سلة برنامج الغذاء العالمي -ارتفع بنسبة 97 في المئة خلال 2021 إضافة إلى زيادة 236 في المئة في عام 2020. تشير التقديرات إلى أنّ العامل ذو المهارة المتدنية، في المتوسط، يحتاج لما يصل إلى 23 يوم عمل في الشهر لتوفير سلة الحد الأدنى الغذائية (الاحتياجات الغذائية الأساسية الوحيدة لأسرة مكونة من خمسة). مدفوعا بالزيادة الملحوظة في أسعار السلع الأساسية، ارتفع الدعم الحكومي للسلع الغذائية والوقود الأساسية بشكل كبير خلال السنوات الماضية، حيث شكل حوالي 40 في المائة من إجمالي النفقات المدرجة في الميزانية في عامي 2021 و2022. ولضغط الدعم، قامت الحكومة السورية بتشديد التقنين، الأمر الذي أدى حتما إلى تدهور الظروف المعيشية السيئة مسبقاً للشعب السوري. ووفقا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي الأخيرة، أبلغ ما يقرب من نصف الأسر التي شملها الاستطلاع (49 في المائة) عن سوء استهلاك الغذاء أو حدوده في ديسمبر / كانون الأول 2021، بزيادة عن 39 في المائة قبل عام.

بالنسبة لأسعار المواد الاستهلاكية فقد ارتفعت بنسبة 13% عام 2019 و 114% عام 2020 و 89% عام 2021 و 60% حتى نيسان 2022.

التوقعات

من المتوقع أن تزداد الأوضاع الاقتصادية في سوريا سوءاً بسبب النزاع المسلح، والاضطرابات في لبنان وتركيا، ووباء كوفيد-19، والعواقب الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا والحرب والعقوبات المرتبطة بها. ومن شأن استمرار العجز المزدوج أن يزيد من استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي، مما يزيد من الضغط على العملة المحلية. من المتوقع أن يظل التضخم مرتفعا على المدى القصير، بسبب الآثار المارة لانخفاض قيمة العملة، والنقص المستمر في الغذاء والوقود، وانخفاض تقنين الغذاء والوقود. وسيظل الاستهلاك الخاص ضعيفا مع استمرار تآكل القوة الشرائية وسط ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة. وسيظل الإنفاق الحكومي، ولا سيما النفقات الرأسمالية، مقيدا بسبب انخفاض الإيرادات وعدم إمكانية الحصول على التمويل. ونتيجة للأزمات المطولة والمتفاقمة، يقدر مجتمع المتبرعين الدوليين أن أكثر من 60 في المائة من السوريين سيحتاجون إلى المساعدة في عام 2022. إنّ مخاطر التضخم المتوقَعة بليغة. ونظرا لاعتماد سوريا الشديد على واردات الغذاء والوقود، فإنها معرضة بشكل خاص لارتفاع أسعار المواد الغذائية الناجم عن العواقب الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا والحرب والعقوبات المرتبطة بها، مما سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد مسبقاً في البلاد. إذا تأثرت التجارة مع روسيا، فإن التأثير سيكون أكبر بالنظر إلى أن سوريا تستورد كمية كبيرة من القمح من روسيا. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الركود الاقتصادي وتدهور الخدمات العامة إلى زيادة الاضطرابات الاجتماعية والصراع، مما يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار السياسي الضعيف أصلا في سوريا.

من العدد ٦٤ من جريدة المسار