- بيان حول الانقلاب العسكري في السودان.
- الافتتاحية: من أجل التبيئة العربية للماركسية.
- الانهيار الاقتصادي في سوريا وأثره على الفئات الأكثر ضعفاً.
- نتائج الأزمة السورية.
- تغييرات في المشهد الدولي 1991-2021 – محمد سيد رصاص.
- العقل أولاً والعقل أخيراً – غازي الصوراني.
- حوار المفاهيم: الديمقراطية، العلمانية، الدين (2-2) – حبيب حداد.
- من زوايا الذاكرة – الدكتور جون نسطه.
بيان حول الانقلاب العسكري في السودان
في يوم الاثنين 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 حصل انقلاب عسكري في السودان على نظام الحكم الانتقالي، الذي بدأ في السودان في 19 آب/أغسطس 2019 وكان طرفاه الجيش والقوى المدنية الممثلة في “قوى إعلان الحرية والتغيير”، ثم أصبح له طرف ثالث ممثلاً في الحركات المسلحة في دارفور (“حركة تحرير السودان” بقيادة مني آركي مناوي و “حركة العدل والمساواة” بقيادة جبريل ابراهيم) التي وقعت على اتفاقية جوبا للسلام في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2020. قام قادة هذا الانقلاب بحل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وإعلان حال الطوارئ.
هذا الانقلاب هو الرابع في السودان، الذي هو البلد العربي الوحيد التي أسقطت فيه الحركة الجماهيرية السلمية النظم العسكرية الثلاث في ثورات أكتوبر 1964 وأبريل 1985 و 19 ديسمبر 2018-11 أبريل 2019، ولكن عندما كان نظام عمر البشير على وشك السقوط في فترة 6-10 أبريل 2019 بادرت قيادة الجيش، ومعظم طاقم النظام، إلى اعتقال البشير والصف الأول من النظام، للالتفاف على الحركة الجماهيرية ومن أجل منع قيام نظام ديمقراطي مدني، إلا أن العسكر لم يستطيعوا الحكم بمفردهم واضطروا بعد أربع أشهر لتوقيع اتفاقية الشراكة مع “قوى اعلان الحرية والتغيير” وهو ما رفضه الحزب الشيوعي السوداني وحذر من فشله.
يأتي الانقلاب في السودان قبل شهر من موعد تسليم المدنيين رئاسة مجلس السيادة الحاكم وفقاً لاتفاق الشراكة،وفي ظرف الخلافات بين “قوى اعلان الحرية والتغيير “والحركات المسلحة التي انحازت وأيدت انقلاب العسكر. أيدت الانقلاب قوى اقليمية، مثل مصر وبعض دول الخليج و “اسرائيل” التي كان المكون العسكري هو القوة الدافعة للتطبيع معها، فيما أدانت الانقلاب دول الاتحاد الأوروبي ومنظمة الاتحاد الأفريقي، بينما قامت الولايات المتحدة بإدانة الانقلاب في بيانات رسمية، ولكن علاقاتها مع عسكر السودان الذين شجعتهم على التطبيع مع “اسرائيل” كطريق لرفع السودان من “قائمة الدول الراعية للارهاب” ومن أجل تصفير ديونه يمكن أن تؤدي إلى تكرار سيناريو ماحصل من مواقف أميركية حيال انقلاب العسكر في مصر عام 2013 التي انتهت بتأييد واشنطن للحكم العسكري المصري القائم.
نحن في الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) ندين الانقلاب العسكري في السودان ونتضامن بقوة مع القوى الديمقراطية السودانية التي نزلت للشارع في تحركات جماهيرية سلمية ضد الانقلاب، وكان أولها الحزب الشيوعي الذي ثبت صواب رؤيته لمخاطر أي شراكة في الحكم مع العسكر، ونحن ندعو إلى الوعي لمخاطر اتجاهات دولية-اقليمية-محلية في الوطن العربي تدفع باتجاه الالتفاف على الحركات الجماهيرية، التي أظهرتها مجتمعات عربية عدة خلال العشر سنوات الماضية ضد أنظمة عسكرية أو يديرها العسكر من الخلف، وذلك من أجل العودة إلى حكم العسكر أو لتشارك المدنيين معهم في السلطة، وهو أمر رأيناه في مصر 2013 وفي سودان 2019-2021 وفي ليبيا مع خليفة حفتر، فيما الجزائر في مرحلة ما بعد بوتفليقة لا تختلف الآن عن وضعها بعهده عندما عزلته المؤسسة العسكرية بعد ثورة جماهيرية ضده عام 2019 وأتت برئيس مدني يحكم العسكر من خلفه.
لا للحكم العسكري
لا لتشارك المدنيين مع العسكر في الحكم
نعم للديمقراطية التي تعني خضوع المؤسسة العسكرية للحكم المدني المنتخب بآليات ديمقراطية.
29 تشرين الأول/أكتوبر 2021
الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)
الافتتاحية
من أجل التبيئة العربية للماركسية
في أوائل عام 1919 ظهر كتاب بعنوان: «تدهور الغرب» لمؤلف ألماني اسمه أوزوالد اشبنغلر. أطلق اشبنغلر نبوءة حصلت بين عامي 1989-1991 من خلال توقعه «انهيار البلشفية» التي هزّت العالم عبر ثورة أكتوبر 1917 الروسية وفق تعبير جون ريد.
انطلق اشبنغلر في هذا من مقولة وضعها تقول أن هناك «تشكل تاريخي كاذب» يغطي كقشرة في حالات معينة البنية العميقة لحضارات معينة تكون بنيتها الحضارية ــ الثقافية مكتملة التكوين، ويحصل هذا التشكل إما بفعل غزو عسكري خارجي أو إما من خلال تقليد حضارة أقوى عسكرياً وسياسياً وتقنياً واقتصادياً: يعتبر المؤلف الألماني أن حركة التغريب لروسيا التي بدأها بطرس الأكبر (1682-1725) هي قشرة رقيقة سطحية أتت فوق البنية العميقة لروسيا التي هي ذات طابع سلافي ـ أرثوذكسي منذ إنشاء الدولة الروسية الأولى في كييف عام 972 من قبل «الدوق فلاديمير» واعتناقه المسيحية الأرثوذكسية البيزنطية عام 988، وهو يرى أن البلشفية هي ذروة التغريب الذي بدأه بطرس الأكبر عبر خط يصل إلى لينين عبر محطات (الحركة الديسمبرية ـ 1825) والأديب ليو تولستوي والماركسية بفرعيها المنشفي والبلشفي، وهو يعتبر أن روسيا خلال قرنين من الزمن «قد أُرغمت على أن تدخل تاريخاً اصطناعياً مزوراً لم تكن نفس روسيا القديمة قادرة على فهمه» (الطبعة العربية، دارمكتبة الحياة، بيروت 1964، المجلد الثالث، ص 16).
لم يحصل مع الشيوعية الصينية بمحطتيها مع ماوتسي تونغ (1949-1976) ومع دينغ سياو بينغ (1978-1997) وخلفائه ما حصل مع البلشفية التي انتهت في مجرى استغرق ثلاثة أرباع القرن. أيضاً نجحت الشيوعية الفييتنامية مع هو شي منه منذ عام 1930 وحتى وفاته عام 1969 ثم مع خلفائه حيث نجح الشيوعيون الفييتناميون في أن يكونوا قادة التحرر الوطني ضد الفرنسيين واليابانيين والأميركيين ثم أن يكونوا قادة التوحيد القومي لفييتنام المجزأة عام 1975 ثم بعد هذا أن يقودوا عملية التحديث الرأسمالي تحت قيادة الحزب الشيوعي كما في الصين ما بعد عام 1987 حيث يقود الشيوعيون الصينيون أكبر ثورة رأسمالية لم تشهد البشرية مثيلاً لحجمها منذ الثورة الصناعية الإنكليزية بالقرن الثامن عشر.
من خلال التجربتين الصينية والفييتنامية، وأيضاً تجربة الحزب الشيوعي الإيطالي الذي تفاعل أيضاً مع التربة المحلية الممزوجة فيها القومية الإيطالية مع الهوية الثقافية ـ الحضارية الرومانية الكاثوليكية، هناك إثبات عملي بأن الماركسية هي منهج معرفي تحليلي لمكان وزمان معينين وفي إطار تفاعل المحلي ــ الخارجي حيث ينتج ــ أي المنهج ــ برنامجاً سياسياً، وليست عقيدة صالحة لكل مكان وزمان.
هذا البرنامج السياسي، وبوصف السياسة مكثفاً للاقتصاد والاجتماع والثقافة، لا يمكن أن ينجح على المستوى القريب والمتوسط والبعيد إذا لم يكن ناتجاً عن تفاعل المنهج المعرفي التحليلي مع التربة المحلية المتمثلة في البنية الحضارية ـ الثقافية.
