(تحليل)
٣١ آذار ٢٠٢١
UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs
(مكتب الأمم المتحدة لتنسيق القضايا الإنسانية)
31 Mar 2021
لا تزال الأزمة السورية أحد أكثر حالات الطوارئ الانسانية تعقيداً على المستوى العالمي، المُبانة على شكل اعتداءات مستمرة أودَتْ بحياة مئات الآلاف من الناس، و أثارَت أحد أضخم أزمات النزوح في عصرنا الحالي، كما انجبَت دماراً يتّسع نطاقه ليشملَ بُنى تحتية زراعية و مدنية، بما فيها مِن عمارات سكنية و مدارس و دوائر صحة و إمدادات مياه الشرب و شبكات نظم الرّي. يحتاجُ اليومَ ١٣.٤ مليون من البشر في سوريا -الرقم الذي يفوق نظيرَه مِن العام ٢٠٢٠ بنسبة ٢١%- إلى إغاثات انسانية ماسّة، نظراً لتفاقم احتياجات هؤلاء بسبب تدهور الوضع الاقتصادي.
تسبّبَت الأزمة التي استمرت لعقد من الزمن بمعاناة عصيبة للسكان المدنيين، الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة ومنهجية للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك أكثر من ١٣٥٠ غارة على المنشآت التعليمية و الطبية و الافراد العاملين فيها، و القصف الذي تسبّب بهجرة أكثر من ١٢ مليون شخص و الاحتجاز التعسّفي و الاختطاف و التعذيب و غيرها من الانتهاكات الجسيمة.
١٢٠٠٠ طفل تقريباً كانوا قد أُصيبوا او قُتِلوا منذ عام ٢٠١١ ، و توفّيَ لأكثر من ٤٧% من فئة الشباب أحدُ أفراد أسرهم المباشرين أو أحد أصدقائهم المقربين. اعتباراً أنّ ما يقارب نصف أطفال سوريا لم تعرف حياتُهم إلّا القليل غير الأزمة -يُقدَّر أنَّ 2.45 مليون منهم كانوا خارج المدرسة في عام 2020 وحده- فإنّ جيلاً بكامله مهدَّد بالضياع. إنّ الصدمة المستمرّة لأمد ليس بالقصير و العميقة الجذور في النفس، التي لايزال الكثير منها بدون معالجة، تعني أنّ أزمة صحة عقلية باتَتْ تلوح في الأفق بشكل واضح للعيان. في حين أن الأعمال العدائية الواسعة النطاق قد انخفضت مقارنة بذروة الأزمة، مع عدم تغيّر خطوط التّماس خلال عام، لا يزال القصف المتبادل المتكرر وإطلاق الصواريخ يُلاحظ على امتداد هذه الخطوط، الأمر الذي كثيراً ما يؤدي الى وقوع ضحايا مدنيين.
عانى الاقتصاد منذ بدء الأزمة -و مايزال- من ضرر غير قابل للترميم، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٦٠%، إضافةً الى عجز الحكومة المتزايد عن جمع إيرادات كافية لدعم السلع الأساسية مثل الوقود والخبز التي تعتمد عليها أكثر الأسر فقراً. كما يستمر “السقوط الحر” للّيرة السورية، بعد أن فقدت ٧٨% من قيمتها منذ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩، في الوقت الذي تصل فيه أسعار السلع الأساسية الى مرتفعات لم تعرفها من قبل. تشير التقديرات إلى أن أكثر من ٩٠% من السكان يعيشون الآن تحت خط الفقر.
