يقول جورج لوكاش “إنه حقيقي أن ثورة بروليتارية تكون غير قابلة التفكير بها إذا كانت شروطها وافتراضاتها الاقتصادية لم تحدث بعد داخل المجتمع الرأسمالي بتطور الانتاج الرأسمالي”.
لقد سقطت أول تجربة اشتراكية والتي كانت تخبىء في سياساتها رأسمالية الدولة، حيث أدت السياسات المتبعة إلى التأسيس لفئات اجتماعية أصبحت تتناقض مع البنية الدولاتية القانونية للاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى أنها رأت مصالحها في اقتصاد السوق والديمقراطية السياسية، فلم تنفع محاولات الاصلاح بالبيروسترويكا مما نتج عنه سقوط مخيف للتجربة الاشتراكية.
يمكن إعادة استلام البلاشفة للحكم في ثورة اكتوبر إلى مطلبين هما السلم والأرض، فقد كانت مندلعة حرب المحاور بين الدول الكبرى، فاستغل البلاشفة عقم وعجز البرجوازية الروسية الحديثة عن انجاز المرحلة الديمقراطية بأفقها البرجوازي ليقوموا هم بإنجازها تحت شعار الاشتراكية، وكانت روزا لوكسمبورغ وغيرها من الماركسيين منبهين إلى استحالة إنجاز ثورة بروليتارية في بلد تشكل الطبقة العاملة أقلية في التركيبة الطبقية للمجتمع، وفوق ذلك أيضا حداثة التصنيع واحتلاله نسبة قليلة قياسا الى الطابع الزراعي الاقطاعي الارستقراطي للمجتمع الروسي، وقد بين البيان الشيوعي استحالة القفز فوق المرحلة الرأسمالية في بناء الاشتراكية .
ويمكن القول من خلال الاقتباس في بداية المقال، أنه لا يمكن القفز فوق المرحلة الرأسمالية لإنجاز التغيير الاشتراكي؛ بالعكس فإن تطور الرأسمالية وعلاقاتها تضع المقدمات المادية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبشكل رئيسي تبلور طبقة عاملة مستقلة المصالح وتصنيع الاقتصاد ورسملة الزراعة إضافة للحريات المدنية البرجوازية المصاغة بالدستور والقانون، وعجز الانتاج الرأسمالي عن حل أزماته الهيكلية والبنيوية مما يضع الثورة البروليتارية في إمكانية التطبيق بسبب عجز النظام السياسي للرأسمالية عن حل الأزمات الخانقة لبنيته
هذه القضية تدفعنا للقول بأن إنجاز المرحلة الرأسمالية واستنفاذها لذاتها يؤدي إلى تهيئة الظروف وشروط التحول الاشتراكي الديمقراطي بالإضافة إلى تبلور الوعي الطبقي البروليتاري للطبقة العاملة وتعبيراتها السياسية والنقابية من خلال النضالات القاسية والصعبة والشاقة للطبقة العاملة.
طبعا هذا التحول للاشتراكية يحتاج لنقاش واسع لإمكانية تطبيقه وإنجازه بشكل سلمي وديمقراطي بعيدا عن العنف والاقتتال الداخلي والحرب الأهلية وفوضى السلاح، من خلال فرض الطبقة العاملة لرؤيتها السياسية والاقتصادية بصناديق الاقتراع وبالوسائل الديمقراطية السلمية.