مع التجربتين الشيوعيتين الصينية والفييتنامية جرى تلقيح الماركسية مع البنية الحضارية ــ الثقافية، الآتية من الكونفوشية والبوذية والتاوية عند الصينيين والبوذية والتاوية عند الفييتناميين، لإنتاج ماركسية مخصوصة تفاعلت مع القومية المحلية وليتم تكريسها لمكافحة المحتل الأجنبي، حيث نجحت لاحقاً في البلدين في مهام «التحرر الوطني» و«التوحيد القومي» و«التحديث وتجاوز التأخر». نجح لينين وستالين في تحديث روسيا ولكن التجربة البلشفية أنتجت بنية اجتماعية ـ اقتصادية ـ ثقافية، أصبحت متناقضة مع البنية السياسية ـ الدولاتية، ما جعل هناك تناقضاً منذ الخمسينيات بين البنيتين حتى تمت إزاحة البنية الثانية من قبل الأولى بفترة 1989 ـ 1991. لم يحصل هذا في الصين وفييتنام، وعلى الأرجح أن ما طرحه أوزوالد اشبنغلر هو الذي يفسر ذلك.
في التاريخ العربي الحديث في القرن العشرين، يلاحظ أن التيارات التي تفاعلت مع البيئة المحلية بخصائصها الاقتصادية ــ الاجتماعية (المشكلة الزراعية) والحضارية ـ الثقافية (القومية العربية التي تمتح من الإسلام ليس بوصف الأخير ديناً بل كثقافة) والسياسية (مقاومة الاحتلال والغزو والاستيطان) هي التي نجحت في أن تعوم عربياً: أي البعث وعبد الناصر والإسلام السياسي. فشلت الليبرالية التي كان منظرها الأول، أحمد لطفي السيد، مؤيداً ومتعاوناً مع الاحتلال البريطاني، ثم سقط زعيم أكبر تجربة ليبرالية عربية في حفرة التعاون مع الأجنبي، أي مصطفى النحاس باشا زعيم حزب «الوفد» في مصر، لما فرضته الدبابات البريطانية رئيساً للوزراء في يوم الرابع من شباط/ فبراير 1942 ضد إرادة الملك فاروق. الشيوعيون العرب ضربوا رأسهم وجسمهم في الحائط بسبب تأييدهم لقيام دولة اسرائيل في عامي 1947 و1948 بحكم تبعيتهم للسوفيات، وهو أمر قادهم أيضاً في سوريا لمعارضة وحدة 1958 بين سورية ومصر.
لم تكتمل تجربة الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) منذ انشقاق الثالث من نيسان 1972 عن السوفيات وخالد بكداش في الوصول إلى تفعيل الماركسية كمنهج معرفي ـ تحليلي مع «البنية الحضارية ـ الثقافية» واقتصر مسار الحزب على تبني «العروبة» و«قضية فلسطين» و«فك التبعية للسوفيات»، وقد تم تغليب السياسي على الفكري من دون المزج بينهما أو إدراك أن الثاني هو المفتاح وأن الأول هو الباب.
كانت هذه التجربة أهم تجربة شيوعية عربية في محاولة الاستقلالية عن المركز السوفياتي وانتهاج سياسة مستقلة عن موسكو تجاه القضايا العربية وتجاه الأنظمة، ولكن هذا لا يكفي لبناء ماركسية عربية،حيث أن الاقتصار على فك التبعية عن موسكو وانتهاج سياسة مستقلة للحزب قد ترافقت مع بقاء الفهم الستاليني للماركسية عند الكثير من القياديين والكوادر والأعضاء في الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، كما أن الكثيرون قد استغلوا الخلاف مع موسكو كبداية طريق للتخلي عن الماركسية، وكان هناك قليل من الحزبيين الذين رأوا أن فك التبعية عن موسكو تعني أن الماركسية السوفياتية ليست أكثر من تجربة ماركسية خاصة بمكان وزمان معينين وأنها ليست هي الماركسية، بل الماركسية هي منهج كارل ماركس في تحليل البنية الاقتصادية- الاجتماعية- الثقافية-السياسية للوصول إلى ماركسية خاصة متفاعلة ومتبيئة مع مكان وزمان خاصين واجتراح برنامج سياسي لحزب شيوعي موجود في المكان والزمان الخاصين، وبالتالي هناك ماركسيات تنبع عبر تبيئة المنهج الماركسي ،وليس هناك ماركسية واحدة كما حاول ستالين أن يوحي عبر مصطلح الماركسية- اللينينية الذي قال به بعد وفاة لينين، فيما لينين لم يستخدم هذا المصطلح على الإطلاق، وكان ستالين يريد من هذا المصطلح القول بأن فهمه للماركسية هو الماركسية الصالحة لكل مكان وزمان لتكريس الهيمنة السوفياتية على الأحزاب الشيوعية العالمية، ولم يخالفه في هذا سوى ماوتسي تونغ وهوشي منه وأنطونيو غرامشي.
مع بدء انحسار «الإسلام السياسي» منذ سقوط حكم «الإخوان» في مصر في يوم الثالث من تموز/ يوليو 2013، وتبوأ «السلفية الجهادية» زعامة الإسلاميين بدلاً من «الأصولية الإخوانية» وهو من العلامات الكبرى لتلك العملية الانحسارية، هناك فراغ سياسي عربي، ما دامت الحركة العروبية، بطبعتيها الناصرية والبعثية، في حركة انحسار أيضاً، وما دام الماركسيون في حالة إغماء بفعل صدمة انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي بين عامي 1989 ـ 1991،ومادام الليبراليون الجدد العرب قد وضعوا أنفسهم في موضع استجلاب التدخل الخارجي لاحداث تغيير داخلي ولم يكن عندهم مانع من الركوب على ظهور الدبابات الأجنبية الغازية،حيث أرادوا تكرار التجربة العراقية عند غزو 2003في سوريا وغيرها من البلدان العربية.
السؤال الآن: هل يستطيع الماركسيون العرب تكرار ما فعله ماوتسي تونغ وهو شي منه وأنطونيو غرامشي؟
الانهيار الاقتصادي في سوريا وأثره على الفئات الأكثر ضعفاً
18 فبراير 2021
The Path Forward عبارة عن سلسلة من الأجندة الإنسانية لـ CSIS من تأملات المنظمات الإنسانية حول التحديات في مجال الأمن الغذائي ، والنظم الصحية المعطلة ، ووصول المساعدات الإنسانية ، وحماية المدنيين ، وفي النهاية ، تعافي الشعب السوري.
لا يمكن التقليل من الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري من 10 سنوات من العنف. أدت الهجمات المستهدفة على المدنيين والبنية التحتية المدنية ، بما في ذلك الهجمات على الأسواق والمستشفيات والمدارس في المناطق الريفية والحضرية ، إلى مقتل أكثر من 400000 مدني ونزوح نصف السكان قبل الحرب داخليًا أو كلاجئين في منطقة أوروبا. لقد أدى تدمير البنية التحتية الأساسية وفقدان الأرواح إلى جانب سنوات من الإهمال الاقتصادي إلى تدهور الاقتصاد السوري.
وفقًا للبنك الدولي ، تقلص الاقتصاد السوري بأكثر من 60 في المائة منذ عام 2010 ، وانهارت الليرة السورية. قبل الحرب ، تم تداول الليرة السورية بالقرب من 50 ليرة سورية للدولار. اعتبارًا من يناير 2021 ، تم تداولها رسميًا بأكثر من 1250 ليرة سورية وبشكل غير رسمي بأكثر من 3000 ليرة سورية. وهذا يعادل زيادة بنسبة 300 في المائة في معدل التضخم على السلع الاستهلاكية.
لا ترجع الأزمة الاقتصادية في سوريا بالكامل إلى ممارساتها الاقتصادية السيئة والفساد في النظام. في الواقع ، أدت الأزمة النقدية اللبنانية المستمرة إلى تسريع الانهيار الاقتصادي في سوريا. بعد سنوات من الاحتجاجات المناهضة للحكومة ، وسوء الإدارة السياسية والمالية والفساد ، والأزمة المصرفية الناجمة عن تصاعد الديون ، حاصرت البنوك اللبنانية السيولة السورية. في عام 2020 ، فرضت السلطات المصرفية المركزية اللبنانية قيودًا على المبالغ النقدية والتحويلات النقدية التي يمكن للأفراد والشركات الحصول عليها أو معالجتها. وضع هذا ضغطاً هائلاً على السياسة الاقتصادية للحكومة السورية الفاشلة والقطاع الخاص ، الذي ارتبط لعقود من الزمن بالمؤسسات المالية اللبنانية. أدى التهافت على البنوك اللبنانية في عام 2020 ، رغم عدم ارتباطه صراحةً ، إلى زيادة بنسبة 200 في المائة في معدل تضخم الليرة السورية. والأهم من ذلك ، أدى نقص السيولة في لبنان إلى اضطرار الحكومة السورية إلى التعامل مع الميزانية الوطنية المتاحة التي انخفضت بشكل كبير لمواصلة دعم الاقتصاد.
كان الأثر الثانوي لانهيار الليرة السورية وأزمة السيولة هو الضغط على التوظيف. حتى قبل الحرب ، كانت توقعات التوظيف في سوريا أقل من وردية ، حيث كان 8.6٪ من السوريين عاطلين عن العمل و 20.4٪ من الشباب عاطلين عن العمل. بالإضافة إلى ذلك ، دمرت الحرب الطبقة الوسطى السورية تمامًا ، والتي كانت تشكل 60٪ من سكان سوريا في سنوات ما قبل الحرب ولكنها لا تمثل اليوم سوى 10 إلى 15٪. تلقى قطاع الزراعة الضربة الأكبر. يسعى العديد من السكان النازحين الذين كانوا يعتمدون على الزراعة قبل الحرب الآن إلى العمل غير الرسمي في المزارع في المجتمعات المضيفة المجاورة لدعم أسرهم ماليًا. ومع ذلك ، هناك فرص عمل غير رسمية أو رسمية محدودة للغاية للأشخاص داخل مخيمات النازحين. يعمل جائحة كوفيد -19 على تسريع وتيرة تدمير قطاع العمل غير الرسمي في سوريا ، لا سيما في الشمال الغربي المتضرر بشدة.
