محمد سيد رصاص
جريدة “الأخبار”، 3\12\2021
يشكل يوم 13 آب\أغسطس 2020 منعطفاً في تاريخ دولة إسرائيل، عندما اتجهت دولة الامارات العربية المتحدة لاعلان تطبيع العلاقات مع اسرائيل، ليس وفق ما جرى سابقاً من الدول العربية المطبعة (مصر والأردن) ومن ثم منظمة التحرير الفلسطينية من أجل تسوية منفردة للصراع تتضمن انهاءً لحالة الحرب وتسوية مواضيع تتعلق بالأراضي والحدود،بل هدفت أبوظبي من تلك الخطوة العربي- الاسرائيلي الاستقواء بتل أبيب أمام رياح قادمة عاصفة في حال فوز المرشح الرئاسي الأميركي جو بايدن بالانتخابات بعد ثلاثة أشهر والذي أبدى نية علنية في تجديد الاتفاق النووي مع ايران.
تثنى ذلك مع البحرين بعد أربعة أسابيع والتي تشارك الإمارات مخاوفها تلك وتزيد عليها أن السلطات الحاكمة في المنامة تواجه معارضة من الاسلام الأصولي الشيعي مدعومة من طهران. كان هناك الكثير من المؤشرات على أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو داعم للخطوتين الاماراتية والبحرانية ما دامت الدول الثلاث كانت تخشى من تكرار سيناريو اتفاق أوباما عام 2015 وتخشى تداعيات خسارة ترامب،الذي سحب التوقيع الأميركي على ذلك الاتفاق،في الانتخابات أمام بايدن، ولكنه لاعتبارات داخلية سعودية لم يجاهر بذلك الدعم ولم يقدم على تثليث خطوتي أبوظبي والمنامة.
في 23تشرين أول\أوكتوبر2020 قام عسكر السودان، الذين يسيطرون على مجلس السيادة الحاكم، باعلان تطبيع العلاقات مع اسرائيل معلنين هدفهم الصريح وهو رفع السودان من “قائمة الدول الداعمة للارهاب” وإزالة ديونه وفتح الطريق لعلاقات مع واشنطن، وفي 10كانون أول \ديسمبر2020أعلن المغرب إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع اسرائيل (كانت على مستوى منخفض منذ1993ثم تم تجميدها عام2002) على خطى السودان من أجل نيل الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر،وهو ماحصل من واشنطن بالتزامن مع تلك الخطوة تجاه تل أبيب، ويبدو أن الخرطوم والرباط تؤمنان بقول الرئيس الجيورجي السابق إدوارد شيفانيدزه بأن “الطريق إلى واشنطن يمر بتل أبيب”.
حاولت موريتانية ذلك عام1999عندما أقام معاوية ولد الطايع علاقات مع اسرائيل لتقوية نظامه، ولكنه لم يستفد من ذلك، وقد قام النظام الذي أطاح به عام 2005 بتجميد العلاقات مع اسرائيل عام 2009 ثم أنهاها بالعام التالي. على العكس من الخطوتين السودانية والمغربية، كانت أبوظبي والمنامة تفكران بالاحتماء والاستقواء باسرائيل ضد اتجاهات أميركية مقبلة، ولكن رغم هذا فإن الخطوات المذكورة تلك من العواصم العربية الأربع تقود بالنهاية إلى جعل اسرائيل قوة اقليمية تحتمي بها دول وتمشي تحت ظلها ضد دول اقليمية أخرى أو تستقوي بها ضد قوى دولية كمافعل عسكر السودان بعد انقلاب25أوكتوبر2021عندما أيدتهم اسرائيل (ودول اقليمية مثل مصر والسعودية والامارات)فيما عارضت واشنطن ذلك الانقلاب.
هذا تطور نوعي في اللوحة الاقليمية لمنطقة الشرق الأوسط لم نشهد مثيلاً له منذ اعلان دافيد بن غوريون قيام دولة اسرائيل في عصر يوم الجمعة 14أيار\مايو1948،حيث كانت اسرائيل مثل الذئب المنفرد في محيط اقليمي معادي لها،أوفي حالة أخرى مثل “المخفر اليهودي”للغرب الأوروبي (حتى عام 1956) وللغرب الأميركي (منذ عام 1964) لضبط المنطقة أولضرب اتجاهات محلية في الاقليم تشكل خطراً على الغرب (جمال عبدالناصر في حربي 1956 و 1967، صدام حسين عند ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 عند الاجتياح الاسرائيلي للبنان،وحروب اسرائيل الفاشلة في لبنان 2006 وغزة 2008-2009 و 2012 و 2014 و 2021). كان هناك وظيفة إضافية لاسرائيل وهي أنها كانت مصدر المعلومات الرئيسية لواشنطن عن الاتحاد السوفياتي والكتلة السوفياتية منذ تبخر آمال ستالين عام1949في أن تكون تل أبيب مدخل موسكو إلى الشرق الأوسط. وحتى عندما فكر رئيس الوزراء الاسرائيلي بن غوريون أمام الخطر الذي رآه في وحدة 1958السورية- المصرية في إقامة حلف اقليمي مع ايران وتركية وإثيوبية فإنه لم يخرج عن عقلية “المخفر”أو”الذئب المنفرد”أوعقلية من هو في قلعة محاصرة ويحاول نسج تعاون أوحلف مع من هم وراء أو خلف محاصريه.
ما قامت به أبوظبي والمنامة والخرطوم والرباط أراح اسرائيل اقليمياً ،أكثر ممافعله السادات1978-1979 والملك حسين 1994وياسر عرفات1993، وأعطاها قوة اقليمية، وليس صدفة أن يبعث خليفة حفتر بابنه صدام إلى تل أبيب من أجل نيل الدعم لترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية نهاية هذا العام،وأن تقلع الطائرة التي أوصلته لاسرائيل من الامارات، طبعاً مقابل أن يقدم في حال فوزه بالانتخابات تطبيعاً ليبياً مع اسرائيل وربما أبعد من ذلك (يوسي ميلمان، صحيفة “هاآرتس”،7\11\2021).
يلفت النظر، رفض بايدن في أثناء زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت اعطاء الإذن لتل أبيب للقيام بعمل منفرد اسرائيلي ضد ايران في محاولة من تل أبيب لاستئناف دور “المخفر اليهودي”ضد حالة يراها الأميركان خطرة ولكن تميل الادارة الحالية إلى معالجتها عبر الاتفاق وليس عبر الحرب كماحصل مع عبدالناصر،ولوكانت حرب بالوكالة تولتها اسرائيل في 1967. ليس غريباً في حال فشل المفاوضات النووية مع طهران أن تستأنف واشنطن اعتمادها على “المخفر اليهودي”ضد ايران.
في السياق نفسه،وعبر تباعدات واشنطن وتل أبيب التي برزت في زمن أوباما واستؤنفت مع بايدن بعد أن تقاربا في عهد ترامب، يجب ملاحظة مدى التقارب الذي يحصل بين اسرائيل وروسيا والصين،وملاحظة مدى التنسيق الروسي – الاسرائيلي في أثناء الضربات الجوية الاسرائيلية لمواقع ايرانية عسكرية أولقوات موالية لطهران موجودة على الأراضي السورية.
ليست اسرائيل في مرحلة مابعد 13آب\أغسطس2020 مثل تلك التي كانت قبل ذلك اليوم…