منذ أن تدخلت روسيا عسكرياً في سورية عام ٢٠١٥ بدأ الجدل يدور حول طبيعة الدورين الروسي والإيراني في سورية، هل وجد اتفاق وتنسيق بينهما على هدف استراتيجي محدد أم هو موجه ومقتصر حول الأزمة السورية فقط وإذا كان كذلك ألا يوجد تضارب في المصالح والأهداف عند كل طرف على سورية، وأيضا في حال تضارب الأهداف والمصالح بينهما فهل للنظام السوري القدرة على التوفيق بينهما وفي نفس الوقت ممارسة مهام السيادة على الأرض السورية؟
بداية لابد من القول: أن ظروف وطبيعة المواجهة بين النظام مع الغرب تقوم على تغيير سلوك النظام ولا تستهدف تغير النظام و إنهائه، مما ساعد كثيرا التقارب بين روسيا وإيران والتنسيق المشترك بينهما لمنع سقوطه ودعمه عسكريا وسياسيا واقتصاديا، كما يعتبر الطرفان أن استمرار هذا الدعم هو ضمان لاستراتيجيتهما في مواجهة امتداد النفوذ الغربي وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تُعتبر عدوا مشتركا للطرفين، ويمثل هذا السبب أحد أهم عوامل التقارب بينهما في العديد من ملفات المنطقة ، كما أصبح واضحا للمراقب، أن الطرفان متفقان على منع أي سيطرة للحركات الإسلامية السنية ، فالطرفان ينظران إليهاعلى أنها تشكل تهديدا للأمن القومي للدولتين.
في آخر اجتماع لهما في طهران، بين لجان الطرفين على مستوى الدفاع والأمن والسياسة في ٢١ تشرين الثاني من عام ٢٠٢١، وصف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان التعاون بين طهران موسكو في سورية بأنه: تجربة ناجحة تشكلت في إطار سلطة الحكومة السورية وسيادتها، إلا أنه وفي نفس السياق وبعيدا عن التصريحات الدبلوماسية التي تفرضها ضرورات التحالف بينهما، فأن أغلب المهتمين بالشأن السوري يرون أنه يبقى هذا التحالف هشّاً ومعرّضاً للهزات، بسبب تعقيد شبكة العلاقات الدولية والإقليمية بين كل من النظامين من جهة، وبين النظام العربي الرسمي وتحديدا دول الخليج العربي والسعودية من جهة أخرى، وكذلك بسبب العديد من التباينات بين أهداف كل منهما في سورية، لذلك تراهن بعض الدول العربية، وكذلك عند بعض المحللين والمراقبين المهتمين بالملف السوري في إمكانية ابتعاد موسكو عن طهران إنْ أمكن الدخول على نقاط الافتراق والخلاف بينهما، وتأتي في مقدمتها هيمنة موسكو على ملف الحل السياسي في سورية، فمنذ أنْ عملت موسكو على توقيع اتفاق الكيماوي بينها وبين واشنطن والنظام في ١٤ أيلول ٢٠١٣ الذي تضمن تدمير المخزون الكيماوي في سورية، ومنع توجيه ضربة عسكرية على سورية من قبل الغرب، وما تلا ذلك من توافق أمريكي روسي عند صدور القرار الدولي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ الخاص بحل الأزمة السورية سياسيا، فأن موسكو وعبر التوافق والتفاهم مع واشنطن تقوم بالأشراف بالوكالة عن النظام السوري على العملية السياسية – التفاوضية، بما فيها اجتماعات اللجنة الدستورية بين النظام والمعارضة السورية.
ويؤكد المراقبون أبعد من ذلك من أن موسكو هي المتحكم دون منافس في قرار النظام السوري ومسار الأزمة فيها، فموسكو مهتمة بتأمين حل سياسي في سورية يؤمن لها استقرار سياسي وأمني وعسكري، شريطة أن تبقى سورية غير خاضعة لهيمنة الأمريكان، وأن لا تتأثر مكاسبها الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية التي حققتها عبر تدخلها العسكري، وأن تستفيد من مشاريع وأموال إعادة الإعمار في حال تحققها، كما ترى موسكو الاستقرار السياسي في سورية سيؤدي إلى ضبط وجود المليشيات المرتبطة بإيران أو إخراجها من سورية، وهذا يساعد على إنهاء النفوذ الإيراني على الجغرافية السورية ، كما أنها وفي أكثر من مناسبة أبدت استعدادها لإنجاز الحل السياسي مقابل تفاهمات دولية، تضمن لها المكاسب التي تحققت وبقاء العقود الطويلة الأجل التي أبرمتها مع النظام السوري، كما استطاعت موسكو أن تعقد تفاهمات مع إسرائيل لاستهداف تواجد وتموضع المليشيات الإيرانية بهدف إضعاف النفوذ العسكري الإيراني على الأرض السورية، كما تسعى موسكو للسيطرة على ملف الثروات النفطية والغاز، وهذا يتعارض مع مساعي طهران لتمديد الغاز الإيراني نحو أوروبا.