بسبب هذا الانهيار الاقتصادي ، وأنظمة العقوبات ، والميزانية الوطنية المحدودة لدعم السلع مثل الخبز والوقود ، فإن العائلات النازحة والأسر الضعيفة الأخرى عالقة في وسط أزمة مالية ناجمة عن انخفاض سريع في قيمة العملة ونقص الوظائف المتاحة. هذا يعني أنه من الصعب للغاية على العائلات السورية إعالة نفسها ، خاصة في ظل تزايد انعدام الأمن الغذائي. تصف التقارير الصادرة في كانون الأول (ديسمبر) 2020 العائلات التي تنتظر لساعات في طوابير الخبز ، مما يتسبب في تغيب الأطفال عن المدرسة أو فقدان مقدمي الرعاية للعمل من أجل العثور على أرغفة الخبز.
علاوة على الضغط على قدرة العائلات على تأمين الحصص الغذائية الأساسية والمستلزمات المنزلية ، يستمر الأثر الاقتصادي للحرب في إثارة مخاوف خطيرة بشأن حماية الطفل ، بما في ذلك الآثار السلبية على التعليم. يضطر الآباء إلى إخراج أطفالهم من المدرسة بسبب عدم قدرتهم على دفع الرسوم ، ولا يحصل المعلمون على رواتبهم. يذهب بعض الأطفال إلى المدارس في مخيمات النزوح لكنهم يصلون مغطاة بالطين ، بعد أن قطعوا أميالاً وأميالاً للحضور. العديد من الفتيات المتسربات من المدرسة يتأثرن بشدة بزواج الأطفال.
إحدى القصص المؤلمة بشكل خاص التي أوردتها منظمة وورلد فيجن هي قصة أم عزباء في شمال غرب سوريا مع فتاتين مميزتين في المدرسة الإعدادية. بسبب العادات الثقافية ، عندما توفي والدهم ، تزوجت والدتهم من شقيق والدهم المتوفى. بعد أن أنجب والدهما وأمهما الجديدان ولدان ، بدأ زوج الأم في الاعتداء على الفتاتين وأمهما عقليًا وجسديًا. أخرج زوج الأم الفتاتين من المدرسة بسبب العبء الشخصي والمالي الذي فرضته عليهما وأجبرتهما على زواج الأطفال. للأسف ، مثل هذه القصص شائعة جدًا. التداخل بين النزوح القسري والهشاشة الاقتصادية واستراتيجيات المواجهة السلبية محسوس بشدة في أماكن مثل شمال غرب سوريا.
لا يزال السوريون المستضعفون يتحملون وطأة الأزمات المستمرة ، منذ اندلاع الصراع قبل 10 سنوات ، إلى المستويات المروعة من الموت والدمار والانهيار الاقتصادي اليوم. في أغلب الأحيان ، يؤثر هذا بشكل كبير على مستقبل الأطفال الأبرياء. في حين تسبب الصراع نفسه في أضرار مادية لا يمكن إصلاحها للمجتمعات والأسر والأطفال ، تسببت الأزمة الاقتصادية أيضًا في صعوبات إضافية. ومع ذلك ، هناك طرق يمكن للمجتمع الدولي والجهات الفاعلة الإنسانية من خلالها أن تكون جزءًا من الحل للمضي قدمًا.
على وجه التحديد ، يجب على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والمانحين الآخرين التأكيد على البرمجة القائمة على النقد داخل سوريا ، لا سيما في أماكن المخيمات. تتسم البرمجة النقدية بالفعالية والكفاءة وتعزز النشاط الاقتصادي القائم. يجب أن يركز المانحون على البرامج التي تعطي الأولوية لتدخلات سبل العيش المستدامة والأمن الغذائي. بالإضافة إلى ذلك ، نظرًا لأن آثار الانهيار الاقتصادي كان لها آثار ضارة على الأطفال الصغار ، يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية للتمويل المستدام والكافي لمعالجة إنهاء زواج الأطفال القسري وجميع أشكال العنف الأخرى ضد الأطفال في شمال غرب سوريا من خلال التمويل الكامل لمنظمة الأمم المتحدة الإنسانية في سوريا. خطة الاستجابة (HRP) التي تدعم تلك البرامج. أخيرًا ، يجب على الولايات المتحدة والمانحين الآخرين مراجعة أنظمة العقوبات الحالية للتأكد من أن العقوبات التي تستهدف الأفراد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان لا تؤثر عن غير قصد على سبل عيش وفرص المدنيين الأبرياء.
—–
باريت ألكساندر هو مستشار سياسي أول في World Vision US Alham * (اسم مستعار) مستشار حماية في World Vision Syria Response.
تم إعداد التعليق من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) ، وهو مؤسسة خاصة معفاة من الضرائب تركز على قضايا السياسة العامة الدولية. أبحاثها هو غير الملكية حزبية وغير حكومية. CSIS لا تتخذ مواقف سياسية محددة. وفقًا لذلك ، يجب فهم جميع الآراء والمواقف والاستنتاجات الواردة في هذا المنشور على أنها آراء المؤلف (المؤلفين) فقط.
© 2021 مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. كل الحقوق محفوظة.
باريت الكسندر
كبير مستشاري السياسات ، منظمة الرؤية العالمية ، الولايات المتحدة
أحلام * (* اسم مستعار للموظفين المقيمين في سوريا)
مستشار الحماية ، منظمة الرؤية العالمية للاستجابة السورية
نتائج الأزمة السورية
(تحليل)
٣١ آذار ٢٠٢١
UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs
(مكتب الأمم المتحدة لتنسيق القضايا الإنسانية)
31 Mar 2021
لا تزال الأزمة السورية أحد أكثر حالات الطوارئ الانسانية تعقيداً على المستوى العالمي، المُبانة على شكل اعتداءات مستمرة أودَتْ بحياة مئات الآلاف من الناس، و أثارَت أحد أضخم أزمات النزوح في عصرنا الحالي، كما انجبَت دماراً يتّسع نطاقه ليشملَ بُنى تحتية زراعية و مدنية، بما فيها مِن عمارات سكنية و مدارس و دوائر صحة و إمدادات مياه الشرب و شبكات نظم الرّي. يحتاجُ اليومَ ١٣.٤ مليون من البشر في سوريا -الرقم الذي يفوق نظيرَه مِن العام ٢٠٢٠ بنسبة ٢١%- إلى إغاثات انسانية ماسّة، نظراً لتفاقم احتياجات هؤلاء بسبب تدهور الوضع الاقتصادي.
تسبّبَت الأزمة التي استمرت لعقد من الزمن بمعاناة عصيبة للسكان المدنيين، الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة ومنهجية للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك أكثر من ١٣٥٠ غارة على المنشآت التعليمية و الطبية و الافراد العاملين فيها، و القصف الذي تسبّب بهجرة أكثر من ١٢ مليون شخص و الاحتجاز التعسّفي و الاختطاف و التعذيب و غيرها من الانتهاكات الجسيمة.
١٢٠٠٠ طفل تقريباً كانوا قد أُصيبوا او قُتِلوا منذ عام ٢٠١١ ، و توفّيَ لأكثر من ٤٧% من فئة الشباب أحدُ أفراد أسرهم المباشرين أو أحد أصدقائهم المقربين. اعتباراً أنّ ما يقارب نصف أطفال سوريا لم تعرف حياتُهم إلّا القليل غير الأزمة -يُقدَّر أنَّ 2.45 مليون منهم كانوا خارج المدرسة في عام 2020 وحده- فإنّ جيلاً بكامله مهدَّد بالضياع. إنّ الصدمة المستمرّة لأمد ليس بالقصير و العميقة الجذور في النفس، التي لايزال الكثير منها بدون معالجة، تعني أنّ أزمة صحة عقلية باتَتْ تلوح في الأفق بشكل واضح للعيان. في حين أن الأعمال العدائية الواسعة النطاق قد انخفضت مقارنة بذروة الأزمة، مع عدم تغيّر خطوط التّماس خلال عام، لا يزال القصف المتبادل المتكرر وإطلاق الصواريخ يُلاحظ على امتداد هذه الخطوط، الأمر الذي كثيراً ما يؤدي الى وقوع ضحايا مدنيين.
عانى الاقتصاد منذ بدء الأزمة -و مايزال- من ضرر غير قابل للترميم، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٦٠%، إضافةً الى عجز الحكومة المتزايد عن جمع إيرادات كافية لدعم السلع الأساسية مثل الوقود والخبز التي تعتمد عليها أكثر الأسر فقراً. كما يستمر “السقوط الحر” للّيرة السورية، بعد أن فقدت ٧٨% من قيمتها منذ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩، في الوقت الذي تصل فيه أسعار السلع الأساسية الى مرتفعات لم تعرفها من قبل. تشير التقديرات إلى أن أكثر من ٩٠% من السكان يعيشون الآن تحت خط الفقر.
