أوكرانيا: احتمالات

يوسف الطويل

هناك تساؤلات عديدة حول نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد طالب المستشار الألماني والرئيس الفرنسي في اتصال مع بوتين لوقف الحرب فورا معتبرين أن الحل يتم وفق المفاوضات بين الجانب الروسي والأوكراني ، وفي نفس الوقت قد فشلت المحادثات الثنائية بينهما برعاية تركية في أنطاليا دون التوصل لاتفاق حول أي بند ، فيما أعلنت روسيا في وقت سابق أن أحد أسباب غزوها لأوكرانيا هو وجود معامل لتطوير أسلحة بيولوجية لأمريكا على الأراضي الأوكرانية ، وهناك مخاوف غربية في هذا الصدد من استعمال روسيا للأسلحة الكيماوية في أوكرانيا ، وقد هدد مسؤولون غربيون أن استخدام روسيا للأسلحة الكيماوية  في أوكرانيا سيؤدي لعمل عسكري غربي ضد روسيا .

قد أعلنت لندن فرض عقوبات على سبعة أوليغارشيين روس بينهم ابراموفيتش مالك نادي تشيلسي لكرة القدم، واتهمت وزارة الدفاع البريطانية روسيا باستخدام قنبلة فراغية حرارية في حربها على أوكرانيا، وقد دعمت لندن المقاومة الأوكرانية بأسلحة منها مضاد دبابات.

سابقا في أوائل الحرب الروسية قد وجهت انتقادات لإدارة الفيس بوك على السماح لمسؤولين روس بنشر أخبار حول أسباب الحرب التي تثبت الدعاية الروسية لها، وذلك من قبل مؤسسات وأفراد في أمريكا بالدرجة الأولى، فيما حجبت روسيا الفيس بوك في مجالها، بالادعاء، أن هناك فرض لرقابة توصف بالمتشددة على المحتوى الذي يروج وجهة النظر الروسية.

أشار بايدن أن غزو روسيا لأوكرانيا لن يحقق نصراً نهائيا بل سيؤدي للسيطرة على مناطق جزئية في أوكرانيا، وقد شكل القضاء الأمريكي فريق عمل للتحقيق في أنشطة جرمية قد ارتكبها أفراد ومؤسسات بينهم أثرياء روس نافذين.

قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون لاين أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري الروسي بحلول 2027، مضيفة أنها ستقترح في هذا الصدد خطة في منتصف أيار هذا العام.

فيما أشار المستشار الألماني أولاف شولتس رفضه لانضمام أوكرانيا السريع للاتحاد الأوروبي، وأشار إلى اتفاق الشراكة الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا في عام 2017 لتعميق العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين.

إن كثافة التصريحات والاجتماعات والاتصالات واللقاءات تبين عمق الأزمة الأوكرانية عالميا وأهميتها الاستراتيجية، ويدل المسار الذي أخذه الموقف الروسي على احتمالية عدم قدرة روسيا على إحراز نصر  في أوكرانيا بسبب المقاومة الأوكرانية الشرسة والدعم الذي تتلقاه من بعض الدول الغربية ، وهذا في حال تحققه فسيقود لتخفيف التدخلات الروسية في عدد من دول العالم والمنطقة العربية وخاصة سوريا والتي قد تأخذ طابع الانسحاب الروسي من سوريا، وملء هذا الفراغ من قبل الإيرانيين (إذا تم الاتفاق بين الغرب وإيران حول البرنامج النووي وحدوده وضوابطه) الذي أعلنت إيران رفضها لربط هذا الاتفاق بالأزمة الأوكرانية من أي طرف كان في إشارة ضمنية للروس .

بالمقابل فأن الموقف الأوروبي قليل الحماس للتدخل لصالح الحكومة الأوكرانية قد أدى إلى سخط القيادة الأوكرانية التي كانت تريد دعما من قبل أمريكا والأوروبيين، والتي أيضا ربطت سقوط كييف بسقوط أوروبا كلها.

هناك دعوات في الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027 لضمان استقلالية الموقف الأوروبي فيما يخص النشاطات الروسية مستقبلاً، ووفق ما يبدو فأن الاتحاد الأوروبي حالياً مستعد لتحمل الخسائر الناجمة عن العقوبات على الروس في سبيل عدم إحراز روسيا نصراً في أوكرانيا، وهذا يشكل امتدادا للموقف الأمريكي.

