التناقض الرئيسي في الوضع السوري الراهن

عند الماركسيين هناك مقولة (التناقض الرئيسي) التي من خلالها تتحدد ملامح المرحلة السياسية، وهي تجيب على سؤالين رئيسيين طرحهما لينين: “من أين نبدأ؟” و”ما العمل؟”. وقد طور ماوتسي تونغ هذه المقولة في محاضرته عام 1937 المعنونة: “في التناقض”، وطبقها بشكل ملموس على الواقع السياسي المتحرك.

خلال الأحد عشر عاماً من الأزمة السورية، اختلف السوريون المعارضون حول مسألة (التناقض الرئيسي)، فبعضهم قال باسقاط النظام، وبعضهم قال بأن الأولوية هي ايقاف العنف السلطوي والعنف المضاد المعارض،بينما قالت هيئة التنسيق الوطنية،والتي حزبنا هو أحد الأطراف المؤسسة للهيئة،بأن الأولوية هي لعملية تغيير ديمقراطي جذري  تنقل سورية من النظام القائم إلى نظام ديمقراطي تعددي تتم عبر تسوية وطنية تضم جميع السوريين  في المعارضة والسلطة والقوى المتعددة في المجتمع.طرحت الهيئة هذا البرنامج منذ مؤتمرها في بلدة حلبون قرب دمشق المنعقد في يوم 17 أيلول 2011، أي بعد  ستة أشهر من بدء الأزمة السورية، وقد جاءت التطورات لكي تجعل تعريب الأزمة السورية من خلال مبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة السورية (2 تشرين الثاني 2011) وتدويلها الذي أعلنه بيان جنيف 1 الصادر في 30 حزيران 2012 ثم القرار الدولي 2254 لعام 2015-في حالة تبني لفكرة الانتقال السياسي نحو نظام ديمقراطي جديد .

بسبب تدويل الأزمة السورية، وبالتالي تحكم توازنات دولية واقليمية بمسار الأزمة، لم يستطع المعارضون الذين نادوا بإسقاط النظام تحقيق هدفهم وخاصة أنهم كانوا ينادون بالاستعانة بالخارج لتحقيق هدفهم، وهذا الخارج إما لم يرد تكرار ماجرى في العراق وليبيا أو أن الاستقطابات الدولية في الأزمة السورية التي ظهرت منذ خريف 2011 قد جعلته متردداً في فعل ذلك. بالمقابل فإن الاستقطابات الدولية- الاقليمية نفسها قد منعت  النظام من تحقيق  انتصار عسكري-أمني، وعملياً في السنوات الثلاث الأخيرة هناك تشكل لمناطق ثلاث في غرب الفرات وفي شرق الفرات وفي ادلب-شمال حلب تعيش حالة من اللاحرب واللاسلم، مما ينذر بمصير للأزمة السورية شبيه بما جرى للأزمة القبرصية طوال ثمان وأربعون عاماً مضت.

نحن نقول، بسبب كل ما سبق بأن التناقض الرئيسي في الوضع السوري الراهن هو إيجاد تسوية وفقاً للقرار الدولي 2254 يتم من خلالها الانتقال من النظام الحالي إلى نظام ديمقراطي جديد وباشتراك السلطة والمعارضة وقوى أخرى في السلطة الانتقالية وتحت رعاية دولية مادام تدويل الأزمة السورية بالعشر سنوات الماضية قد جعل القوى الدولية هي المتحكمة بزمام ومحركات الأزمة السورية، وليس السوريون للأسف.من دون اطفاء الحريق السوري وعبر هذا المسار الدولي هناك خشية حقيقية من أن يتكرس الانقسام الجغرافي إلى تلك المناطق الثلاث، وبالتالي تفقد سورية وحدتها الجغرافية، كما أنه من دون التسوية ستستمر معاناة السوريين الاقتصادية مادامت عقوبات قيصر التي فرضتها الولايات المتحدة ونفذتها منذ صيف 2020 أداة بيد واشنطن للضغط على موسكو من أجل ملفات دولية أخرى،منها أوكرانيا،ولكنها تفتك بالمواطن السوري وتجعل حياته المعاشية جحيماً.

خط هيئة التنسيق الوطنية التسووي للأزمة السورية هو الذي انتصر ولكن ليس أمامه سوى الآليات الدولية للتنفيذ  عبر توافق أميركي-روسي مادام السوريون قد فقدوا جميعاً منذ أن تم أقلمة الأزمة في خريف 2011 ومن ثم تدويلها في عام 2012 القدرة على تحقيق تسوية سورية-سورية للأزمة. بالمقابل فإن خط “المجلس“ ومن ثم خليفته ”الائتلاف” عام 2012 قد هزم وهو خط المراهنة على التدخل العسكري الخارج وعلى العنف المعارض وعلى رفض التسوية وفق القرارات الدولية.

هنا، فإن آليات التفاوض التي اعتمدت لتنفيذ القرار 2254 الصادر في 18 كانون الأول 2015 وهي مفاوضات جنيف (30 كانون الثاني 2016-18 نيسان 2016) والتي أوقفها المنسق العام لهيئة التفاوض المعارضة رياض حجاب ومن ثم اللجنة الدستورية التي تشكلت في أيلول 2019 ومن ثم انطلقت بعد شهر، وفي جولاتها العديدة من الواضح أن وفد النظام السوري يريد للجنة الدستورية أن لاتصل إلى أي نتيجة- قد وصلت إلى طريق مسدود ، وبأن كل آليات انتاج تسوية عبر التفاوض بين السوريين هي معطلة الآن، ومن الواضح من تجربة اللجنة الدستورية بأن إطلاق مسار لسلة واحدة هو عقيم وبأن الطريق الأساسي هو طريق المفاوضات من أجل هيئة الحكم الانتقالي ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة كما نص عليها بيان جنيف 1 الذي يستند عليه القرار 2254، وبأن كل المسارات الأخرى بما فيها المسار الدستوري ستكون بدون آليات تنفيذية، حيث أن هيئة الحكم الانتقالي هي التي ستجري الاستفتاء على نص مشروع الدستور ومن ثم هي التي ستشرف على إجراء الانتخابات التي ستجري على أساس الدستور المقر عبر الاستفتاء.

من الضروري الآن أن تجري المعارضة السورية مراجعة لكل المسارات التفاوضية.. وأن تحدد موقفها من جديد بعد أن وصلت كل تلك المسارات إلى طريق مسدود.

من العدد ٦١ من جريدة المسار