أدَّت جائحة COVID-19 إلى تسريع هذا الانخفاض الاقتصادي، من خلال زيادة الحد من فرص توليد الدخل المتناثرة اصلاً، الأمر الذي يحصل ضمن بيئة اجتماعية يُبان فيها أن ٥٠% من الفئات العمرية المنتمية الى سن العمل عاطلة عن العمل. كما تسببت الجائحة بالحد من وصول النساء والأطفال إلى الخدمات الحيوية الأساسية مثل فحوص الكشف عن الصحة الإنجابية و سوء التغذية. أما التحويلات، التي يعتمد عليها ملايين السوريين وخاصة النازحين داخلياً، فيُشار أنها الأُخرى قد شهدَت انخفاضاً إلى نصف ما كانت عليه، من ١.٦ بليون دولار أمريكي في عام ٢٠١٩ الى ٨٠٠ مليون دولار في عام ٢٠٢٠، نتيجة تقلُّص الاقتصاد العالمي و الاقليمي. تركَت الجائحة أثرَها أيضاً على النظام الصحي، المنهك مسبقاً باعتبار نصف المرافق الصحية عاطلة بشكل تام او جزئي.
الظروف و الاحتياجات الانسانية
إنّ استمرارَ الخسائر المدنية والنزوح القسري العائدان الى الاعمال العدائية المستمرة، بالإضافة إلى انخفاض الوصول إلى الخدمات الأساسية المتدهورة مسبقاً، و كَوْنَ خيارات السكن والمأوى محدودة وغير ملائمة، زد على ذلك مجموعة واسعة من مخاطر الحماية والمخاوف، كل ذلك يساهم بخلق و تأبيد المزيد من الاحتياجات الإنسانية عند السكان. في حين أن النزوح الناجم عن الهجمات العدائية في أوائل عام 2020 ولّد احتياجات إضافية بين السكان في سوريا للنازحين داخليًا والعائدين والمجتمعات المضيفة ، لا سيما في شمال غرب سوريا (NWS)، فإن الآثار المتتالية للانكماش الاقتصادي -بما في ذلك خسارة الدخل وسبل العيش، والانخفاض الحاد في القوة الشرائية وما نتج عن ذلك من غياب القدرة الشرائية الكافية للغذاء والسلع الأساسية الأخرى- أدَّت إلى تفاقم الظروف المعيشية للأشخاص الذين كانوا بالأصل على قدر كبير من الحاجة إنسانية، و دفْع الشرائح الأقل تضرراً من السكان الى المستوى المعيشي الذي يتطلب إغاثات انسانية، و الذي يشمل انعدام الأمن الغذائي في أرجاء البلاد.
كما يستمر تأثير الازمة ذو الطابع الجنساني، حيث تدفع النساء والمراهقات ثمناً باهظاً بحكم الأعراف الجنسانية التمييزية و المؤذية، بما في ذلك العنف القائم على اساس الجنس و الموجّه بحسبه. بينما يواجه الرجال و الفتيان مواقف شديدة الخطورة كلاحتجاز التعسفي و التجنيد الإجباري و الذخائر المتفجرة و غيرها.
أدى التدهور الاقتصادي إلى زيادة الضغط على الوضع المالي للأسر. أفادت تقارير أنّ ٨٢% من الأسر المقيمة في سوريا تعاني من تدهور كبير في قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية منذ آب / أغسطس ٢٠١٩، ويرجع ذلك أساسًا إلى ارتفاع الأسعار و غياب الدخل. نظراً أن المياه و الصرف الصحي والنظافة الصحية والبنية التحتية لأجهزة الصحة والتعليمية تعتبر ضعيفة أو غير وظيفية في 48 في المائة من جميع المناطق الفرعية، فإن إعاقة الحصول على الخدمات الأساسية تزداد شدةً كما و تكلفتها الغير محمولة. ينطبق ما سبق بشكل خاص على أكثر من ١.٩ مليون نازح يحتمون في تجمعات سكنية غير رسمية، و مخيمات مخططة و ملاجئ جماعية، التي لا توفر حماية كافية وتزيد من خطر انتشار الأمراض الوبائية بين السكان. في الوقت نفسه، يواصل ملايين الأشخاص في جميع أنحاء سوريا العيش في مساكن مدمرة، لا سيما على خطوط مواجهة سابقة، حيث يعاني السكان المستؤجرون من صعوبة بدفع اجورهم أكثر من أي وقت مضى.
في مواجهة تدهور مستويات المعيشة ، تتبنى العائلات بشكل متزايد آليات تأقلم ضارة. اقترضَت ٧١% من الأسر التقليدية، و ٧٥% من الأسر التي تعيلها نساء، المزيد من الديون منذ آب (أغسطس) ٢٠١٩. تتبنى ٢٨% من الأسر الآن استراتيجيات للتكيّف تتعلق بالأغذية أو “الأزمات” أو “الطوارئ”، بما في ذلك سحب الأطفال من المدرسة لجعلهم يعملون بدلاً من ذلك، وبيع الممتلكات، والهجرة بسبب نقص الغذاء، و زواج الأطفال المبكر. أفادَت تقارير عن المجتمعات التي تم تقييمها بأن عمالة الأطفال كثيرة الانتشار في ٢١% من هذه المجتمعات، في حين أن زواج الأطفال، الذي يتضمن الفتيات الصغيرات والمراهقات (12-17 سنة)، يُعتبَر قضية شائعة في ١٨% من المجتمعات السابق ذكرها.
أدى تدهور مستويات المعيشة وزيادة استراتيجيات المواجهة الضارة إلى وجود شرائح إضافية من السكان تعيش في ظروف صحية جسدية وعقلية مهددة للحياة منها ما يشمل زيادة بنسبة ٥٧% في عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى ١٢.٤ مليون (ارتفاعًا من ٧.٩ مليون في أوائل عام ٢٠٢٠) من بينهم ١.٢٧ مليون يعانون منه بشكل حرج، العدد الذي يُعتبر ضعف نظيره في أوائل عام ٢٠٢٠. تماشياً مع هذا الاتجاه، تستمر معدلات سوء التغذية بالصعود، حيث يعاني أكثر من ٥٠٠٠٠٠ طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية المزمن و ٩٠٠٠٠ من سوء التغذية الحاد. الصدمات النفسية واسعة الانتشار و تقييمها الطبي دون المستوى المطلوب، إلا أن آثاراً طويلة المدى على جميع الفئات السكانية أكيدةُ الحصول. أفادت تقارير أن ٢٧% من الأسر تَظهر عند اولادها و بناتها علامات الضيق النفسي، أي ما يقرب من ضعف رقم عام ٢٠٢٠ (١٤%). لا تزال الحاجة الى الحماية الضرورية قائمة وقد تفاقمت بسبب جائحة COVID-19، بما في ذلك العنف الجنساني (GBV) ، حيث يُبلَّغ من النساء و الفتيات في جميع أنحاء البلاد أن العنف ذاك صار سمة من سمات الحياة اليومية. يُقدَّر أن واحداً من كل شخصين في سوريا معرض لخطر الذخائر المتفجرة؛ لذلك فإنّ الحاجة إلى تدُّخل الفرق الانسانية المختصة بعمليات الألغام بليغة، لا سيما أنشطة المسح والتطهير، إلا أنّ تلبيتها حالياً لم تشمل نطاقاً ذا سعة. في الوقت نفسه، لا تزال جائحة COVID-19 تؤثر على البلاد مع ما يقارب من ٤٧٠٠٠ حالة مؤكدة في سوريا، بما في ذلك ما لا يقل عن ١٩٧٢ حالة وفاة اعتبارًا منذ منتصف مارس ٢٠٢١، مما يزيد من إجهاد النظام الصحي و يحول دون حصول الأشخاص على الرعاية، سواءً عند الحالات الطارئة وغير الطارئة.
إنّ النطاق المتزايد سعةً و طبيعة الاحتياجات الانسانية المتداخلة عند سكان سوريا، في العام ٢٠٢١، يتطلبان استجابة شاملة عبر جميع القطاعات لإنقاذ الأرواح وحماية الناس و منع المزيد من الحرمان.
تغييرات في المشهد الدولي 1991-2021
محمد سيد رصاص
“نورث برس” 3 تشرين الأول 2021
تحدد المشهد الدولي ما بعد الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفياتي في الأسبوع الأخير من عام 1991 والذي أتى كنتيجة لهزيمة السوفيات أمام الأميركان في الحرب الباردة 1947-1989.
كانت أهم معالم المشهد الدولي الجديد أنه قد وجد قطب أميركي أوحد للعالم لأول مرة منذ الامبراطورية الرومانية، حيث كانت توجد ثنائيات قطبية متصارعة قبل 1991 مثل موسكو وواشنطن بالحرب الباردة أو برلين ولندن بفترة 1890-1945 أو باريس ولندن بين عامي 1756 و1815. تصرفت واشنطن في حرب كوسوفو عام 1999 وفي غزو العراق عام 2003 كقطب أوحد للعالم وعندما تصادم الأميركان مع الإيرانيين نتيجة استئناف طهران لبرنامجها في تخصيب اليورانيوم منذ آب\أغسطس 2005 فإن قرارات مجلس الأمن التي اتخذت بفترة 2006-2010 ضد إيران لم تلاقِ فيها واشنطن عقبات من أحد في نيويورك.