أدَّت جائحة COVID-19 إلى تسريع هذا الانخفاض الاقتصادي، من خلال زيادة الحد من فرص توليد الدخل المتناثرة اصلاً، الأمر الذي يحصل ضمن بيئة اجتماعية يُبان فيها أن ٥٠% من الفئات العمرية المنتمية الى سن العمل عاطلة عن العمل. كما تسببت الجائحة بالحد من وصول النساء والأطفال إلى الخدمات الحيوية الأساسية مثل فحوص الكشف عن الصحة الإنجابية و سوء التغذية. أما التحويلات، التي يعتمد عليها ملايين السوريين وخاصة النازحين داخلياً، فيُشار أنها الأُخرى قد شهدَت انخفاضاً إلى نصف ما كانت عليه، من ١.٦ بليون دولار أمريكي في عام ٢٠١٩ الى ٨٠٠ مليون دولار في عام ٢٠٢٠، نتيجة تقلُّص الاقتصاد العالمي و الاقليمي. تركَت الجائحة أثرَها أيضاً على النظام الصحي، المنهك مسبقاً باعتبار نصف المرافق الصحية عاطلة بشكل تام او جزئي.
الظروف و الاحتياجات الانسانية
إنّ استمرارَ الخسائر المدنية والنزوح القسري العائدان الى الاعمال العدائية المستمرة، بالإضافة إلى انخفاض الوصول إلى الخدمات الأساسية المتدهورة مسبقاً، و كَوْنَ خيارات السكن والمأوى محدودة وغير ملائمة، زد على ذلك مجموعة واسعة من مخاطر الحماية والمخاوف، كل ذلك يساهم بخلق و تأبيد المزيد من الاحتياجات الإنسانية عند السكان. في حين أن النزوح الناجم عن الهجمات العدائية في أوائل عام 2020 ولّد احتياجات إضافية بين السكان في سوريا للنازحين داخليًا والعائدين والمجتمعات المضيفة ، لا سيما في شمال غرب سوريا (NWS)، فإن الآثار المتتالية للانكماش الاقتصادي -بما في ذلك خسارة الدخل وسبل العيش، والانخفاض الحاد في القوة الشرائية وما نتج عن ذلك من غياب القدرة الشرائية الكافية للغذاء والسلع الأساسية الأخرى- أدَّت إلى تفاقم الظروف المعيشية للأشخاص الذين كانوا بالأصل على قدر كبير من الحاجة إنسانية، و دفْع الشرائح الأقل تضرراً من السكان الى المستوى المعيشي الذي يتطلب إغاثات انسانية، و الذي يشمل انعدام الأمن الغذائي في أرجاء البلاد.
كما يستمر تأثير الازمة ذو الطابع الجنساني، حيث تدفع النساء والمراهقات ثمناً باهظاً بحكم الأعراف الجنسانية التمييزية و المؤذية، بما في ذلك العنف القائم على اساس الجنس و الموجّه بحسبه. بينما يواجه الرجال و الفتيان مواقف شديدة الخطورة كلاحتجاز التعسفي و التجنيد الإجباري و الذخائر المتفجرة و غيرها.
أدى التدهور الاقتصادي إلى زيادة الضغط على الوضع المالي للأسر. أفادت تقارير أنّ ٨٢% من الأسر المقيمة في سوريا تعاني من تدهور كبير في قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية منذ آب / أغسطس ٢٠١٩، ويرجع ذلك أساسًا إلى ارتفاع الأسعار و غياب الدخل. نظراً أن المياه و الصرف الصحي والنظافة الصحية والبنية التحتية لأجهزة الصحة والتعليمية تعتبر ضعيفة أو غير وظيفية في 48 في المائة من جميع المناطق الفرعية، فإن إعاقة الحصول على الخدمات الأساسية تزداد شدةً كما و تكلفتها الغير محمولة. ينطبق ما سبق بشكل خاص على أكثر من ١.٩ مليون نازح يحتمون في تجمعات سكنية غير رسمية، و مخيمات مخططة و ملاجئ جماعية، التي لا توفر حماية كافية وتزيد من خطر انتشار الأمراض الوبائية بين السكان. في الوقت نفسه، يواصل ملايين الأشخاص في جميع أنحاء سوريا العيش في مساكن مدمرة، لا سيما على خطوط مواجهة سابقة، حيث يعاني السكان المستؤجرون من صعوبة بدفع اجورهم أكثر من أي وقت مضى.
