يوسف الطويل
عندما انتصرت الثورة الروسية البلشفية في أكتوبر 1917، كان انتصارها مبنياً على سببين أولهما السلم (نتيجة الحرب العالمية الأولى) وثانيهما الأرض (في توزيع الأرض على الفلاحين)، وفعليا لم تتجاوز الثورة الروسية رأسمالية الدولة في كل مفاصل حياتها حتى تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991.
فإذا عدنا إلى المنهج الماركسي فإنه يجب الفصل بين التجربة الماركسية والماركسية ذاتها ، فالماركسية هي منهج تحليلي لبنية سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية والوصول لإنتاج التصور الماركسي لحلول التناحرات التي تصيب مجتمعاً “ما” ولإعادة إنتاجه مع تطويره ذاتياً ، وليست عقيدة لا يأتيها الباطل أبداً وليست كليّة القدرة، بل هي تفاعل مع الممارسة الواقعية والخصوصيات الوطنية والقومية والطبقية، يتم فيها إلغاء العديد من المفاهيم حسب الزمان والمكان وجدل العام والخاص والخارج والداخل أو تطوير مفاهيم أو الالتزام بمفاهيم معينة .
لقد تعامل الاتحاد السوفيتي مع الحركة الشيوعية العالمية وفق منطق مصالحه الخاصة، ولقد أوقع هذا، الحركة الشيوعية العالمية (بسبب تبعيتها للمركز) في أخطاء نظرية وتصورات عقيمة وخاطئة وممارسات غير سليمة إطلاقاً ، فأصبحت حماية النظام السوفيتي هي مهمة التضامن الطبقي العالمي الرئيسية، والالتزام بتوجيهاته نقطة انطلاق لتحديد السياسات الوطنية والقومية والأممية ، فلم يعد للاجتهاد دور في تطوير الفكر الماركسي والمنهجية الماركسية والممارسة الشيوعية ،ومن ثم فقد تم تكفير كل مخالف لسياسة مركز الحركة الشيوعية العالمية.
لم تنته الماركسية مع تفكك الاتحاد السوفيتي ، بل يمكن أن يكون تفككه وانتهاء تجربته انتصاراً لوجهة نظر كارل ماركس ،حيث نبّه ماركس إلى أنه: لا يمكن أن تنتصر الاشتراكية في بلد متخلف بل في بلد متطور من ناحية مدى نضج العلاقات الرأسمالية، ففي بلد متخلف وزراعي كروسيا لم يتم تطوير البنية الاجتماعية باتجاه العلاقات الاشتراكية طوال فترة التجربة السوفياتية حتى عام 1991 عندما حصل تفككه ،بل لم تتجاوز التجربة السوفيتية رأسمالية الدولة فعلياً ،وبالتالي لم تتجاوز العلاقات الرأسمالية التي تنتجها الدولة الشمولية وتعيد إنتاجها، فقد انتصرت الماركسية أيضاً في تفككه من ناحية التشويه الإيديولوجي الذي مارسه قادة الاتحاد السوفيتي للماركسية مما أدى لانتشار الجمود العقائدي والتخلف النظري والعملي وعدم احترام الرأي الآخر والمخالف.
في الحقيقة لقد كان تفكك الاتحاد السوفيتي ليس تبيانا لفشل المنهج الماركسي، بل بالعكس.
وفي هذه اللحظات وأمام الانحلال القيمي للرأسمالية الدولية يتطلب الوضع من الحركات والأحزاب الشيوعية إعادة النظر في تطبيقات المنهج الماركسي باتجاه انفتاحها على المعارف الإنسانية السياسية والاجتماعية، والأخذ بها من أجل إثراء المنهج الماركسي وتطويره بما يلائم الحاجات وتغيير الواقع القائم باتجاه عالم أفضل، فلسنا وحدنا في معركة إسقاط الرأسمالية، بل هناك العديد من الحركات الإنسانية والاشتراكية واليسارية، والتي لها نفس الهدف وإنْ اختلفت الرؤى والتصورات المرحلية والمستقبلية.