بدأت تغييرات المشهد الدولي في آب\أغسطس 2008 مع الاستيقاظ الروسي الذي أعلن عن نفسه في الحرب ضد جيورجيا، والذي كان نقطة البدء لتحرك موسكو نحو محاولة السيطرة على الجمهوريات السوفياتية السابقة، وهو ما أتبع عام 2010 بوصول رئيس أوكراني جديد للسلطة في كييف موال للكرملين (تم إسقاطه عام 2014 بمظاهرات شعبية وهو ما أدى لنشوء الأزمة الأوكرانية بين واشنطن وموسكو).
ترافق الاستيقاظ الروسي مع بدء الأزمة المالية- الاقتصادية العالمية التي بدأت معالمها الأولى من نيويورك في أيلول\سبتمبر 2008 ومع فشل التجربتين الأميركيتين في العراق وأفغانستان، حيث ترجم هذا بعد الانسحاب الأميركي العسكري من بلاد الرافدين أواخر 2011 بتحول طهران إلى القوة الأولى المهيمنة في بغداد وهو ما سبقه تمددات إقليمية لإيران عبر حلفائها الإقليميين في غزة عندما سيطرت حركة حماس على القطاع في 15حزيران\يونيو 2007 وفي لبنان عندما أمسك حزب الله بمفاصل القرار بعد 7 أيار\مايو 2008 ثم أتبعت تلك التمددات الإيرانية الثلاث بتمدد رابع في صنعاء لما سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية في 20 سبتمبر 2014، وقد جعلت تلك التمددات الأربع من إيران القوة الاقليمية العظمى في الشرق الأوسط، الأمر الذي فرض إيقاعه على المنطقة سواء أثناء اتفاق واشنطن مع طهران على البرنامج النووي عام 2015 أو أثناء اتجاه إدارة ترامب عام 2018 للانسحاب من ذلك الاتفاق والدخول في مجابهة مكشوفة مع الإيرانيين، وهو ما تراجعت عنه إدارة بايدن.
ترافقت تلك التغييرات لغير صالح واشنطن في “الحديقة السوفياتية السابقة” وفي التمدد الإقليمي الإيراني مع تحول الصين عام 2010 إلى الاقتصاد الثاني من حيث القوة في العالم. عبر الأزمة السورية استغلت روسيا والصين مجلس الأمن الدولي في يوم 4 تشرين أول\أكتوبر 2011 لكي تعلنا عبر فيتو مزدوج ضد مشروع قرار أيدته واشنطن بخصوص سوريا عن محاولة ثنائية منهما لبدء منازعة القطب الأوحد للعالم، كما أن روسيا (ومن ورائها الصين) ومعها إيران قد دخلتا في فترة 2011-2013 في صراع ضد واشنطن بالساحة السورية لمنع الأميركان من إسقاط السلطة السورية في وقت كانت فيه واشنطن متحالفة مع (الإخوان المسلمون) الذين وصلوا للسلطة في تونس والقاهرة بغطاء أميركي، وكان تقدير الصينيين والروس بأن الإسلاميين إن اكتملت سيطرتهم بمعونة الأميركان على العواصم الرئيسية بالمنطقة فإن هذا سيؤثر على مسلمي روسيا والصين والجمهوريات السوفياتية السابقة في آسية الوسطى، وكان دافع طهران للانخراط في الأزمة السورية أن سقوط السلطة السورية سيزعزع النفوذ الإيراني في العراق ولبنان.
هذا التحرك الثلاثي الروسي- الصيني- الإيراني أفشل المشروع الأميركي بالمنطقة (وبالتحالف بين واشنطن وانقرة) لتنصيب الإسلاميين في السلطة وخاصة في سوريا، وأجبر الأميركان على خطوات تراجعية منها التشارك منذ صيف 2013 مع موسكو في حل الأزمة السورية ثم إعطاء الأميركان عام 2015 الضوء الأخضر للروس للدخول العسكري إلى سوريا، وهي حركة أميركية كانت تهدف لإعطاء الروس مكافآت في الشرق الأوسط من أجل إبعادهم عن التحالف مع الصين، كما لجأ الأميركان إلى غض النظر عن تمددات إيران في الإقليم عبر اتفاق 2015 لإبعادهم عن الروس والصينيين ولتمهيد الطريق لعودة طهران التدريجية للحضن الأميركي كما كانت في عهد الشاه.
لم تنفع الأميركان هذه التكتيكات ولم تنجح، لذلك لجأت واشنطن منذ أواخر عام 2016 للتواجد العسكري في شرق الفرات السوري للضغط على الروس والإيرانيين وأيضاً على الأتراك الذين بدأوا منذ قمة 9 آب\ اغسطس 2016 بين بوتين وأردوغان في نسج حلف متين مع الروس تدل قمة سوتشي في أواخر أيلول\ سبتمبر 2021 بين أردوغان وبوتين على أنه يتجه أكثر نحو التعزز وهو ما يدفع الأميركان لأن لا يكرروا في شرق الفرات السوري ما فعلوه في أفغانستان على الأقل في المديين القصير والمتوسط.
مع كل هذا، تظل واشنطن مدركة أين التناقض الرئيسي ضدها كقطب أوحد للعالم، وهي منذ إدارة أوباما تنزاح عن الشرق الأوسط نحو الشرق الأقصى لمجابهة الصين التي يراها الأميركان التهديد الرئيسي لهم، وتدل اتفاقية (أوكوس) الأخيرة بين الولايات المتحدة وبريطانية وأسترالية ليس فقط على ذلك، وإنما أيضاً، ومن خلال طريقة التعامل مع الفرنسيين في قضية الغواصات الأسترالية، بأن الأميركان لم يعودوا يرون أهمية كالسابق لأوروبا ولحلف الناتو، بل يتجهون لتشكيل حلف ناتو آسيوي ضد الصين يضم إلى ثلاثي (أوكوس) كلاً من اليابان والهند وربما أيضاً كوريا الجنوبية وفييتنام. الصين أخذت مكان الاتحاد السوفياتي في القرن الواحد والعشرين بحرب باردة جديدة مع الولايات المتحدة،وهي تمثل التحدي الوحيد الحقيقي للقطب الواحد الأميركي، بينما روسيا، باقتصادها الضعيف ورغم امتلاكها للسلاح النووي، تظل لا تمثل هذا التهديد أو التحدي، ولكن إن تحالفت الصين وروسيا، ومعهما إيران وتركية وربما باكستان، وهذا محتمل الحدوث، فإن القطب الواحد الأميركي سينتهي وستتحول العلاقات الدولية إلى مشهد جديد غير مشهد الأحادية القطبية.
العقل أولاً والعقل أخيراً
غازي الصوراني
مجلة” الهدف”
على طريق التحرر والنهوض والخلاص من كل مظاهر التخلف والأوهام . أدعو إلى إعمال الفكر أو العقل للوصول إلى المفهوم الواضح لمجمل أهداف شعوبنا عموماً ومفهوم واضح للثقافة خصوصاً وذلك ارتباطاً بخصوصية الواقع وبالتفاعل معه، فالثقافة رؤية ومبدأ للسياسات: وسؤالي هنا ما هي قيمنا الثقافية القابلة للتبادل في سوق القيم، ومكونه لعقلية حداثية نقيضة ورافضة للخزعبلات تسعى إلى بلورة هوية ليست من ماض ولّى، بل جواز سفر لدخول آفاق المستقبل؟ ما هي رؤيتنا لبناء نظام سياسي اقتصادي اجتماعي عقلاني واقعي ومنافس معاً، وكيف نبني منظومة قيم تحفز على المبادرة والابتكار، والإنتاج وتخطيط المستقبل؟ كيف نربي على احترام الكرامة الإنسانية؟ ذلك هو مفهوم الثقافة الذي يتوجب أن نأخذ به.
على أي حال يمكن القول أن الثقافة هي جملة ما يبدعه الإنسان والمجتمع على صعيد العلم والفن ومجالات الحياة الأخرى، المادية والروحية، من اجل استخدامها للإجابة على الأسئلة الكبرى للإسهام في مجابهة العدو الوطني وقوى التخلف الرجعي بما يمكننا من حل مشكلات التقدم والتطور، وهنا تتجلى خصوصية الواقع –واقعنا العربي- التاريخية والراهنة وتفاعلها مع المفهوم العام المعاصر للثقافة بكل أبعادها ومكوناتها العلمية، الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية في اللحظة الراهنة من تطور البشرية.