من جهة أخرى على المستوى العربي ، فأن الأزمة الأوكرانية ألقت بثقلها على الاقتصادات العربية التي (بالدرجة الأولى ) تعتمد في وارداتها على القمح الروسي والأوكراني، كمصر التي تستورد 50% من روسيا و30% من أوكرانيا ، وهذا الحال ينطبق على السودان  وليبيا واليمن وسوريا ( القمح الروسي ) بنسب متفاوتة ، وينطبق على لبنان التي تشكل أوكرانيا المصدر الرئيسي للقمح بالنسبة له بنسبة 50%  من احتياجاته ، والذي قد تؤدي الأزمة الأوكرانية لتأجيل الانتخابات المقررة ب15 أيار من هذا العام ، مضاف إليه ، الخوف من ارتفاع أسعار النفط والغاز ومدى القدرة على تأمين المحروقات.

فقد هوى سعر صرف الليرة السورية يوم الأربعاء 9 آذار مستوى هو الأدنى له مقابل الدولار في العاصمة دمشق منذ 29 آذار عام 2021 ، وقد أدت ارتفاع أسعار الزيوت عالميا إلى ارتفاعها محلياً ، ولا يمكن فصل رفع الدعم من قبل السلطة السورية مؤخراً كرد فعل استباقي على الحرب الروسية الأوكرانية عن الأزمة الأوكرانية والغزو الروسي ، وتعد سوريا في مجال أسعار الغذائيات هي الأعلى من معظم الدول العربية بنسبة 40% وفق بعض التقديرات ، مضاف إليه ،ارتفاع أسعار تكاليف الشحن للمواد المستوردة عالميا بنسبة 30% إضافة لتكاليف التأمين وارتفاع سعر صرف الليرة في السوداء السورية بنسبة 20% مما أدى إجمالاً وكمحصلة نهائية لارتفاع أسعار مواد الإكساء والبناء .

إجمالاً قد يجد السودانيون والسوريون واليمنيون واللبنانيون ومواطنون من دول عربية أخرى صعوبات في توفير الخبز على طاولة الطعام كون روسيا وأوكرانيا موردي القمح الرئيسيين بالنسبة لهم، وكون القمح الروسي حتى لو وجد بديل عنه فأن الطلب عليه من كافة دول العالم سيكون في مستوياته العليا وسيكون بأسعار أعلى، وستؤدي الحرب الروسية الأوكرانية لأزمات جديدة مرحلية على الدول العربية التي تعتمد عليها في وارداتها مما (من المحتمل القريب) سيؤدي لاضطرابات وموجة ثورية جديدة.

هذه التطورات تطرح العديد من الأسئلة حول ما إذا كان الغزو الروسي سيؤدي لتحقيق نصراً نهائياً في أوكرانيا بسيطرته على كييف وتعيين حكومة موالية له ، مما سينعكس بتوازن دولي جديد، أم سينكسر ولن يحقق مراده مما سينعكس على الملفات الدولية والإقليمية الأخرى كاحتمالية انسحاب روسيا من سوريا على سبيل المثال ، وهذا يطرح سؤالاً حول مستقبل بوتين السياسي والشعبي والشخصي في حال عدم تحقيق الحرب الروسية لأهدافها وانكسارها بسبب شدة المقاومة الأوكرانية ، ويطرح هذا الموضوع سؤالاً آخر حول مدى قدرة أوروبا لتحجيم جماح روسيا ومدى قدرتها ومرونة بنيتها لاستبدال الوقود الأحفوري الروسي بالوقود القطري على سبيل المثال كما اقترحت قطر سابقاً ، وهل سيظل النزاع في حدود أوكرانيا أم أن الوضع سيتطور ليشمل بلدان الناتو ، رغم أن هذا الخيار مستبعد بسبب التوازن النووي والعسكري ، ولأن خوض روسيا المعركة مع أوروبا سيكون استنادا لخيارات آنية قد تجر عالم لحرب نووية تدمر البشر والحجر والبنى التحتية ( التي في حال تدمر البنى التحتية الروسية ، فأن روسيا لن تستطيع النهوض مجددا من غير دعم الدول الغربية ) مما سيضع روسيا في مرحلة نهوض على المستوى الاقتصادي قد تستمر لعشرات السنين لتستعيد طاقتها مجدداً ، وهذه الطاقة لن تعود كسابق عهدها ، بل ستكون محكومة بشروط وتوازنات دولية لن تستطيع باقتصادها الضعيف أن تكسرها مما سيضعها في دائرة الانهزام والضعف والتبعية .

بشكل عام فأن الروس لن يتجاوزوا الخطوط الحمراء في نوعية الأسلحة المستخدمة من قبلهم في أوكرانيا، والتي حددت أوروبا حدود الأسلحة الروسية التي من المسموح استخدامها من قبل الروس في أكثر من مناسبة بطرق غير مباشرة وضمن حدود الدبلوماسية.

من العدد ٦٢ من جريدة المسار