من الطبيعي بسبب تباين المصالح الطبقية داخل البرجوازية أن تؤدي لانقسامات واصطفافات عائدة لاختلاف في الرؤية حول الوضع الراهن ومستقبل الوضع.
تشير العديد من الدراسات، حول هذا الأمر، أن من الاعتيادي أن تحل الخلافات عن طريق الحل التوافقي بين القوى المتصارعة أو بشكل عام وفق تسوية تقسم الكعكة بين هذه الأطراف ومموليهم الدوليين وانعكاس هذا العامل على السوق الداخلية.
فمن هنا نأتي لقضية هامة جداً وهو أن التناقض القائم بين أجنحة البرجوازية السورية له أسبابه التاريخية، وخاصة بعد عمليات التأميم الواسعة للتجارة الداخلية والخارجية وسيطرة السلطة على العملية الاقتصادية بعقد الستينيات، فكما هو معروف فقد تم في عام 1991 إقرار قانون الاستثمار رقم 10 الذي أتاح للمستثمرين فرص للعمل داخل السوق الداخلية، ولعبت السياسة الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة دوراً في تضرر المنتج المحلي من جرائها مما انعكس على عملية إدارة الصراع مع السوق العالمية وانعكاس هذا الصراع على السوق الداخلية.
فمنذ تفجر الأزمة السورية في عام 2011 دخلت أجنحة البرجوازية السورية في صراع مع بعضها البعض، وكل تيار كان له مركز إقليمي ودولي يعود إليه لتحديد سياساته، ويبين استمرار هذا الصراع إلى الآن عملية الفرز الطبقي الحاد بين أجنحة البرجوازية السورية وفي مقدمتها الطبقة السياسية الحاكمة التي حافظت على قوتها الداخلية من خلال التدخل الإيراني والروسي وتمويلهما للسلطة السورية في صراعها مع المعارضة المسلحة من خلال القروض والاتفاقيات الخارجيتين، فلاحظت الطبقة السياسية الحاكمة أن ديمومة وجودها في السلطة يتحتم عليها إدارة هذا الصراع وفق ما تتطلبه مصالحها الاستراتيجية، فبدأت (وإلى الآن) بحصار القوى الاقتصادية للبرجوازية السورية التي هي خارج السلطة، المحايدة والمعارضة، وهذا ظهر من خلال ضريبة مرور بضائع البرجوازية السورية التي هي خارج السلطة على الحواجز على سبيل المثال لإرغام هذه القوى على التشارك غير المنصف والعادل مع رموز السلطة السورية، وبالتالي إخضاع عملية تراكم الرأسمال الوطني لسيطرة السلطة.
هذا النهج الاستبدادي لمنع تشكل بنى مقاومة لهيمنة السلطة مبنياً على تقدير أن فقدان السيطرة على تلك البنى قد يقود لتشكل قوة سياسية موزونة قد تطيح بالسلطة أو تفرض تشاركاً عادلاً لكل الأطراف وتنازلاً من قبل السلطة عن بعض السياسات الداخلية التي قد (إذا لم نقل بالتأكيد) تفرض تسوية سياسية ستغير موازين القوى داخل البلاد، وبالتالي تشكل أكثر من مركز لصياغة القرار الوطني، الداخلي والخارجي، وربما تهدف السلطة لمنع تمكن هذه البرجوازية السورية التي تقع خارج سيطرة السلطة من فرض رؤيتها الاقتصادية والسياسية عبر التحالف الوطني على كامل الأراضي السورية للوصول لرؤية اقتصادية مشتركة وندية لسياسات السلطة السورية.
فهذه القاعدة التي تتبعها السلطة لا تبشر بتسوية وطنية وفق القرارات الدولية للأزمة السورية في الأفق المنظور، فإذا لم تعي البرجوازية السورية التي هي خارج نطاق السلطة لدورها التاريخي في إنجاز التغيير الديمقراطي المطلوب، فإن الوضع سيزداد سوءاً.
هذا ما تقوم به السلطة عن طريق رموزها من خلال إحكام السيطرة الكاملة أو شبه الكاملة على العملية الاقتصادية في البلاد، كون السيطرة عليها هو الطريق الأسلم من وجهة نظرها للحفاظ على النظام الشمولي ومرتكزاته، وهذه الاستراتيجية كما بينا أعلاه لمنع أي تراكم رأسمالي خارج إطار السلطة يؤدي إلى الإطاحة بها أو يشكل خطر على مصالح رموز السلطة الاستراتيجية.
بالمختصر يمكن القول إن هناك توزيع جديد للثروة الاجتماعية، وعلى رأس الهرم هم رموز الطبقة السياسية الحاكمة وهم يهدفون للسيطرة على العملية الاقتصادية التي هي منبع لكل العملية السياسية، في تطوير ملحوظ للنهج الشمولي الذي كان مبنياً على سيطرة قطاع الدولة على كل منافذ العملية الاقتصادية.