أنا شخصياً انحاز إلى هذا التعريف للثقافة، لأنه يتناولها كمجموعة من الأنماط السلوكية والفكرية والتربوية بمضامينها المستقبلية التي تؤطر أعمال الإنسان في علاقاته مع قضاياه الوطنية والمجتمعية بالقطيعة الكاملة مع اوهام التخلف، ومن ثم اعتماد التواصل الدؤوب مع مسار التنوير العقلاني والحداثة والنهضة والتقدم العلمي، آخذين بعين الاعتبار أن لكل عصر ثقافته… عصر الزراعة كانت له ثقافته السائدة، وعصر الصناعة كانت له ثقافته السائدة، واليوم عصر المعلومات أو “العصر الرقمي” يفرض علينا ثقافته السائدة او ثقافة الانترنت التي هي ثقافة الرأسمالية في طورها المعولم، وفي هذا السياق أؤكد أن اخطر ما في شبكة الانترنت “أنها تنطوي على ثورة معرفية، وعلى موسوعة للفكر الإنساني ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهذه مسألة بالغة الخطورة، ومن هنا أرى أن مشكلة الاتصال مع الحضارات الأخرى تتمثل بما يسميه المفكر المصري الراحل السيد ياسين “أزمة تكوين العقل النقدي العربي” وهي أزمة محكومة لخزعبلات الاساطير وأوهام التخلف واستقالة العقل ….خاصة وأن انظمة التخلف العربية المستبدة لا تٌكَوِّن مثل هذا العقل النقدي الذي يحتاج بالدرجة الأولى إلى حرية سياسية وديمقراطية، ذلك أن حوار الثقافة العربية مع غيرها من الثقافات، خاصة الثقافة الغربية، يقتضي الاعتراف المتبادل، وهو غير حاصل بسبب أصوليتين – كما يقول المفكر علي اومليل- : أوصولية إسلامية تختزل الدين إلى عقائد متشددة، وتعتبر أن الإسلام في غنى عن أي حوار مع جاهلية العصر، أي الثقافة الغربية ومن نسج على منوالها، وهناك أصولية غربية تعتقد أن قيم الحداثة (الحرية، الفكر النقدي، الديمقراطية الليبرالية، حقوق الإنسان) هي قيم غربية حصراً، فلا طريق إذاً للتحديث سوى التغريب (والخضوع لثقافة الغرب الرأسمالي).
ولذا، “فالتنوير ليس مجرد حلقة من حلقات تاريخ الأفكار بل ثابت أساسي من ثوابت الفكر الفلسفي الذي أدى إلى تطور ونهوض أوروبا منذ كانط حتى الآن، فالمذهب الليبرالي يؤكد حرية التعبير وحرية الكلام ورفض الكنيسة واوهامها وعودها الدينية الغيبية.
وهنا تتلاقى الليبرالية السياسية مع فلسفة عصر التنوير، فالدفاع عن مثل هذه الفضائل ليس مبنياً على النظرة المفيدة أن التسامح هو قيمة “خير” فحسب، وإنما أيضاً على النظرة التي تقول إن نقاشاً مفتوحاً وحراً هو شرط ضروري لنكون قادرين على الوصول إلى رؤية صحية في العلم، كما في السياسة تقوم أساساً على الحرية والعقلانية والديمقراطية وفصل الدين عن الدولة .
فالحرية شرط العقلانية، وفي الوقت نفسه هي شرط للديمقراطية في عملية خلق الرأي العام الشعبي، وفي التأمل المتنور، ذلك ما عبر عنه بوضوح المفكر الفرنسي مونتسكيو الذي ربط الحرية بشكل خاص بإسهامين اثنين أساسيين وهما: نظرية فصل السلطات كشرط للحرية، ونظرية تأثير البيئات المختلفة على السياسة، وكانت فرنسا في القرن الثامن عشر هي الرافد الاساسي والأكبر لنهر العالم الكبير الذي تحدر من أرض اليونان قبل ذلك باثنين وعشرين قرنا.
نستخلص مما تقدم، أن مفكري التنوير (في انجلترا وفرنسا وألمانيا) كانوا قد “أَحَلُّوا العقل السيد المستقل محل العقيدة اللاهوتية المسيحية التي سيطرت على البشرية الأوروبية قرون وقرون، لقد كان العقل هو القضية الكبرى لفلاسفة القرن الثامن عشر والذي دعي في كل أنحاء أوروبا بعصر التنوير”.
فبفضل جهود التنوير وطّنت أوروبا مفاهيـم: الحرية، العقلانية، والديمقراطية، وأرست دعائم التطور والتقدم والنهوض.
سؤالي هنا ….هل تعيش بلداننا ومجتمعاتنا العربية فترة تنوير؟ والجواب…نحن لسنا فقط لا نعيش مرحلة تنويرية وإنما نغوص في عكسها: أي في عتمةظلام التخلف الذي تفرضه أنظمة الكومبرادور والرجعية والعمالة….. بالطبع هناك نخبة مثقفة مستنيرة وتقدمية عندنا مثلما كان عليه الحال لدى الألمان والفرنسيين ومعظم شعوب أوروبا الغربية في عصر كانط.ولكن المشكلة هي ان هجمات قوى اليمين بكل الوانه وطوائفه واطيافه وسياساته المتخلفة والرجعية هي هجمات شرسة جدا من … ثم إن معظم المثقفين العرب المستنيرين ومعظم أحزاب وفصائل اليسار في بلادنا عاجزون عن مجابهة أنظمة الكومبرادور ورموز التخلف وفضح مواقفهم وممارساتهم بشكل فلسفي كما كان يفعل كانط أو ليسنغ من قبله أو فولتير أو جان جاك روسو آو ديدرو وصولا إلى ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من الثوريين .
ما العمل اذن وأين يكمن الطريق إلى المستقبل لمجابهة انحطاط الوضع العربي الراهن؟
في الإجابة عن هذا السؤال، أقول : لقد بات الرهان اليوم معقوداً على الرؤية الديمقراطية التقدمية العلمانية في بلادنا، المرتبطة باستنهاض أوضاع القوى والأحزاب والفصائل التقدمية العربية التي تعيش اليوم حالة من التفكك والتراجع والتأزم، ولا تؤهلها أوضاعها في اللحظة الراهنة للقيام بتحقيق وبلورة هذه الرؤية في المدى المنظور.
لكن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية، في هذه المرحلة، يتطلب من هذه القوى تفعيل وإنضاج عوامل وأدوات التغيير الثورية والديمقراطية الحديثة، والاستجابة لمبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن.
بالتالي فإن الخطوة الأولى على طريق الخروج من الأزمة في المرحلة الراهنة التي تجتازها بلداننا العربية، تتمثل في العمل على إعادة تكوين اليسار الماركسي الثوري وبناء القوى الشعبية، وذلك في إطار عمل طويل النفس يطاول مستويات عدة “من تحديد الأسس الفكرية، وسمات المشروع المجتمعي الاشتراكي المطروح كهدف راهن وتاريخي، وتحديد المراحل الإستراتيجية للتقدم في الاتجاه المرغوب … والقوى الاجتماعية التي لها مصلحة في انجاز المشروع والقوى المعادية له .
إنّ الحديث عن كسر وتجاوز نظام الإلحاق أو التبعية والتخلف الراهن هو حديث تحريضي يسعى إلى مجابهة أنظمة التخلف ، وتوفير الاسس والمقومات السياسية والمجتمعية الكفيلة بالنهوض الديمقراطي التقدمي ، ما يعني توفّر الإمكانية الموضوعية والذاتية في الحياة السياسية والمجتمعية المشتركة راهناً ومستقبلاً وفق قواعد وأسس الديمقراطية والحرية والعلمانية والعدالة الاجتماعية والكرامة والنهضة والتقدم الإنساني على طريق النهوض لشعوبنا في مغرب الوطن العربي ومشرقه وفق مفاهيم وأسس الديمقراطية والتقدم الحداثي والاشتراكية التي أرى فيها مدخلاً وحيداً لأي حديث عن النهوض والتقدم وإسقاط أنظمة العمالة والانحطاط وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بافاقها الاشتراكيةوتوفير أسس ومقومات النضال والانتصار ضد الوجود الامبريالي الصهيوني ، إذ لا حل لأوضاع مجتمعاتنا بكل تنوعها إلا من خلال الاشتراكية، ولكن هذه الضرورة ستكون ضرباً من الوهم إذا لم نمتلك وضوح الرؤيا المستنيرة العقلانية الحداثية العلمانية التقدمية الثورية للمخاطر التي تفرضها علينا أوهام التخلف ورموز الرجعيين في بلادنا.
حوار المفاهيم: الديمقراطية، العلمانية، الدين (2-2)
حبيب حداد
الديمقراطية بإيجاز هي صيغة لنظام الحكم الذي كان خلاصة مسار تاريخي طويل لتجارب أنظمة الحكم التي تتالت على امتداد عملية التطور الإنساني.
الديمقراطية هي نظام الحكم الذي يكفل مواصلة التقدم والتطور السلمي التدريجي لمختلف المجتمعات التي أخذت بهذا الخيار، بعد أن مرت بتجارب أنظمة الاستبداد المختلفة: الملكية المطلقة، الأوتوقراطية، الفاشية، الدينية.
هناك أنواع عدة من الأنظمة التي اتخذت لنفسها تسمية الأنظمة الديمقراطية سواء على الصعيد العربي أم العالمي مثل: أنظمة الديمقراطية الشعبية أو الديمقراطية الاجتماعية لكن المفهوم المتفق عليه في علم الاجتماع السياسي هو أن النظام الديمقراطي يقوم على تكريس قيم الليبرالية السياسية والحقوق المدنية للفرد والمجتمع.
إذن النظام الديمقراطي يكرس قيم الحرية السياسية ومبدأ التسويات بين فئات وطبقات المجتمع ،وهذا الوضع لا يتعارض مع نمط الاقتصاد الوطني الذي تقر صيغه ومجالاته مؤسسات الدولة فيكل مرحلة بما يتفق مع مصالح الشعب العمومية ٠
تتطور الأنظمة الديمقراطية بما يعزز مبادئ العدالة والكفاية والمساواة بين مختلف فئات الشعب، فهذا هو الأمر الطبيعي، لكن قد ينتكس مسار الأنظمة الديمقراطية، في الدول حديثة العهد بالاستقلال بسبب الثورات المضادة أو الانقلابات العسكرية كما كان الحال في العديد من بلدان العالم الثالث.
