الانكسار ليس سوى طريق للتغيير

لم تكن الحركة الثورية للبرجوازية الأوروبية خطا صاعدا بشكل مطلق ، بل كانت تتخللها انكسارات وارتدادات ، فكم من مرة حصل انقلاب الملكية على الجمهورية في فرنسا ، وكم عانت ألمانيا إلى حين وصولها للنظام السياسي الحالي ، فهذه كلها تبين أن الطريق نحو التقدم يتخلله أحيانا وفي نقطة محددة من الصراع طريقا تراجعيا نتيجة للميزان الطبقي في لحظة محددة .

فليس هناك ثورة مفصلة ومخملية ، وليس هناك ثورة مكتملة من جانب التنظيم السياسي لها أو من خلال تكوين رؤية مكتملة للبديل المطلوب ، فدائما هناك تباينات بالرؤى حول البديل المطلوب وهذا يعود الى اختلاف في المصلحة الآنية والاستراتيجية .

في التنظيم السياسي للثورة يجب الوعي لوحدة النظرية والممارسة في الاطار النظري وفي الممارسة السياسية ، ويجب الوعي أن الإنكسار في لحظة معينة يحمل بذور الإنتصار في المراحل المقبلة من الصراع ، فوحدة الإنتصار والإنكسار يتبين في هذه الحالة كونه دافع واقعي للوصول للهدف المنشود ، فهذه الوحدة تحمل عوامل الانتصار في سياقات وجوانب اخرى من الصراع ، فالتعبئة السياسية ضد نظام سياسي معين حتى لو فشلت الحركة الثورية يلعب دورا رئيسيا في الانتصار في التفجرات القادمة من الصراع السياسي أو فيما يتوضح في لحظة بلوغ الحالة السياسية مرحلة نضوج التغيير المطلوب ، فالحالة الروسية تظهر أهمية هذه الوحدة ، فقد فشلت ثورة ١٩٠٥ في تحقيق الأهداف المبتغاة وانكسرت ، لكنها في الحقيقة أظهرت من جانب آخر للمجتمع الروسي فشل نظام الحكم في إنجاز التغيير بل أيضا في رجعيته السياسية وكبحه للتطور المطلوب، هذا الذي فجر الثورة الديمقراطية في عام ١٩١٧ ثم الذي أدى نتيجة التوازنات الداخلية لاستلام البلاشفة والسوفيتات الحكم فيما بعد .

فدوما طريق الثورة بمعناها الشامل في تغيير البنية الاجتماعية ليس طريقا تصاعديا ثابتا ، بل هناك في لحظات معينة ارتدادات نتيجة لتغير ميزان القوى ،وهذا ما يوضح أن وحدة الإنتصار والإنكسار يساهم بشكل فعال في كشف نقاط الخلل الراهنية ونقاط القوة في دفع عملية التغيير للأمام باستغلال ميزان القوى في الواقع السياسي .

فالوحدتين لها أهمية كبيرة في النهضة المطلوبة ، وذلك من خلال معرفة الواقع السياسي وامتلاك الوعي السياسي المطلوب لتقريب الرؤى بين مختلف الفئات الاجتماعية التي لها مصلحة في تجاوز الواقع السياسي المتخلف، وفي تجاوز حالة العطالة والركود السياسيين، بالتالي في التأسيس لواقع سياسي جديد يناقض الواقع القديم ويدفع عملية التغيير إلى الأمام.

 

من العدد ٦٠ من جريدة المسار