المعارضة عند حزبنا

كان حزبنا، الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، من أوائل الأحزاب المعارضة للسلطة السورية التي انبثقت عن حركة 16 تشرين الثاني 1970، وقد كان البيان الصادر عن الحزب في حزيران 1976 ضد التدخل العسكري السوري في لبنان ضد الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية بداية لتبلور حراك معارض أنتج عبر حوارات، بين أحزاب خمسة: حزبنا وحزب الاتحاد الاشتراكي العربي وحزب العمال الثوري العربي وحركة الاشتراكيين العرب وحزب البعث (23 شباط، الذي أصبح اسمه حزب البعث الديمقراطي منذ أيلول 1980)، (التجمع الوطني الديمقراطي) في الشهر الأخير من عام 1979 الذي قدم برنامجاً للتغيير الوطني الديمقراطي الجذري للأوضاع السورية من أجل الوصول إلى نظام ديمقراطي سياسي تعددي للأحزاب مع حرية التجمع والتظاهر والصحافة. مع توزيع البيان الأول للتجمع في 18 آذار 1980 بدأت الاعتقالات في حزبنا، ثم استتبعتها السلطة بحملة اعتقالات في تشرين أول 1980 شملت المئات من أعضاء الحزب، ثم أكملت ذلك بحملات اعتقال سبعة حتى 1990.

انبنت المعارضة، كخط سياسي عند حزبنا وفق ما هو مبين في وثيقة “موضوعات المؤتمر الخامس: الوضع في سورية” الصادرة عن المؤتمر الخامس للحزب المنعقد في كانون الأول 1978، على أساس أن التغيير العام في الأوضاع السورية يبدأ من تغيير النظام السياسي القائمة سلطته على أساس “الحزب القائد للدولة والمجتمع” نحو إقامة نظام سياسي ديمقراطي سياسي تمثيلي للمجتمع عبر التعددية الفكرية- السياسية التي شكلها الأساسي هو الأحزاب، وعلى أساس إطلاق الحريات العامة في التحزب والتجمع والنشر.

انطلقت معارضة الحزب من أن هناك نظام شمولي ديكتاتوري انبنى بعد 8 آذار 1963 انطلاقاً من الاستيلاء على السلطة السياسية عبر الانقلاب العسكري لينطلق من موقع السلطة السياسية لكي يعيد صياغة سوريا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإدارياً وحتى لإعادة صياغة الفرد، وبالتالي فإن التغيير الجذري في سوريا حسب موضوعات المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، المنعقد في كانون الأول 1978، يبدأ من نقطة أولى هي تغيير السلطة السياسية لتغيير بنية النظام بمجملها. النظام الديمقراطي وفق كراس “موضوعات المؤتمر الخامس: الوضع في سورية”، وكما هو موضح في الصفحتين 47 و 48، يقوم على (“دستور ديمقراطي- انتخابات حرة مباشرة- إلغاء الحكم العرفي- إبعاد الجيش عن العمل السياسي- ضمان الحريات العامة بما فيها حرية المعتقد والرأي والتعبير ..وحرية تأسيس المنظمات السياسية والنقابية وحرية الأحزاب في النشاط العلني وحرية إصدار الصحف والنشر”).

هذا برنامج ما زال صالحاً وراهناً حتى اليوم. لم ينطلق هذا البرنامج في أساس معارضته للأوضاع السورية القائمة من الاقتصاد بل من السياسة، التي كما أعادت السلطة السياسية صياغة الاقتصاد بعد 8 آذار 1963 وأنشأت بنية اقتصادية- اجتماعية جديدة، فإن تغيير اللوحة السياسية، حسب برنامج مؤتمر حزبنا الخامس، هو المدخل الجديد والباب لأوضاع اقتصادية واجتماعية جديدة عبر جو ديمقراطي يتيح للنضال المطلبي الطبقي أن ينطلق إلى مداه الواسع.

نحن ضد من كان يرى أن عبدالله الدردري، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية بفترة 2004-2011، هو صاحب القرار، وهم يساريون شيوعيون موجودون في أحزاب الجبهة أو في “تيار قاسيون”، بل نرى بأن الدردري هو الواجهة الاقتصادية- الإدارية لسلطة سياسية هي التي قررت التوجه الاقتصادي. أولوية النضال السياسي، وليس المطلبي، زادت بعد الخراب والدمار الذي حل بالبلد بعد عام 2011، حيث لم تعد هناك صناعة ولا خدمات ولا بنية اقتصادية عادية بالمعنى الواقعي للكلمة ، وأصبح أكثر من نصف السكان خارج بيوتهم بين نازح ومهاجر، وهناك حريق بالبلد، وتقسيم للجغرافية إلى ثلاث قطع.

البرنامج الديمقراطي يزداد الحاحاً على ضوء المشهد السوري لما بعد الأزمة ولكنه يتطلب أن يكون مرفوقاً بتسوية سياسية وفق القرار الدولي 2254 تجمع السلطة والمعارضة والقوى الاجتماعية المتعددة في مركب واحد بعد إطفاء الحريق من أجل قيادة البلد في مرحلة انتقالية نحو نظام ديمقراطي جديد.هذا مايشتغل عليه حزبنا منذ عام 2011 وكان هو أول حزب سوري يطرح التسوية للأزمة السورية القائمة منذ صيف 2011 وقبل أن تتبنى هيئة التنسيق الوطنية، التي حزبنا جزء منها، فكرة التسوية في مؤتمرها المنعقد في بلدة حلبون المنعقد في 17 أيلول 2011.

نحن من خلال تجارب العراق وليبيا، ندرك بأن إسقاط الأنظمة، عبر التدخل العسكري الخارجي كما جرى في العراق عام 2003 أو عبر التدخل العسكري الخارجي لحسم صراع عنيف بين طرفين محليين كما جرى في أفغانستان 2001 وفي ليبيا 2011، يقود إلى فراغ في السلطة واضطرابات اجتماعية.كما ندرك بأن طريق إسقاط الأنظمة عبر العنف الداخلي لا يقود إلى استقرار الوضع الجديد. نحن لا نريد لسورية أن تدخل في تلك الأنفاق، ونرى أن المشاركة بين السلطة والمعارضة وكافة الأطراف الاجتماعية الفاعلة في عملية تسوية تنظم عملية الانتقال السياسي نحو الديمقراطية وفقاً للقرار الدولي 2254 هو الطريق الأسلم والآمن من أجل الحفاظ على سورية ووحدتها.

افتتاحية العدد ٦٠ من جريدة المسار