في ضوء التجربة التاريخية لمسار التحول الديمقراطي تواجه قوى التغيير في المجتمع دومًابالسوءال الأساسي التالي وهو : ترى ما هو العامل الأساس في نجاح التحول الديمقراطي: أن تسود ثقافة وقيم الديمقراطية أولًا في أوساط المجتمع؟ أم أن قيام النظام الديمقراطي يمكن أن يتحقق إذا سبقت ثقافة النخبة المؤسسة واضطلعت هذه النخبة بمسؤولياتها بكل وعي وجدارة واقتدار؟
الديمقراطية اذن هي قبل كل شيء قيم ومبادئ تكفل مساواة جميع أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات والكرامة الإنسانية. فالديمقراطية ليست مجرد صندوق اقتراع بل هي روح عقد اجتماعي ومضمون مواد فوق دستورية. لا يجوز مطلقًا الانقلاب عليها لمن وصل إلى الحكم بذريعة الخيار الحر للأغلبية المقترعة.
الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة هي دولة المؤسسات الشرعية المنتخبة دولة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات دون أي تمييز.
الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة دولة علمانية بمعنى ان الدولة في سياساتها تكون حيادية تجاه جميع الأديان والطوائف والعقائد والايديولوجيات والاثنيات التي تشكل نسيج مجتمعها المتكامل الموحد، فالدولة الديمقراطية لا دين رسميًا لها بينما المجتمع والفرد المواطن يمكن أن يكون متدينا او غير متدين. كما يمكن للمواطن أن يكون علمانيًا ومتدينا وبالأحرى ديمقراطيًا ومتدينا.
في الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة مفهوم الأكثرية والأقلية يعني الأكثرية والأقلية السياسية غير الثابتة أو المستقرة التي تتبدل بين الحين والآخر حسب ما تظهره صناديق الاستفتاء، ولا يعني حجم وأكثرية المجموعات القومية والثقافية والدينية والجهوية في المجتمع.
الفكر القومي العربي التقليدي كان يرى أن مشكلات المجتمع العربي ترجع أساسًا إلى الاستعمار والتجزئة ووقف موقفًا سلبيًا من المسألة الديمقراطية ، أما الفكر الماركسي التقليدي فرأى ان الطبقة العاملة وفي هذه المرحلة بالذات نتيجة وعيها لدورها هي المؤهلة والقادرة على تحرير المجتمعات العربية لذا تبنى خيار دكتاتورية البروليتاريا ، اما الإسلام السياسي بمختلف مدارسه فقد تبنى وما يزال الدعوة إلى دولة مدنية لا عسكرية على قاعدة الحاكمية وتطبيق الشريعة الإسلامية في مواجهة الكفر العالمي! أما الفئات الليبرالية المثقفة التي كانت أكثر وعيًا واستيعابًا لقيم وأفكار الديمقراطية الليبرالية فقد كانت متواضعة في حجمها فلم تتمكن من ان تضطلع بقيادة تيار التنوير الديمقراطي والحداثي بعد ان خذلت وحوربت من قبل التيارات الثلاثة.
لقد كان غياب الحياة الديمقراطية في المجتمع هو السبب الرئيس في انهيار الأنظمة الوطنية التي عرفتها بعض البلدان العربية. وخير دليل على ذلك انهيار النظامين الوطنيين التقدميين في كل من مصر وسورية، اللذين كانا يمثلان بحق طليعة حركة التحرر العربية، نهاية السبعينات نتيجة ارتداد التيار العسكري اليميني في داخل كل منهما.
وكانت الحصيلة أن الدولة القطرية العربية، مع الأسف، فشلت منذ ان أحرزت استقلالها الوطني في إنجاز الأهداف الرئيسية الثلاثة:
أولًا- حل المسألة الديمقراطية.
ثانيًا- حل المسألة الاجتماعية: التنمية المستدامة والتقدم والعدالة الاجتماعية.
ثالثًا- حل المسألة القومية: الوحدة، قضية فلسطين، الدفاع المشترك او الامن الاقليمي، مشروعات التكامل الاقتصادي والثقافي والسياسي.
وهكذا صار فشل هذه الانظمة التي كان يطلق عليها أنظمة تقدمية ووحدوية وعلمانية يعني لدى قطاعات واسعة من شعوبنا، الغارقة في حياة البؤس والحرمان والاضطهاد والاستبداد، فشل الهوية الوطنية العروبية وزيف وخداع العلمانية ووهم ولا واقعية الوحدة العربية! وهذه هي بلا شك أخطر مظاهر الأزمة أو المحنة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية اليوم.
من زوايا الذاكرة
الدكتور جون نسطه
كانت غبطتي كبيرة بهذا النجاح، أي: حصولي على شهادة “البكالوريا” السورية، وزوال عقبة كأداء، أمام معادلة شهادتي في الطب. جاءت أعداد كبيرة من الأقارب والأصدقاء والرفاق للتهنئة، وفي مقدمتهم المرحوم المحامي الرفيق برهان دراق، عضو اللجنة المنطقية للحزب في حمص، فمنذ وصولي إلى حمص قادماً من ألمانيا قمت فوراً بالاتصال بمنظمة الحزب التي كنت أعرف أن غالبيتها تقف على مسافة من خط خالد بكداش وجناحه. فكلفت اللجنة المنطقية الرفيق برهان بالتواصل معي، كان يأتي لمنزلنا كل يوم جمعة قبل الظهر، فنقرأ سوية مشروع البرنامج السياسي فقرة فقرة، ويسجل ملاحظاتي عليها، التي كانت بالغالب إيجابية ومؤيدة. كان هذا الرفيق، برهان، من ألطف وأكرم، وأنبه، وأذكى، الرفاق الذين قابلتهم في حياتي الحزبية.
حصلت على وثيقة من إدارة التربية والتعليم تثبت نجاحي في الثانوية العامة، وتوجهت بها إلى وزارة الصحة في دمشق، ودخلت إلى مكتب رئيس الدائرة القانونية أريد تسليمه الوثيقة. وقفت أمام طاولته العريضة لدقائق وهو يقرأ في أوراقه، دون أن يرفع رأسه باتجاهي، وكأني غير موجود على الإطلاق، فقدت صبري، وقذفته بوابل من امتعاضي وتأكيدي أنني أشرف منه وأكثر وطنية وعلماً، وأنه طائفي ورجعي وضيع بالإضافة إلى بعض السباب، وخرجت فوراً.
التقيت صدفة في دمشق برجل كان يعمل معي في “كمب الصحراء” حيث كان بزيارة لعائلته، وسألني عن أحوالي، فحدثته بما جرى بيني وبين مدير الدائرة القانونية. فقال: “لا عليك”، وهدئ من روعك، أخي يعمل ضابطاً في سرايا الدفاع، وسوف يذهب معك غداً إلى وزارة الصحة، لمقابلة هذا الموظف الحقير. وفعلاً قدِم الضابط بلباسه العسكري وبسطاره الغليظ في اليوم التالي للقائي في الوزارة، ودخلنا دون طرق الباب، على ذات الرجل الذي كنت عنده البارحة، ولمّا شاهدنا وقف فوراً من على كرسيه، مرحباً مؤهلاً، مع تعابير الاحترام والتبجيل، وهو يقول: “تفضل دكتور جون بالجلوس.. تفضل سيادة الضابط وتكرم علي بأوامرك”.
تعجبت من سلوك هذا الرجل الوضيع، لم أكن في حياتي كلِّها صادفت هكذا إنسان. المهم أنه تسلم الوثيقة شارحاً أن عملية معادلة شهادتي ستتم بأسرع وقت، بعد تقديم فحص التعادل، “كولوكيوم”، من قبل وزارة التعليم العالي، راجيا منّا شرب القهوة، وكأن شيئاً لم يحدث البارحة ودون خجل.
فحصُ التعادل كان يجري في بهو واسع في مشفى المواساة الجامعي، وفي اليوم المحدد للامتحان ذهبت رفقة الدكتور نايف بلّوز إلى هناك. كان يرأس اللجنة الفاحصة الاستاذ الدكتور مدني الخيمي، عميد كلية الطب. وفي البهو كان يقف عشرات من الأطباء المتقدمين للفحص، إلى جانب العشرات من معيدي الجامعة والأطباء المقيمين وبعض الطلبة، وكان الفحص شفهياً وعملياً.
جاء دوري مع ثلاثة أطباء لا أعرفهم، وبدأ الاستاذ “مدني” طرح أسئلته تباعاً على كل منا، وكانت أجوبتي تنال رضاه من خلال تعابير وجهه، وتوقف عندي مصعّداً بصعوبة الأسئلة، إلى أن توقف وسألني لماذا أنت تعرف كثيراً وبدقة؟
لم أكن أتوقع مثل هذا السؤال، فأجبته أستاذنا أنت تعرف أن لا أسرار في العلم. وأنا اقرأ أخر البحوث الطبية التي تصدر في العالم بعد ثلاثة أيام مترجمةً إلى اللغة الألمانية.
ولكنه تابع يسألني إذن لماذا زملاؤك هؤلاء خريجي بلغاريا وهنغاريا والاتحاد السوفياتي… لا يعلمون ولا يعرفون مثلك؟ قلت: من يريد أن يعرف ويتعلم فالأمر منوط به.