ومن جهة أخرى، فإن موسكو ترى في تحقيق حالة استقرار مستدامة سيمنحها فرص كبيرة للتمدد في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والمحور العربي الرافض للتمدد الإيراني في المنطقة، إضافة إلى أن ذلك سيمنحها أيضا دورا إقليميا في السياسة الدولية مع الغرب الأمريكي، وهذا لن يكلف موسكو الكثير في ظل انسحاب واشنطن من منطقة الشرق الأوسط بعد اهتمامها بالنمو الاقتصادي الصيني الكبير، هذا لا نجده عند طهران، فالكثير من حسابات موسكو تتناقض مع توجهات إيران في سورية، فايران غير متحمسة لأي مسار سياسي أو تفاوضي بين النظام والمعارضة، وهي متمسكة بشخص الرئيس الأسد ولا تبدي أي مرونة بالحديث عن مصيره، كما ترى في استمرار الوضع الحالي هو الذي يؤمن بقاء مصالحها، وأن بقاء الفوضى في سورية يساعدها على تحقيق مشروعها والتمدد في المنطقة، كما ترى ايران أن التمدد الروسي في منطقة الشرق الأوسط وإبرامها للعديد من العقود العسكرية والاقتصادية مع مصر والسعودية والخليج العربي والسودان سوف يؤدي إلى مقاربة جديدة في المنطقة يمكن أن تستفيد منها الدول العربية، وبالتالي انبعاث دورها الغائب في حل الأزمة السورية، بل وأكثر من ذلك قد يبعث إلى تشكيل حلف عربي في مواجهة إيران ووجودها ودورها في المنطقة، وقد يدفع النظام السوري للانضمام إليه كما تراهن بعض الدول العربية للخروج من عزلته.
أما على الأرض فتعتبر طهران أنها هي التي لعبت الدور الأبرز خلال الأزمة السورية عبر ميليشياتها المسلحة العديدة، وهي عبر تلك المليشيات تُشّكل عامل ضغط على النظام وعلى الوجود الروسي في سورية وهذا ما دفع موسكو للاهتمام بامتلاك قوة على الأرض السورية إضافة للقوة الجوية التي تملكها وهذا أيضا زاد من حدة التناقض بين موسكو من جهة وبين ايران من جهة أخرى، كما أن وجود المليشيات الإيرانية في الساحل السوري ومدنها قد زاد من حدة غضبها باعتبار أن الساحل السوري يعتبر منطقة عسكرية لموسكو لوجود أهم قاعدة بحرية لها في حوض البحر الأبيض المتوسط، كما تعتبر منطقة إدلب وشمال سورية وشرقها من أهم العوامل الأخرى التي قد تفجّر التحالف الروسي- الإيراني، حيث أن طهران منزعجة من مراعاة موسكو للتوازنات مع أنقرة ومع أكراد سورية، بينما هي تحاول مع النظام الهيمنة على هذه المناطق.
والسؤال المهم في هذا الأمر كيف للمعارضة السورية والنظام العربي الرافض للتمدد الإيراني في المنطقة، في ظل وجود تلك المصالح المتضاربة والمتناقضة بين روسيا وإيران أن يدخلا على تلك المتناقضات وتفجيرها بما يخدم الحل السياسي في سورية وفقا لبيان جنيف والقرارات الدولية ذات الشأن؟ ومن جهة أخرى فإن استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية سيفرض الكثير من الاصطفافات الإقليمية والدولية وستغير الكثير من التفاهمات والتحالفات القائمة، وهذا مرتبط بسياق هذه الحرب وخواتمها، حيث مع انشغال موسكو في تلك الحرب، أصبح اهتمامها في الملف السوري بحدوده الدنيا ، فإن طهران ترى في ذلك فرصة لتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي ، كما ترى أن اقتراب توقيع اتفاق إحياء برنامجها النووي سيمنحها بعد رفع العقوبات عنها فرصة تعويض نقص النفط والغاز الحاصل بسبب الحرب الروسية -الأوكرانية في الأسواق العالمية، وبالتالي ستلقى الدعم الأمريكي في سورية في مواجهة التمدد الروسي ، وقد أفادت التقارير مؤخرا أن المليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني قد سيطرا على المواقع العسكرية التي انسحبت منها القوات الروسية للمشاركة بالحرب الدائرة في أوكرانيا .
من خلال ما تقدم هل سيتفجر التحالف الروسي -الإيراني بسبب هذه الحرب، وفي حال عدم استطاعة موسكو تحقيق أهدافها من غزو أوكرانيا هل سيؤدي ذلك إلى انهاء الوجود الروسي في سورية، وإذا كان ذلك، هل يكون موقف النظام السوري الداعم للغزو الروسي على أوكرانيا سببا لتحريك الملف السوري وإنهاء الأزمة السورية، وهل يستطيع النظام العربي الرسمي أن يعمل على مجمل تلك المتناقضات بين روسيا وإيران أو بين روسيا والغرب الأمريكي من أجل تقويض الوجود الإيراني في سورية وفي المنطقة؟