في مواجهة تدهور مستويات المعيشة ، تتبنى العائلات بشكل متزايد آليات تأقلم ضارة. اقترضَت ٧١% من الأسر التقليدية، و ٧٥% من الأسر التي تعيلها نساء، المزيد من الديون منذ آب (أغسطس) ٢٠١٩. تتبنى ٢٨% من الأسر الآن استراتيجيات للتكيّف تتعلق بالأغذية أو “الأزمات” أو “الطوارئ”، بما في ذلك سحب الأطفال من المدرسة لجعلهم يعملون بدلاً من ذلك، وبيع الممتلكات، والهجرة بسبب نقص الغذاء، و زواج الأطفال المبكر. أفادَت تقارير عن المجتمعات التي تم تقييمها بأن عمالة الأطفال كثيرة الانتشار في ٢١% من هذه المجتمعات، في حين أن زواج الأطفال، الذي يتضمن الفتيات الصغيرات والمراهقات (12-17 سنة)، يُعتبَر قضية شائعة في ١٨% من المجتمعات السابق ذكرها.
أدى تدهور مستويات المعيشة وزيادة استراتيجيات المواجهة الضارة إلى وجود شرائح إضافية من السكان تعيش في ظروف صحية جسدية وعقلية مهددة للحياة منها ما يشمل زيادة بنسبة ٥٧% في عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى ١٢.٤ مليون (ارتفاعًا من ٧.٩ مليون في أوائل عام ٢٠٢٠) من بينهم ١.٢٧ مليون يعانون منه بشكل حرج، العدد الذي يُعتبر ضعف نظيره في أوائل عام ٢٠٢٠. تماشياً مع هذا الاتجاه، تستمر معدلات سوء التغذية بالصعود، حيث يعاني أكثر من ٥٠٠٠٠٠ طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية المزمن و ٩٠٠٠٠ من سوء التغذية الحاد. الصدمات النفسية واسعة الانتشار و تقييمها الطبي دون المستوى المطلوب، إلا أن آثاراً طويلة المدى على جميع الفئات السكانية أكيدةُ الحصول. أفادت تقارير أن ٢٧% من الأسر تَظهر عند اولادها و بناتها علامات الضيق النفسي، أي ما يقرب من ضعف رقم عام ٢٠٢٠ (١٤%). لا تزال الحاجة الى الحماية الضرورية قائمة وقد تفاقمت بسبب جائحة COVID-19، بما في ذلك العنف الجنساني (GBV) ، حيث يُبلَّغ من النساء و الفتيات في جميع أنحاء البلاد أن العنف ذاك صار سمة من سمات الحياة اليومية. يُقدَّر أن واحداً من كل شخصين في سوريا معرض لخطر الذخائر المتفجرة؛ لذلك فإنّ الحاجة إلى تدُّخل الفرق الانسانية المختصة بعمليات الألغام بليغة، لا سيما أنشطة المسح والتطهير، إلا أنّ تلبيتها حالياً لم تشمل نطاقاً ذا سعة. في الوقت نفسه، لا تزال جائحة COVID-19 تؤثر على البلاد مع ما يقارب من ٤٧٠٠٠ حالة مؤكدة في سوريا، بما في ذلك ما لا يقل عن ١٩٧٢ حالة وفاة اعتبارًا منذ منتصف مارس ٢٠٢١، مما يزيد من إجهاد النظام الصحي و يحول دون حصول الأشخاص على الرعاية، سواءً عند الحالات الطارئة وغير الطارئة.
إنّ النطاق المتزايد سعةً و طبيعة الاحتياجات الانسانية المتداخلة عند سكان سوريا، في العام ٢٠٢١، يتطلبان استجابة شاملة عبر جميع القطاعات لإنقاذ الأرواح وحماية الناس و منع المزيد من الحرمان.