انتهيت من الامتحان وقلت لصديقي نايف، هيا نذهب إلى المدينة، نشرب نخب النجاح، فما كان منه إلا أن أجابني، “صحيح إنك حمصي”. هذا مدني الخيمي يمدحك أعظم مديح، وهذا لا يجري كثيراً على لسانه. انتظر قليلاً قبل أن نغادر.
وقفنا مع الجمهور إلى أن انتهى الفحص، وإذا بالاستاذ الخيمي يتوجه نحوي مصافحاً وقال لي: “أهنئك وسعدتُ أن أفحص طبيباً قديراً مثلك، وإذا احتجت لأي مساعدة في المستقبل فأنا سأقدم لك الدعم.
طبعاً، زوجتي الألمانية اجتازت فحص التعادل بنجاح والكلام باللغة العربية طبعاً. لكنها لم تطالَب ببكالوريا سورية، وأصبحنا نحن الاثنين طبيبين معترف بهما رسمياً. الآن، بعد مرور سنة وسبعة أشهر على وصولنا من ألمانيا، ما العمل؟ ونحن لا نملك قرشاً سورياً واحداً ، ولسنا على استعداد أن نستدين قرشاً من أحد. وهذا يعني عدم قدرتنا على فتح عيادة طبية تتطلب مالاً كثيراً.
لذلك قررنا العمل كأطباء مقيمين في المشفى الجامعي في مشفى المواساة في دمشق. حيث يقدم لنا سكن وطعام مجاني، ونكون بنفس الوقت متابعين العلوم الطبية بأعلى مستوى في سوريا.
سافرت إلى دمشق بغرض استطلاع إمكانية العمل في مشفى المواساة. وحصلت على موعد مع رئيس قسم التخدير والإنعاش، الاستاذ برهان بك العابد، ولقب “بيك” كان يطلق على أساتذة الطب في جامعة دمشق.
برهان بيك كان رجلاً في منتصف العمر، قصير القامة، مبتسم الوجه، لطيفاً، مؤدباً، ذكياً، صريحاً، صادقاً. بعد حديث مطول عن الماضي والحاضر والسير الذاتية لكلينا، بحت له برغبتي في العمل بقسم التخدير الذي كان يرأسه. فتبسم متعجباً وقال يبدو أنك رجل ذكي، ولذلك أقول لك صراحة، لا تتعب نفسك، ولا تضيع وقتك، فهذا شيء شبه مستحيل بل مستحيل،لأن من يدخل الى مشفى الجامعة، هم أبناء الأساتذة المؤهلين، أو الأطباء الحاصلين على أعلى الشهادات من أميركا أو بريطانيا أو من العائلات المرموقة الدمشقية عادة. فأين أنت من هذا كله؟أنا أصارحك محبة ووداً.
أنت خريج بلد اشتراكي، شيوعي على ما فهمت، مسيحي، حمصي، من عائلة مغمورة، لست أتاسياً ولا دوربياً ولا حتى سباعياً. فإترك هذا الطموح وإبحث عن طريق آخر. في الحقيقة كنت مرتاحاً لصراحته ووضوحه المطلق. ولكنني أجبته طالما الأمر هكذا، فانت شحذت همتي، وأنا رجل أحب مقارعة الصعاب من الأمور وتحدي المستحيلات. وودعته شاكراً.
تقدمت أنا وزوجتي بطلبين خطيين، إلى إدارة مشفى المواساة، وسلمته إلى الذاتية وأخذت رقم الطلب أصولاً، وتوجهت إلى مكتب الاستاذ مدني الخيمي، الذي أصبح وزيراً للصحة، وعرضت عليه الأمر، فوعدني بدعمي حيث يستطيع.
في زياراتي لدمشق كنت أحرص على لقائي بالسيدة المحترمة أم زياد إسرب، زوجة الصديق محمد إسرب، الذي تعرفت عليه وزوجته، في برلين. وكانت تصر كل يوم على قدومي لمنزلهما.
في منزل هذه العائلة الكريمة، كنت ألتقي بالنخبة السورية في تلك الفترة من وزراء ومديري دوائر وزوجاتهم، وزوجات كبار الضباط أيضاً يأتين للسهرات بمفردهم. وكنا نحي سهرات غناء وطرب.
هناك تعرفت على سيدة جميلة، صاحبة صوت غناءي متقن وجميل، ودودة، حميمية، وكانت بنفس الوقت منزعجة ومضطربة لأخبار تصلها عن زوجها، وهو من كبار وقادة الجيش السوري، بانه على علاقة عاطفية مع احدى الصبايا الجميلات، طالبة طب في الجامعه السورية، ويفكر بالزواج منها، وهذا ما حدث بالفعل فيما بعد. وقد تقربت مني وأعجبت بي، وأصبحت تحرص على مجالستي كلما التقينا في السهرات، وهي تغني للسيدة ام كلثوم، وكانت تخصني بأغنية “أغداً القاك؟”، وتشير بعينيها الي عندما تصل الى مقاطع،…هذا الدنيا سماء أنت فيها القمر، هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر الخ.
عندما سمعت بقصتي مع إدارة مشفى المواساة ووزارة التعليم العالي، وتعنتهم بعدم قبولي طبيبا عاملا هناك، تكلمت بالموضوع مع زوجها، الضابط الكبير وكان يشغل منصباً من أعلى المناصب في إدارة شؤون الضباط، وطلبت منه بالحاح أن يتدخل بالموضوع، فقام باليوم التالي بالإتصال هاتفياً مع المدير الاداري لمشفى المواساة، وقال له: عليك أنت وبقية أساتذة الطب تنفيذ أمري فوراً بتعيين الدكتور جون نسطة وزوجته الألمانية في نصاب طاقم أطباء المشفى وأغلق الهاتف.
بعد يومين ذهبت الى المشفى لمراجعة موضوع طلبي الخطي،فعلم مدير المشفى بوجودي هناك فأوعز لأحد معاونيه أن يقوم فوراً بإعلامي أن المدير يرغب بالحديث معي. ذهبت إلى مكتبه وأنا متوجس من هذه المقابلة، فاذا به يرحب بي ،على غير العادة، قائلا أنا طلبت من الدكتور برهان ومن الدكتور الأستاذ لطفي اللبابيدي أن يجروا معك محادثة، ما يشبه الامتحان، يكتشفوا فيها مقدراتك العلمية.وأنا بدوري سأعد طلباً الى رئاسة الجمهورية بإصدار مرسوم جمهوري بالتعاقد معك لمدة عام كامل، يمكن تمديده كل سنة. وسألني بفضول لماذا كل هذه الوساطات تدعمك، من وزير الصحة إلى كبار الضباط، قلت لا أعرف اسألهم أنت.
أجريت المقابلة مع الأستاذين برهان العابد ولطفي اللبابيدي، حيث وجها لي أسئلة فنية في علوم التخدير والانعاش، وكانا مرتاحين لأجوبتي.
توجهتُ إلى نقابة أطباء دمشق وسجلت نفسي وزوجتي أيضا في عداد أعضاء النقابة.
وزارة الداخلية طلبت من زوجتي أن تتقدم بامتحان باللغة العربية أمام فاحصين إثنين، كانا في غاية اللطف واللباقة والإنسانية، ونجحت طبعاً،لأنّ لغتَها كانت قد تحسنت كثيراً خلال وجودها بحمص.
لم يبقَ وقت طويل حتى بدأنا أنا وزوجتي بالعمل في مشفى المواساة، هي في قسم الأمراض الباطنية، وأنا في قسم التخدير الإنعاش.
كنت أول طبيب شيوعي يسمح له العمل في مشفى المواساة الجامعي، وكنت أول. خريج من دولةٍ اشتراكية أيضاً، باستثناء الدكتور نشأت الحمارنة الأردني الجنسية، الذي كان عضو احتياط في القيادة القومية، والذي تخصص في طب العيون وجراحتها في جمهورية ألمانيا الديموقراطية أيضا، وكانت تربطني به علاقة صداقة منذ ذلك الوقت. وكان رحمه الله كلما سمع مديحاً لي وعن قدراتي العلمية خلال عملي في مشفى المواساة، من بعض الزملاء، يرتاح ويعبر عن سروره، ليثبت للآخرين بان دراسة الطب في ألمانيا على مستوى عال، وفي هذا نوع من الدفاع عن النفس. وكانت زوجتي أيضا أول طبيبة أجنبية تعمل في هذا المشفى. كان راتبي 500 ليرة بالشهر وكذلك راتبها.
ومن المفيد أن أذكر أيضاً أن الدكتور سامي القباني ،جراح القلب، دخل معنا في نفس اليوم وكان راتبه أيضا 500 ليرة لاغير. كان شقيقي لبيب، بعد أن بدأنا العمل مباشرة، استحصل من البنك العقاري في حمص، على قرض بمبلغ عشرة آلاف ليرة سورية، على اسمي، كان بحاجة اليها. وكان علينا أن نسدد شهريأ مبلغ 500 ل.س.
وبهذا يبقى لنا 500 ل.س فقط.
استلمنا في المشفى غرفة واسعة نسبياً، فيها سريرين، وطاولة وعدد من الكراسي، وغرفة حمام واسعة أيضاً. كنت وزوجتي في غاية السعادة والرضى لوصولنا إلى ما وصلنا إليه بعد سنة وسبعة أشهر من المعاناة، والجهود المضنية والتعب.
لقراءة أعداد جريدة المسار اضغط هنا